q
آراء وافكار - دراسات

الانتخاب المباشر لرئيس مجلس الوزراء

وأثره على ترشيد النظام البرلماني

عدم امكانية رئيس مجلس الوزراء من ادارة المجلس وفق مايراه هو، حيث ان حقيقة انتماء كل وزير الى حزب او كتلة سياسية تدعمه وتسند قراراته وان جانبت الصواب وقد تتستر على الاخطاء التي يرتكبها، جعلت من الصعوبة على رئيس مجلس الوزراء ان يقوم بتوجيه الوزراء...
م.د.يمامة محمد حسن كشكول-كلية القانون/الجامعة المستنصرية

 

بحث مقدم الى مؤتمر (الاصلاح التشريعي طريق نحو الحكومة الرشيدة ومكافحة الفساد) الذي اقامته مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام وجامعة الكوفة/كلية القانون 25-26 نيسان 2018

 

المقدمة

تبنى دستور جمهورية العراق لسنة 2005 في المادة الاولى منه بشكل صريح النظام البرلماني كنظام للحكم، وحدد طريقة او آلية تكليف رئيس مجلس الوزراء بشكل مفصل بموجب المادة (76) منه.

وحيث ان رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول الاول عن السياسة العامة للدولة، لذا يفترض ان يملك صلاحية اتخاذ القرار اللازم لإدارة مجلس الوزراء حسب مايرى ليمكن من القيام بمهامه بشكل صحيح باعتباره احد هرمي السلطة التنفيذية، وحيث ان مجلس الوزراء يجب ان يعمل باتجاه واحد باعتباره كتلة منسجمة تسعى لتحقيق هدف او اهداف محددة كما هو الحال في النظم البرلمانية التقليدية.

الا ان واقع الحال في العراق من الاخذ بنظم التمثيل النسبي، والتنوع الاثني والقومي والديني للأفراد، واتجاه العديد من الاحزاب السياسية نحو الفئوية والمناطقية، وتعذر ظهور احزاب عابرة للطوائف والفئات، مما يتعذر وجود اغلبية منسجمة داخل المجلس النيابي، وما انتجه اتباع مبدأ المحاصصة في توزيع الوزارات على الاحزاب والكتل السياسية والمكونات المختلفة، كل هذه الاسباب قد خلقت واقعاً مفاده عدم امكانية رئيس مجلس الوزراء من ادارة المجلس وفق مايراه ويرتأيه هو، حيث ان حقيقة انتماء كل وزير الى حزب او كتلة سياسية معينة تدعمه وتسند قراراته وان جانبت الصواب وقد تتستر على الاخطاء التي يرتكبها، جعلت من الصعوبة على رئيس مجلس الوزراء ان يقوم بتوجيه الوزراء بحسب مايرى لتنفيذ السياسة العامة وان يقوم بمحاسبة هؤلاء عن التقصير الذي قد يصدر منهم كون الجهات السياسية التي ينتمون اليها ستدعمهم وتمنع عنهم المساءلة والمحاسبة بأي شكل من اشكالها، على اساس ان رئيس مجلس الوزراء هو ليس الا مرشح حزب كما كان الوزراء مرشحين من الحزب نفسه او احزاب اخرى.

من هذا المنطلق، سنحاول من خلال البحث اثارة فرضية جديدة او محاولة لطرح رأي قد يساهم في ترشيد النظام البرلماني في العراق، وهو ان يكون انتخاب رئيس مجلس الوزراء مباشرة من قبل الشعب، باعتبار ان هذا المنصب هو منصب محوري في الدولة، واليه ترجع اغلب مفاصل العمل والسياسات العامة في الدولة. لذلك ان انتخابه من قبل الشعب سيمنحه استقلالاً وقوة لمواجهة كافة التيارات والاحزاب في الدولة دون خشية او حرج حيث سيقوي هذا الانتخاب من مركزه القانوني، كما ان الانتخاب الشعبي لرئيس مجلس الوزراء سيمنح المجتمع دوراً في صياغة شكل النظام السياسي وسياسة الدولة العامة من خلال اختيار الشخص المناسب لهذا المنصب.

ان السؤال البحثي لهذا البحث سيكون كالاتي...

كيف سيكون للانتخاب المباشر لرئيس مجلس الوزراء وتعزيز صلاحياته الدستورية الأثر في ترشيد النظام البرلماني في العراق.

حيث سنناقش من خلال هذا السؤال عدة تساؤلات او محاور فرعية هي..

1- ماهي آلية اختيار رئيس مجلس الوزراء في العراق في الوقت الحالي.

2- ماهي مبررات الانتخاب المباشر لرئيس مجلس الوزراء.

3- ماهي آلية الانتخاب المباشر لرئيس مجلس الوزراء.

4- ما هي آثار الانتخاب المباشر على مركز رئيس مجلس الوزراء.

5- ماهي اثار تعزيز صلاحيات رئيس مجلس الوزراء على النظام السياسي.

6- ماهو شكل النظام السياسي في ظل الانتخاب المباشر.

هذه الاسئلة الفرعية سنتناولها في مباحث ومطالب عدة ونحاول من خلالها الوصول الى طريقة لترشيد نظامنا البرلماني واصلاحه من هذا الجانب.

وعلى هذا الاساس سوف نقسم بحثنا هذا الى مبحثين اثنين، نتناول في المبحث الاول اختيار رئيس مجلس الوزراء وفق احكام دستور جمهورية العراق لسنة 2005، اما المبحث الثاني فيكرس لبحث آلية الانتخاب الشعبي المباشر لرئيس مجلس الوزراء وأثره على مركزه.

المبحث الاول
اختيار رئيس مجلس الوزراء وفق احكام دستور جمهورية العراق لسنة 2005

الاصل ان رئيس الدولة في النظم البرلمانية، سواء كان رئيساً للجمهورية، او ملكاً للمملكة هو رئيس السلطة التنفيذية، والقاعدة التي تحكم النظام البرلماني هي عدم مسؤولية الرئيس الاعلى للدولة، وتعود اصول هذه القاعدة الى النظام الانكليزي الذي يقول بمبدأ (ان الملك لايخطئ)، ومن هذا المنطلق ان من لايخطئ فلا مسؤولية عليه، وتختلف نسبة عدم المسؤولية بين ما اذا كانت الدولة ملكية او جمهورية، ففي حين تكون عدم المسؤولية مطلقة بالنسبة للملك، فان رئيس الجمهورية يكون مسؤول عادة عن افعاله الجنائية وبعض اعماله السياسية كالخيانة العظمى وخرق الدستور1.

والحقيقة ان عدم مسؤولية الرئيس لاتعني عدم مسؤولية السلطة التنفيذية بأجمعها، اذ لايمكن ضمان حقوق الافراد وحرياتهم الا اذا كانت السلطة المختصة بتنفيذ القوانين مسؤولة عن اعمالها وقراراتها، ولذلك فان المسؤولية انتقلت من الرئيس الاعلى الى رئيس الوزراء والوزراء 2، وذلك لانتقال الصلاحيات التنفيذية اليهم، حيث ان الرئيس في الدول البرلمانية لايمارس اختصاصاته الا من خلال الوزراء، ومما ادى الى عدم مسؤوليته باعتبار ان الاخيرة تدور وجوداً وعدماً مع الصلاحية 3.

وسنعرض في هذا المبحث آلية اختيار رئيس مجلس الوزراء في ظل دستورنا الحالي، ومن ثم نناقش أثر هذه الالية او الطريقة على منصب رئيس مجلس الوزراء.

المطلب الاول
آلية اختيار رئيس مجلس الوزراء بموجب احكام دستور جمهورية العراق لسنة 2005

لم يخرج دستور جمهورية العراق لسنة 2005 عن السياق المعتاد حين اقر النظام البرلماني كنظام سياسي له بموجب المادة الاولى منه، حيث رسم طريقة اختيار رئيس مجلس الوزراء ضمن الاطار اعلاه، اذ قررت المادة (76) منه ان على رئيس الجمهورية بعد انتخابه4، وخلال مدة لاتتجاوز خمسة عشر يوماً، ان يقوم بتكليف مرشح الكتلة النيابية الاكبر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، حيث يقوم الاخير بتسمية اعضاء وزارته وذلك خلال مدة لاتتجاوز بثلاثون يوماً من تاريخ التكليف 5.

وفي حالة اذا ما اخفق رئيس مجلس الوزراء المكلف بتشكيل الوزارة خلال المدة المحددة دستورياً، يصار الى ان يكلف رئيس الجمهورية مرشحاً اخر لرئاسة الوزراء وتشكيل مجلسه خلال نفس المدة المذكورة اعلاه6.

وبعد ان يستكمل المرشح تشكيل الوزارة، سواء في المرة الاولى او الثانية، يصار الى عرضها على مجلس النواب، حيث يتم طرح اسماء الوزراء والمنهج الوزاري، ويتم التصويت على الوزراء بشكل منفرد، فالمنهاج الوزاري، اذ تعد الوزارة حائزة على ثقة المجلس عند الموافقة على كل منهم بالاغلبية المطلقة 7.

اما ان لم تحز الوزارة على الثقة بالاغلبية المطلوبة، حينها يصار الى ان يكلف رئيس الجمهورية لمرة اخرى مرشحاً جديداً لتشكيل الوزارة خلال مدة خمسة عشر يوماً من تاريخ عدم نيل الثقة 8.

هذا مافصله الدستور من الاجراءات الخاصة باختيار رئيس مجلس الوزراء، اما النظام الداخلي لمجلس النواب، فقد حدد في المادة (49) منه اجراءات منح الثقة للوزارات ومتابعة برامج الوزارات، حيث لم تخرج اجراءاته عن تلك التي رسمها الدستور، لكنها بينت ان المنهاج الوزاري الذي يقدمه رئيس مجلس الوزراء مع اسماء وزراءه المرشحين لنيل الثقة من مجلس النواب، يحال الى لجنة خاصة يرأسها احد نائبي رئيس المجلس لإعداد تقرير يقدم الى المجلس قبل طرحه مع الكابينة الوزارية للتصويت عليه 9.

وهكذا يسمى مرشح الكتلة البرلمانية الاكثر عدداً رئيساً لمجلس الوزراء بعد ان ينال ثقة البرلمان لوزرائه وللمنهاج الوزاري الذي يقدمه، والحقيقة ان هذه الاجراءات التي سبق تناولها ترتبط ارتباطاً وثيقاً باختيار رئيس مجلس الوزراء، لانه اذا لم يحصل الوزراء الذين يختارهم مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً او المنهج الوزاري الذي يقدمه على ثقة مجلس النواب فان ذلك يستتبعه عدم اختياره هو شخصياً كرئيس للمجلس، فاختياره وانتخابه مرتبط باختيارهم والموافقة عليهم، ولايفوتنا الاشارة في هذا المقام ان سلطة رئيس مجلس الوزراء في اختياره لوزرائه تكون مقيدة بالأوضاع الخاصة بالحزب الذي ينتمي اليه، اي حزب الاغلبية، او بترتيب العلاقات مع الحزب او الاحزاب المتألفة في حال لم يحصل حزب معين على الاغلبية التي تؤهله لتشكيل الحكومة10.

بقي هنا ان نطرح السؤال حول مدى التزام رئيس الجمهورية بتكليف مرشح الكتلة النيابية الاكبر عدداً، هل هو ملزم بتكليف المرشح نفسه ام ان له حرية الرفض والطلب من الكتلة النيابية تقديم مرشح آخر؟؟

الحقيقة ان نص المادة (76) من الدستور يظهر وجوب التزام رئيس الجمهورية بتكليف المرشح الذي تقدمه الكتلة النيابية الاكبر عدداً، لكن الواقع السياسي يظهر لنا حصول حالات رفض فعلية من رئيس الجمهورية لتكليف المرشح واستبداله بمرشح اخر في عامي (2006، 2014)، وهذا يظهر حرية رفض او قبول التكليف من قبل الرئيس، اذ رفض رئيس الجمهورية السيد (جلال طالباني) تكليف مرشح الائتلاف العراقي الموحد السيد(ابراهيم الجعفري) عام 2006، واستبدل بالسيد (نوري المالكي)، اما في عام 2014 فقد رفض رئيس الجمهورية السيد (فؤاد معصوم) تكليف مرشح التحالف الوطني السيد (نوري المالكي) واستبدل بالسيد (حيدر العبادي) 11، وهذا يؤشر لنا جلياً بامكانية حصول حالات رفض مماثلة في المستقبل.

المطلب الثاني
أثر اختيار رئيس مجلس الوزراء على ممارسة صلاحياته الدستورية

الاصل في النظام النيابي ان رئيس مجلس الوزراء، او مايسمى بالوزير الاول 12، هو رأس الحكومة وقائدها ويتمتع بمركز يفوق بالأهمية مركز بقية الوزراء، فهو من يختارهم ويدعوهم للاجتماع ويترأس اجتماعاتهم، وبذلك فكل اجتماع يعقده الوزراء دون موافقة رئيسهم يعد غير قانوني مما يستتبع بطلان القرارات التي تتخذ فيه وانعدام قيمتها القانونية، فضلاً عن ان سحب الثقة من قبل مجلس النواب لرئيس مجلس الوزراء يستتبعه سحب الثقة من الوزارة وسقوطها بأكملها 13.

وعند العودة الى الواقع العراقي، فان حقيقة كون رئيس مجلس الوزراء هو ليس الا مرشح قدمته الكتلة البرلمانية الاكبر عدداً، والتي هي عبارة عن ائتلاف مجموعة من الاحزاب الفائزة في الانتخابات، فضلاً عن ان النظام الانتخابي المتبع في العراق وهو نظام التمثيل النسبي الذي ينتج احزاب صغيرة في المجلس النيابي، مما يتعذر معه وجود حزب واحد يقوم بتشكيل الحكومة لوحدة، وهذا يرغم الاحزاب الى اللجوء للتحالف معاً لتشكيل كتلة نيابية قادرة على تسمية مرشح لرئاسة مجلس الوزراء وفق النص الدستوري، كما ان حقيقة ان كل وزير في مجلس الوزراء هو مرشح عن حزب معين، والذي سيكون داعماً للوزير وواقفاً بصفه في كل اعماله وان كانت مخالفة للصواب، يجعل رئيس مجلس الوزراء في موقع يصعب معه الانفراد بقراراته وفرضها على وزراءه، وبالتالي فان المجلس لن يكون كتلة واحدة تسير بأمرة قائدها وواضع السياسة العامة للبلد، هذا سيؤدي الى تعذر ممارسة رئيس مجلس الوزراء لاختصاصاته بصورة فعلية وناجعة، فضلاً عن خضوعه للمساومات السياسية الناتجة عن تشكيل الائتلاف الحكومي، ستحتم عليه تأمين رغبات شركاءه، والا فانه سيجد صعوبة في استمرار عمل وزارته، في ظل غياب واضح لبرنامج حكومي فعال يتم تطبيقه على ارض الواقع، اضافة الى ان وجوده سيكون مشوباً بخطر التهديد بسحب الثقة منه ان هو تصرف بصورة تثير حفيظة الاحزاب المؤثرة في المجلس، فدور الاحزاب يعتبر مؤثراً على ثبات وتوازن واستقرار الحكومة البرلمانية14.

فرئيس مجلس الوزراء سيقف هنا على قدم المساواة مع وزراءه، اذ ان لكلٍ منهم حزب يدعمه ويؤمن له الحماية، فكيف سيكون للرئيس اليد الطولى عليهم بما يمنحه حق اتخاذ القرارات واجبة التطبيق من قبلهم ومحاسبتهم ان اخطأوا، لا بل قد تتعمد الكتلة النيابية الاكبر عدداً ان تقدم مرشحاً ضعيفاً غير قادر على القيام بالمهام الجسام التي تلقى على عاتق من يتولى هذا المنصب المهم، كي يتمكن الوزراء وهم واجهات لأحزابهم التي ينتمون اليها من التصرف بما يتلائم مع توجهات احزابهم دون مراعاة لوجوب انسجام الكابينة الوزارية، فقد يكون الحزب الذي ينتمي اليه الوزير اقوى من الحزب الذي ينتمي اليه رئيس مجلس الوزراء، وهذا الامر له تأثير وميزان مؤثر في العمل التنفيذي. فضلاً عن انه لايملك حق اقالة وزراءه في حال ثبوت مقصريتهم، وانما قد الزمت المادة (78) من الدستور عليه الحصول على موافقة مجلس النواب على الاقالة لتكون سارية بحق الوزير المقال، والحصول على موافقة مجلس النواب بهذا الصدد تشوبها بعض الصعوبة، كون الاعتبارات السياسية لا القانونية هي التي ستؤثر في تكوين الاغلبية البرلمانية بشأن الموافقة على الاقالة من عدمها.

كل هذه الاسباب وغيرها مما لايتسنى لنا الخوض فيه في هذا المقام، كانت باعتقادنا مبررات تدعونا الى المناداة بتغيير طريقة انتخاب رئيس مجلس الوزراء، وتحويله من شخص مرشح من قبل الكتل النيابية الاكبر، الى ان يتم انتخابه من قبل الشعب مباشرة بعد ان يقدم اكثر من شخص على الترشيح، وتبقى الكلمة الاخيرة للشعب، فهو من يقرر من هو الاصلح لشغل هذا المنصب بناء على قناعاته ورؤيته الخاصة لأعمال المرشح وتاريخه السياسي والبرنامج الانتخابي الذي يقدمه.

ان الانتخاب الشعبي لرئيس مجلس الوزراء سينشأ وضعاً مختلفاً بالنسبة له ويمنحه ارادة ومركزاً اقوى تجاه وزراءه من جهة ومجلس النواب من جهة اخرى، مما يتمكن من خلالها من العمل بصورة افضل وكما سنرى في المبحث التالي.

المبحث الثاني
آلية الانتخاب المباشر لرئيس مجلس الوزراء وأثرها على مركزه

سبق وان بينا ان نظام التمثيل النسبي المعتمد في العراق، واعتماد الافراد، لحداثة التجربة الانتخابية، على الاسس العشائرية والمناطقية والطائفية والفئوية في اختيارهم لممثليهم في مجلس النواب، ادى الى تعدد الاحزاب داخل المجلس بما انعكس على حجم تمثيلها، مما جعل من الصعوبة لحزب واحد ان يشكل الاغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة، فتتجه الاحزاب الى الائتلاف مع بعضها لتشكيل اغلبية كافية، وهذا يجعل رئيس مجلس الوزراء الذي ترشحه هذه الاغلبية الائتلافية والذي ينتمي لاحد الاحزاب في موقع ضعيف امام الاحزاب الاخرى، فهو ملزم باختيار الاسماء التي ترشحها الاحزاب، ومن منطلق الحكومات الائتلافية والسعي لتحقيق شراكة وطنية واسعة هو ملزم ايضاً باختيار وزراء من اغلب الاحزاب الموجودة في مجلس النواب، لذلك فهو ليس له اي تمييز عن الوزراء الموجودين في المجلس باعتباره رئيساً للمجلس، مما يجعل مركزه القانوني ضعيف واقعياً نسبة الى مايملكه من صلاحيات.

ونرى هنا ان طريقة اختيار رئيس مجلس الوزراء لها الاثر المباشر في ضعف مركزه امام وزراءه، اذ ان حقيقة كونه هو والوزراء لهم احزاب تدعم كل منهم، مع عدم وجود نصوص دستورية تعزز من مركزه، يجعلهم بشكل او باخر متساوون في المراكز القانونية، وهذا ماسبق الاشارة اليه في موضع سابق من هذا البحث.

والحل البديل فيما نرى ان يصار الى الاعتماد على الانتخاب المباشر من قبل الشعب لرئيس الوزراء، عندها سيستمد الرئيس شرعيته من ارادة الشعب، ويستمد قوته في التصرف من الارادة الشعبية التي اوصلته الى هذا المركز، وبالتأكيد فان اعتماد طريقة الانتخاب الشعبي سيتبعه تغيير في صلاحياته بما يتلائم ومركزه القانوني في ظل هذا النوع من الانتخاب، وهذا هو الهدف الذي نقصده من وراء تغيير نظام اختيار رئيس مجلس الوزراء، وهو تعزيز مركزه تجاه الاطراف الاخرى.

المطلب الاول
آلية الانتخاب الشعبي المباشر لرئيس مجلس الوزراء

سنطرح في هذا المقام رؤية خاصة بنا لنظام انتخاب شعبي مباشر لرئيس مجلس الوزراء، فبموجب هذه الرؤية فان رئيس الوزراء لن يتم تحديده من قبل الكتلة النيابية الاكبر عدداً، ولن ينتظر الشعب لاسابيع او ربما اكثر في شك وجهل حتى يعرف من هو رئيس مجلس وزراءه للدورة النيابية القادمة، الذي قد يكون مرشح عن حزب ضعيف وهزيل ولم يكسب غير مقاعد محدودة في المجلس النيابي، لكن بسبب دخول هذا الحزب في ائتلاف مع عدد آخر من الاحزاب السياسية التي وصلت الى البرلمان وضمتهم كتلة نيابية واحدة، اصبحت هي الكتلة النيابية الاكبر عدداً15، كان له الحق، وفق الدستور وبناء على اتفاقات وموازنات سياسية تحددها الاحزاب السياسية الفائزة، بتقديم مرشح من حزبه.

وبذلك فان مرشح رئاسة مجلس الوزراء لن يكون مرشحاً عن الحزب الذي حصل على اصوات انتخابية عالية، لكنها لم ترقى الى ان تكون الاكثر عدداً في مجلس النواب،بمعنى ان رئيس مجلس الوزراء لن يمثل الانعكاس الحقيقي لرغبة الشعب، بقدر ماهو انعكاس لارادة التوافقات الحزبية، فالشعب ينتخب المجلس النيابي الذي تنبثق من اغلبيته رئيس الجمهورية و الحكومة ورئيسها، حينها سيكون الشعب قد انتخب الحكومة بشكل غير مباشر، لكن التحالفات السياسية التي تحصل بعد الانتخابات يمكن ان تأخذ ابعاداً اخرى وتنتج نتائج بعيدة عن الارادة الشعبية، وبذلك تهدر القيمة القانونية لهذه الارادة.

ان اسلوب الانتخاب المباشر لرئاسة الوزراء سيؤدي الى الزام الائتلافات والاحزاب السياسية بطرح اسم مرشحها للمنصب قبل فترة مناسبة والاتفاق عليه وبالتالي سيؤدي الى تجاوز حالات وجود اكثر من مرشح لكل كيان سياسي، ذلك ان السعي للحصول على المنصب سيؤدي الى اتفاقات حزبية مسبقة على دعم مرشح دون آخر وبالتالي فان هذا سيؤدي الى تشكيل ائتلافات انتخابية اكبر، كما ينبغي منع الائتلافات والاحزاب المنضوية في ظلها من طرح اكثر من مرشح واحد عن كل الائتلاف انتخابي سعياً لضمان جدية الترشيح بالإضافة الى الزام المرشحين غير المنتمين لحزب او ائتلاف انتخابي في الحصول على حد معين من تأييدات الترشيح من اعضاء مجلس النواب او الناخبين لضمان جدية ترشحهم للمنصب.

كما انه من فضائل تطبيق الانتخاب الشعبي المباشر ان تحديد شخصية رئيس مجلس الوزراء ستحسم مباشرة من قبل الشعب، اذ يتزامن انتخابه مع الانتخابات النيابية وفي الوقت ذاته، حينها سيقوم الناخب باختيار مرشحه لمجلس النواب ومرشحه لرئاسة مجلس الوزراء كل في ورقة منفصلة.

وبعد اعلان النتائج الانتخابية، نكون قد حصلنا على مجلس نيابي ورئيس مجلس وزراء في وقت واحد، لكن في حالة ما اذا لم يحصل احد المرشحين لرئاسة مجلس الوزراء على الاغلبية المطلوبة، وهي الاغلبية البسيطة 16، حينها يصار الى جولة ثانية، حيث يتوجه الناخب مرة اخرى الى صناديق الاقتراع لاختيار واحد من اعلى مرشحين ممن حصلوا على اعلى الاصوات في المرة الاولى، حتى نصل الى انتخاب شخص يحصل على اغلبية اصوات الشعب هو من سيتولى منصب رئيس المجلس، وبذلك سيكون معلوماً من الشعب من سيشكل الوزارة، وماهي السياسة التي سيتبعها في ادارة الحكومة في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

والحقيقة ان انتخاب رئيس مجلس الوزراء بهذه الطريقة يحتاج ان يسبقها حملات تثقيفية للشعب، تبين لهم اهمية الاختيار الدقيق وتحري الشخص المناسب، لان هذا المركز بما يتضمنه من مهام واختصاصات يلعب دوراً بالغ الاهمية في الدولة، فاختيار الشعب سيترتب عليه نتائج قد تكون اكثر اهمية من اختيار المجلس النيابي.

لذلك يجب ان تكون الحملات الانتخابية للمرشحين لشغل منصب رئاسة مجلس الوزراء واضحة وشفافة ومفصلة، حيث يقدمون برنامجاً انتخابياً واضحاً ومدعماً بالاحصائيات والارقام حول رؤيتهم للقيام بالدولة ورفع شأنها في مختلف المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية، فضلاً عن علاقات الدولة بدول الجوار ودول المجتمع الدولي، كل هذا يكون عن طريق خطوات محددة بشكل واضح وبعيدة عن الشعارات الانتخابية الفضفاضة التي لاتؤسس لأي خطوات حقيقية على ارض الواقع.

وهذا الامر ليس بالمستحيل او شديد الصعوبة بالنسبة لمن يريد الترشح لمنصب رئيس مجلس الوزراء، اذ يفترض ان من يقدم على هذه الخطوة، ان يكون قد عمل في المجال السياسي والتنفيذي لوقت كافٍ، فرئيس مجلس الوزراء يجب ان يكون ذو خبرة طويلة حتى يصل الى تبوء هذا المنصب والقيام بمهامه على افضل وجه ممكن.

وفي هذا السياق، وعلى اساس ضرورة توفر الخبرة الكافية لدى رئيس مجلس الوزراء في المجالين السياسي والتنفيذي او الاداري، نرى ان نص المادة (77) من الدستور كان غير موفقاً في تحديده لتمام سن الخامسة والثلاثين كشرط العمر لمن يشغل هذا المنصب، وان كان هذا السن هو الحد الادنى، لكن تحديده بموجب الدستور خلق التزاماً دستورياً بالاخذ به، وهذا العمر لايكون صاحبه قد اكتسب مقداراً كافياً من الخبرة التي تؤهله لمسك زمام البلد باعتبار رئيس الوزراء هو الرئيس الفعلي للبلاد في ظل النظام البرلماني وعلى كاهله تقع المهام الجسام، وهذا المنصب هو اهم من منصب رئيس الجمهورية الذي يعد منصباً تشريفياً لكنه حدد بسن الاربعون، لذلك نرى ان يرفع شرط السن لرئيس الوزراء ومساواته مع سن رئيس الجمهورية في اقل تقدير.

المطلب الثاني
أثر الانتخاب الشعبي المباشر على مركز رئيس مجلس الوزراء

ان الارادة الشعبية التي منحت للفائز بمنصب رئيس مجلس الوزراء الثقة لتقلد هذا المنصب لجديرة وتستحق ان تغير وتعزز من مركزه القانوني، فليس من المنطق ان تكون صلاحيات رئيس مجلس الوزراء محدودة في ظل انتخابه من قبل الشعب وكون وجوده يستند الى ارادتهم المباشرة فهذا سيمنحه قوة ومكانة امام حزبه والاحزاب الاخرى التي ينتمي لها الوزراء الاخرين.

لذلك سنناقش امكانية تعزيز مركز رئيس مجلس الوزراء من خلال الانتخاب الشعبي المباشر له من خلال فرعين، الاول نناقش فيه تعزيز صلاحياته تجاه وزراءه، والثاني نناقش فيه علاقته بالمجلس النيابي.

الفرع الاول
صلاحيات رئيس مجلس الوزراء تجاه وزراءه

تستوجب المسؤولية الملقاة على عاتق رئيس مجلس الوزراء كونه المسؤول التنفيذي المباشر عن سياسة الدولة العامة، والمكلف بإدارة مجلس الوزراء 17، ان يملك الصلاحيات اللازمة للقيام بهذه المهام تجاه وزراءه، لكن نص المادة (78) من الدستور لم تمنحه الصلاحيات الكافية فيما يخص علاقته بمجلس الوزراء مقابل ما الزمته من مهام، فقد منحته صلاحيات محدودة، قصرتها على ما يأتي...

1- القيام بإدارة مجلس الوزراء.

2- ترأس جلسات مجلس الوزراء.

3- اقالة الوزراء وذلك من خلال التوصية بإقالتهم الى مجلس النواب.

والحقيقة ان عمل رئيس مجلس الوزراء في هذا النطاق يوازي عمل اي وزير من وزراءه، فإدارة المجلس وترأس جلساته هو من باب الامور التنظيمية ليس الا، اما في وقت اتخاذ القرار فان رئيس مجلس الوزراء له صوت واحد مثله كمثل اي وزير عادي، وليس له امتياز سوى مانصت عليه المادة (7 /اولاً) من النظام الداخلي لمجلس الوزراء لسنة 2014، من ترجيح الجانب الذي يصوت معه رئيس مجلس الوزراء عند تساوي الاصوات في التصويت لاتخاذ قرار معين.

فضلاً عن ذلك فقد منح النظام الداخلي للمجلس رئيسه الحق في التوصية لمجلس النواب لاعتبار الوزير مستقيلاً في حالة اذا ما علق عمله في الحكومة او اعلن تعليق حضوره لاجتماعات المجلس، او امتناعه عمداً ودون عذر عن حضور الاجتماعات لثلاث جلسات متتالية 18.

ان ربط المشرع العراقي لإرادة رئيس مجلس الوزراء بإرادة مجلس النواب هو أمر محل نظر، فمن الوارد ان لاتتطابق الارادتين على القيام بالتصرف واحداث الاثر القانوني نفسه، فضلاً عن ان الواقع السياسي لم يشهد لأي حالة منذ تأسيس اول حكومة في ظل الدستور العرافي لسنة 2005، قام رئيس مجلس الوزراء فيها بالطلب من مجلس النواب لإقالة وزير معين لأي سبب كان، على الرغم من حصول حالات عديدة لتعليق وزراء لعضويتهم في مجلس الوزراء وامتناعهم عن حضور جلسات المجلس احتجاجاً على تصرفات قامت بها الحكومة19.

اذ ان من الوارد ان يقوم الحزب او الكتلة التي ينتمي اليها الوزير بالدفاع عنه ورفض اقالته اذا طالب رئيس مجلس الوزراء بذلك لعدم كفاءته او تقصيره في اداء عمله او تقاعسه عنه. حينها لن يكون بيد رئيس مجلس الوزراء ان يتمسك بطلبه بالاقالة لان الاخيرة تتطلب اقتران موافقة مجلس النواب برغبة منه، وذلك لعدة اسباب منها تأثير الحزب الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء على اعماله وقراراته التي يقررها، كونه ملتزم بشكل او باخر في بعض تصرفاته بإرادة حزبه وبالاتفاقات والموازنات السياسية التي تربط حزبه مع الاحزاب الاخرى في الحكومة ومجلس النواب.

ومن باب المنطق يحق لنا ان نتساءل كيف يتسنى لرئيس مجلس الوزراء ان يعمل مع وزراء لم يكن له ابتداءاً حرية اختيارهم، وليس له الحق في اقالتهم في حال عدم قيامهم بأعمالهم والواجبات الموكلة لهم كما يجب وبمستوى عالي او مقبول على الاقل من النزاهة والمصداقية.

اضافة الى ذلك فان النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي قد منح الحق لنوابه بالقيام بزيارات ميدانية تفقدية للوزارات للاطلاع على واقع الحال بها، ومراقبة مدى حسن سير العمل فيها واعطاء االتوجيهات اللازمة 20، وهذا حسب مانرى خرق لمبادئ النظام البرلماني الذي حصر رقابة السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية بالوزراء وادائهم حصراً دون ان ينزل بمستوى الرقابة الى واقع حال العمل الاداري في الوزارات والتي هي بموجب الدستور تحت اشراف ورقابة مجلس الوزراء21.

اما في حالة ما اذا كان رئيس مجلس الوزراء منتخباً من قبل الشعب ولايخضع لإرادة حزب معين سواء في داخل مجلس النواب او الحكومة، حينها سيكون اقوى في تصرفاته، واكثر استقلالية في قراراته، فضلاً عن ان الانتخاب الشعبي المباشر يستوجب ان يمنح رئيس مجلس الوزراء صلاحيات اكبر في اختيار وزراء حكومته دون تقيد او التزام بالأحزاب الموجودة في البرلمان.

فرئيس مجلس الوزراء حر في اختيار الوزراء، وغير ملتزم باختيار المرشحين الذين تقدمهم الاحزاب ان لم يقتنع بهم كأشخاص ككفاءات قادرة على القيام بمهام الوزارات المرشحين لها، لكنه من جانب اخر، ملزم باختيار عناصر كفوءة وتحقيق مستوى اداء وزاري ناجح.

كما ان انتخاب رئيس مجلس الوزراء المباشر، يستوجب منحه الحق في صلاحيات اكبر في محاسبة الوزراء عن تصرفاتهم واقالتهم ان لزم الامر، فهو عندما يمنح صلاحيات اوسع مما هي عليه الان، فان ذلك يقوي مركزه تجاه وزراءه وهذا ينتج مستوى اداء افضل للحكومة بشكل عام، حيث سيكون الوزير مشمولاً امام البرلمان وامام رئيس مجلس الوزراء بما يعزز اداءه التنفيذي، ويوجد نوع من التوازن بين الحالتين بما يساهم في وحدة الفريق الحكومي.

الفرع الثاني
علاقة رئيس مجلس الوزراء بالمجلس النيابي

تحكم السلطتين التنفيذية والتشريعية في النظام البرلماني علاقة التعاون والتوازن، ويقصد بالأخيرة وجود اساليب رقابية متبادلة تعتبر كالسلاح المشهر بين السلطتين اعلاه، فللسلطة التشريعية الحق في مراقبة السلطة التنفيذية ومحاسبتها الى حد امكانية سحب الثقة التي سبق وان منحتها لها، وبالمقابل فان للسلطة التنفيذية الحق في حل البرلمان بعد تقديم طلب من رئيس الوزراء الى رئيس الدولة22.

هذا في حال ما اذا كان رئيس الوزراء قد تم ترشيحه من قبل الاغلبية البرلمانية، لكن في حال اذا ما كان رئيس مجلس الوزراء منتخباً بشكل مباشر من قبل الشعب، فهنا لا يمكن اتباع مبدأ القياس في الاساليب الرقابية التي تملكها السلطة التشريعية تجاهه، فرئيس مجلس الوزراء الذي تبوء هذا المنصب بإرادة شعبية مباشرة، لايمكن انتزاع هذا المنصب منه الا لأسباب خطيرة، وبتأييد شعبي يماثل ذلك الذي جاء به الى السلطة، فرغم ان السلطة التشريعية تعد بالفعل ممثلة للشعب، الا ان خيار محاسبة رئيس الوزراء وسحب الثقة عنه يجب ان يعامل بطريقة دقيقة تراعى فيها محاذير عدة منها حذر اهدار القيمة القانونية للإرادة الشعبية التي اوصلته الى السلطة.

لذلك يفترض ان يعزز الانتخاب الشعبي من مركز رئيس مجلس الوزراء تجاه مجلس النواب، ومن الوسائل التي يجب اعتمادها لغرض تعزيز مركزه هو اشتراط اقرار اغلبية موصوفة في حال التصويت على سحب الثقة عنه ويفضل ان لاتقل عن ثلثي اعضاء مجلس النواب ومجلس الاتحاد في حال تشكيله، مع استبعاد صلاحية رئيس الجهورية في طلب سحب الثقة عن رئيس مجلس الوزراء وقصره على المجلس التشريعي، وكذلك احاطة مسألة التصويت على سحب الثقة منه بضمانات تمنع الافراط في اللجوء اليه بان يتطلب ما يأتي..

اولاً/ ان يكون تقديم طلب الاستجواب ابتداءاً من عدد كبير من اعضاء مجلس النواب، فلا يقل عن خمس اعضاءه، وذلك لسبب واحد وهو اخلاله الجسيم بمهام عمله.

ثانياً/ مضي مدة زمنية لاتقل عن اسبوع بين تاريخ الطلب والجلسة المحددة للاستجواب، وكذلك بين المناقشة في موضوع الاستجواب وطرح الثقة من قبل اعضاء المجلسين.

ثالثاً / يتم الاستجواب في جلسة مشتركة من مجلسي النواب والاتحاد (في حال تشكيله)، وبعد استكمال الاستجواب، ان ذهب اعضاء مجلس النواب الى طرح مسألة سحب الثقة، فيجب ان يتم ذلك بموجب طلب موقع من ضعف عدد طالبي الاستجواب يضاف اليها طلب من خمس اعضاء مجلس الاتحاد، ويتحقق سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء بأغلبية ثلثي اعضاء كلاً من المجلسين.

ان رئيس مجلس الوزراء الذي منحه الشعب الثقة في تولي هذا المنصب الخطير في الدولة، فلايجوز سحب هذه الثقة منه الا لسبب جسيم ومهم وباتفاق اغلبية كبيرة من ممثلي الشعب، وبهذا يتم سحب الثقة من الوزارة اجمعها وتتحول الى حكومة تصريف اعمال لحين اجراء انتخابات جديدة لانتخاب رئيس مجلس وزراء ومجلس نواب جديد، حيث يجب حل مجلس النواب في حال عدم تجاوز حد الاغلبية المطلقة لعدد اعضاءها في التصويت على سحب الثقة.

وبهذا فان وجوب تحقق تصويت اغلبية عالية من اعضاء مجلس النواب لغرض سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، وتحديد سبب سحب الثقة بالاخلال الجسيم بمهام عمله سيقوي مركزه تجاه مجلس النواب ويمنحه القوة في التصرف دون الخوف من ملاحقة السلطة التشريعية.

المطلب الثالث
أثر تعزيز مركز رئيس مجلس الوزراء على النظام السياسي

ان تطبيق نظام الانتخاب المباشر لرئيس مجلس الوزراء وما يلحق ذلك من تأثير على مركزه القانوني، حيث يؤدي الى تعزيز مركزه تجاه السلطات الاخرى، سوف يؤدي الى تقوية السلطة التنفيذية بين السلطات الاخرى، فالحقيقة التي ننادي بها دائماً ان وجود قوانين عادلة وذات صياغة جيدة لايكفي، وانما المهم ان يتم تطبيق القوانين بصورة صحيحة، فانتهاكات حقوق وحريات الافراد يتم في اغلب الاوقات من قبل السلطة التنفيذية رغم وجود نصوص تشريعية جيدة ومنصفة، ففي الواقع ان دور السلطة التنفيذية في الدولة لايقل اهمية عن دور نظيرتها التشريعية.

لذا فنحن نسعى لتأسيس نظام سياسي يقوم على اساس الانتخاب الشعبي المباشر لرئيس مجلس الوزراء، ووجود سلطة تنفيذية قوية يملك رئيس وزراءها صلاحيات فعلية تجاه وزراءه، ويملك حق اختيارهم ومحاسبتهم واقالتهم، مع ضرورة تحمله تبعة ومسؤولية اعماله امام الشعب والقضاء المختص وامام السلطة التشريعية في حال اخلاله الجسيم بهام عمله الموكلة اليه، فعندما يملك رئيس مجلس الوزراء هذه السلطات الفعلية، يكون قادراً على اتخاذ القرارات التي يرغب هو باتخاذها دون تأثير او ضغط من احزاب او كتل حزبية، ودون فرض لإرادات خارجية تؤثر عليه وتعرقل اتخاذ قرارات معينة او تمنع تنفيذها بعد اتخاذها.

كل هذا سيؤدي الى التأثير على النظام السياسي، فيخرج من نطاق النظام البرلماني التقليدي ليصبح نظاماً برلمانياً متطوراً، ويكون نظاماً اكثر رشداً وملائمة مع الرغبة في اعطاء السلطة التنفيذية نوعاً من القدرة على ان تحقق برنامجها المرسوم، وان تعمل على تحقيقه دون عرقلة او مزاحمة.

الخــاتمـة

بعد ان اتمننا بحثنا هذا، نورد في خاتمته ما توصلنا اليه من استنتاجات وتوصيات...

اولاً/ الاستنتاجات...

1- ان الدستور العراقي قد اخذ بالنظام البرلماني، لكنه جانب هذا النظام في بعض مظاهره، مما ادى الى ظهور مشاكل عديدة في تطبيقه، شأنه في ذلك شأن الكثير من المواضيع المحورية التي عالجها الدستور بطريقة لم تكن موفقة بأي حال من الاحوال.

2- ان تقييد صلاحيات رئيس مجلس الوزراء في امور عديدة هي من صلب اختصاصه والتي يفترض به ان يملك مطلق الصلاحية ازاءها، قد اضعفت من مركز السلطة التنفيذية ازاء بقية السلطات والاحزاب.

3- من المعروف ان الدستور هو نتيجة الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للبلد، وبذلك فان بالامكان تعديل الدستور وتطوير النظام السياسي الذي يعتمده الدستور لغرض تحسين مستوى اداء السلطات وضمان عملها بشكل افضل.

4- ان الانتخاب المباشر لرئيس مجلس الوزراء سيمنحه قوة ومكانة افضل تجاه الاقطاب الاخرى، وبذلك فهو يتمكن من التحرك في المحيط السياسي بشكل افضل والاتيان بنتائج اعلى على المستوى السياسي والاداري او التنفيذي.

5- الانتخاب الشعبي المباشر سيمنح الشعب دوراً في صياغة النظام السياسي للبلد، وبذلك سيبلور الفكر السياسي لديهم ويحملهم مسؤولية اكبر في توخي الحذر والتحري الدقيق للشخص المناسب لهذا المنصب.

ثانياً/ التوصيات...

1- تعديل المادة (76) من الدستور العراقي بما يناسب الاخذ بنظام انتخاب رئيس مجلس الوزراء من قبل الشعب مباشرة، دون اللجوء الى مجلس النواب.

2- منح رئيس مجلس الوزراء صلاحية محاسبة وزراءه واقالتهم في حال تقصيرهم في اداء واجباتهم، اي انهم سيكونون مسؤولين امام رئيس الوزراء من جهة، وامام مجلس النواب من جهة اخرى.

3- عدم امكانية سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء الا لسبب واحد هو اخلاله الجسيم بمهام عمله وباليات وضمانات محددة تكفل عدم المساس بمنصبه الا لأسباب جدية ومهمة، حيث يكون تقديم طلب الاستجواب ابتداءاً من عدد كبير من اعضاء مجلس النواب، فلا يقل عن خمس اعضاءه، فضلاً عن مضي مدة زمنية لاتقل عن اسبوع بين تاريخ الطلب والجلسة المحددة للاستجواب، وكذلك مرور نفس المدة الزمنية بين المناقشة في موضوع الاستجواب وطرح الثقة من قبل اعضاء المجلسين. ويتم الاستجواب في جلسة مشتركة من مجلسي النواب والاتحاد (في حال تشكيله)، وبعد استكمال الاستجواب، ان ذهب اعضاء مجلس النواب الى طرح مسألة سحب الثقة، فيجب ان يتم ذلك بموجب طلب موقع من ضعف عدد طالبي الاستجواب يضاف اليها طلب من خمس اعضاء مجلس الاتحاد، ويتحقق سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء باغلبية ثلثي اعضاء كلاً من المجلسين.

...................................
الهوامش...
[1] د.مصطفى كامل، شرح القانون الدستوري، 1948، ص235.
2د. شمران حمادي، النظم السياسية، ط4، مطبعة الارشاد، بغداد، 1975، ص246.
3 د.مصطفى كامل، المصدر السابق، ص248.
4 قررت المادة (70) من الدستور طريقة انتخاب رئيس الجمهورية، اذ يتم انتخابه من قبل مجلس النواب من بين عدد من المرشحين المقدمين امامه، وذلك بأغلبية ثلثي عدد اعضائه، اما اذا لم يحصل اي من المرشحين المعروضين على الاغلبية المطلوبة، حينها يصار الى التنافس بين المرشحين الذين حصلوا على اعلى الاصوات، ومن يحصل على اكثرية الاصوات في المحاولة الثانية للاقتراع سيعلن رئيساً للجمهورية.
5 المادة (76/اولاً، ثانياً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
6المادة (76/ثالثاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
7 المادة (76/رابعاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005. ويقصد بالاغلبية المطلقة هي تحقق التصويت باغلبية النصف زائداً واحد من العدد الكلي لمجلس النواب بعد تحقق النصاب القانوني للانعقاد.
8 المادة (76/خامساً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
9 المادة (49/ثانياً) من النظام الداخلي لمجلس النواب.
10د.محمد كاظم المشهداني، النظم السياسية، العاتك لصناعة الكتاب، القاهرة، 2008، ص127.
11 د. عدنان عاجل، المأزق الدستوري لرئيس مجلس الوزراء في دستور جمهورية العراق لسنة 2005، بحث منشور في مجلة القادسية للقانون والعلوم السياسية، جامعة القادسية، العدد الثاني،2015، ص98.
12 اتخذ هذا المنصب تسميات عديدة اختلفت بحسب الدول، حيث يسمى في انكلترا الوزير الاول (السيد صبري، حكومة الوزارة،المطبعة العالمية، القاهرة 1953،ص198)، ويسمى في الهند رئيس الوزراء (المادة 74 من دستور الهند لسنة 1949)، وفي العراق بموجب القانون الاساسي العراقي لسنة 1925 فيسمى رئيس الوزراء (المادة الرابعة والعشرون / 5 من القانون الاساسي العراقي لسنة 1925)، اما في المانيا فيسمى المستشار (نص المادة 62 من الدستور الالماني لسنة 1949)، اما في لبنان يسمى رئيس مجلس الوزراء (المادة 64 من الدستور اللبناني لسنة 1924) وفي العراق بموجب دستور 2005 فيسمى رئيس مجلس الوزراء (المادة 78من دستور العراق لسنة 2005).
13 د. شمران حمادي، المصدر السابق، ص250.
14 Vemy،Douglas،Parliamentary Government and presidential Government،New York، Oxford University press،1992، p.33.
15 فسرت المحكمة الاتحادية العليا مصطلح الكتلة النيابية الاكثر عدداً في رأيها التفسيري المرقم 25/ اتحادية / 2010، حيث جاء تفسيرها لهذا المصطلح على النحو الاتي "تعبير الكتلة النيابية الاكثر عدداً يعني اما الكتلة التي تتكونت قبل الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة ودخلت الانتخابات باسم ورقم معينين وحازت على العدد الاكبر من المقاعد، او الكتلة التي تجمعت من قائمتين او اكثر من القوائم الانتخابية التي دخلت الانتخابات باسماء وارقام مختلفة ثم تكتلت في كتلة واحدة ذات كيان واحد في مجلس النواب، ايهما اكثر عدداً، فيتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح الكتلة النيابية التي اصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الاولى لمجلس النواب اكثر عدداً من الكتلة او الكتل الاخرى بتشكيل مجلس الوزراء استناداً الى نص المادة (76) من الدستور.
16 الاغلبية البسيطة هي النصف زائداً واحد من عدد المصوتين الفعليين في الانتخابات. فاذا شارك في الانتخابات خمسة ملايين (5000000) ناخب، تحققت الاغلبية البسيطة بعدد اصوات يساوي مليونان وخمسمائة الف وواحد (2500001).
17 وهو ما نصت عليه المادة (78) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
18المادة (16/ اولاً) من النظام الداخلي لمجلس الوزراء العراقي.
19 فعلى سبيل المثال لا الحصر، قام وزراء اتحاد القوى والقائمة الوطنية في شباط /2015 بتعليق اعمالهم في مجلس الوزراء بسبب تدهور الوضع الامني وعجز الحكومة عن تأمين الحماية للمواطنين، كما علق وزراء اخرين عضويتهم في مجلس الوزراء عام 2006 احتجاجاً على اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء آنذاك بالرئيس الامريكي جورج.دبيليو بوش.
20 المادة(32/ خامساً) من النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي.
21 المادة (80) // اولاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
22 د.طه العنبكي، النظم السياسية والدستورية المعاصرة اسسها وتطبيقاتها، مركز حمورابي، بغداد، 2013، ص263.
..................................
المصادر...
اولاً المصادر العربية...
1- السيد صبري، حكومة الوزارة،المطبعة العالمية، القاهرة، 1953.
2- د. شمران حمادي، النظم السياسية، ط4، مطبعة الارشاد، بغداد، 1975.
3- د.طه العنبكي، النظم السياسية والدستورية المعاصرة اسسها وتطبيقاتها، مركز حمورابي، بغداد، 2013.
4- د. عدنان عاجل، المأزق الدستوري لرئيس مجلس الوزراء في دستور جمهورية العراق لسنة 2005، بحث منشور في مجلة القادسية للقانون والعلوم السياسية، جامعة القادسية، العدد الثاني،2015.
5- د.محمد كاظم المشهداني، النظم السياسية، العاتك لصناعة الكتاب، القاهرة، 2008.
ثانياً/ المصادر الاجنبية...
1- Vemy،Doaglas،Parliamentary Government and presidential Government،New York، Oxford University press،1992، p.33.
ثالثاً / الدساتير والانظمة الداخلية...
1- القانون الاساسي العراقي لسنة 1925.
2- دستور لبنان لسنة 1926.
3- دستور الهند 1949.
4- دستور المانيا 1949.
5- دستور العراق 2005.
6- النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي لسنة 2013.
7- النظام الداخلي لمجلس الوزراء العراقي لسنة 2014.

اضف تعليق