يظهر أثر الاستقرار السياسي على الناحية الأمنية في المجتمعات بصورة واضحة، فالمجتمعات غير المستقرة سياسياً هي التي تشهد اضطرابات وتحولات أمنية، لأن ذلك الاضطراب الأمني هو نتيجة حتمية لعدم الاستقرار. كما يلاحظ أن غالبية المجتمعات المضطربة هي التي تنتهج أساليب بعيدة كل البعد عن الخيار السياسي، ولهذا فتلك الأساليب مهما كَبرت، فإنها لا تساعد في السيطرة على الصراعات، وإن نجحت فهي سيطرة مؤقتة، ليست قائمة على المدى المستقبلي البعيد، ولا تؤثر على جوهر المشكلة ولا تحُلَّها.
ان مفهوم الاستقرار السياسي Political stability يرتبط بمدى القدرة على التعامل مع الصراعات والأزمات التي تحدث داخل المجتمع، بحيثُ تتم السيطرة عليها والسعي لعدم تفاقمها، كما يرتبط المفهوم بمدى تحقق الإصلاح والعدالة الاجتماعية في المجتمع Social Justice، ولاشك في أن هناك وسائل عديدة تساعد على تحقيق الاستقرار في المجتمعات، ومنها إدارة الصراعات من خلال الحلول السياسية، كما أن هناك مؤشرات تدل على وجود تلك الظاهرة، ومنها انتشار العنف، وبروز هذه الظاهرة يكون واضحاً في المجتمعات المتخلفة أكثر منه في المجتمعات المتقدمة.
ويتفق معظم العارفين بالشان العراقي على ان اسقاط النظام السياسي في العراق عام 2003 بل فقدان الامن والاستقرار . لقد تعرض الوضع الامني في العراق لخروقات كثيرة منذ بدء الاحتلال الامريكي عام2003 واذا كان الارهاب ضرب كثيرا في العراق وخاضت الحكومات العراقية حربا متواصلة معه الا ان ما حدث في حزيران 2014 يعد امرا مختلف للغاية يهدد مستقبل العملية السياسية والعراق اجمع ـ فقد سيطرت تنظيم الدولة الاسلامية ( داعش ) يوم 10 حزيران 2014 على مدينة الموصل دون مقاومة من الجيش العراقي الذي انسحب وكان عدده اكثر من 75 الف مقاتل في كامل عدتهم ومما زاد الامر سوءا هو ان تلك المجموعات تقدمت لتدخل مدينة تكريت ايضا دون مقاومة ـ وهو ما شكل نكبة وكارثة للعراق في الوقت نفسه .
فاستطاع تنظيم داعش احتلال مدينة الموصل في غضون ساعات قليلة واذا كانت تلك الخسارة للجيش لا تفسر في الجانب العسكري فقط بل ومرتبطة بجوانب سياسية واستخبارية حيث اثيرت اسئلة كثيرة حول الجيش وعن طبيعة تدريبه وعدته وعتاده ومن بين ما توضح من دروس ليوم العاشر من حزيران ان الجيش الامريكي فشل في تدريب واعداد وتسليح الجيش بل المشكلة الرئيسة كانت ان الاسلحة التي انفقت عليها الحكومة العراقية مليارات الدولارات ذهبت الى داعش لتصبح اسلحة فتاكة موجهة ضد الجيش العراقي بدلا ان تكون موجهة ضد اعدائه .
لقد شكل التحدي الامني الازمة الكبرى التي واجهت الحكومات العراقية المتعاقبة من ثم فان مواجهة الارهاب يعد من اولويات رسم الاستراتيجية الشاملة للعراق .
لقد خلق الارهاب في العراق على المستوى الاجتماعي مجتمعا مغايرا لما قبله تماما فهو يعاني من ازدياد معدل الشعور بالخوف من المجهول وفقدان الثقة بالمستقبل وتوقع الاسوأ من الايام القادمة وهذه السمات لا تشجع قطعا على تهئية واعدادالمجتمع لتحقيق التغيير الايجابي للفرد والمجتمع على حد سواء فضلا ان الاعمال الارهابية انتجت اعداد كبيرة من الضحايا من مختلف الفئات العمرية وهو الامر الذي انتج ظاهرة اليتم الواسع والترمل وفقدان المعيل وهي ظواهر كانت لها اثارها الاجتماعية والامنية والاقتصادية الكبيرة .
اما رؤية الحكومة العراقية فتضمنت إحلال الأمن والاستقرار في المناطق المحررة من داعش وتحقيق التعايش السلمي وقبول الآخر والترويج لروح المواطنة بعيداً عن الطائفية وإنشاء علاقات جيدة مع دول الجوار استناداً إلى المصالح المشتركة وحصر السلاح بيد الدولة والامتثال لأحكام القضاء وسلطة القانون ومحاربة الفساد بكل أشكاله وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة لإبعادها عن الفساد.
فبعد تحرير الموصل هنالك التحدي الداخلي الذي ينتظر العراق خلال عام 2017 ـ 2018 في ظل خلافات داخلية تهدد أساس بقاء العراق كدولة موحدة تكون مظاهرها واضحة تتمثل في الخلافات حول تفسير نصوص الدستور وتوزيع الصلاحيات بين المركز والأطراف، والمشكلات الإجرائية بين مجالس المحافظات والسلطة المركزية، إلا أن تلك الخلافات في حقيقتها تمتد لأعمق من ذلك، فهناك خلافات بين المركز وإقليم كردستان والتي تتعلق بمسائل توزيع الثروة النفطية وتبعية المناطق المتنازع عليها والرواتب، وهناك مشكلة مع المناطق الغربية فيما يتعلق بصلاحيات مجالس المحافظات والدعوات التي تدعو إلى إقامة إقليم على أساس مناطقي، ولكن السؤال الأعمق هو هل أن حل تلك المشكلات سوف يكون الأساس لحل تحديات الوحدة الوطنية؟
إن الإجابة بكل وضوح هو كلا؛ فالمشكلات تستدعي مواجهة مباشرة لأساسيات المشكلة وهو الجواب على سؤال يجب أن يتم توجيهه للقوى والأطياف العراقية كافة، هل ترغبون في البقاء ضمن العراق الموحد؟ وما هي التضحيات الذي أنتم مستعدون لتقديمها من أجل المحافظة على وحدة العراق؟
الإجابة الصريحة على هذين السؤالين هو الذي سيحدد مستقبل العراق.
اضف تعليق