تكتسب دراسة العلاقات الأمريكية الصينية أهمية خاصة في الوقت الراهن، كما تمثل هذه العلاقات مرحلة انتقالية ستؤدي تفاعلاتها في النهاية إلى تشكيل معالم النظام العالمي في القرن الحادي والعشرين، وذلك يرجع إلى الوزن النسبي لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين، فالولايات المتحدة تعتبر حتى الآن...

تكتسب دراسة العلاقات الأمريكية الصينية أهمية خاصة في الوقت الراهن، كما تمثل هذه العلاقات مرحلة انتقالية ستؤدي تفاعلاتها في النهاية إلى تشكيل معالم النظام العالمي في القرن الحادي والعشرين، وذلك يرجع إلى الوزن النسبي لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين، فالولايات المتحدة تعتبر حتى الآن هي القوة العظمى الوحيدة بين مجموعة من القوى الكبرى، والصين بثقلها الديموغرافي والاقتصادي والعسكري المتنامي باطراد تسعى بأن تكون قوة عظمى وتلعب دورًا بارزًا ومؤثرًا في حركة التفاعلات الدولية.

وعلى ضوء نظرية تحول القوة والعلاقات الأمريكية الصينية، هل يمكن أن يحدث تحول واستحواذ في القوة؟

تخوض كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين منافسة طويلة المدى على الصدارة الاقتصادية Economic Primary، حيث أن النمو الاقتصادي للصين أسرع بكثير من مثيله الأمريكي، ومن ثم الشروط اللازمة لحدوث عملية الاستحواذ overtaking تتحقق، ومن المرجح أن تتم عملية الاستحواذ بين 2025 و2035، وبالتالي هذا التغيير قد يجعل الصين تصل لمرحلة التكافؤ مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تحل محلها لتصبح هي القوة المهيمنة في النظام الدولي مع تزايد الناتج القومي الإجمالي وتضخم عدد سكانها. ومع استمرار الصين في تطوير ترسانتها النووية قد تصل إلى التكافؤ مع الولايات المتحدة (من حيث التفوق العسكري) وإذا وصلت الصين إلى كامل إمكاناتها ستصبح الدولة الرائدة في النظام الدولي عام 2075 م.

والسؤال الرئيسي هنا لايتمثل في هل ستصبح الصين القوة المهيمنة في النظام الدولي مع نهاية هذا القرن (الحادي والعشرين)، ولكن هل ستتحدى الصين كقوة مهيمنة على الأنظمة الدولية القائمة أم ستقود المجتمع الدولي؟ وهل سيتم الامر (التحول) بشكل سلمي كما حدث مع الولايات المتحدة بعد وصولها كقوة مهيمنة بعد بريطانيا، أم سيكون هناك حرب مثل التي شنتها بريطانيا على ألمانيا في أوائل القرن العشرين والحربين العالميتين الاولى والثانية. ومفتاح الإجابة على هذا التساؤل هو كون الصين دولة راضية أم دولة غير راضية عن الوضع في الوقت الحاضر وفي المستقبل.

ويمكن اختبار مدى رضا أو عدم رضا الصين عن الوضع الحالي من خلال عدد من المؤشرات متمثلة في التالي:

1- النزاعات الإقليمية و الصدامات العسكرية

إن وجود مثل تلك النزاعات من شأنها أن تزيد احتمالات الحرب، وقد اشتركت بالفعل الولايات المتحدة والصين في أنشطة صراعية ذات انعكاسات إقليمية في عدة حالات (مباشرة وغير مباشرة) أبرزها ما يلي:

قضية تايوان

تعد مشكلة تايوان مشكلة رئيسية، بل أكثر المشكلات حساسية في إطار العلاقات الامريكية الصينية. فالصين لديها حساسية فيما يتعلق بتايوان، حيث تعتبرها جزءً من الصين الواحدة، ولا يمكن التفريط فيها أو قبول استقلالها وانفصالها عن الأراضي الصينية. وتتمسك الصين دائمًا في علاقتها مع الدول الأخرى بقبول موقفها الحازم من هذه المشكلة، وبالرغم من قبول الولايات المتحدة بمبدأ "صين واحدة"، والذي اعتبر شرطًا أساسيًا لإقامة العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، إلا أن الوجود الأمريكي العسكري والسياسي في تايوان يمثل تحديًا وقلقًا بالغين لدى الصين.

فالصين تفسر هذا التواجد والعلاقات غير الرسمية التي تقيمها الولايات المتحدة مع الصين -خاصة في مجال مبيعات الأسلحة الأمريكية لتايوان- على أنها تحمل خروقًا جوهرية وخروجًا تامًا عن الاتفاق بين البلدين بصدد المسألة التايوانية منذ السبعينيات، كما تفسر الصين ذلك على أنه يكرس وضعية الانفصال التايواني، ويحول دون تحقيق الوحدة، أيضًا تضمن هذا النزاع عروض القوة مع القوات البحرية الامريكية من وقت لآخر. وبالنظر إلى التوترات الدورية على تايوان والقوة العسكرية المتنامية للصين، والتصريحات الواضحة لزعماء الصين والتصريحات الاستفزازية لقادة تايوان، وبعض الأدلة على تزايد النزعة القومية واحتمال الخطأ في التقدير سواء في الصين أو تايوان أو الولايات المتحدة قد تكون سببا محتملا للصراع بين الولايات المتحدة والصين، فيجب أن تؤخذ الحرب على تايوان على محمل الجد.

القضية الكورية

إن وجود مصالح استراتيجية في شبه الجزيرة الكورية لكل من الولايات المتحدة والصين شكّل مجالًا مهمًا في العلاقات الأمريكية الصينية، لاعتبارات ترتبط بالنفوذ والهيمنة الإقليمية والعالمية، فالدولتان هما القوتان الأساسيتان في تقرير أوضاع السلام والاستمرار فيها. لذا، فإن الشكل الذي يمكن أن تتخذه كوريا الموحدة سيكون محط اهتمام لدى الدولتين في الوقت ذاته، وهذا ما اتضح بالفعل في عام 1950م عندما ازدادت حدة التوتر تدريجيًا تحت شعار توحيد الشطرين بالقوة واندلعت الحرب بين الكوريتين، وتدخلت فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون وقوات الأمم المتحدة إلى جانب كوريا الجنوبية، وفي المقابل تدخلت الصين وروسيا بقواتها إلى جانب كوريا الشمالية، وبالتالي انتجت هذه القضية مشاركة صراعية مباشرة بين الولايات المتحدة والصين في ساحة المعركة هذا فضلًا عن التصريحات المباشرة والضمنية لزعماء الصين المشيرة إلى تدخلها العسكري في حالة تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في القضية الكورية بشكل غير سلمي، حيث تكمن مصلحة الصين بالمقابل في استمرار الوضع القائم في شبه الجزيرة الكورية، لما تقتضيه المصالح الاستراتيجية للصين، فهي لا تريد قيام كوريا مجاورة، قوية موحدة، مع قوة عسكرية، وربما تكون نووية، ومتحالفة مع الولايات المتحدة.

كما تحاول الصين استغلال الملف النووي لكوريا الشمالية، كوسيلة في إدارة علاقاتها مع الولايات المتحدة خاصة وأن الصين هي الطرف الوحيد الأكثر تأثيراً على السلوك الخارجي لكوريا الشمالية، ويعود ذلك أساساً للمساعدات المالية التي تقدمها، واستعدادها لحماية طبيعة النظام العسكري والسياسي القائم في كوريا. هذا بالإضافة إلى أن الصين تحتاج إلى عازل لأمنها يقابل التحالف الأمريكي مع كل من اليابان وكوريا الجنوبية، وهذا ما تجسده نسبياً في كوريا الشمالية.

قضية بحر الصين الجنوب

يمثل بحر الصين الجنوبي منطقة استراتيجية حيوية ليس فقط للصين وإنما كذلك للولايات المتحدة، ويبدو أن الأسباب الجيواستراتيجية التي تتمثل في الأهمية الاستراتيجية لبحر الصين الجنوبي ووجود موارد طبيعية متنوعة وهائلة في هذا البحر مع تغير مراكز الثقل الاقتصادي العالمي إلى شرق آسيا، وتحويل الولايات المتحدة تركيزها إلى منطقة آسيا والمحيط الهادي بالتوازي مع بناء الصين لقوتها العسكرية بشكل متنامٍ على رقعة الشطرنج الإقليمية ومركزها بحر الصين الجنوبي تدفع كل طرف إلى التشبث بمواقفه والامتناع عن تقييم أية تنازلات، مما يشير إلى أن فرص تسوية الخلاف ضئيلة، وأن القضية ستكون عاملًا مؤثرًا في تحديد مستقبل العلاقات الأمريكية الصينية ومستقبل المنطقة والعالم ككل، وهذا ما اتضح بالفعل من خلال وقوع ثلاثة حوادث خطيرة في مياه هذا البحر وهى: حادثة في عام 2009م عندما اعترضت سفن شبه عسكرية صينية سفينة مراقبة تابعة للبحرية الأمريكية/// تصادم جوي في عام 2011م بين طائرة استطلاع أمريكية من طراز (EP-3) وطائرة مقاتلة صينية/// مناوشات في عام 2014م بين مقاتلة صينية وطائرة دورية أمريكية من طراز (P-8).

2- معدل الإنفاق العسكري

تتجه الصين إلى اتخاذ مجموعة من الخطوات للحصول على تكنولوجيا عسكرية حديثة ونووية متقدمة، وزيادة معدل الإنفاق العسكري، حيث تأتي الصين في المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة وروسيا في العالم من حيث الإنفاق العسكري، ووفقًا للتقديرات الاستخبارية فإن الصين ستصبح ثاني أكبر منتج للدفاع في عقد آخر، والزيادات السنوية في الصين في معدل الإنفاق العسكري تتجاوز معدل نمو الاقتصاد الصيني عالميًا، ومعظم الإنفاق العسكري الصيني غير مدرج في الوثائق الرسمية -خارج الميزانية- اللافتة للانتباه. كما تخزن الصين أكثر من 700 صاروخ باليستي في منطقة Nanjing القريبة من تايوان، وتعمل الصين على شراء العديد من الأسلحة المتقدمة من روسيا، يرى بعض المفكرين مثل جون ميرشايمر أن هذا الأمر سيدفعها في النهاية إلى توظيف قوتها العسكرية -كما تصرفت كل القوى الصاعدة على مر التاريخ- لتحقيق السيطرة على المناطق الحيوية لأمنها القومي ثم ستتوسع تدريجيًا خارج هذه المناطق.

أما بالنسبة للولايات المتحدة فالإنفاق العسكري الأمريكي متزايد، ولكن ليس بسبب سباق تسلح ضد الصين، فالميزانية العسكرية الأمريكية متزايدة منذ انتهاء الحرب الباردة.

3- مدى الالتزام بمعايير النظام الدولي والقواعد الدولية

سعت الصين للانضمام للعديد من المنظمات الإقليمية، وتسعى للانضمام للمنظمات الأمنية والاقتصادية في آسيا، حيث سعت على -سبيل المثال- إلى الاندماج والتكامل مع شركائها في تكتل دول البريكس، وأيضًا التكامل مع دول الجوار الإقليمي من خلال عمل مشروعات اقتصادية تنافس مشروعات النظام الدولي الليبرالي، بما في ذلك بنك التنمية الجديد (البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية) الذي تم وصفه بأنه بديل عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي واتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، واتحاد دول جنوب شرق آسيا، واتفاقية التجارة الحرة لدول آسيا والمحيط الهادي، التي ربطت الصين بالدول الآسيوية المجاورة لها.

وهذا يمثل مستوى جديد من الثقة الكبرى في الخطط الإقليمية طويلة المدى، حيث تسعى الصين إلى تحقيق مصالحها في منطقة آسيا والمحيط الهادي والمتمثلة في أن تحل الصين محل الولايات المتحدة كقائد وقوة أساسية في آسيا، وأن تضعف في نفس الوقت نظام التحالف الأمريكي الأسيوي، وتزعزع ثقة الدول الأسيوية في مصداقية الولايات المتحدة والاعتماد عليها، أيضًا تسعى الصين إلى استخدام قوتها الاقتصادية لسحب الدول الأسيوية وإدخالها في كنف الاقتصاد الصيني، وإلقاء -في المقابل- ظلال من الشك على النموذج الاقتصادي الأمريكي، كما تسعى إلى زيادة القدرة العسكرية لتقوية أنظمة الردع الصيني ضد أي تدخل عسكري في المنطقة. وتسعى كذلك إلى ضمان ألا تقلل القيم الديمقراطية الأمريكية من القبضة الصينية في الداخل.

وعلى المستوى الدولي بدأت الصين كذلك بأنشطة عديدة أبرزها منتدى التعاون الصيني–الأفريقي، ومنتدى التعاون الصيني–العربي، و"مشروع القن" الذي يستهدف ربط اقتصاديات أفريقيا وآسيا تحت مسمى مبادرة "حزام واحد وطريق واحد"، فضلًا عن مجموعة من الأنشطة التي تميز مكانة ووضع الصين في النظام الدولي. أيضًا بدأت الصين تطرح نفسها كنموذج ناجح في تحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادي والتنمية البشرية والاجتماعية، وبدأت في استخدام القوة الناعمة للترويج لهذا النموذج أمام العديد من دول العالم، ولهذا يرى العديد من المحللين أن هذه التحركات والمساعي الصينية تضر وتزعزع بشدة المصالح الأمريكية، وأن صعود الصين كقوى عظمى سوف يكون مصدر قلق رئيسي للولايات المتحدة الأمريكية في السنوات القادمة.

إذًا من منطلق ما سبق تعمل الصين على ترويج مفهومها للنظام الدولي بشكل تدريجي، كما تعمل على تقديم آليات جديدة لإدارة المؤسسات الدولية متعددة الأطراف، وتسعى إلى تطوير المصالح بينها وبين القوى الدولية المختلفة، وعليه تسعى الصين إلى تعزيز وضعها كفاعل محوري في النظام الدولي وزيادة قوتها ونفوذها في المؤسسات والهيئات الدولية، وذلك بهدف توجيه أنشطتهم تجاه خدمة مصالحها الخاصة، وضمان أن القوانين التي تمررها هذه المؤسسات لا تضر مصالحها، بل وتحرز تقدمًا في هذه المصالح أيضًا، وبالتالي يمكن القول أن الصين لعبت دورًا فعالًا بالمشاركة والانخراط في مؤسسات النظام الدولي، سواء كانت هذه المؤسسات إقليمية أو عالمية، وكل ذلك يعكس درجة من عدم الرضا عن القواعد الدولية التي رسختها الولايات المتحدة والقيادة الأمريكية.

4- الصراع الأيديولوجي

إن النظامين الأيديولوجيين اللذين تمثلهما كل من الولايات المتحدة والصين يختلفان ليس فقط حول مفردات القوة المادية سواء كانت اقتصادية وعسكرية، ولكن يختلفان ويتناقضان كذلك في الأفكار والقيم، وبالتالي فهناك قدر كبير من عدم الثقة بينهما ستبقى عائقًا كبيرًا خاصة وأن التاريخ الطويل للتوغلات الغربية في الصين لها شعور لدى بعض زعماء الصين بأن الغرب عاملوها تاريخيًا بازدراء، لذلك تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أن النخبة السياسية الصينية تُكن العداء للغرب، ولكن حدث تحول في هذه النظرة حيث أن نخب رجال الأعمال بدأوا بالانفتاح على الغرب، وقد يكون ذلك النواة التي تغير الرؤية الصينية للغرب.

5- الروابط الملزمة للتعاون الاقتصادي بين الصين والولايات المتحدة

تتبنى الصين فلسفة السوق الحر التي تدعم الفكر الغربي، كما تتشابك المصالح الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة لدرجة قد تحول دون تحول أي نزاع بينهما إلى مواجهة مسلحة ولو من المنظور القريب على الأقل، فاقتصاد البلدين وصل إلى حد يجعل انفصال كل منهما عن الآخر لأي سبب وتحت أي ظرف أمر شديد الصعوبة وباهظ التكاليف، حيث تمثل الولايات المتحدة أهم سوق بالنسبة إلى الصين، وأحد أبرز مصادر الاستثمارات الخارجية والتكنولوجية المتقدمة، أيضًا تمثل الصين ثالث أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، وأكبر عجز تجاري ثنائي مع الولايات المتحدة (عجز في الفائق التجاري لصالح الصين)، ويعد طلاب الصين ثاني أكبر مجموعة دولية تتلقي التدريس في الولايات المتحدة بعد الهند، وبالتالي هذا التقارب الاقتصادي ينتج عنه آفاق متزايدة من التعاون بين البلدين وهو مؤشر إيجابي.

احتمالات الصراع بين الولايات المتحدة والصين

الولايات المتحدة والصين لا يُعتبران حلفاء بشكل واضح، فهم لا يشتركون في مصالح أمنية جوهرية أو قيم سياسية، فضلًا عن أن مفاهيمهم للنظام العالمي تتصادم بشكل كبير، وفي حين أن الصين تتطلع إلى ما بعد الولايات المتحدة، نجد أن الولايات المتحدة تسعى جاهدة إلى الحفاظ على النظام الليبرالي التي تقوده حتى لو كانت قوتها النسبية تتراجع، وفي غضون هذا نجد أن قضايا عديدة خاصة في شرق آسيا تتسبب في تصادم بين مصالح الولايات المتحدة والصين بشكل مباشر، لكن علاوة على ذلك فالدولتان لا تُعتبران خصومًا أيضًا، فتلك الدولتان تنظران إلى التهديدات المتبادلة بينهما بأنها عبارة عن تهديدات أيديولوجية أو أمنية لا سبيل إلى تغييرها، فضلًا عن حقيقة أن اقتصادهما متداخل ومتشابك جدًا يجعل كلا الطرفين حريصين على تجنب الصراع.

وبناءً على هذا فإن العلاقات الأمريكية الصينية تحمل عناصر للصراع بقدر ما تحمل عناصر للتعاون وأن كل طرف من أطراف هذه العلاقة سيحاول توجيه هذه العلاقة بما يحقق له أقصى مصالح ممكنة في ظل عناصر القوة المتاحة لديه وقدرته على تعبئتها وتوظيفها آخذًا في الاعتبار جوانب الضعف التي يعاني منها والتي يمكن أن يسعى الطرف الآخر إلى التعامل معها أيضًا وتوظيفها بما يخدم مصالحه وأهدافه.

وبالتالي من الممكن ألا تصل العلاقات الأمريكية الصينية إلى حد المواجهة العسكرية مع اعتبارات الاعتماد المتبادل القائمة، وكذلك لا يتوافق مع طبيعة الواقع المعاصر الذي تقل فيه درجة ملائمة القوة العسكرية للتعامل مع الأزمات الجديدة، ومن ثم فإن ما يمكن تصوره في ظل هذه المعطيات حول مستقبل العلاقات الأمريكية الصينية يتلخص في أنها ستتراوح ما بين نقطتي الصراع والتعاون اقترابًا وابتعادًا تبعًا لطبيعة التفاعلات التي ستحدث في نقاط توازن القوة والضعف، وفي إطار من الاعتماد المتبادل.

وعليه، فإن العلاقات الأمريكية الصينية وإن شابها بعض التوتر فمن الصعب اختزالها في معادلات صفرية، وهو ما يجعل تكلفة الصراع بين البلدين أعلى للطرفين وعليه تدرك كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين أن هناك درجة من التنافس في المصالح، ولكن يمكن التعامل مع مثل هذه المسائل بالأساليب الدبلوماسية بعيدًا عن أساليب الصراع والمواجهة، مع السعي قدر الإمكان لتحقيق توازن بين المنافسة والتعاون، وبين الفرص والتحديات. وبناءً على هذا فإن العلاقات الأمريكية الصينية ستظل في الإطار التعاوني-التنافسي، وستظل الأدوار في القضايا المختلفة في ذلك السياق، شريطة أن تبقى الاستراتيجيات وتوجهات النخب الحاكمة على حالها، أما إذا ما انقلبت الأمور، سواء بشكل متعمد أو بسبب تصعيد بالخطأ، أو مبنى على سوء في الإدراك أو الحسابات، فحينها لن تكون هذه القضايا مجرد بؤرة توتر، بل ستكون أحد مراكز الصراع، ومع ما ستؤول إليه نتيجة المعارك فيه، ستكون قد وضعت ملامح جديدة لنظام عالمي جديد، هو آت بلا ريب.

بمعنى آخر احتمالات الصراع حقيقية وتتزايد، ولكن يمكن للدولتين أن تختارا بين الصراع والتعاون والتكامل أيضًا إذا ما اختارت القيادة السياسية ذلك، حيث يمكن لهما أن ينحّيا القضايا الخلافية (خاصة تايوان) جانبًا، باستخدام معاهدة أو اتفاقية.

بصفة عامة يمكن تجنب كافة العوامل التي قد تدفع بالصين لتكون غير راضية. وإذا فشل هذا الحل فعلى الولايات المتحدة أن تغير من التوقيت الذي تصل فيه الصين لمرحلة التكافؤ مع الولايات المتحدة، فمثلًا توسع حلف الناتو وما شابهه من منظمات ليضم روسيا واليابان والهند، فقد يضيف ذلك قوة إلى الحفاء الغربيين، ولا بأس من انضمام الصين للناتو وإن كان أمر غير محتمل الحدوث ولكنه قد يضمن السلام بين القوى الكبرى على المستوى العالمي، فالهدف الأساسي للسياسة الخارجية للولايات المتحدة يتمثل في ضمان السلام العالمي من خلال المساعدة في تكوين نخبة حاكمة صينية راضية بالهيكل الدولي وملامحه.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق