q
سياسة براغماتية انتهازية تستطيع التعامل مع كل الأطراف المتصارعة والمتناقضة في الوقت ذاته وبذلك تعتقد روسيا أنها تتميز عن القوى الغربية الت

أصدرت مؤسسة (راند) الأمريكية تقريرا عن الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط، أعده كل من (جيمس سلادين، وبيكا واسر، وبن كونابل، وسارة غراند كليمنت)، سعت من هذا المنظور التحليلي إلى تحديد العناصر الهامة للمصالح الروسية في الشرق الأوسط بما يشمل ما هو أبعد من مصالحها في سوريا، وتحديد طبيعة المشاركة الروسية في المنطقة، ووصف معالم الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط.

وقد أشار التقرير إلى وجود عدد من المبادئ العامة التي توجه السياسات الروسية، منها المكانة الدولية، والعلاقات التجارية، والاستقرار الإقليمي، فروسيا تتدخل في الشرق الأوسط؛ لاعتقادها أنه بصفتها قوة عالمية ينبغي أن يكون لها دور ما في المنطقة، وكذلك رغبتها في عدم السماح للولايات المتحدة بحرية الهيمنة على المنطقة بمفردها.

ويرى التقرير أن المواقف الروسية حيال قضايا الشرق الأوسط تتعلق بشأنها الداخلي بقدر ما تتعلق برؤيتها للمنطقة ومنظومة مصالحها فيها، إذ تتوجس روسيا خيفة من صعود الحركات الإسلامية بما قد يمتد إلى المناطق الانفصالية في شمال القوقاز كالشيشان وداغستان، وخاصة أنه قد تجذَّرت داخل روسيا رؤية مناهضة للثورات عموما منذ (الثورات) الملونة في شرق أوروبا التي أتت بأنظمة معادية لها، لذا فهي قلقة من أن ينعكس ذلك على محيطها الجغرافي الذي قد يأتي في غير صالحها.

ويرى التقرير إن كان النفوذ الروسي قد تزايد في الأعوام الأخيرة فإنه لا ينبغي المغالاة في وصف هذا النفوذ، وذلك لأن الشرق الأوسط لا يمثل أولوية قصوى لدى موسكو، ولا تزال هناك تساؤلات حول ما إذا كان من الممكن ترجمة النجاحات الروسية الأخيرة في المنطقة إلى مكاسب، تستطيع روسيا تحمل كلفتها أو لا، وخاصة أن تلك المكاسب يُمكن أن تختفي بشكل أسرع من الوقت الذي استغرقته في تحقيقها؛ لعدم قدرتها على تأمين كل الأدوار العسكرية والسياسية والاقتصادية لحماية حلفائها، مثلما تفعل الولايات المتحدة.

ويرى التقرير انه ربما تستمر الاستراتيجية الروسية على وضعها الفاعل الذي اكتسبته في المنطقة خلال السنوات الأخيرة من ولاية (أوباما)، وتنسق الموقف مع الإدارة الأمريكية الجديدة حيال أي مكتسبات أخرى تهدف إلى إنجازها، وهو سيناريو انعكاسي لانفتاح أمريكي محدود على روسيا، تتبادل فيه الدولتان تقديم تنازلات محددة لتخفيف حدة التوتر والوصول إلى صيغة من التعاون المثمر بينهما، بما يعظم من نفوذ روسيا دوليًّا لكنه لا يرقى لطموحاتها إلى استعادة مكانتها كقوة عظمى في نظام دولي متعدد الأقطاب.

ويسلط التقرير الضوء على اهم العناصر الأساسية للسياسة الخارجية الروسية التي تشكل نهجها في المنطقة، فهي:

سياسة براجماتية انتهازية تستطيع التعامل مع كل الأطراف المتصارعة والمتناقضة في الوقت ذاته. وبذلك تعتقد روسيا أنها تتميز عن القوى الغربية التي توصف بأنها متحيزة وغير مرنة.

لا تمتلك خططًا طويلة المدى في المنطقة، لكن لديها مصالح طويلة الأجل تتعلق بالاستقرار الإقليمي، والأسعار العالمية للنفط، والتي لا تتعارض مع خياراتها قصيرة المدى؛ لأنها ليست منخرطة حتى أذنيها في المنطقة مثل الولايات المتحدة الأمريكية. غير أن لديها قلقًا أمنيًّا ممتدًّا في المنطقة يتعلق بانتشار الإرهاب الدولي وبدول جوارها، والمخاوف من عودة 3200 مواطن روسي سافروا إلى العراق وسوريا منذ عام 2014.

يعتقد صناع القرار الروسي أن التغيير في المنطقة يجب أن يتم من خلال الوسائل الدستورية، وأجهزة الدولة السيادية، وليس عن طريق الانتفاضات الشعبية. وينسجم هذا الرأي مع موقفها من الثورات الملونة في دول الاتحاد السوفيتي السابق. وتؤكد موسكو فشل السياسات الغربية بالشرق الأوسط في تقديم نفسها كبديل موثوق فيه لدى القادة التقليديين بالمنطقة.

ويرى التقرير أن العلاقات الروسية بدول المنطقة تقوم على النهج البراجماتي التبادلي المرن. ويضرب مثالًا على ذلك بالعلاقات الروسية- الإيرانية، فيبين أنه رغم تأييد روسيا وطهران لنظام بشار الأسد، إلا أنهما اختلفا حول استخدام القواعد الإيرانية في العمليات السورية. ولهذا، فإن العلاقات بينهما تتصف بعدم الثقة، والشك، لاختلافات سياسية وتاريخية.

وبالنسبة لقطاع الطاقة (الطاقة النووية، والنفط والغاز الطبيعي)، تسعى روسيا لتعزيز مصالحها الاقتصادية والتجارية في قطاع الطاقة بالمنطقة. وتلعب شركتا "غازبروم" و"روساتوم" الروسيتان دورًا مهمًّا في الحفاظ على المصالح الروسية في المنطقة، والتي تتمثل في: إقامة سوق استهلاكي رئيسي، والاستثمار في حقول الغاز والبترول، والبنية التحتية للطاقة النووية في دول مثل: إيران، والعراق، وتركيا، وإقليم كردستان العراق.

كما ان صفقات الأسلحة الروسية مع تبني الولايات المتحدة سياسة الانسحاب الأمريكي من المنطقة، والتوجه لآسيا، وبعد تأخر عدد من صفقات التسلح لدول المنطقة بسبب مواقف واشنطن من دول الثورات العربية أو للحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل؛ أصبحت المنطقة سوقًا للسلاح الروسي.

ويرى التقرير أن استراتيجية روسيا في المنطقة هي حوار بين السياق الحالي والمستقبل القريب، والتي أطلق عليها (استراتيجية الوسائل والآليات). وذلك يعني أن محددات السياق الحالي في المنطقة مع قدرات روسيا تشكل أهم ملامح استراتيجيتها في المنطقة.

وقد تعزز الدور الروسي في المنطقة مع استنزاف الولايات المتحدة والقوى الغربية خلال حروبها غير الحاسمة في العراق وأفغانستان، وعدم رغبتها في التدخل عسكريًّا في سوريا.

ولمحدودية مواردها، أشار التقرير إلى أن روسيا تسعى إلى تعظيم فرصها بأقل الموارد أو الخسائر المحتملة، مع استثناء ما يحدث في سوريا. وما يؤكد محدودية الموارد الروسية في المنطقة هو تبنيها لنهجها البراجماتي قصير الأجل.

ويرى التقرير ان النجاحات الروسية في المنطقة لا ترجع إلى قوة استراتيجيتها، لكن إلى إتاحة السياق الحالي الفرص التي استغلتها بصورة جيدة. فإنها حققت مكاسب في أسرع وقت، لكنها سريعة الزوال، حيث ما زالت روسيا غير قادرة على التحكم في مخرجات أزمات المنطقة. ويرتبط تقييد أو تعظيم الدور الروسي في المنطقة بالفواعل الإقليمية والدولية بها.

والجدير بالذكر وبحسب ويكيبيديا فإن: مؤسسة راند أو مؤسسة الأبحاث والتطوير (RAND Corporation - Research ANd Development) هي منظمة غير ربحية وخلية تفكير أميركية تأسست في الأصل عام 1948 من قِبَل شركة طائرات دوغلاس لتقديم تحليلات وأبحاث للقوات المسلحة الأميركية. تُمول أبحاثها من وكالات حكومة الولايات المتحدة، وتهدف إلى حلول تخصصية وكمية عن طريق ترجمة المفاهيم النظرية الرسمية للاقتصاد والعلوم الفيزيائية إلى تطبيقات جديدة في مناطق أخرى عن طريق العلوم التطبيقية وبحوث العمليات. مايكل دي ريتش هو الرئيس والمدير التنفيذي الحالي للمنظمة.

يمكنكم الاطلاع على التقرير الكامل من خلال الملف المرفق.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق