آرثر كابلان
نيويورك ــ لم يعد من الجائز أن تساورنا أي شكوك حول ما إذا كان البشر سوف يخضعون للتعديل وراثياً ذات يوم. فالآن يجري بالفعل استخدام أداة جديدة ــ تدعى كريسبر ــ لتعديل جينوم الحشرات والحيوانات. وهي في الأساس عبارة عن سكين جزيئية حادة للغاية. وتسمح هذه الأداة للعلماء باقتطاع وإضافة الجينات بدِقة تامة وبتكاليف زهيدة. وهي مسألة وقت فقط قبل أن تُستَخدَم هذه الأداة لهندسة ذريتنا ــ والتخلص من العديد من الأمراض الوراثية الخطيرة في هذه العملية.
من المؤكد أن هذا الاحتمال يخضع الآن لمناقشات محتدمة. وتتخلص الحجج الرئيسية ضد إجراء التعديل الوراثي على أجنة بشرية في أن هذه الممارسة ستكون غير آمنة وغير عادلة، وأن التعديل سرعان ما يتجاوز الجهود الرامية إلى الحد من انتشار الأمراض الموروثة. ولكن في نهاية المطاف، من غير المرجح أن تكون أي من هذه الأسباب مقنعة بالقدر الكافي لمنع استخدام هذه التكنولوجيا على نطاق واسع.
من الواضح أن السلامة عامل مهم، ولكن من غير المرجح أن تكون عاملاً حاسما. ذلك أن تقنيات تعديل الجينات الجديدة تبدو شديدة الدقة. ويبدو أن التجارب على الحيوانات وعلى الأجنة البشرية التي لن تترك أطباق المختبرات أبداً تسير في الاتجاه الصحيح نحو إثبات ضآلة المخاطر المحيطة بتطبيقها.
على نحو مماثل، لم تكن المخاوف الأخلاقية، رغم مشروعيتها، سبباً لعرقلة تبني التكنولوجيا قط. صحيح أن فوائد أداة التعديل الجديدة كريسبر من المرجح أن تتاح في الأساس من خلال شركات خاصة تتوخى تحقيق الربح، وهو ما من شأنه أن يمنح الأثرياء قدرة أكبر كثيراً على الوصول إلى التكنولوجيا مقارنة بالفقراء، غير أن هذه الحقيقة من غير المرجح أن تؤدي إلى تعليق ممارسة ــ ناهيك عن حظر ــ تعديل الجينات.
إن العالم مكان عامر بالفوارق. فالثري يرسل أطفاله إلى مدارس النخبة، في حين يأمل الفقير ألا ينهار المبنى الذي يتلقى فيه أبناؤه الدروس أثناء اليوم المدرسي. ولكن برغم ما قد ينطوي عليه هذا من ظلم فإن الأثرياء لا ينتظرون تمهيد أرض الملعب للجميع؛ بل إنهم يحققون أقصى استفادة ممكنة من التعليم الخاص للنخبة. وسوف تنطبق نفس الديناميكية على الهندسة الوراثية.
أما الحجة الأخيرة التي يسوقها المنتقدون ــ وهي أن فتح الباب أمام إصلاح أشكال الخلل الوراثي من شأنه أن يفتح الطريق أيضاً أمام علم تحسين النسل (اليوجينيا) ــ فهي الأكثر إثارة للقلق. ذلك أن نفس التكنولوجيا التي يمكن نشرها للقضاء على الأمراض الموروثة ربما تستخدم أيضاً لمحاولة بناء أطفال محسنين وراثيا. ولكن بقدر ما قد يبدو هذا المنحدر زلقا، فسوف نجد أنفسنا عاجلاً أو آجلاً نقترب تدريجياً من هذه النتيجة.
إن العالم مكان مبتلى بالأمراض الوراثية التي تسبب بؤساً حقيقياً للغاية: فقر الدم المنجلي، والهيموفيليا، والسكري من النوع الأول، والتليف الكيسي، وأمراض الميتوكوندريا، وتكيس الكلى، ومرض تاي ساكس، ومرض كانافان، وأدواء عديد السكاريد المخاطي، وخلل الكلى المتعدد الكيسات، وبعض أشكال سرطان الثدي والبروستاتا والقولون ــ والقائمة تطول وتطول. ومن السَخَف أن نتصور أن الهندسة الوراثية لن تستخدم للقضاء على هذه الأمراض.
لا شك أن الضغوط من قِبَل الآباء الذين يسعون إلى تخليص أبنائهم وأحفادهم من المعاناة سوف تطغى على المخاوف حول احتمال مفاده أن آخرين ربما يستخدمون نفس التكنولوجيا لمحاولة بناء أطفال خارقين. إذ لا ينبغي للمرضى أن يصبحوا رهينة للمخاوف بشأن مخاطر أو تجاوزات محتملة.
وليس هناك ما يبرر إضاعة الوقت في المجادلة حول ما إذا كان من الجائز هندسة البشر وراثيا. فبرغم أن بعض المخاوف الأخلاقية لها ما يبررها، فإن الفوائد التي يمكن جنيها ببساطة من منع الأمراض الوراثية كثيرة للغاية. وينبغي لأولئك الذين يسعون إلى الحد من الهندسة الوراثية بحيث لا تتجاوز هذه الجهود أن يكرسوا طاقاتهم لتفسير أسباب الحكم على علم تحسين النسل بأنه خطأ، بدلاً من محاولة وقف مسيرة التقدم نحو شفاء المرضى والقضاء على اختلالات فظيعة.
لعل المنحدر زَلِق حقا. وهذا هو السبب الذي يجعل من إعادة تركيز المناقشة العامة على توفير الضمانات المناسبة الأمر الأكثر أهمية. وبدلاً من الجدال حول جواز استخدام الأداة كريسبر مع البشر، ينبغي لنا أن نعمل على تحديد الجهة التي يحق لها أن تقرر متى تُعَد هذه الأداة آمنة بالقدر الكافي لنشرها، وما هي المشورة التي ينبغي أن تقدم للآباء الذين يفكرون في استخدامها، وكيف يمكن تعظيم قدرة الفقراء على الوصول إليها.
وكلما أهدرنا وقتاً أطول في مناقشة ما إذا كان علينا أن نتبنى تكنولوجيا نعلم مسبقاً أنها سوف تعتمد لا محالة، كلما تضاءل الوقت المتاح لنا للتفكير في قضايا أكثر أهمية. فنحن في احتياج على سبيل المثال إلى تحديد الاستجابة المناسبة للوعد بتصميم أطفال أطول قامة وأكثر ذكاءً وصحة وجاذبية وقوة ووداً قبل أن تبدأ شركات الإعلان طرح حملاتها التسويقية.
اضف تعليق