تؤدي النزاعات المسلحة، سواء كانت دولية أو غير دولية، إلى نقـص أو نفاذ المواد الغذائية والماء والأدوية والأدوات والمعدات الطبية والمخابئ الأولية والملابس والخدمات، ولا سيما الخدمات والأبحاث الطبية، والمساعدة الدينية والروحية والدفاع المدني والمواد الأخرى اللازمة لإدامة حياة المدنيين، وفقا للمهمات المحددة في القانون الدولي الإنساني.
وغالباً ما يكون السبب فـي انقطاع وصول هذه المواد إلى السكان المدنيين في هذه المناطق عائداً إلى مقتضيات الحرب والعمليـات العسكرية أو بسبب الدمار الذي لحق بطرق المواصلات المؤدية إلى السكان المدنيين.
فماذا نقصد بـ"المساعدات الإنسانية" في مناطق النزاعات المسلحة؟ وما هي تصنيفاتها؟ وما هو موقف القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان من المساعدات الإنسانية؟ ومن هي الجهات المسؤولة عن تأمينها للمواطنين المحتاجين إليها؟ وما هي المشاكل والمعوقات التي تحول دون وصول هذه المواد للمدنيين هناك؟
عرف معهد القانون الدولي "المساعدات الإنسانية" أنها "جميع الأفعال والنـشاطات والمـوارد البشرية والمادية اللازمة لتقديم السلع والخدمات ذات الطابع الإنساني حصراً والضرورية لبقاء ضحايا الكوارث وسد احتياجاتهم الإنسانية" بينما عرفت الأمم المتحدة "المساعدات الإنسانية" أنها "معونة تقدم لسكان متضررين يقصد بها في المقام الأول السعي إلى إنقاذ الأرواح والتخفيف من معاناة السكان المتضررين بالأزمـة، ويتعين أن يكون تقديم المساعدات الإنسانية وفقاً للمبادئ الإنسانية ومبدأي الحياد والنزاهة".
وتصنف "المساعدات الإنسانية" إلى مساعدات مباشرة ومساعدات غير مباشرة بناء علـى درجـة الاتـصال بالـسكان المنكوبين، فالمساعدة المباشرة تتمثل في توزيع السلع والخدمات على السكان المنكوبين وجهاً لوجه، أما المساعدة غير المباشرة فهي المساعدة التي يقل فيها الاتصال بالسكان، وتشمل عدة أنشطة منها نقل سلع الإغاثة أو عاملي الإغاثة والدعم في مجال البنيـة التحتيـة كتقـديم خدمات عامة أو إصلاح الطرق أو إدارة المجال الجوي أو توليد الطاقة، وغيرها.
يُعد تقديم "المساعدات الإنسانية" للسكان المدنيين الموجودين في مناطق النزاعات المسلحة، حق يكفله القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان بهدف تخفيف المعاناة عن كاهل هؤلاء المحرومين من الضروريات الأساسية للحياة نتيجة للأعمال العدائية. إذ يندرج الحق في الحصول على المساعدات الإنسانية في القانون الدولي الإنساني ضمن واجب التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين، وواجب ضمان احترام وحماية الأفراد غير المشاركين أو الذين توقفوا عن المشاركة في الأعمال العدائية ومعاملتهم معاملة إنسانية. ومن الواضح أن المفهوم الواسع للحماية الذي يقره القانون الدولي الإنساني يتضمن تقديم المساعدات إلى الأشخاص ذوي الحاجة.
فيما يتعلق بالنزاعات الدولية، تنص اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين في أوقات الحروب –صراحة – على ضرورة قيام الدول بتقديم المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الخاضعين لسيطرتها، وفي حالة عدم القدرة على القيام بذلك تلتزم تلك الدول بقبول عرض أي طرف ثالث بتقديم المساعدات اللازمة... أما في حالة النزاعات الداخلية يمكن استنتاج هذه الواجبات والحقوق بصورة واضحة من المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع. وتنص المادة 18 من البروتكول الإضافي الثاني المعمول به في النزاعات المسلحة غير الدولية على الحق في الحصول على المساعدات الإنسانية، وتفرض على أطراف النزاع الالتزام بقبول المساعدات الإنسانية اللازمة لبقاء السكان على قيد الحية.
وتوصي المبادئ التوجيهية بشأن الحق في المساعدة الإنسانية، التي اعتمدت من قبل مجلس إدارة معهد سان ريمو الدولي للقانون الدولي الإنساني في دورته المنعقدة في نيسان/أبريل 1993 في المبدأ الأول، على أن: لكل إنسان الحق في الحصول على مساعدة إنسانية مناسبة تضمن له حقه في الحياة والصحة والحماية من أي معاملة وحشية أو مذلة، وغير ذلك من الحقوق الضرورية لبقائه على قيد الحياة ورفاهيته وحمايته في الحالات الملحة.
تقع مسؤولية حماية ضحايا الحالات المسلحة ومساعدتهم في المقام الأول على السلطات التي تقع في أراضيها الحالة الملحة التي تسبب عنها أصلا متطلبات الإغاثة الإنسانية. حيث تتحمـل الدولـة المسؤولية الأساسية في تأمين الاحتياجات الأساسية للسكان المدنيين الذين هم تحت سيطرتها بمقتضى القانون الدولي، وإذا كانت الدولة غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها ومسؤولياتها أو غير راغبة في ذلك فإن القانون الدولي الإنساني ينص على قيام جهات فاعلة أخرى مثل المنظمات الإنسانية للقيام بأعمال الإغاثة شريطة موافقة الدولة المعنية، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمؤسسات الأخرى التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى.
في الواقع، من أجل ضمان ممارسة الحق في المساعدة الإنسانية، من الضروري تمكين الضحايا من الوصول إلى الجهات الواهبة المحتملة، وتمكين المنظمات الوطنية والدولية المختصة والدول والجهات الواهبة الأخرى من الوصول إلى الضحايا فور قبول عرض مساعدتها. وفي حالة رفض العرض، أو رفض الوصول إلى الضحايا بعد قبول عرض المساعدة الإنسانية، يجوز للدول والمنظمات المعنية أن تتخذ كافة الإجراءات الضرورية لضمان الوصول إلى الضحايا، وفقا للقانون الدولي الإنساني والصكوك النافذة بشأن حقوق الإنسان.
ولذلك، يجوز لهيئات الأمم المتحدة المختصة والمنظمات الإقليمية المختصة أن تتخذ التدابير الضرورية، بما في ذلك التدابير الجبرية، وفقا لتفويضاتها، إذا قاسى بعض السكان عذابات خطيرة وجسيمة وطويلة الأمد من شأن المساعدة الإنسانية أن تخفف من حدتها. ويجوز تطبيق هذه التدابير إذا رفض أي عرض دون مبرر، أو إذا تعرض منح المساعدة الإنسانية لصعوبات وعقبات خطيرة مع عدم تحويل هذه المساعدة لأغراض سياسية وعسكرية أو لأي أغراض مماثلة أخري، وتحرص على احترام وتطبيق مبادئ الإنسانية والحيدة وعدم التحيز بلا تحفظ.
ورغم أن حقوق الضحايا في الحصول على المساعدات لابد أن تكون شاملة بأقصى ما يمكن من أجل تحقيق الحماية المثلى ينبغي بذل الجهود لضمان عدم وجود أي محاباة مباشرة أو غير مباشرة تجاه أحد أطراف النزاع عند توزيع تلك المساعدات الإنسانية ولتحقيق هذه الغاية لابد أن تفي المساعدات الإنسانية بمتطلبات محددة ويكون من حق الأطراف المعنية ضمان الوفاء تلك المتطلبات فعليا، ومن ثم يمكن لأي طرف رفض منح تصريح بالمساعدات الإنسانية إذا لم تكن تفي بالمتطلبات المقررة.
نخلص ما تقدم إلى النتائج الآتية:
- إن المساعدات الإنسانية تقدم في وقت الأزمات والطوارئ وباعثها هو الواجب الأخلاقي لحماية السكان المدنيين.
- إن المساعدات الإنسانية تهدف إلى تخفيف وطأة المعاناة الإنسانية في دولة ما، بغض النظـر عن أسبابها على نحو يتفق ومبادئ الحياد والنزاهة.
- المساعدات الإنسانية عمل مشروع من الناحية القانونية يجد سنده في نصوص القانون الدولي والعديد من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وأحكام القضاء الدولي.
- المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين في مناطق النزاع المسلح هي حق لهم وجب على الدولة توفيرها وفي حال عجزها لها أن تطلب تقديمها من أطراف دولية ومنظمات إنسانية متخصصة.
- الشرط الأساسي لمشروعية المساعدات الإنـسانية هـو احتـرام سيادة الدولة المعنية من خلال الحصول على موافقتها بهدف تقديم المساعدة.
...................................................
اضف تعليق