تعد الأسلحة الكيماوية من أسلحة الدمار الشامل بالغة الخطورة، وعلى الرغم من الحظر الدولي باستخدامها، فإنها الأكثر انتشاراً في العالم. وتأثير هذه الأسلحة على البشر سريعاً وخطيراً، وأكثر ضحاياها من المدنيين؛ لأن للغازات السامة التي تبثها تلك الأسلحة انتشارا سريعاً وغير محسوس، ولها قدرة تدمير الإنسان والبنيان وتلويث البيئة.

انطلاقا من ذلك، تحظر العديد من الاتفاقيات الدولية استخدام الأسلحة الكيميائية في النزاعات المسلحة. فقد ورد الحظر عليها مع تبني إعلان لاهاي الموقع في 22/تموز/1899 بشأن حظر استخدام القذائف التي تستهدف نشر الغازات الخانقة. ويعد هذا الإعلان أول نص يتعلق بحظر الأسلحة الكيميائية. ثم جاء بعد ذلك بروتوكول جنيف لعام 1925، الذي يتعلق بحظر استعمال الغازات الخانقة أو السامة أو أية سوائل أو مواد أو وسائل مشابهه لها من بينها المواد الكيماوية.

وأخيرا، تم حظر الأسلحة الكيميائية بشكل مطلق في اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيميائية وتدميرها والمسماة باختصار "اتفاقية الأسلحة الكيميائية" وقد نصت المادة الأولى من الاتفاقية بألا تقوم الدول تحت أي ظرف من الظروف باستحـداث أو إنتاج الأسلحة الكيميائية أو اجتيازها بطريقة أخرى، أو تخزينها أو الاحتفاظ بها، أو نقل الأسلحة الكيميائية بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى أيٍّ كان؛ وباستعمال الأسلحة الكيميائية؛ وبالقيام بأية استعدادات عسكرية لاستعمالها...

وتلزم هذه الاتفاقية الدول المصدقة عليها بتدمير ترسانتها من الأسلحة والإفصاح عن مخزونها والتعاون في تدميره، وهذا ما قامت به سوريا بعد التوقيع على الاتفاقية في أيلول 2013 حيث تم تدمير أسلحتها الكيماوية خشية التدخل ضدها عسكرياً.

وأشارت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضا، إلى أن استخدام الأسلحة–الكيميائية يشكل انتهاكاً للحق في الحياة. كما نصت عليه المادة (6) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، وقد استنكرت هذه اللجنة بشدة استخدام النظام العراقي السابق للأسلحة الكيميائية في قرية حلبجة في منطقة كردستان العراق في بيان صحفي رقم 1567 الصادر في 13/آذار 1988، عندما قالت بأن (استعمال الأسلحة الكيميائية ضد العسكريين أو المدنيين محرم في كل الأوقات لأن القانون الدولي يمنعه منعا باتا) وهذا يعني أن هذا السلاح محظور في كل النزاعات المسلحة أياً كان نوعها دولية أم غير دولية.

مع تحريم استخدام الأسلحة الكيميائية بأنواعها كافة، سواء في النزاعات الدولية أو في النزاعات غير الدولية لآثارها الخطيرة على المدنيين والمنشئات المدنية، إلا أن الدلائل تشير إلى قيام الجماعات الإرهابية المسلحة إلى استخدام غاز الكلور كسلاح كيميائي في النزاعات الداخلية في سوريا والعراق، مما أدت إلى مقتل وإصابة العديد من المدنيين والعسكريين على حد سواء.

ففي سوريا، أدان مجلس الأمن الدولي استخدام أي منتج كيميائي سام مثل الكلور كسلاح، ويشدد على أن المسؤولين عن هذه الأفعال "يجب أن يُحاسبوا عليها"، وتضمن القرار عبارة نصت على أن "أي استخدام لغاز الكلور كسلاح في سورية يُعد انتهاكا لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية وللقرار الدولي رقم 2118". ونص قرار مجلس الأمن "ضرورة محاسبة كل الأفراد المسؤولين عن استخدام أي نوع من المواد الكيميائية كسلاح". ويجيز الفصل السابع لمجلس الأمن اتخاذ إجراءات "رادعة" مثل "فرض عقوبات"، وقد تصل إلى استخدام القوة العسكرية لفرض تطبيق القرار.

وأكد نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “هيومن رايتس ووتش”، نديم حوري، أن استخدام سوريا لغاز الكلور كسلاح، بالإضافة الى استهداف المدنيين، يشكل "انتهاكات واضحة للقانون الدولي، وهو سبب آخر يدعو مجلس الأمن الأممي لإحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية".

أما في العراق، فهناك أكثر من دليل قطعي، يؤكد قيام تنظيم "داعش" باستخدام غاز الكلور، وربما غاز الخردل كسلاح كيميائي ضد العسكريين والمدنيين العراقيين وفي أكثر من موقع عسكري ومدني. فقد استخدم تنظيم "داعش" الغاز السام ضد الجيش العراقي، في سبتمبر/أيلول العام الماضي 2015، في منطقة الصقلاوية، شمال الفلوجة التابعة لمحافظة الأنبار غرب العراق، الأمر الذي تسبب في إصابة ومقتل عدد كبير من الجنود.. كما أكد المسؤولون الأكراد أن لديهم أدلة على استخدام داعش للكلور في محاولة تفجير فاشلة لسيارة مفخخة احتوت على الكلور.

وحذرت وزيرة الخارجية الأسترالية، جولي بيشوب، من استخدام مسلحي تنظيم الدولة (داعش) غاز الكلور كسلاح كيماوي، وتجنيد تقنيين على درجة عالية من التدريب، في محاولة جادة لتطوير أسلحة كيميائية. وقالت "من المرجح أن يكون لدى داعش، ضمن عشرات الآلاف من مجنديها، الخبرة التقنية اللازمة لصقل مواد أولية وبناء أسلحة كيماوية". وأضافت "بصرف النظر عن بعض المساعي غير المتقنة والمحدودة النطاق فإن الحكمة التقليدية تقول إن نية الإرهابيين للحصول على عناصر كيميائية وتحويلها لسلاح طموحة إلى حد كبير".

وكانت موسكو قدر أعربت مؤخرا عن قلقها البالغ من أنباء حول استخدام المواد الكيميائية من جانب مسلحي تنظيم "داعش" شمال العراق، بحسب بيان للخارجية الروسية. وجاء في البيان، "بقلق بالغ، تلقينا الأنباء عن النشاطات الإرهابية لتنظيم "داعش" في منطقة تابعة لإقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي في العراق، وأنه من خلال دراسة التربة بعد تفجير حافلة مفخخة، من قبل انتحاري تابع للتنظيم في شمال العراق في يناير/كانون الثاني من العام الحالي، تبين وجود غاز الكلور، الشيء الذي يسمح بالحديث عن استخدام هذه المادة كسلاح".

لم يكتف تنظم "داعش" باستخدام غاز الكلور كسلاح كيميائي ضد العسكريين وفي مواقع القتال، بل أخذ يقصف المدنيين المتواجدين في المناطق القريبة من أماكن تواجده بصواريخ تحوي على مواد سامة كغاز الكلور وغاز الخردل، كقصف المدنيين في ناحية تازة جنوبي محافظة كركوك العراقية، والتي راح ضحيتها عدد من أبناء المدنية بما فيهم أطفال ونساء. فقد أوضحت مفوضية حقوق الإنسان في العراق أن داعش استخدم الخردل والكلور بقصف تازة، وعدد المصابين 409 مدنيا. وكان الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيش عبر عن قلقه بشأن تقارير أفادت بقيام تنظيم "داعش" باستخدام أسلحة كيماوية في هجماته الأخيرة بناحية تازة خورماتو جنوبي محافظة كركوك، مؤكدا أن الأمم المتحدة تتعامل بقدرٍ عالٍ من الجدية مع هذه القضية.

يتضح مما تقدم أن على مفوضية حقوق الإنسان العراقية، والأمم المتحدة، والحكومة العراقية العمل على منع التنظيمات الإرهابية من الاستحواذ أو استخدام الأسلحة المحرمة دوليا، مثل غاز الكلور والخردل عن طريق:

1- اتخاذ الإجراءات الأمنية والعسكرية الكفيلة لعدم تمكين التنظيمات المسلحة لاسيما تنظيم داعش من استخدام أو امتلاك أي نوع من أنواع الأسلحة الكيميائية..

2- تزويد العسكريين والمدنيين الساكنين بالمناطق القريبة من سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابية بالتوجيهات والتعليمات والإمكانيات اللازمة لمواجهة خطر المواد السامة حال استخدامها..

3- إمداد القوات المحاربة بمعدات الوقاية في الوقت المناسب مثل الأقنعة الواقية، وتجهيزات وقاية الجلد، الغرض منها وقاية الجهاز التنفسي والعين والجلد، من التأثيرات الغازية، وتوفير مواد التطعيم في حالة الطوارئ، مضافا إلى حفر ملاجئ احتياطية.

4- القيام بأعمال الاستطلاع الكيمائي والإشعاعي والبيولوجي، بهدف الحصول على البيانات والمعلومات اللازمة للقيادات على كافة المستويات لتقدير الموقف بغرض كشف بدء استخدام العدو للمواد الكيمائية أو وجود أي تلوث إشعاعي دون تأخير، وتحديد المنطقة الملوثة، ومعرفة نوع المادة المستخدمة في التلوث.

5- تهيئة وإرسال فرق طبية متخصصة، محلية ودولية، إلى المناطق الصراعات المسلحة للاستعداد للعلاج السريع في حال حدوث الإصابات

6- مطالبة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، التي تتخذ من لاهاي مقرا لها، بتنفيذ إجراءات التحقق على الصعيد الدولي، وتقدم مساعدة تقنية إلى العراق بعد أن تبين بالدليل أن تنظيم "داعش" قد تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين. واستخدام المواد والغازات الخانقة أو السامة، واستخدام أسلحة أو قذائف أو مواد أو أساليب حربية تسبب بطبيعتها أضراراً زائدة أو آلاماً غير مبررة أو تكون عشوائية بطبيعتها بالمخالفة للقانون الدولي للمنازعات المسلحة.

...................................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com

https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق