مرة أخرى تعاود، مسألة المواطنين السوريين الفارين من ويلات الحرب والطامحين للهجرة الى اوربا عبر بوابة تركيا، الى واجهة الحدث السياسي والإعلامي، سيما وان المنطقة مقبلة على تغيرات عسكرية وسياسية محتملة خلال الأشهر القليلة المقبلة، بحسب مراقبين.
التقدم الأخير لقوات النظام السوري المدعوم من الغطاء الجوي الروسي مكن الجيش السوري من الاقتراب من حلب وتضييق الخناق عليها، ومع تحولها (حلب) الى ساحة معركة فر أكثر من (50) ألف مدني نحو الحدود التركية، فيما توقع مسؤولون اتراك ارتفاع العدد الى أكثر من (70) ألف مع اشتداد المعارك بين المسلحين المعارضين للنظام والقوات النظامية.
تركيا التي تعاني من تنامي العمليات الإرهابية داخل أراضيها، إضافة الى تراجع نموها الاقتصادي، شددت إجراءاتها على الحدود بعدم السماح بدخول اللاجئين السوريين الا "بطريقة محكومة" بحسب ما صرح به وزير خارجيتها "تشاووش أوغلو"، ومع ان تركيا بالفعل تستضيف أكثر من (2.5) مليون لاجئ سوري على أراضيها، الا ان المزيد من الضغوط الأممية التي طالبتها بالسماح للقادمين الجدد من دخول أراضيها وتسهيل عبورهم الى بر الأمان بدلا من تركهم في العراء ومن دون مأوى.
وقد حاولت حكومة اردوغان الضغط على الاتحاد الأوربي والدول الغربية من اجل تنفيذ مقترح تركيا بإقامة "ملاذ امن" للمهاجرين داخل سوريا تشرف عليه تركيا والتحالف الدولي يمنع فيه تحليق الطيران الحربي السوري التابع للنظام، الا ان هذا المقترح واجه الكثير من التعقيدات خصوصا بعد دخول روسيا الحرب الى جانب "الأسد"، وتوتر العلاقات الدبلوماسية بينهما أثر اسقاط تركيا لطائرة حربية روسية كانت تحلق على مقربة من الحدود التركية.
بالمقابل حاول الاتحاد الأوربي الضغط على حكومة انقرة من اجل وقف الزحف البشري (أكثر من مليون لاجئ) نحو اوربا من خلال تركيا التي استخدمت كمعبر للبوابة الاوربية، وتسببت بتصدعات ثقافية واقتصادية واجتماعية وسياسية داخل اوربا التي لم تكن مستعدة لاستقبال موجة نزوح كبيرة، لم تشهدها منذ الحرب العالمية الثانية، على أراضيها وبين مجتمعاتها التي انقسمت بين مؤيد ومعارض، ما دعا الاتحاد الأوربي الى عقد اتفاق مع تركيا لمنع المزيد من المهاجرين اليها مقابل تقديم تسهيلات مالية وسياسية لها.
ويبدو ان ورقة المهاجرين ما تزال الورقة الإنسانية التي يحاول جميع الأطراف اللعب عليها واستخدامها كورقة رابحة يمكن ان تحرك "المجتمع الدولي" باتجاه معين، سيما وان الخوف من تداعياتها على المستوى الإنساني والاقتصادي والاجتماعي وحتى السياسي كبير جدا.
فتركيا تتهم النظام السوري وروسيا بالتهجير القسري للسكان المحلين، من خلال محاصرة حلب لمئات الالاف من المدنيين، والدفع بهم تجاه تركيا المرهقة بملايين المهاجرين.
فيما تنظر اوربا الى الحكومة التركية بانها اهملت عن عمد عبور مئات الالاف اليها، بقصد الضغط عليها من اجل تمرير بعض القرارات التي لم يقتنع بها قادة الاتحاد الأوربي في الازمة السورية.
تركيا تشعر بالغضب بعد سنوات من الإحباط بعد عدم تمكنها من اسقاط النظام او قبول الغرب بمقترحاتها، وهي اليوم تحاول العمل بوتيرة متسارعة لتصعيد الموقف السياسي والعسكري داخل سوريا، بعد شعورها بالإحباط من أقرب حلفائها، حالها في ذلك حال السعودية، التي أعلنت إمكانية ارسال قوات برية الى سوريا، وبما ان جميع الأوراق مباحة للعب داخل سوريا، فالمتوقع ان يتم اعتماد النزوح الجديد للمدنيين القادمين من حلب، كورقة لعب جديدة ضمن المعادلة التركية الطامحة لكسب الرهان الأخير.
اضف تعليق