تحسين شفافية الإدارة العامة وكفاءة الإنفاق العام. تشجيع المواطنين على المشاركة في اتخاذ القرارات وتخصيص ومراقبة استخدام الأموال العامة. الميل للمزيد من محاسبة القادة والمديرين العاميين. التمكين من تحديد الأولويات الجماعية والمشاركة في إدارة الموارد. توطيد دعائم الثقة بين الحكومة والشعب. خلق ثقافة ديمقراطية في المجتمع...

تُعد الموازنة العامة للدولة المحرك الأساسي للسياسة المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لذا فان تقدير الإيرادات والنفقات للسنة المالية المقبلة على أسس علمية رصينة من شأنها تحسين الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية للبلد.

وتُعرف الموازنة العامة للدولة بأنها (بيان تقديري تفصيلي معتمد يحتوي على الإيرادات العامة التي يُتوقع أن تحصلها الدولة، والنفقات العامة التي يلزم إنفاقها خلال سنة مالية قادمة؛ فالموازنة تعتبر بمثابة البرنامج المالي للخطة التي تعمل بها الدولة عن سنة مالية مقبلة من أجل تحقيق أهداف محددة في إطار الخطة العامة للتنمية).

وهناك عدة أساليب وطرق لإعداد الموازنة العامة، منها موازنة البنود، وموازنة البرامج والأداء، وموازنة التخطيط والبرمجة، والموازنة الصفرية، والموازنة التعاقدية، وموازنة الحقوق، وأخيرا الموازنة بالمشاركة الشعبية، ولكل أسلوب ميزاته وسلبياته، وتختلف الدول في اعتماد الأسلوب الذي يناسبها. 

يمكن تعريف إعداد الموازنات بالمشاركة بصورة عامة على أنها (آلية أو عملية يتمكن المواطنون من خلالها من اتخاذ القرار أو المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بتخصيص كل أو جزء من الموارد العامة المتاحة)، وعُرفت أيضا بأنها (عملية ديمقراطية مباشرة وتطوعية وشاملة حيث يستطيع المواطنون مناقشة وإقرار الموازنة والسياسة العامة.

 ومشاركة المواطنين ليست قاصرة أيضا تقرير أولوياتً على التصويت لانتخاب السلطة التنفيذية أو التشريعية، ولكنها تشمل الإنفاق بالإضافة إلى مراقبة إدارة الحكومة. وبذلك لم يعد المواطن مجرد منفذ للسياسات التقليدية، بل أصبح رائدا دائما للإدارة العامة. وتؤدى عملية إعداد الموازنات بالمشاركة إلى الجمع بين الديمقراطية المباشرة والديمقراطية النيابية وهو إنجاز يجب الحفاظ عليه وتقديره).

ظهر هذا النوع من الموازنات المالية في الدول اللاتينية، وعلى وجه التحديد في البرازيل، وخصوصا في مشروعات البلديات. ويمكن تحديد ثلاث مراحل أساسية في عملية انتشار تجارب إعداد الموازنات بالمشاركة وهي: المرحلة الأولى (١٩٩٧-١٩٨٩) وقد تميزت هذه المرحلة بالتجريب في عدد محدود من المدن البرازيلية. والمرحلة الثانية (٢٠٠٠-١٩٩٧) وتميزت هذه المرحلة بالترسيخ في البرازيل، حيث تم إعداد الموازنات بالمشاركة في أكثر من ١٣٠ مدينة. والمرحلة الثالثة (منذ عام٢٠٠٠) وتميزت هذه المرحلة بالتوسع والتنوع خارج البرازيل.

وفي الواقع؛ من حيث المبدأ ليس هناك نموذج واحد صالح للتطبيق في كل البلدان، لأن التجارب في حد ذاتها هي نتائج تعكس حقيقية كل منطقة من ناحية تاريخها المحلي، وثقافتها المدنية، ومنظمات مجتمعها المدني، والموارد المتوفرة، بالإضافة إلى الثقافة الإدارية للحكومات التي تديرها. ويرى معظم الباحثين والمشاركين في عملية إعداد الموازنات بالمشاركة أن أحد أهم الفوائد الرئيسة التي تعود عليهم من إعداد الموازنات بالمشاركة هو تعميق الممارسة الديمقراطية من خلال الحوار بين السلطات العامة والمواطنين. كما أن إعداد الموازنات بالمشاركة يجعل الدولة مسؤولة أمام مواطنيها، ويساهم في تطوير الإدارة العامة.

وتعد عملية إعداد الموازنات بالمشاركة في العديد من الحالات في أمريكا اللاتينية أداة لإعادة ترتيب الأولويات الاجتماعية، وتعزيز العدالة الاجتماعية. فالمواطنون يتحولون من كونهم مجرد مشاهدين إلى أطراف فاعلة في الإدارة العامة، وهذا يجعلهم مشاركون بشكل كامل ونشيط وحاسم.

 وتتيح عملية إعداد الموازنات بالمشاركة قبل كل شيء للمواطنين فرصا أفضل للحصول على الأعمال والخدمات مثل الصحة العامة، ورصف الطرق، وإدخال التحسينات على النقل، والمراكز التعليمية والصحية. وبالمشاركة الفعالة في عملية إعداد الموازنات بالمشاركة يحدد المواطنون أولوياتهم، ولكي يحققوا ذلك عليهم خلق فرص العمل لتحسين نوعية حياتهم في إطار زمني قصير نسبيا. إضافة إلى ذلك يجب أن يكون لديهم القدرة على مراقبة ورصد تنفيذ عملية وضع الميزانيات. ومن ناحية أخرى، تحفز عملية إعداد الموازنات بالمشاركة عمليات التحديث الإداري، وتساهم في عملية التخطيط الاستراتيجي للأجهزة البلدية.

 وجميع المناطق، أو الأحياء، أو القطاعات التي تشارك في عملية المناقشة تستفيد من إعداد الموازنات بالمشاركة. وبما أن الموارد المتاحة غير كافية بوجه عام لتلبية الاحتياجات، فإن الأحياء الأكثر تنظيما والأكثر مشاركة، لها فرصة أكبر في الاستفادة بصورة أفضل من المناطق الأخرى. 

 كما أن الفوائد التي تجنيها الإدارة العامة المحلية من تنفيذ عملية إعداد الموازنات بالمشاركة يؤدى إعداد الموازنات بالمشاركة إلى: 

1. تحسين شفافية الإدارة العامة وكفاءة الإنفاق العام.

2. تشجيع المواطنين على المشاركة في اتخاذ القرارات وتخصيص ومراقبة استخدام الأموال العامة. 

3. الميل للمزيد من محاسبة القادة والمديرين العاميين. 

4. التمكين من تحديد الأولويات الجماعية والمشاركة في إدارة الموارد.

5. توطيد دعائم الثقة بين الحكومة والشعب.

6. خلق ثقافة ديمقراطية في المجتمع وتقوية النسيج الاجتماعي.

والسؤال هنا؛ هل تستطيع بلديات الدول الأخرى مثل العراق تطبيق نموذج اعداد الموازنة التي تخص مشروعاتها بالمشاركة مع مواطنيها المحليين؟ الجواب نعم، بيد أن التجارب أسفرت عن أن هناك شروطا مسبقة ضرورية لنجاح هذه العملية. ومنها:

1. وجود إرادة سياسية واضحة لدى رئيس المدينة، وصناع القرار الآخرون في البلديات. وهذه الإرادة السياسية ضرورية للحفاظ على استمرار العملية برمتها. وستصبح هذه الإرادة في أوضح صورها في مرحلة التنفيذ عند تحويل الالتزامات إلى استثمارات ملموسة.

2. حضور واهتمام منظمات المجتمع المدني، وكذلك المواطنين بوجه عام. وهذا الشرط حتمي لاستمرارية العمل. 

3. وضع تعريف واضح وجامع لقواعد العملية. وهذه القواعد تشير إلى المبالغ التي سيجرى نقاش حول كيفية استخدامها، والمراحل والفترات الزمنية لكل منها، وقواعد اتخاذ القرار (وفى حالة عدم الموافقة، ومسئولية وسلطة اتخاذ القرار لكل طرف)، وطريقة توزيع المسئوليات، والسلطة والموارد على المناطق والأحياء المختلفة في المدينة، وتكوين مجلس إعداد الموازنات بالمشاركة. وهذه القواعد لا يمكن مناقشتها من جانب واحد، بل يجب أن يتم تحديدها بمشاركة جميع المواطنين، وبالتالي يمكن تعديلها كل عام، بناء على أداء العملية ونتائجها. 

4. وجود الإرادة لبناء قدرات المواطنين وموظفي البلديات، لوضع الميزانيات العامة بشكل عام، إعداد الموازنات بالمشاركة بشكل خاص. وهذا يتضمن تحديد المبالغ ومصادر الأموال والنظام الحالي للنفقات. ومن المهم أيضا توضيح مجالات الإنفاق العام التي تقع تحت مسئولية البلدية، والمجالات التي تبقى خارج نطاق السلطة المحلية. 

5. نشر المعلومات على نطاق واسع عبر كل الوسائل المتاحة. هذا بالإضافة إلى وجوب إعلام المواطنين بمواعيد وأماكن انعقاد الاجتماعات وقواعد اللعبة التي تم إرسائها.

6. تحديد أولوية المطالب التي يضعها المواطنون بما يتفق مع المعايير الفنية التي تشمل تحليل العجز الموجود في البنية التحتية والخدمات العامة، وهذا الأمر ضروري في عملية التوزيع العادل للموارد.

..........................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2024

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

http://ademrights.org

[email protected]

https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق