ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة في العراق مازالوا بعدين عن نيل حقوقهم التي نص عليها قانون رعاية المعاقين، لأسباب منها أن قانون رعاية ذوي الإعاقة بحاجة إلى تعديلات ضرورية تستجيب لتغيرات المرحلة، كما أن تعليمات قانون ذوي الإعاقة لم تصدر إلى الآن، ما يفقد الجهات التنفيذية...
لا تخلو المجتمعات الإنسانية من وجود مواطنين لا يستطيعون ممارسة حياتهم مثل غيرهم من أفراد المجتمع، وذلك بسبب مرض أو إصابة، تحد من قدراتهم العقلية أو الجسدية أو النفسية، وتؤثر مباشرة على طريقة حياتهم، كما تؤثر على طريقة حياة ذويهم ممن يعولونهم.
إذ تُشير الدراسات أن نسبة ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة تتراوح بين (3% إلى 10%) من مجمل عدد السكان العالم، وتزداد هذه النسبة في البلدان الأكثر فقرا، وأن أكثر من(71%) من هؤلاء الأفراد غير مُتعلمين، وأن نسبة كبيرة منهم لا يتلقّون الخدمات الطبية أو التّعليمية أو الاجتماعية، بالإضافة إلى صعوبة اندماجهم في المجتمع.
وبحسب منظمة اليونسكو (يُقدَّر عدد الأشخاص المصابين بشكل من أشكال الإعاقة في العالم بأكثر من مليار شخص، أو ما يمثل 15% تقريباً من عدد سكان العالم. ويُعتبر إشراك الأشخاص المعوقين في جميع جوانب الحياة الاجتماعية تحدياً كبيراً. وثمة ترابط قوي بين الفقر والإعاقة. فعلى سبيل المثال، إن الأطفال المعوقين يعيشون بأغلبيتهم في البلدان النامية، ويمثلون ثلث العدد الإجمالي للأطفال غير الملتحقين بالمدرسة. وعندما يتمكنون من الالتحاق بالتعليم يكون احتمال إكمالهم لتعليمهم المدرسي أقل بكثير من احتمال إكمال الأطفال الآخرين لهذا التعليم. وفي معظم الحالات، لا يتلقى الأطفال المعوقون تعليمهم مع الأطفال الآخرين، بل في قاعات منفصلة).
فماذا نقصد بذوي الإعاقة أو ذوي الاحتياجات الخاصة؟ وما هو موقف المجتمع الدولي من هذه الفئة؟ وماهي الحقوق التي ينبغي أن يحصلوا عليها؟ وكيف تعامل العراق مع ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة؟ وماهي الحقوق التي حصل عليها المعاقون، والحقوق التي مازالت معطلة؟ وماهي الأسباب التي تحول دون ذلك؟ وماهي المقترحات والحلول التي يمكن أن تساعد هذه الفئة على الحصول على حقوقهم المشروعة؟
يشمل مصطلح (الأشخاص ذوي الإعاقة) كـل مـن يعـانون من عاهات طويلة الأجل بدنيـة أو عقليـة أو ذهنيـة أو حـسية، قـد تمنعهم لدى التعامل مع مختلف الحـواجز مـن المـشاركة بـصورة كاملة وفعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين. وقد ميز قانون رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة رقم (38 لسنة 2013) بين مصطلحين: الأول؛ مصطلح (ذوي الإعاقة) وعرفه بأنه (كل من فقد القدرة كلياً أو جزئياً على المشاركة في حياة المجتمع أسوة بالآخرين، نتيجة أصابته بعاهة بدنية أو ذهنية أو حسية أدى إلى قصور في أدائه الوظيفي) والثاني؛ مصطلح (ذوي الاحتياج الخاص) وعرفه بأنه (الشخص الذي لديه قصور في القيام بدوره ومهامه بالنسبة لنظرائه في السن والبيئة الاجتماعية والاقتصادية والطبية، كالتعليم أو الرياضة أو التكوين المهني أو العلاقات العائلية وغيرها، ويعتبر قصار القامة من ذوي الاحتياجات الخاصة).
ولأن ذوي الإعاقة يُعدون من الفئات الاجتماعية الهشة، فقد أبدى المجتمع الدولي عناية واضحة بالأشخاص ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة، من خلال الإعلانات والاتفاقيات والمواثيق الدولية التي منحت أبعاداً عالمية لحماية ذوي الإعاقة. فصدرت العديد من التشريعات والقوانين الخاصة بهذه الفئة، نذكر منها ما صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة: القرار 2856 لعام 1971 بشأن حقوق الأشخاص المتخلفين عقليا، والقرار 3447 لعام 1975، بشأن الحقوق المتكافئة للأشخاص المعاقين مع غيرهم من البشر، والقرار37/52 لعام 1982، بشأن برنامج العمل العالمي للمعاقين. بالإضافة إلى إعلان الفترة من 1982-1992 عقدا دوليا للمعاقين، والقرار 48/96 لعام 1993، بشأن القواعد المحددة لتحقيق تكافؤ الفرص للمعاقين.
وأخيرا صدرت عام 2006، اتفاقية دولية خاصة لهذه الفئة، وهي (اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة) والتي تضمنت كل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تهدف إلى توفير حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والمساواة الكاملة، وعدم التمييز بسبب الإعاقة، والتي تحول دون مشاركتهم واندماجهم في المجتمع.
انضم العراق إلى اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في عام2012، والى اتفاقية (أوتاوا) التي نصت على التزام الدول الأطراف بتأهيل ورعاية الأشخاص ذوي الإعاقة بسبب الألغام، وانضم إلى (اتفاقية أوسلو) لتحريم القنابل العنقودية، التي نصت على التزام الدول الأطراف بتأهيل ورعاية الأشخاص ذوي الإعاقة بسبب القنابل العنقودية. كما انضم إلى (العقد العربي للمعوقين) الذي ركز على مجموعة مبادئ أساسية منها تغيير نظرة المجتمع للإعاقة، وتغيير نظرة المعاق لنفسه، وإدراج قضية الإعاقة على سلم أولويات الحكومات العربية، وتوفير الاعتمادات اللازمة لها، ومنح المعاقين ومرافقيهم تخفيضات بنسبة لا تقل عن 50% على وسائل النقل البرية والبحرية والجوية عند الانتقال داخل الدولة أو بين الدول العربية، ومنح تسهيلات وإعفاءات جمركية للأجهزة والمعينات اللازمة لتسهيل حياة المعاقين ودمجهم في المجتمع، ودعم وتسهيل إنشاء جمعيات للأشخاص المعاقين، وضرورة تمثيلها في الهيئات أو المجالس العليا للإعاقة لضمان المشاركة الفعّالة في رسم السياسات ووضع الخطط والبرامج للنهوض بالمعاقين.
في العراق شُرع قانون رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة رقم (38 لسنة 2013) وأنيطت مهمة تنفيذ هذا القانون بهيئة رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، فهي الجهة الحكومية المسؤولة بشكل أساسي عن رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة. بموجب قانون رعاية المعاقين وذوي الاحتياجات الخاص أُلفت في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية هيئة تسمى (هيئة رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة) وتضم الهيئة عضوية عدد من الوزارات والجهات ذات العلاقة بشؤون المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى ممثلين عن ذوي الإعاقة، وممثلين من المهمتين بهذه الشريحة.
ومن مهمات هذه الهيئة رسم وإقرار السياسة العامة لعمل الهيئة في رعاية ذوي الإعاقة الاحتياجات الخاصة وتأهيلهم ومتابعة إجراءات تنفيذها. والإشراف والمتابعة على تأمين المتطلبات الخاصة بذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة في جميع المجالات بالتنسيق مع الجهات المختصة ذوات العلاقة، واقتراح سياسة التوظيف لذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة من خلال إعداد برامج ووصف للوظائف التي من الممكن إشغالها من قبلهم. كما أسندت واجبات أخرى لعدد من الوزارات القطاعية مثل وزارة الصحة، والتربية، والتعليم، والشباب وغيرها، كل وزارة أو جهة بحسب اختصاصها.
وقد نص هذا القانون على جملة من الامتيازات والإعفاءات مثل تخصيص نسبة (5%) من الوظائف للأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع العام، ونسبة (2%) في القطاع الخاص والمختلط. كذلك إعانات شهرية تتناسب مع نسبة العجز وإعفاء وسائل النقل الفردية والجماعية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة من الضرائب والرسوم كافة، وكما تضمن القانون على تخصيص (معين) متفرغ للأشخاص ذوي الإعاقة الذين درجة عجزهم تحول دون تلبية متطلباتهم الشخصية.
بالإضافة إلى القوانين والقرارات الأخرى التي سبق أن شرعها العراق، التي تتناول فئة ذوي الإعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة، ومنها (قانون تعويض المتضررين جراء العمليات الحربية والأخطاء العسكرية والعمليات الإرهابية رقم 30 لسنة 2006) و(قانون تعويض المتضررين الذي فقدوا جزء من أجسادهم جراء ممارسات النظام البائد رقم 5 لسنة، 2009) و(قانون الخدمة والتقاعد العسكري رقم 2 لسنة 2022).
وهناك قرارات وتعليمات وأنظمة وتوجيهات صادرة عن السلطة التنفيذية تضمنت توفير خدمات للأشخاص ذوي الإعاقة، ومنها (قرار مجلس الوزراء رقم 10 لسنة 2012) والمتضمن إعفاءات ضريبة وجمركية للسيارات الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، وكذلك تخصيص نسبة من الوحدات السكنية المخصصة من قبل وزارة الإسكان والإعمار للأشخاص ذوي الإعاقة وبتخفيض مقدارها (55%) من قيمة الوحدة السكنية كذلك يتم تسديد المبلغ على شكل أقساط شهرية.
ومع أن الأعوام الأخيرة شهدت اهتماما ملحوظا بفئة ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة على المستوى الدولي والإقليمي والوطني من حيث صدور عدد من التشريعات، وتأليف عدد من الهيئات التنفيذية، بالإضافة إلى الهيئات الإشراقية والرقابية، والتي حسنت إلى حد ما من ظروف هذه الفئة الاجتماعية الهشة، إلا أن ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة في العراق مازالوا بعدين عن نيل حقوقهم التي نص عليها قانون رعاية المعاقين، لأسباب منها أن قانون رعاية ذوي الإعاقة بحاجة إلى تعديلات ضرورية تستجيب لتغيرات المرحلة، كما أن تعليمات قانون ذوي الإعاقة لم تصدر إلى الآن، ما يفقد الجهات التنفيذية القدرة على القيام بواجباتها القانونية، كما أن هناك مشكلة بنيوية تتعلق بمجلس إدارة الهيئة المؤلف من عدد من المديرين العامين من وزارات وجهات متعددة يصعب معها تأمين اجتماعات مجلس الإدارة مما يؤثر سلبا على أداء الهيئة، بالإضافة إلى مشكلات مالية وتنظيمية تحول دون تحقيق أهداف قانون رعاية ذوي الإعاقة.
بناء على ما تقدم فانا نرى أن هيئة رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة لن تتمكن من أداء واجباتها مع وجود هذا الكم الهائل من المشكلات والتحديات، لذا نرى ما يأتي:
- تعديل قانون رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة، بما يضمن إدراج الحقوق والامتيازات والآليات اللازمة لتحقق تلك الحقوق والامتيازات.
- إصدار التعليمات والتوجيهات اللازمة لتنفيذ القانون، لكي تتمكن الوزارات والجهات ذات العلاقة بشؤون ذوي الإعاقة من تنفيذ بنود القانون، وبحسب اختصاص كل وزارة.
- إعادة النظر بتركيبة مجلس إدارة الهيئة بما يضمن سهولة تحقق الاجتماعات، وأخذ القرارات الملائمة.
- إعادة النظر بتبعية (هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة) وفك ارتباطها من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية؛ على اعتبارها من الهيئات المستقلة.
- خلق بيئة رسمية ملائمة في المؤسسات والدوائر الحكومية ذات الصلة تضمن تعريف ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة بحقوقهم، وطرق الحصول عليها، بما يراعي ظروفهم الخاصة، ويحفظ كرامتهم.
- تمكين الهيئة من الحصول على موارد مالية تتمكن فيها من أداء واجباتها الملقاة على عاتقها مثل تشيد أبنية جديدة مطابقة للموصفات، وتحسين أداء موظفيها من جهة، وتتمكن من تلبية الاحتياجات المالية لذوي الإعاقة من جهة ثانية.
اضف تعليق