ما معنى (الرجال قوامون على النساء)؟ وبماذا فٌضل الرجال على النساء؟ وهل حكم (القوامة) يشمل كل الرجال والنساء أم يشمل خصوص الزوجين فقط؟ وهل يمكن أن تكون للمرأة ولاية على الرجل؟ وماهي الآثار الشرعية والقانونية والاجتماعية التي ترتبت على تطبيق هذه القاعدة؟ وماذا لو كانت المرأة...
للإسلام نظام لإدارة الأسرة، ويعتمد هذا النظام من بين ما يعتمد على قاعدة رصينة هي (قوامة الرجال على النساء)، وأصل هذه القاعدة الآية القرآنية (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، وعلى أساس قاعدة (قوامة الرجال على النساء) يرى دعاة حقوق الإنسان أن الإسلام أعطى الأفضلية للرجال على النساء. وسلط الرجل على المرأة، وألغى شخصيتها، وانتقص من قدرها وكرامتها...
وهو ما لا وجه له للتمييز! فالمرأة كالرجل قادرة على رئاسة البيت والأسرة والمجتمع، كما هي قادرة على الإنفاق على أسرتها، تماما كما يفعل الرجل. وهذا لا يحتاج إلى شهادة، ففي حياتنا اليومية أمثلة لا تعد ولا تحصى، فلا يكاد يخلو حي سكني من امرأة تدير منزلها وأسرتها بالطريقة التي يديرها الرجل. بل بالعكس تماما نجد أن البيت الذي ليس فيه امرأة، أما كانت أم زوجة أم أختا، هو أكثر البيوت فوضى في الرئاسة والإدارة، والنظافة والترتيب، وغيرها، فالمرأة هي القائد الحقيقي في البيت وليس الرجل، وهي أدري من الرجل بحاجات البيت والأولاد وما يلزمهما، وكلمتها في الغالب هي الكلمة الفيصل، ليس عند الأولاد، فحسب بل حتى عند الزوج.
إذا ما معنى (الرجال قوامون على النساء)؟ وبماذا فٌضل الرجال على النساء؟ وهل حكم (القوامة) يشمل كل الرجال والنساء أم يشمل خصوص الزوجين فقط؟ وهل يمكن أن تكون للمرأة ولاية على الرجل؟ وماهي الآثار الشرعية والقانونية والاجتماعية التي ترتبت على تطبيق هذه القاعدة؟ وماذا لو كانت المرأة هي التي تُنفق على زوجها لأي سبب كان، كأن يكون لديها مال أو عمل، وكان الرجل فقيرا أو عاجزا عن العمل، أو ليس لديه عمل، فهل تثبت القوامة لها؟
إن القوامة في اللغة تعني القيام بأمر وشؤون شخص أو قوم، وتسيس أمورهم، وتكفل معاشهم، والحفاظ على مصالحهم، وبقية شؤونهم. وقام الرجل على المرأة أي صانها، وعلى هذا؛ فمعنى أن الرجال قوامون على النساء أي متكلفون بأمور النساء، معنيون بشؤونهم. وإن قوامة الرجل في بيته تعنى أن يوفر لهم كل أسباب الحياة من مأكل وملبس ومسكن.
ومن يتأمل نصوص الفقهاء يجد أنهم يستخدمون كلمة (القوامة) في أحد المعاني الآتية:
1. القيم على القاصر: وهي ولاية يعهد بها القاضي إلى شخص رشيد، ليقوم بما يصلح أمر القاصر في أموره المالية.
2. القيم على الوقف، وهي ولاية يفوض بموجبها صاحبها بحفظ المال الموقوف، والعمل على بقائه صالحا ناميا، بحسب شروط الواقف.
3. القيم على الزوجة: وهي ولاية يفوض بموجبها الزوج لتدبير شؤون زوجته، والقيام بما يصلحها.
والسؤال هنا هل هذه القوامة تشمل جميع الرجال على جميع النساء، بحيث يقال إن كل رجل له قوامة على كل امرأة، ولو كانت عنه أجنبية أم أن القوامة تعني قوامة الزوج على زوجته؟ وماذا يترتب على ذلك؟
هناك من فقهاء المسلمين من يرى أن القوامة هنا بمعنى الولاية والسلطة، وهي قوامة عامة تشمل قوامة جميع الرجال على جميع النساء، بمعنى أن الرجال بما هم رجال قوامون على النساء بما هن نساء، أي للرجال ولاية على النساء، ولا تختص القوامة بالزوج على زوجته، حيث إن الله فضل سائر الرجال على سائر النساء.
ويترتب على هذا القول إن الرجل له حق القوامة على جميع النساء في أسرته، مثل زوجته وأبنه وأخته وأمه، وأي امرأة هو ينفق عليها من ماله. ويترتب على هذا القول أيضا عدم جواز أن تتقلد المرأة أي منصب إداري أو سياسي أو ثقافي أو تربوي فيه رجال، فضلا عن رئاسة الأسرة، إذ لا يصح أن تكون المرأة قيمة على الرجل مطلقا.
وعليه؛ لا يمكن أن تكون المرأة مديرة في مدرسة فيها رجال، أو مديرة في مستشفى فيه رجال، ولا يجوز أن تترشح إلى المجالس النيابية، ولا تتقلد منصبا حكوميا رفيعا مثل أن تكون وزيرة أو قاضية ونحو ذلك. وفي الواقع هذا الاتجاه هو الاتجاه السائد قديما عندما كانت المرأة بعيدة عن العلم والدين والسياسة والإدارة. وقد بنت بعض الدول العربية والإسلامية قوانينها على هذا الأساس.
بينما يرى عدد من الفقهاء المتأخرين أن المقصود من قاعدة (قوامة الرجال على النساء) هو خصوص العلاقة بين الزوجين، ولا تتعداهما إلى أحد غيرهما في الأسرة، ومعناها أن يتحمل الرجل إدارة شؤون زوجته ورعايتها، ولا تعني منح الرجل الزوج سلطة وولاية على المرأة الزوجة.
وقوامة الزوج على زوجته هي مسؤولية يتحملها الزوج من أجل رعاية زوجته، ولا تمنحه أي سلطة في التحكم بشؤونها المالية أو الفكرية، فلا يحق للزوج أن يمنع زوجته أو يلزمها في إنفاق مالها الخاص دون رضاها، ولا يملك الرجل أدنى سيطرة على معتقدات وأفكار زوجته، حيث إنّ العلاقة بين الزوجين على الصّعيد الفكري كالعلاقة بين أيّ اثنين من الناس، فقد تختلف الزوجة مع زوجها عقديًّا أو فكريًّا، ولا سبيل له عليها إلّا محاولة أقناعها برأيه، أو الاقتناع برأيها، من خلال النقاش وتبادل الآراء، فإنْ لم تقتنع الزوجة بوجهة نظر زوجها، فلا يحقّ له إجبارها على النزول عند رأيه.
بناء على ذلك؛ يرى بعض علماء الإسلام أن قاعدة (قوامة الرجال على النساء) لا تدل إطلاقا على تفوّق الرجال على النساء. فلو طرح الرجل والمرأة قبال بعضهما كصنفين لا يصبح الرجل قوّاما وقيّماً على المرأة، ولا تصبح المرأة تحت قوامة الرجل، بل القوامة بين الزوج والزوجة.
ولا تدل قوامة الرجل على المرأة على كماله وقربه من الله، كما إن أفرادا في المجتمعات والوزارات قوامون على الآخرين، كالمدير والمسؤول والرئيس وأمثالهم. لكن لا تجلب الإدارة الفضل الأخلاقي لهم، وإنما هي مسؤولية تنفيذية، ومن الممكن أن يخلص شخص، وهو ليس في موقع الإدارة أكثر ممن هو قيم فيصبح أقرب إلى الله. فجوهر القوامة هو التكليف. فإذا تلقينا الآية على أنها تبين الواجبات، ولا تعطي المزايا، حينئذ يكون معنى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} وتعني أن يا رجال كونوا قوامين على بيوتكم، معيلين لأسرتكم ومديرين لشؤونها.
وعليه؛ فليس المقصود من قوامة الرجال على النساء هو لاستبداد والإجحاف والعدوان بحق الزوجة، بل المقصود هو أن تكون القيادة واحدة ومنظمة مع أخذ مبدأ الشورى والتشاور بنظر الاعتبار. إن هذه المسألة تبدو واضحة في هذا العصر أكثر من أي وقت مضى، وهي أن أية هيئة حتى المؤلفة من شخصين مكلفة بالقيام بأمر لابد أن يتولى أحدهما زعامة تلك الهيئة فيكون رئيسها، بينما يقوم الآخر بمساعدته فيكون بمثابة (المعاون أو العضو)، وإلا سادت الفوضى أعمال تلك الهيئة، واختلت نشاطاتها، وأخفقت في تحقيق أهدافها المنشودة، وهكذا الحال بالنسبة إلى العائلة، فلابد من إسناد إدارة العائلة إلى الرجل.
وإنما تعطى هذه المكانة للرجل لكونه يتمتع بخصوصيات معينة مثل القدرة على ترجيح جانب العقل على جانب العاطفة والمشاعر، (على العكس من المرأة التي تتمتع بطاقة فياضة وطاغية من الأحاسيس والعواطف) ومثل امتلاك بنية داخلية وقوة بدنية أكبر ليستطيع بالأولى أن يفكر ويخطط جيدا، ويستطيع بالثانية أن يدافع عن العائلة ويذب عنها. هذا مضافا إلى أنه يستحق - لقاء ما يتحمله من الإنفاق على الأولاد والزوجة، ولقاء ما تعهده من القيام بكل التكاليف اللازمة من مهر ونفقة وإدارة مادية لائقة للعائلة أن تناط إليه وظيفة القوامة والرئاسة في النظام العائلي.
نعم يمكن أن يكون هناك بعض النسوة ممن يتفوقن على أزواجهن في بعض الجهات، إلا أن القوانين - تسن بملاحظة النوع ومراعاة الأغلبية لا بملاحظة الأفراد، فردا فردا، ولا شك أن الحالة الغالبة في الرجال أنهم يتفوقون على النساء في القابلية على القيام بهذه المهمة، وإن كانت النسوة يمكنهن أن يتعهدن القيام بوظائف أخرى لا يشك في أهميتها.
والسؤال الأهم هل المسلمون الرجال والنساء على حد سواء، فهموا ما هو المقصود من قاعدة (قوامة الرجال على النساء)؟ وهل هؤلاء طبقوها كما أرادها الشارع المقدس على أساس من المحبة والتعاون والألفة؟ الجواب لا. حيث إن قاعدة (الرجال قوامون على النساء) مثل كل المبادئ والأصول والأحكام الدينية، ومثل كل القوانين والقرارات التي يخالفها الكثير من الناس ولا يلتزمون بها، فبعض الرجال يفهم منها أنها تخوله التصرف بحق زوجته أو ابنته أو أخته وحتى أمه، وأن له الولاية عليهن، كيفما يشاء، فيصدر أحكاما وأوامر تتعدى مسؤوليته وصلاحيته وما خوله بها الشرع والقانون، فيتجاوز كل القيم والمبادئ والأحكام ولا يلتفت إليها.
ومن صور إساءة استعمال القوامة ما أشارت إليه الدراسات إلى أن 20 إلى 60% من النساء في الدول النامية تعرضن للضرب داخل الأسرة، وأن 35% من المصريات المتزوجات تَعَرَّضْنَ للضرب من قبل أزواجهن، و69% من الزوجات يتعرضن للضرب في حالة عدم الاستجابة لطلبات الزوج، أو الرد عليه بلهجةٍ لا تعجبه، أو تدخل الزوجة برأيها في شؤونه وشؤون المنزل، و40% من حالات الطلاق وقعت نتيجة ضرب الزوج لزوجته.
وهذا بالتأكيد لا يحسب على الدين، كما لا يحسب على القانون. وبعض الرجال يريد القوامة على زوجته ويتمسك بها ولا يؤدي التزاماته المفروضة عليه ليستحق القوامة على زوجته مثل الرعاية والإنفاق والاحترام والمشورة، فمثل هؤلاء الرجال ينبغي أن يعلموا أن القوامة إنما تتحقق بشروطه وأهم شروطها هو أن الزوجة عضو مهم في الأسرة، بل هي أهم عضو، وأن لها حقوق كما عليها واجبات فلا ينبغي الاعتداء عليها أو الانتقاص من حقوقها. يقول السيد الشيرازي في قوامة الرجل (ودرجة القوامة هذه ليست نقصاً في المرأة مطلقاً بل القوامة أو القيادة أو الإمارة شيء لا بدّ منه لتسيير الحياة بصورة منتظمة)، كذلك لا ينبغي أن تستخدم قاعدة القوامة للعدوان على المرأة أو إيذائها أو الانتقاص من حقوقها أو التقليل من مسؤولياتها الأسرية والاجتماعية.
وبناء على ما تقدم نستطيع أن نبين الآتي:
1. إن (القوامة) حكم من الأحكام الشرعية جعلها الله للرجل، ويقصد بها قيادة الأسرة وتحمل مسؤوليتها، فالزوج هو المسؤول عن توفير متطلبات الحياة للزوجة والأبناء، وهذا فيه زيادة في التكليف، ولا يقصد بها تكريم الرجل على المرأة، فهي قوامة تكليف لا تشريف، فإن قصر في قوامته ومسؤوليته حاسبه الله تعالى على هذا التقصير.
2. إن القوامة حكم شرعي لصالح المرأة قطعا، إذ من يقوم على شؤون المرأة أو يتولى أمرها، فعليه أن يكون ملازما لها، ومحافظا عليها، ومناصرا، وناصحا، ومحبا، وقريبا، فهو عمدة لها وينبغي أن نستبعد المعاني التي تدل على التسلط وغيره بحق المرأة؛ لأن هذا يتنافى مع المنظومة القيمية التي أمر بها الله تعالى، فمصلحة المرأة الدنيوية والأخروية هي المقصودة في قوامة الرجل على المرأة، وليس المقصود استعبادها أو إدارة أمورها، وكأنها كيان لا قيمة له؛ بل لها كل الحقوق المدنية والتشريعية والتجارية كالرجل.
3. تكون القوامة من حق من يتوفر فيه شروطها، وهما الأهلية والإنفاق، وليس من مصلحة الأسرة إن كان الرجل معتوها أو مختلا عقليا أو مريضا نفسيا أو مدمنا للمخدرات أو مشلولا كاملا أو مجرما أن يتولى القوامة، وفي هذه الحالة تكون القوامة للمرأة مراعاة لمصلحة الأسرة، والشرط الثاني هو الإنفاق فالقوام لابد أن يتولى الإنفاق على من هو قوام عليهم.
اضف تعليق