الفقر في اللغة هو الافتقار، بمعنى العوز، والمتعارف عليه أن الفقر هو حالة العوز المادي حيث يعيش الإنسان دون حد الكفاف، المتمثل بسوء التغذية والمجاعة حتى الموت، والذي يؤدي إلى انخفاض المستوى الصحي والتعليمي والحرمان من امتلاك السلع المعمرة والأصول المادية الأخرى، وفقدان الضمان لمواجهة الحالات الطارئة كالمرض والإعاقة والبطالة والكوارث والأزمات، وغيرها..
إن وجود عالم متحرر من العوز والخوف، حسب الرؤية المنشودة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ما زال أملاً بعيد المنال. إذ ترى الأمم المتحدة أنه في ظل نسبة مذهلة قدرها ٤٠ في المائـة مـن سكان العالم يعيشون حقيقة الفقر المدقع أو يواجهون خطر الوقوع فيه، وفي ظل وضع يتمثل في أن واحداً من كل خمسة أشخاص يعيشون في حالة من الفقر تبلغ من الشدة ما يجعلها تهدد بقاءه، يشكل الفقر أكبر تحدٍ في مجال حقوق الإنسان يواجهه العالم اليوم.
ومن منظور حقوق الإنسان، يمكن وصف الفقر بأنه إنكار حق الشخص في طائفة من القدرات الأساسية، مثل قدرة المرء على أن يأكل بقدر وافٍ، وعلى أن يحيا في صحة جيدة، وعلى أن يشترك في عمليات صنع القرار، وفي الحياة الاجتماعية والثقافية للمجتمع. وبالتالي، ليس الفقر مسألة تتعلق بالدخل فقط بل هو، وهو أمر أكثر أهمية من حيث الجوهر، مسألة أن يتمكن المرء من أن يعيش حياة ينعم فيها بالكرامة ويتمتع فيها بحقوق الإنسان والحريات الأساسية. وهو "الفقر" يصف مجموعة متشـعبة مـن أوجه الحرمان المترابطة التي يدعم بعضها بعضاً والتي تؤثر على قدرة الناس على المطالبة والتمتع بحقوقهم المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
إن تعزيز حقوق الإنسان ومكافحة الفقر يدخلان في صميم ولاية الأمم المتحدة. وهذان الهدفان مرتبطان ارتـباطاً وثيقاً ويعزز كل منهما الآخر، فقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 25 منه على ما يلي:
"لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق فيما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تُفقده أسباب عيشه". وفضلاً عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يعترف العهدان الدوليان الخاصان بحقوق الإنسان بأن المثل الأعلى للإنسان الحر الذي لا تكبله أغلال الخوف والعوز لا يمكن أن يتحقق إلا إذا توافرت ظروف تمكن كل شخص من أن يتمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكذلك بحقوقه المدنية والسياسية.
إذن كيف يمكن أن نوفر الظروف والأدوات التي تمكن الفقراء من التمتع بحقوقهم؟ هل هناك إستراتيجية أممية للحد من الفقر في إطار حقوق الإنسان؟
هناك مجموعة من القواعد والأسس التي تعتمدها الأمم المتحدة للحد من الفقر في إطار منظومة حقوق الإنسان تعرف بـ(نهج مرتكز على حقوق الإنسان بشأن الحد من الفقر) ومن هذه القواعد التي ينبغي إعمالها للقضاء على الفقر، هي أن السياسات والمؤسسات المتعلقة بالحد من الفقر في أي دولة ينبغي أن تكون مبنية صراحة على المعايير والقيم المنصوص عليها في قانون حقوق الإنسان الدولي. إذ أن أحـد الأسباب المهمة التي تجعل إطار حقوق الإنسان قوياً في سياق الحد من الفقر هو أنه يمكن أن يؤدي إلى الـتمكين للفقراء. فكما هو مسلم به الآن على نطاق واسع، فإن الحد من الفقر بصورة فعالة ليس ممكناً بدون التمكين للفقراء.
ويؤكد النهج المرتكز على حقوق الإنسان بشأن الحد من الفقر على قاعدة مساءلة واضعي السياسات وغيرهم ممن يكون لأعمالهم تأثير على حقوق الناس. فالحقوق تنطوي على واجبات، كما أن الواجبات تتطلب المساءلة. وأيضا قاعدة حماية إستراتيجية للحد من الفقر من أن تقوّضها الآثار التخريبية المترتبة على الفساد حيث يـؤدي الفساد إلى عرقلة استراتيجيات الحد من الفقر في كثير من البلدان. بيد أن من غير المحتمل أن يزدهر الفساد عند توافر إمكانية الوصول إلى المعلومات، وحرية التعبير، والمشاركة والمساءلة - وهي جميعاً سمات رئيسـية من سمات حقوق الإنسان.
وتستند النهج المرتكز على حقوق الإنسان للحد من الفقر على قاعدة "مسؤولية مشـتركة". فبينما تكون الدولة هي المسؤولة في المقام الأول عن إعمال حقوق الإنسان للناس الذين يعيشون في كـنف ولايتها، يكون أيضاً على الدول الأخرى والجهات الفاعلة غير التابعة للدول مسؤولية الإسهام في إعمال حقوق الإنسان أو على الأقل مسؤولية عدم انتهاكها.
خلاصـة القول إن النهج المرتكز على حقوق الإنسان يمكن أن يدفع إلى الأمام بالهدف المتمثل في الحد من الفقر، وذلـك بمجموعة متنوعة من الطرق:
أ- بالحث على القيام على وجه السرعة باعتماد إستراتيجية للحد من الفقر ترتكز على حقوق الإنسان؛
ب- بتوسيع نطاق استراتيجيات الحد من الفقر لكي تتناول هياكل التمييز التي تولد الفقر وتديمه؛
ت- بالحـث على توسيع نطاق الحقوق المدنية والسياسية التي يمكن أن تؤدي دوراً مفيداً حاسماً في النهوض بقضية الحد من الفقر؛
ث- بتأكيد أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هي حقوق إنسانية دولية ملزمة وليس مجرد تطلعات بـرامج؛
ج- بالـتحذير مـن الـتراجع عـن الالتزامات الأساسية الدنيا وعن عدم الوفاء؛
ح- بإضفاء المشروعية على طلب اشتراك الفقراء اشتراكاً ذا معنى في عملية صنع القرار؛
خ- بإنشاء وتعزيز المؤسسات التي يمكن عن طريقها مساءلة واضعي السياسات عن أعمالهم
..........................................
اضف تعليق