يحتفل الصحفيون العراقيون بالعيد الوطني للصحافة العراقية في ذكراها السادسة والأربعين بعد المائة حيث أعلن عن انطلاق أول صحيفة" الزوراء" في العاصمة العام 1869 وتلتها حركة إعلامية واعدة خلال فترة وجود العثمانيين وأثناء دخول القوات البريطانية التي أسست لشكل من أشكال الحكم الديمقراطي الذي جسدته فعاليات سياسية من خلال تشكيل الأحزاب ووجود برلمان وحكومة وملكية دستورية، وسمح ذلك بتأسيس الصحف التي كانت تمثل الشكل الأبرز للصحافة والإعلام فلم يكن هناك وكالات أنباء ولا فضائيات، لذلك كان للصحافة الورقية دور مؤثر في الحركة السياسية وفي رسم السياسات العامة.
وكان لكل حزب صحيفة مستقلة، بينما شكل وجود الصحافة الساخرة عاملا مضافا للدفق الصحفي الفاعل الذي جعل القوى السياسية تحتكم الى الصحفيين والجرائد التي تصدر في بغداد، برغم إن السلطات لم تكن راضية تماما عن الصحفيين وكانت تسجن العديد منهم وتضيق على آخرين ولو كان هناك مرصد كالمرصد العراقي الذي يعمل اليوم للدفاع عن حرية التعبير لكان هناك العديد من البيانات التي تدين وتشجب وتستنكر الإعتداءات والإعتقالات في الفترة الملكية وماتلاها بعد ثورة تموز 1958 لكن ردود الفعل كانت تتمثل في تهيئة مستلزمات السجن من بطانية وأدوات حلاقة وبعض المستلزمات الشخصية بعد كل مقال عاصف أو رأي يستهدف شخصية سياسية، أو قوى فاعلة في السلطة التشريعية، أو التنفيذية مع إن الإستهداف لم يكن على مستوى من الخطورة مقلق.
بعد العام 2003 ومع سقوط آخر نظام شمولي في هذه البلاد تعددت أوجه النشاط الإعلامي والصحفي وظهرت مئات القنوات الفضائية والإذاعات والصحف ووكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية التي شغلت الرأي العام وواكبت الأحداث وكانت تلاحق السياسيين أين حل بهم حراكهم اليومي، وكانت الصحافة سندا للعمل الديمقراطي مع تعدد الأحزاب والتكتلات التي إعتمدت الصحافة والصحفيين، غير إن هذا لم يكن سوى البداية فقد تفجرت أعمال عنف طائفية وقومية، وظهرت جماعات مسلحة، ومورست عمليات إرهابية مقيتة من خلال بعض التنظيمات الوافدة، وأدى ذلك الى سقوط مئات القتلى من الصحفيين وجرح أمثالهم وهروب آخرين، حتى ظهرت داعش بوحشيتها وعنفها فقتلت منهم في الموصل لوحدها مايزيد على الأحد عشر صحفيا في غضون شهور قليلة.
الجهات السياسية ومنها البرلمان والحكومة ومجالس المحافظات وهيئات ومؤسسات وأشخاص ساهموا بشكل أو بآخر في الترويج لفكرة قمع الحريات والتضييق على النشاط الصحفي من خلال المنع والحرمان من التغطية وعدم التواصل المثمر مع الفرق الإعلامية وهذا كله مسجل من خلال المرصد العراقي للحريات الصحفية الذي يعمل بشكل حثيث مع نقابة الصحفيين العراقيين والمنظمات الدولية لتقليل المخاطر التي تستهدف الصحفيين ولوضع الأسس القانونية المتينة لحمايتهم من المخاطر المحدقة بهم، وتوفير الضمانات القانونية والمعيشية ورعاية أسر الشهداء منهم وتقديم الدعم القانوني لمن يتعرضون الى مشاكل نتيجة عملهم في التغطية الصحفية.
عيد الصحافة العراقية يمر هذا العام ونحن نعيش ظروفا إستثنائية تحتاج الى التلاحم ونبذ الخلاف والعمل بروح الفريق الواحد للوصول بالصحافة الى مستوى يليق بها وبتاريخها والفاعلين والناشطين من الإعلاميين والصحفيين الذين قدموا كل مايملكون من أجلها.
* رئيس المرصد العراقي للحريات الصحفية
اضف تعليق