حالات الطوارئ، القصوى منها خاصة، عادة ما تمثّل فرصة مناسبة للسلطات التنفيذية للتملّص من واجباتها تجاه شعوبها، بل ونزوعها في الغالب، إلى تجاهل حقوق الإنسان والحريات العامة، وتوظيف حالات الطوارئ تلك ذريعة للاعتداء على الحقوق والحريات العامة والخاصة. كما تتشبّث بعض الحكومات بالسلطات الواسعة الممنوحة...
في ظل الظروف الاستثنائية التي تعيشها غالبية دول العالم، نتيجة تفشي وباء كارونا، لجأت العديد من الحكومات إلى إعلان (حالة الطوارئ) أو إعلان (حظر التجوال) للحد من انتشار هذا الوباء، وبغية مكافحته نهائيا، بعد أن فتك بالآلاف من مواطنيها.
فماذا يعني إعلان (حالة الطوارئ) أو إعلان (حظر التجوال)؟ وما هو الفرق بينهما؟ وكيف يمكن أن تؤثر (حالة الطوارئ) أو (حظر التجوال) على حقوق الإنسان وحرياته الأساسية؟ وماهي الحالات التي تعد مخالفة لتلك الحقوق، أو انتهاكا لها؟ وماهي الحالات التقييد المسموح بها في ظل تلك الظروف الاستثنائية؟
إن الطوارئ هي الحوادث المفاجئة التي تحدث في دولة ما أو في منطقة ما، وإعلان حالة الطوارئ هي قيام سلطات دولة ما بـ (مجموعةٌ من الإجراءات والتدابير على المستوى الوطني، أو على مستوى محددٍ من الدّولة، بهدف الحفاظ على النّظام العام، وضبط الأمن، إبّان وقوع أحداثٍ استثنائيّة، تُهدد الأمن والسلامة العامة، كأعمال الشغب، أو المظاهرات العارمة، أو هجماتٍ واسعة، أو كوارث وغيرها).
وهناك ما يٌعرف بإعلان (حالة الطوارئ الصحية العالمية) مثل الحالة التي أعلنتها منظمة الصحة العالمية، بعد انتشار فيروس كورونا في (18) دولة في العالم، والتي تمنحها سلطة إصدار تنبيهات وتحذيرات تتعلق بالسفر للمدن والمناطق والبلدان المتأثرة بالمرض، ومراجعة تدابير الصحة العامة التي اتخذتها بلدان العالم لضمان أوضاعها الصحية. وإذا ما قامت دولة ما، بفرض قيود على السفر أو التجارة، بشكل يتجاوز توصيات المنظمة، يحق للمنظمة الدولية أن تطلب تبريرات وتفسيرات علمية لتلك الإجراءات.
بينما الحظر هو المنع من الخروج، وحَظْر التَّجوُّل هو (إجراء تتّخذه الحكوماتُ عند وقوع اضطرابات داخليّة، أو بسبب عدوان خارجيّ، أو أحداث طبيعية يُمنع بمقتضاه السَّير في الطُّرقات) ولا شك أن إعلان (حالة الطوارئ) هو أشمل من إعلان (حظر التجوال) فحظر التجوال يمكن أن يكون أحد الإجراءات التي تقوم بها السلطات لتطبيق حالة الطوارئ.
وفي حال قيام دولة معينة بإعلان (حالة الطوارئ) أو إعلان (حظر التجوال) فقط، فهذا يعني منح صلاحيّاتٍ استثنائيّةٍ للسلطاتِ الإداريّة، وتحديداً لِرجال الأمن والشّرطة، مثل صلاحية غلق المرافق العموميّة، ومنع التجمعات، ووضع مجموعةٍ من الأفراد رهن الإقامةِ الجبريّة؛ إنْ كانت حريتهم تعني الإخلال بالأمن العام، والقيام بمداهماتٍ لبيوتٍ يشتبه بوجودِ خطرٍ ما فيها. وتقييد الحقوق الأساسيّة الجماعيّة والفرديّة، وبعض الحريّات، كالحق في حريّة التّجمع والتّظاهر، وحريّة الصحافة، وحريّة التنقّل؛ وغيرها.
ولكن كيف يمكن للسلطات أن توفق بين إجراءات فرض (حالة الطوارئ) أو فرض (حظر التجوال) للمحافظة على النظام العام؛ وأمن المواطن، في حال تعرض البلاد إلى أخطار طبيعية أو غير طبيعية، تستوجب العمل بهذه الإجراءات الاستثنائية، من جهة. وبين المحافظة على تطبيق قواعد حقوق الإنسان وحرياته التي تستلزم عدم المس بها أو انتهاكها، في ظل ظروف استثنائية تعيشها البلاد، من جهة ثانية؟
في الواقع، لا ينبغي التقليل من حجم الأخطار التي تواجهها العديد من البلدان، نتيجة انتشار وباء كورنا (على سبيل المثال) فهذه الجائحة أصابت الملايين من البشر، وقضت على الآلاف منهم، في ظرف أشهر معدودة، وهي آخذة بالتوسع، دون أن تتوصل المؤسسات الطبية إلى لقاحات أو علاجات مؤكدة، تحد من قدرتها على الإصابة، أو تساعد المصابين على التعافي.
ولكن توجيهات الصحة العامة، لاسيما منظمة الصحة العالمية، أكدت أن التجمعات البشرية المكثفة، سواء في المعامل؛ أو الأسواق؛ أو الشوارع، أو المدارس أو المساجد، كانت سببا أساسيا من أسباب انتشارها. كما أن بقاء المواطنين في بيوتهم من دون الخروج إلى العمل أو السوق، أو المدرسة سببا من أهم أسباب الحد من انتشارها. وهذا ما دعا العديد من الدول؛ إما إلى إعلان حالة الطوارئ؛ وإما إلى إعلان حظر التجوال حتى تتمكن الجهات الصحة القطاعية من السيطرة على هذا الوباء.
غير أنّ التاريخ علّمنا أنّ حالات الطوارئ، القصوى منها خاصة، عادة ما تمثّل فرصة مناسبة للسلطات التنفيذية للتملّص من واجباتها تجاه شعوبها، بل ونزوعها في الغالب، إلى تجاهل حقوق الإنسان والحريات العامة، وتوظيف حالات الطوارئ تلك ذريعة للاعتداء على الحقوق والحريات العامة والخاصة. كما تتشبّث بعض الحكومات بالسلطات الواسعة الممنوحة لها، وتصرّ على الاحتفاظ بها، حتّى بعد انفراج الأزمات، وهذا ما شهدته مجتمعات جلّ الدول، وهي تواجه حالات طوارئ تفشي الأوبئة.
لذلك؛ أكدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم بشأن ما يتعلق باستجابة الحكومة التي تقيّد حقوق الإنسان من أجل أسباب الصحة العامة أو الطوارئ الوطنية على أنّ (أيّ تدابير تتخذ لحماية السكان، ويكون من شأنها الحدّ من حقوق الناس وحرياتهم، يجب أن تكون قانونية؛ وضرورية؛ ومتناسبة. كما يجب أن تكون حالات الطوارئ محدودة المدة زمنيا، وينبغي على أي تقليص للحقوق الأخذ بعين الاعتبار الأثر غير المتناسب على فئات سكانية محددة أو فئات مهمشة).
وكتب عدد من خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة الآتي: (لا يجب أبدًا استخدام حالة الطوارئ المعلنة، بسبب تفشي فيروس كورونا كعذر لاستهداف مجموعات أو أقليات أو أفراد معينين. ولا يجب أبدًا أن تشكّل غطاء لعمل قمعي بحجّة حماية الصحة، أو أن تُستخدم لعرقلة عمل المدافعين عن حقوق الإنسان. كما يجب أن تُعتَمَد القيود المفروضة للتصدّي للفيروس على أساس أهداف الصحة العامة المشروعة، لا أن تُستَخدَم بكلّ بساطة لقمع المعارضة)، وعلى هذا يرى (كينيث روث) المدير التنفيذي لهيومن رايتس ووتش، أنه (يجب على الحكومات تجنب القيود الشاملة والواسعة بشكل مفرط على الحركة والحرية الشخصية، والاعتماد على التباعد الاجتماعي الطوعي، وفرض القيود الإلزامية فقط عندما يكون ذلك مبرراً وضرورياً وعلمياً).
على هذا الأساس؛ ترى العديد من منظمات حقوق الإنسان أن السلطات تعد ملتزمة بحقوق الإنسان وحرياته، بشأن إجراءاتها للحد من وباء كارونا العالمي، في الحالات الآتية:
1. إذا ما استخدمت صلاحيات الطوارئ بشكل قانوني، وبالقدر الضروري والمتناسب.
2. إذا ما كانت صلاحيات الطوارئ متاحة لفترة محددة، وبموجب إشراف تشريعي أو قضائي.
3. إذا ما كانت تبلغ عن أية استثناءات (تجميد مؤقت للوفاء بالتزامات حقوق الإنسان) للهيئات ذات الصلة المنشأة بموجب معاهدات.
4. إذا ما وفرت إلى مواطنيها معلومات دقيقة، يسهل الوصول إليها، وتصدر في الوقت المناسب بشأن انتشار الوباء العالمي، ولم تنكر وجوده.
5. لم تنشط أجهزتها الأمنية في ملاحقة الصحفيين، وفاضحي الفساد وآخرين ممن أثاروا مخاوف مشروعة إزاء هذا الوباء.
6. إذا ما أخذت خطوات جادة في إتاحة الإنترنت، وتوفرها بكلفة معقولة، لا سيما في الأماكن الخاضعة للحظر، وفي ظل انتقال العديد من النشاطات التعليمية والصحية والوظيفية إلى الإنترنت.
7. إذا ما وفرت رعاية صحية جيدة، بثمن معقول متاحة للجميع دون تمييز.
8. إذا وفرت مستلزمات فرض الحظر الأخرى الأساسية لحياة مواطنيها مثل توفير الطعام والمياه، وغيرها. وقامت بتذليل العقبات التي تعترض حصول الفقراء والفئات المهمشة على هذه الحاجات الأساسية.
9. إذا ما قامت بتُوزيع معدات الاختبار، وأجهزة التنفس مساواة بين مواطنيها جميعا دون استثناء.
10. إذا كفت عن فرض عقوبات تجارية دولية تحد من توفر الرعاية الصحية، هذا فيما يتعلق بالدول الكبرى التي تفرض حصارا اقتصاديا على دول أخرى من أمريكا وأوروبا.
11. إذا وفرت معدات حماية كافية للعاملين بالرعاية الصحية. وإذا اتخذت خطوات لحماية العاملين بالرعاية الصحية من محاولات التنكيل بهم بسبب تعرضهم المحتمل للعدوى.
12. إذا ما قامت بتوفير أو ضمان توفير نقل القطاعات الضرورية، مثل النقل العام ومتاجر البقالة وعمال توصيل الطلبات والمخازن والسجون والرعاية المنزلية.
13. إذا ما ساهمت في الجهود الدولية لجمع وتوزيع التمويل لمساعدة الدول الأخرى في التعامل مع هذا الفايروس.
14. إذا ما كانت تستخدم تقنيات المراقبة الرقمية للتعامل مع الوباء بشكل يحمي الحق في الخصوصية، والتجمع، وحرية التعبير.
15. إذا ما كانت تستند خطط الحكومة لتخفيف الآثار الاقتصادية لـ كوفيد-19 إلى ضمان الحقوق الاقتصادية للجميع، بما يشمل محدودي الدخل، وغير حاملي الوثائق الرسمية، والعاملين بالقطاع غير الرسمي.
16. إذا كانت قد أغلقت المدارس، ثم اتخذت خطوات لضمان استمرار قدرة جميع الأطفال على الدراسة من البيت.
اضف تعليق