ناقش مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات (الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر ضعفا في العراق)، هذه الفئات طالما ازدادت في العراق والعالم، خصوصا بعد الأزمات الاقتصادية ومعضلة داعش مدخل مفاهيمي نتناول من خلاله مفهوم الحماية الاجتماعية وماذا نقصد به، ثم أساسه القانوني، ثم واقع الحماية الاجتماعية...
ناقش مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات ضمن ملتقى النبأ الأسبوعي الذي تستضيفه مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في مقرها بمدينة كربلاء المقدسة، حلقته النقاشية الموسومة (الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر ضعفا في العراق)، بحضور شخصيات أكاديمية وقانونية وإعلاميين وصحفيين.
اعد الورقة البحثية الدكتور علاء إبراهيم الحسيني، الباحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، قائلا: إن موضوع الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر ضعفا في العراق، بطبيعة الحال سوف نتناول هذا الموضوع من منظور حقوق الإنسان، وهذه الفئات طالما ازدادت في العراق والعالم، خصوصا بعد الأزمات الاقتصادية التي ضربت أرجاء المعمورة في عام (2008) وما تلتها من مشاكل عالميا وعراقيا، خصوصا بعد معضلة داعش والعصابات التكفيرية والإرهابية التي هجمت على البلد، وسببت أزمة إنسانية حقيقية في البلد".
"الحماية الاجتماعية لها مدخل مفاهيمي نتناول من خلاله مفهوم الحماية الاجتماعية وماذا نقصد به، ثم أساسه القانوني، ثم واقع الحماية الاجتماعية في البلد، والمأمول الذي نريد أن نصل إليه..
أولا لابد أن ندرك حقيقة كون الحماية الاجتماعية لم ترد في الدستور العراقي بمفهوم الحق، وإنما كانت هناك محاولات دستورية بصياغاتها بمفهوم آخر أي (بصيغة الضمان الاجتماعي)، وهذا ما ورد في المادة (29/30)، التي ألقت على الدولة في العراق واجب توفير الضمان الاجتماعي لفئات معينة من مثل (الأطفال/ النساء)، وكأنما المشرع الدستوري يريد أن يصنف الفئات الأكثر ضعفا النساء والأطفال".
"ثم في المادة (30) أعقب (بان تكفل الدولة الضمان الصحي والاجتماعي للفرد والأسرة وبخاصة المرأة والطفل، ثم تتكفل الدولة الفئات الأخرى أي في حال (اليتم/ التشرد/ البطالة)، وهذا كله بوابة للدخول للحياة الحرة الكريمة كما عبر المشرع العراقي، والتي يجب على الحكومة وعلى مؤسسات الدولة كافة توفير مقوماتها وأساساتها، وذلك كي يعيش الفرد العراقي حياة حرة كريمة تؤمن له الدخل المناسب والسكن الملائم".
"من هذه المدخلية الدستورية نرجع إلى الحماية الاجتماعية ماذا نريد بها، لان الحماية الاجتماعية مفهوم تعارف عليه المشرع العراقي، بعد أن صدر قانون الحماية الاجتماعية رقم (11) لسنة (2014)، سبق هذا القانون قانون آخر صادر في العام (1980) اسمه (قانون الرعاية الاجتماعية)، (الحماية الاجتماعية يراد بها مجموعة من السياسات والبرامج والاستراتيجيات التي يتم تبنيها للقضاء على المشاكل التي يعاني منها الأفراد الأقل دخلا والأكثر ضعفا في البلد)، فهي ليست برنامج واحد، وهي ليست كما يتصور البعض هي مجرد إعانات ومبالغ ورواتب، وإنما هي عبارة عن مجموعة برامج وسياسات يتم تبنيها لأجل انتشال هذه الفئة".
"بعبارة أخرى الفقه يقول، (إن الحماية حمايتان؛ ايجابية وسلبية)، الحماية السلبية أن يتم صرف الرواتب والإعانات والمبالغ المالية، وهذه سلبية وليست إنتاجية وهي منهكة للموازنة العامة ومدعاة للتكاسل، والأفضل هي الحماية الايجابية التي تنفذ من خلالها البرامج والخطط التأهيلية والتدريبية، فالعاطل عن العمل بدل أن نعطيه مبالغ نقدية وهي حق من حقه، ولكن الأفضل أن نخضع هذا الشخص لدورات تدريبية لتطور مهاراته ومؤهلاته".
"هناك مفهوم ثالث وهو (الأمن الاجتماعي) والمشرع العراقي هنا وقع في المصيدة، والأمن الاجتماعي هو مفهوم قريب من الرعاية الاجتماعية وبعيد عن مفهوم الحماية الاجتماعية، المشرع سقط في نظام رقم (واحد) لسنة (2016) الذي صدر استنادا لقانون الحماية الاجتماعية الخاص بهيئة الحماية الاجتماعية، عبر عن بعض المصطلحات بالأمن الاجتماعي، الأمن الاجتماعي يختلف كمفهوم عن الحماية الاجتماعية، لأنه مفهوم أيضاً سلبي وليس مفهوما ايجابيا".
"لأنه لا يعتمد على أسس تعاقدية، وإنما على أسس نفعية وربحية آنية، الحماية الاجتماعية يعبر عنها الفقه القانوني (بانها أساس من أسس التعاقد بين الفرد والدولة)، كما الدولة تريد مني التزامات معينة تقع عليها أيضاً التزامات من باب آخر، بالتالي من واجبها أن ترعى الفئات الأكثر ضعفا من خلال إخضاعهم لجملة من البرامج والسياسات، التي تقضي على أسس وأسباب الضعف في المجتمع، لذا فان الأمن الاجتماعي هو مفهوم ربحي أو ريعي أو قد يجعل هؤلاء الناس يعتقدون أن من واجبات الدولة أن تعطيهم الأموال، وهذا أمر وارد".
"ولكن الأمن الاجتماعي مفهوم ضيق لا نريد للمشرع العراقي وللحكومة العراقية أن تذهب نحو الأمن الاجتماعي بل نحو الحماية الاجتماعية، لان الحماية مفهوم اشمل ومفهوم أوسع وفيها التزامات أكثر على الحكومة وعلى السلطات، وذلك على اعتبارها ملزمة ان تقوم بإعطاء هؤلاء جزء من الأموال من خلال الإعانات، وجزء آخر من خلال قروض ميسرة للبدء بمشاريع صغيرة ربحية ممكن ان تحرك عجلة الاقتصاد، وممكن أيضاً أن نلزم السلطات العامة بإنشاء مراكز تدريب وتأهيل لاكتساب الخبرات، لذلك يتم زج هؤلاء الشباب وبحسب مؤهلاتهم وقدرتهم الجسمانية والذهنية فسوف نحصل على نتائج ايجابية أسرع".
"وهذا ما ضمنه المشرع العراقي من خلال قانون وزارة العمل والشؤون الاجتماعية (8) لسنة (2006)، الذي جعل من أهدافها التدريب ومراكز التدريب والتأهيل للعمال العاطلين عن العمل وذوي الإعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة، أمر آخر الحماية في العراق مبعثرة ناهيك عن غياب التخطيط، فكل وزارة تعمل في سياق معين فمثلا وزارة التجارة تنهض بجزء مهم من الحماية وهي (البطاقة التموينية)، التي تمثل عنوان مهم للكثير من العوائل العراقية فلابد الرقي بهذا الجانب، بعض البرلمانين في الدورة السابقة اقترحوا موضوع البطاقة الالكترونية وقرأ قراءة أولى في البرلمان ولم يقرأ قراءة ثانية، وهذا الأمر يعتمد على جهاز الإحصاء في وزارة التخطيط لو أريد له التطبيق".
"فيصار إلى فتح حساب بنكي لكل مواطن عراقي، وبدل أن نعطيه حصص غذائية نخصص له مبالغ معينة تضاف إلى حسابه البنكي، وهذا الأمر حصل على الأفراد والعوائل الأكثر فقرا فقط، وهذا هو جوهر الحماية الاجتماعية التي نستطيع من خلالها إعادة توزيع الدخل، وذلك باتجاه ردم الهوة بين الدخول العالية والواطئة، العجيب الغريب أن المشرع العراقي عندما يأتي إلى الحماية يستثني وزارة التجارة لماذا لا ندري، وحتى في قانون المحافظات عندما اعتمدت المادة (45) التي تخص نقل الصلاحيات استثنيت وزارة التجارة".
"في حين نقلت صلاحيات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة والتربية والمالية، وحتى قانون (11) لسنة (2014) نجد أن هيئة الحماية الاجتماعية المؤسسة لرعاية هذه الفئات الأكثر ضعفا لا يوجد فيها ممثل عن وزارة التجارة، وحتى لو رجعنا لقانون ذوي الحاجات الخاصة (38) لسنة (2013) نجد هيئة، والمصيبة الاخرى أن المشرع العراقي يحب كثيرا زيادة عدد الهيئات الخاصة، في حين كان الاولى على المشرع العراق اختصار الروتين واختزال هذه الهيئات بهيئة مركزية واحدة، وذلك اختزلا للوقت وللجهد ولمنظومة المعلومات".
"قانون الحماية الاجتماعية في العراق فيه التفاتات جيدة جدا، لكن بالمقابل هناك التفاتات غير جيدة، فعندما نأتي مثلا على الفئات المشمولة بالحماية الاجتماعية مثل (ذوي الإعاقة الخاصة/النساء كالمطلقات والأرامل العزباء)، أيضاً المشرع العراقي تدارك الأمر وجعل مجلس الوزراء يشمل شرائح أخرى في مجال الحماية الاجتماعية.. كـ (الأيتام/ التشرد/ البطالة/ العجز)، بعد ذلك هناك انتقالة مهمة وهي التنسيق بين هذه الجهود، بالتالي نحن نحتاج لجهة تنسيقية وهي لحد ما مفقودة".
"فلو رجعنا مثلا لقانون ذوي الاحتياجات الخاصة يضع القانون على كل وزارة واجب معين، فيفرض على وزارة الإسكان توفير السكن، ويفرض على وزارة التعليم مثلا ان توفر لهم التعليم، ويفرض على وزارة التربية أن تفرد لهم برامج تربوية، لكن بالنسبة لبعض الفئات لم نجد المشرع العراقي قد التفت إليها التفاتة حقيقية مثلا الآن لدينا شريحة مهمة من ذوي الأمراض المستعصية، هؤلاء لم نجد لا في قانون الحماية الاجتماعية إسقاط لهم ولا في قانون ذوي الاحتياجات الخاصة ولا في قانون تعويض ضحايا الإرهاب، فهؤلاء وقعوا في مشاكل حقيقية ومنهم من فارق الحياة بسبب هذه الإشكالية".
"وهناك فئة أخرى وهم النازحون وليس لهم إسقاط في القانون، علما أن أعداد النازحون تؤشر لأرقام كبيرة وكبيرة جدا، وهناك المهجرون الذين تم تهجيرهم منذ العام (2003) ولغاية الآن وهم بأعداد كبيرة أيضاً، وهنا يأتي دور رئاسة الوزراء بأنظمة معينة يتم استيعاب هؤلاء، ولكن مجلس الوزراء لا زالت خطواته ثقيلة بهذا المجال، أضف إلى ذلك فان مسالة التكامل في الرؤية هي التي تعطينا فكرة إن إعطاء الراتب هو عامل سلبي، الأهم من ذلك هو تأهيل وإعداد الإنسان العراقي، كذلك يجب أن نوفر للإنسان العراقي السكن الملائم".
"فهل هناك تكامل ما بين الحكومات المحلية ومشاريعها وأموالها مع الوزارات حتى يصار لبناء الدور وبناء المجمعات السكنية، أيضاً هذا المواطن هل يستطيع دفع فواتير الماء والكهرباء، خصوصا وأن المبلغ المقرر للرعاية الاجتماعية لا يتجاوز في أحسن الظروف (200) ألف دينار عراقي، فهذا الأمر لا يتفق مع ما أراده الدستور، لذلك لابد ان نصل لحالة التكامل الاستراتيجي وليس الانتقائية والعمل الفردي، لأننا في الأساس نهدف للحماية وان تكون هناك برامج طبية ونفسية واقتصادية، وذلك كي نعلم هؤلاء ثقافة العمل أفضل من أن نعلمهم تقاضى الأموال، خصوصا وان هؤلاء هم عبارة عن طاقات اقتصادية يمكن استثمارها في كل المجالات".
ولإثراء الموضوع أكثر تم طرح السؤال التالي:
كيف يمكن ضمان الحياة الكريمة للفئات الأكثر ضعفا في العراق؟ وما هو دور مؤسسات الدولة في ذلك؟
دراسة الفئات الأشد فقرا
- عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يعتقد "إن موضوع الحماية الاجتماعية في العراق موضوع مهم جدا، خاصة وان الأمن المجتمعي حالة متلازمة معها، فالكثير من الاعترافات التي سجلها اعتى المجرمين كانت القاعدة التي ينطلق منها هي الفقر، فهي تحصين للإنسان العراقي من حالة الجريمة ومن حالة الانحراف، أيضاً ان موضوع الحماية الاجتماعية حاله حال الملفات الاخرى في الدولة العراقية يقع بين فكي الدعاية الانتخابية وسوء التخطيط والفساد".
اضاف الصالحي "فاغلب الفئات التي شملت في الرعاية الاجتماعية كانت لدعاوي انتخابية ولشراء الأصوات، ناهيك عن سوء التخطيط الذي أصبح سمه تلازم الوزارات العراقية ككل، المشكلة الأخرى هي غياب الوعي لدى الفرد العراقي وبعض الموظفين في الرعاية الاجتماعية، فالفرد العراقي مثلا عندما يضع نفسه أمام مطبات كبيرة من خلال الطلاق الصوري بغية الحصول على الرعاية الاجتماعية بحجة الطلاق، ولكن في الحقيقة المرأة والرجل يستمران بالعلاقة الشرعية بشكل طبيعي وينتج عنها أطفال، لكن أمام الدولة هم مفترقان نسب هؤلاء الأطفال سيكون فيه مشكلة".
يكمل الصالحي "وبالتالي ستواجه الأم مشكلة وتتراكم المشكلة وعندها سيجد المشرع العراقي نفسه أمام جيش كامل من الأطفال ليس لهم آباء على الورق ولكن في الحقيقة هم من أب وأم، فهذه طامة كبرى، بالنتيجة موضوع الرعاية الاجتماعية يجب أن يخضع لتخطيط دقيق جدا ولدراسة للفئات الأشد فقرا، وترتبط بها وزارة التخطيط بشكل دقيق ووزارة التجارة والرعاية الاجتماعية ونحتاج أيضاً لمساعدة أممية في هذا الجانب كي نتجاوز هذه الأزمة".
الحماية الاجتماعية عبر الاستثمار في البشر
- الشيخ مرتضى معاش، رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يستفسر "من هو صانع الاستراتيجيات في العراق؟، هل هو رئيس الوزراء، هل هي الوزارات، هل هي الحكومة، فالتشريعات لا جدوى منها اذ لم تكن هناك استراتيجيات عامة وبعيدة المدى كي تقوم بحل تلك الإشكاليات، فمنذ (16) عام من عمر هذه الحكومة وهي لم تؤسس لأي إستراتيجية وفي جميع القطاعات، بالتالي نحن أمام مشكلة في رسم الاستراتيجيات بل نحن نعيش اللحظة، لذلك نحن نفتقد المستقبل وان الأوضاع ستزداد سواء ومهما امتلك العراق من ثروات".
أضاف معاش "الحماية الاجتماعية هي الاستثمار في البشر وليس تقديم المعونات فقط، فالبطاقة التموينية على سبيل المثال وغيرها هي أمور استهلاكية لا تؤدي لنتيجة، رغم إنها تقدم بعض الدعم للعوائل الفقيرة والمتعففة، العراق اليوم أصبح بلدا رأسماليا يعمل وفق نظام السوق، لذلك من يعمل يعمل ومن لا يعمل يسحق، علما ان غالبية الشباب العراقي لا يمتلكون المهارات اللازمة، لذلك أصحاب القطاع الخاص عملوا على استقدام العمالة الأجنبية وخصوصا العمالة القادمة من بنغلادش، وهي من الدول الفقيرة لكنها استطاعت ان تنمي اليد العاملة".
يكمل معاش "وهذا الأمر جاء من خلال رجل يدعي (محمد يونس) الحاصل على جائزة نوبل الذي أسس (بنك الفقراء)، هذا البنك أساس عمله قائم على دعم تلك الفئات الفقيرة وغالبية تلك الأموال رجعت، فكان يقرض النساء الأرامل والفقراء والأيتام تحت عنوان (المشاريع المتناهية في الصغر)، هؤلاء الشباب الكثير منهم الآن يعمل في العراق، لذلك ستبقى مشكلة الهامش والمتن قائمة، ففي العراق هناك ثمة فجوة كبيرة بين الهامش وبين المركز".
أضاف أيضاً "لذلك نجد اليوم الهجرة كلها منصبه اتجاه المدن والعشوائيات تزداد حجما وتزداد المشاكل والانحراف والجريمة، لذا لابد من نقل الإمكانيات نحو الهامش، بالتالي تجد القرى لا تتوفر فيها ابسط امور الزراعة وتغيب الكهرباء، بالتالي نحن نعيش مجتمع طبقي لا تتوفر فيه الفرص بشكل متساوي".
غياب القدوة الحسنة التي تقود هذا البلد
- المدرس المساعد صباح محمد، جامعة وارث الأنبياء، يرى "إن القوانين الموجودة الآن هي لا تستوعب الفئات بصورة واضحة، أيضاً استشراء حالة الفساد هي معوق أساسي في مجال الحماية الاجتماعية، ولكن بالمقابل هناك أسباب عامة وأسباب خاصة، أما بالنسبة للأسباب العامة فالنقطة الأولى تتمحور حول ضعف الانتماء الوطني، خصوصا وأن الفئات الأكثر فقرا هم جزء من الانتماء الوطني فكيف نحرص عليهم، وهذا ما سعت إليه سنغافورة في بناء نموذجها المتطور".
أضاف محمد "السبب الآخر هو غياب القدوة الحسنة التي تقود هذا البلد أو تقود هذه الفئات، في مجال الشريعة الإسلامية نجد الرسول الأعظم محمد (ص) قاد الإنسانية بكافة مفاصلها، وأيضاً نجد أئمتنا الأطهار حيث يقول أبى الحسن عليه السلام (وظلم الضعيف أبشع الظلم)، كذلك نجد رسالة الحقوق للإمام زين العابدين علية السلام، لذا لابد أن نفكر في كيفية صناعة القدوة، وهذا يتم من خلال رفع الحلقات الزائدة وأن نستحدث منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون الفئات الأكثر ضعفا في العراق، كي نصنع منه قدوة ونجعله يخطط لسياسات خاصة بذوي الدخل المحدود وينسق بين الدوائر المعنية".
يكمل محمد "أيضاً ننشئ مراكز للتأهيل والتدريب، كذلك مسالة معالجة الإعلام المعادي الذي تسبب في الكثير من حالات الانتحار واليأس لدى الفئات الضعيفة في العراق، ضعف التربية والتعليم الذي يؤدي لتسرب الكثير من الطبقات الضعيفة، أضف إلى ما تقدم مكافحة الفساد التي استمرت من أيام الحرب العراقية الإيرانية وإلى حرب الكويت وإلى اليوم".
دعم الأسر المفككة
- الأستاذ ماجد دخيل، مدير مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في محافظة كربلاء المقدسة، يعتبر "إن القوانين العراقية والدستور العراقي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في العام (1948) والاتفاقيات الدولية، كلها تدعو لخلق حياة كريمة للمواطن دون تمييز بين جنس وعرق ودين، وهنا يبرز دور وزارة العمل والشؤون الاجتماعية التي حصرت عملها في منح الرواتب للعاطلين، وعلى الرغم من ذلك فهناك مراكز فرعية في كل المحافظات لتأهيل العاطلين إلا أنها لا تفي بالغرض، لذلك ينبغي على وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ان توطد من عملها في دعم الأسر المفككة وانتشار عمالة الأطفال ومعالجة حالات الانتحار وتسهل عملية القروض الميسرة".
أضاف دخيل "نحن الآن لدينا برنامج وبالتعاون مع منظمات المجتمع المدني ومجلس محافظة كربلاء من اجل تأهيل الأطفال المتسولين، وقد لاقى هذا البرنامج ومع الأسف الشديد بعض الصعوبات من قبل بعض الجهات الحكومية في المحافظة، أما بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة فالقوانين غير مفعلة لاسيما وهي مشمولة بنسبة معينة من التعينات في القطاع الحكومي".
الأمن الاجتماعي أوسع من الحماية الاجتماعية
- الدكتور خالد عليوي العرداوي، مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجي، يصف "الأمن الاجتماعي انه أوسع من الحماية الاجتماعية، وأوسع من الرعاية الاجتماعية، وذلك لان الأمن الاجتماعي هو حماية المكتسبات المادية والمعنوية للمجتمع من خلال تحقيق الاستقرار الاجتماعي، وهذا الاستقرار الاجتماعي لا يمكن أن يتحقق إلا بزوال حاجز الخوف، بالنتيجة عندما تكون لديك بطالة هي تهدد الأمن الاجتماعي، وعندما تكون هناك جريمة هي تهدد الأمن الاجتماعي، أيضاً عندما يكون هناك فقر هو يهدد الأمن الاجتماعي".
أضاف العرداوي "فالأمن الاجتماعي هو مفهوم أوسع من الحماية، وللأسف عندما يساوي بين الحماية والأمن فهناك مشكلة لدى المشرع، لذلك نحن في العراق لا توجد لدينا مشاكل حقيقية بل هي مشاكل مصطنعة، فاليوم إذا كانت الحماية الاجتماعية تعني الاستثمار في البشر حتى توفر شروط التنمية، نحن لدينا استثمار في الأزمات واستثمار في المشاكل، وهذا الاستثمار تقوم بها نفس الجهات المسؤولة عن حل هذه المشاكل، علما أن منظمات المجتمع المدني لا تعمل إلا في دولة مدنية، وعندما تكون لديك دولة طائفية ودولة عرقية فمنظمات المجتمع المدني يضعف دورها".
يكمل العرداوي "أيضاً منظمات المجتمع المدني لا يمكن أن تعمل إلا في ظل بيئة أمنة، ولكن عندما تهدد تلك المنظمات ولا تحميها مؤسسات الدولة بالتالي تحسب تلك المنظمات، وهذا ما تم فعلا من خلال تهديد الكثير من المنظمات بالقتل من قبل جهات تهتم بملف المخدرات، وحتى ملف التفكك الأسري أصبح يشكل حالة من الخوف، بالتالي المجتمع العراقي بالكامل أصبح يعيش هاجس الخوف، والدليل على ذلك كل شخص اليوم هو يبحث عن حماية، ولهذا نجد قانون حماية الصحفيين، وقانون حماية الأساتذة الجامعين، وقانون حماية الأطباء، هذا يؤكد على وجود مشكلة حقيقية وان المجتمع لا يعيش حالة الأمن والأمان".
أضاف أيضاً "البيئة العراقية بيئة لا تحمي الضعفاء، وهي تعمل في ظل شريعة الغاب، وهذا بفعل صناع القرار السياسي في البلد، فاليوم في ظل شريعة الغاب الكل يبحث عن شكل من أشكال الحماية، لذلك لا يمكن لمؤسسات الدولة أن تعمل ما لم يكون هناك صانع قرار حقيقي، وتكون هناك دولة حقيقية تعمل لخدمة ذلك".
الأمن الاجتماعي مرتبط بالرفاهية الاجتماعية
- الدكتور منير الدعمي، نقيب الأكاديميين في كربلاء المقدسة، يشكل على وزارة التخطيط العراقية بأنها لا تمتلك الإحصائيات الرسمية عن عدد المشردين والمتسربين عن الدراسة وعن عداد الأيتام والأرامل والمطلقات، بالتالي من المفترض أن يكون هناك تعداد سكاني يتم من خلاله رصد كل تلك الحالات بشكل دقيق، النقطة الأخرى الدولة وللأسف الشديد لا تولي أهمية للرعاية الاجتماعية الايجابية من خلال توفير فرص العمل للعاطلين، لذلك نحن نحتاج لوقفة جادة بهذا الموضوع من اجل فتح مركز لتطوير قدرات الشباب وتأهيلهم، كذلك فان الأمن الاجتماعي مرتبط ارتباط وثيق بالرفاهية الاجتماعية".
أضاف الدعمي "لذا الدولة العراقية لو توفرت لديها الإرادة الحقيقية والجادة في حل هذا الملف، ولكن بعض الجهات السياسية تستغل هذا الموضوع من اجل الدعاية الانتخابية، بالتالي الحكومة العراقية تستطيع أن تحل هذا الموضوع من خلال دعم شركات التامين كالتأمين الصحي والسكن والتعليم، وهذه المصارف يخصص لها مبلغ معين من الموازنة العراقية كي تستثمرها وريعها يوزع على الفئات الأكثر ضعفا".
اسم على غير مسمى
- عمران الطائي، مدير مركز التوحد وذوي الاحتياجات الخاصة التابع للعتبة الحسينية المقدسة، يصف "الحماية الاجتماعية في العراق اسم على غير مسمى حيث تستشري البطالة في فئات الشباب، بالتالي المسؤولية المباشرة تقع على عاتق ثلاثة وزارات وهي..(الضمان الاجتماعي/ ووزارة التربية/ ووزارة الشباب والرياضة)، وهذه مفاصل مهمة لترويض المجتمع من خلال إقامة ورش عمل، أما بالنسبة لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة هي مهمشة جدا، فعلى سبيل المثال عندي زيارتي لدار الحنان المسؤولة عن رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في كربلاء، نجد تلك الفئة لا تمتلك ابسط الحقوق وتفتقد لكل عناصر العيش السليم في داخل الأسرة".
أضاف الطائي "في المركز التابع للعتبة الحسينية المقدسة هناك عوائل فقيرة وفقيرة جدا، ولكن يوجد فيها ثلاثة أو أكثر مصابين بالتوحد ولا يتقاضون أي مستحقات مالية، أيضاً طالبنا بوجود ورش لذوي الاحتياجات الخاصة، لذا علينا نحن كمثقفين وكناشطين وكمنظمات مجتمع مدني حقوق إنسان علينا أن نوصي تلك المقترحات للجهات المسؤولة، على أمل تنفيذها أو التعاطي معها بروح ايجابية".
زيادة عدد المراكز التأهيلية نوعاً وكماً
- حامد عبد الحسين الجبوري، باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، يؤكد "على أن عدد المعاقين في العراق يبلغ (1،200) مليون ومائتا ألف معاق، أما بخصوص الحماية الاجتماعية فيمكن حلها من خلال زيادة عدد المراكز التأهيلية نوعاً وكماً، على الجانب الآخر قضية التمويل من خلال المصارف شرط أن تتدخل الدولة كوسيط بين الطرفين حتى تضمن للمصرف ومن جهة أخرى تمول المشاريع الصغيرة، وهذا مما يخلق مناخ استثمار جيد ويدعم فكرة استيعاب قدرة الشباب على العمل".
لا يوجد هامش كافي لدعم هذه الفئات
- الدكتور حيدر حسين أحمد آل طعمة، التدريسي في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة كربلاء، والباحث الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، يعتقد "إن العراق كانت لديه خطوات مهمة واستراتيجيات محكمة اعدت، ولكن هناك مجموعة أسباب.. السبب الأول هو موضوعة الفساد الذي طال الحماية الاجتماعية فهناك جزء كبير ممن يستلمون الرواتب هم موظفين في الدولة، الأمر الثاني هو أمر جدا خطير وغائب عن الأذهان وهو موضوع الإحصاءات الدقيقة، بالتالي حتى نستطيع أن نرصد تلك الفئات ونوجه لها الدعم والتدريب، لابد ان يتم حصرهم بشكل كبير، فالمشكلة لا توجد قاعدة بيانات".
أضاف آل طعمة "فعلى سبيل المثال الكثير من الأشخاص مسجلون على الحماية الاجتماعية والكثير من البرامج ويتقاضون رواتب ولديهم دخول ولديهم أنشطة أخرى، فلذلك لا توجد إحصاءات للقطاع الرسمي، فلذلك نحتاج للبدء بهذه الخطوة أي الإحصاءات الدقيقة، المشكلة الثالثة هي ضعف الإمكانات وهذه الإمكانات موجه للمشاريع وللاعمار، بالنتيجة لا يوجد هامش كافي لدعم هذه الفئات والدليل حجم الدين العراقي وصل إلى (145) مليار دولار، لذلك هناك سوء للموارد التي تأتي إلى الدولة".
يكمل آل طعمة "وهذا سوء الإدارة أوقع العراق في فخ المديونية من جهة وفي سوء توزيع الدخل، السبب الآخر أن هذا الملف لا يحظى بالأهمية الكافية من لدن الحكومة، فالحكومة تنظر لهذا الموضوع كخط ثاني او ثالث، والسبب هو انشغال الجميع بالصراع السياسي والبحث عن المناصب، السبب الثاني هو الوضع الأمني فتم تناسي هذا الموضوع، السبب الثالث هو الاستراتيجيات التي تم إطلاقها حالها حال باقي الاستراتيجيات، كل هذه الاستراتيجيات اعدت بدقة ولكنها معطلة والسبب، إن كل حكومة عندما تأتي لا تكمل مشوار الحكومة السابقة بل تبدأ من جديد، أيضاً لا يوجد متابعة، كذلك فان الاستراتيجيات تعد بطموحات عريضة تتجاوز الإمكانات، لذلك دائما ما تواجه شح الموارد".
العراق يمتلك أكثر من (19- 20) إستراتيجية
- الدكتور حسين أحمد السرحان، رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية، يؤكد "على إن العراق يمتلك أكثر من (19/20) إستراتيجية، فعلى سبيل المثال لدينا إستراتيجيتين الأولى في العام (2010/2014) هذه الإستراتيجية كان هدفها تخفيض نسبة الفقر بشكل كبير، فتم إنفاق (مليار ونصف) دولار أمريكي على هذه الإستراتيجية، وحققت نجاح نسبي حسب المسوح الميدانية لوزارة التخطيط، نسبة الفقر في العام (2012) من (5،22) انخفض إلى (18،7)، عدد المشاريع التي تم تنفيذها من أصل (87) تم تنفيذ (34) مشروع لغاية (2014)".
أضاف السرحان "لكن عندما جاءت أحداث داعش أصبحت الأزمة مركبة فأصبح لدينا عدد نازحين كبير جدا فعادت المشكلة من جديد، بمعنى أن هذه الإستراتيجية حققت نوعا ما شيء من التقدم لكن الأزمة الأمنية والأزمة هي التي عطلت هذا المشروع، الاستراتيجيات موجودة ولكن من ينفذ تلك الاستراتيجيات هي من صلاحيات الحكومة الاتحادية، أما بالنسبة للمشروع لا دخل له في هذا الجانب فالمسؤول الأول هي الحكومة، بالتالي فان عملية عدم التنفيذ وعدم الالتزام هي سياسية وإجرائية".
يكمل السرحان "بعد (2014) ولما عادت نسبة الفقر إلى (22،5) حسب تقديرات البنك الدولي، شرعت الحكومة السابقة إلى وضع إستراتيجية جديدة انتهت منها في (20/تشرين الثاني/2018)، هذه الإستراتيجية انطلقت خلال سبعة أشهر الأخيرة من عمر الحكومة السابقة، الهدف من هذه الإستراتيجية هو تخفيض نسبة الفقر إلى (25%)، المبالغ التي صرفت خلال العام (2018) وحسب تقارير وزارة المالية بتنفيذ الموازنة الاتحادية، وجدنا ولغاية شهر (11/2018) انفق على الرعاية الاجتماعية ما يقارب (14) ترليون دينار عراقي، علما أن الذي انفق على تخفيف إستراتيجية الفقر كان (12) مليار دينار عراقي".
أضاف أيضاً "بمعنى أن الحكومة السابقة وضعت آليات للتنفيذ أو المتابعة خلال سنة (2018)، الحكومة الحالية في تقرير الحكومة الهدف هو تحقيق (5%) من هذه الإستراتيجية، وهذه الأهداف تصنف على أنها أهداف سريعة ومتوسطة وبعيدة الأمد، السريع من (3 إلى 6) أشهر، لغاية نيسان الماضي تحقيق ما نسبته (3%) من الأهداف المرسومة، وأيضاً هناك مشاريع للإسكان في واسط وتهذيب شبكة الرعاية الاجتماعية وما شاكل، في العام (2017) قرر مجلس رئاسة الوزراء إنشاء الصندوق الاجتماعي للتنمية وبالتعاون مع البنك الدولي".
كما أشار السرحان "هذا الصندوق كان برأسمال يقدر (300) مليون دولار، في موازنة (2019) كان ميزانية الرعاية الاجتماعية من ضمن القروض المخصصة من البنك الدولي والمبلغ عبارة عن (22،5) مليون دولار للرعاية الاجتماعية ككل بما فيها إستراتيجية التخفيف من الفقر، بمعنى أن التخصيص ارتفع ولكن بنسبة ضئيلة مقارنة من موازنات أخرى".
رسم السياسات العاملة تتحملها الجهات التنفيذية
- الحقوقي احمد جويد، مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات، يرى "إن رسم السياسات العاملة تتحملها الجهات التنفيذية أي رئاسة الوزراء، بالتالي فان البرنامج الحكومي هو عبارة عن برنامج شكلي لتمرير تشكيل الحكومة ليس إلا، فالإنسان بقدر ما هو قوي ويمتلك الكثير من الطاقات الخلاقة والمبدعة ولكن بالمقابل هو كائن ضعيف، فإذا وجدت القوة طريقها إليه يفعل الكثير من الأفاعيل، فإذا قيدت هذه الطاقات ولم تبوب بالشكل الصحيح عندها يكون الإنسان عاجز وضعيف جدا، لذا لابد أن نبحث عن الأسباب الحقيقية التي تجعل من الإنسان العراقي ضعيف".
أضاف جويد "خاصة وأن الإنسان العراقي مر بمسلسل طويل وعريض من الحروب والحصار الاقتصادي والفساد المالي والإداري، وبالتالي هذا التراكم الكمي والنوعي في الأزمات والمشاكل تسبب بالكثير من الأرامل والأيتام والمرضى والمعاقين والعاجزين وذوي الاحتياجات الخاصة، لذلك يجب الأخذ بأيدي هؤلاء الناس إلى بر الأمان وجعل تلك القدرات قدرات منتجة وفاعلة".
من التنظير النظري إلى الواقع العملي
- علي حسين عبيد، كاتب في مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، وهو يعول كثيرا على الجانب الفردي من اجل تنمية القدرات الذاتية وبناء الأمة، بمعنى آخر لابد أن نتجاوز حالة التنظير النظري إلى الواقع العملي".
المقترحات:
- تأسيس بنوك استثمارية في الهوامش.
- تشجيع المشاريع الصغيرة.
- تفعيل شركات التامين.
- حماية المنتج الوطني.
- استحداث منصب نائب رئيس الوزراء يعنى بالفئات الأشد فقرا.
- تحديد نسبة معينة للفئات الأشد ضعفا في التعيين.
- صندوق الضمان الصحي والرعاية الاجتماعية.
- استحداث مدارس لتأهيل الفئات الفقيرة.
- مبادرة وطنية من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الشباب والرياضة.
- ما لم تتغير العقلية الحاكمة لن نستطيع حماية الطبقات المستضعفة وغير المستضعفة.
- وضع تخصيصات مالية أكثر وإلى برامج وسياسات واضحة.
- متابعة آليات عمل الصندوق الاجتماعي الذي أسس في العام (2017).
- إيجاد مشاريع عملية تطبيقية يمكن انجازها على ارض الواقع من قبل النخب المثقفة.
{img_3}
اضف تعليق