وكيف ذلك وهي تتعرض لمشاكل لاتعد ولاتحصى، ويحاصرها القلق والترهيب والتقتيل، ويلاحق المشتغلون فيها ليجدوا إنهم موقوفين في محكمة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية ليحاكموا بتهم مختلفة منها التجسس لحساب الكفار، أو العمل مع السلطات والتخابر، وحتى الرفض لوجود المجاهدين في القرى والمدن حيث يزرعون الرعب والخوف، ويحولون الناس الى مجموعات من القطعان التي تهيم في البرية لاتلوي على شيء سوى البقاء على قيد الحياة لفترة أطول بإنتظار محكمة قادمة تلقي بهم في وادي الموت الرهيب والبعيد الذي لا نجاة منه إلا بالخضوع الكامل للتنظيم، بشرط أن لايقرر التنظيم إنك متهم حتى لو كنت بريئا مية في المية.
طلب مسؤول في اليونسكو دعم الحريات والحديث عنها بطريقة أفضل ونشر التسامح مع الصحفيين والسماح لهم بالعمل في ظروف ملائمة، وعدم تحميلهم مالا يطيقون. وهذا الخطاب موجه للسلطات التي يمكن مخاطبتها، لكن ماتراه يفعل زعيم اليونسكو مثلا مع عصابات تسخر منه ومن مؤسسته، فحين يطلب حماية الآثار يمكنه توجيه الخطاب الى سلطة عاجزة مثله، لكنه لن يجرؤ على الحديث لجماعة داعش التي لاتجيد الكلمات والرد على الأسئلة، بل تحمل الكلاشنكوف والصواريخ والمعاول لتهدم كل أثر بوصفه صنما يعبد من دون الله، ولكنها أيضا تجيد اللعب بالفقه والشريعة، ويمكنها نسج حكم شرعي يبيح بيع تلك الآثار والأصنام لتستخدم في متاحف أوربا حيث هي أصنام هنا في بلاد المغفلين المسلمين، لكنها ليست أصناما في بلاد الكافرين!
وليس بوسع زعيم في اليونسكو أن يقول لداعش، دعوا الصحافة تزدهر، وهم يرغبون بجزر الصحفيين في الموصل بتوقيتات ومواعيد يحددونها لكي لايتركوا فراغا في نشرات الأخبار والمواجيز، وبيانات المؤسسات الصحفية يخلو من حادثة رهيبة تذهب بحياة صحفي مسكين لاحظ له في هذه الدنيا سوى أن يعيش بقلق ويموت ببشاعة، لاتخلو من شجاعة.
الصحفيون عندنا يبحثون عن إزدهار مهنتهم، لكنهم يعجزون عن حمايتها من عبث القتلة والسياسيين والتجار وأصحاب النفوذ والمصالح، ولايجد الصحفي سوى أن يكون مرتزقا يعمل لحساب هذه الجهة، أو تلك بينما يضع مبادئه في الجيب الخلفي للبنطلون بإنتظار فرصة ليظهر منها شيئا يفخر به أمام العيون ويباهي به ليثبت إنه مايزال حتى اللحظة مبدئيا.
وعندما يواجه الصحفيون التهديد والضائقة المالية وتسلط الإدارات وحماقات المديرين وغباوتهم فإنهم لايعودوا يفكرون سوى بالتمكين لأنفسهم من البقاء على قيد العمل ليعيشوا ويبعثوا برسائل طمأنينة لأسرهم المنتظرة للكرامة، والخائفة من لحظة حزن ودموع قد تتشح بها وجوههم حين يسمعون بالخبر الكارثة عن مقتل إبنهم الصحفي، أو خطفه، أو سحله. في مكان ما من العراق.
اضف تعليق