عندما يكون الرأي العام الغربي أمام الحقيقة الناصعة لما يتعلق بنيجريا او الخليج او الاقلية المسلمة في ميانمار المعروفين باسم روهينغا فان هذا الاعلام الجماهيري من شأنه ان يتحول الى أداة ضغط على القرار السياسي ويدفع المسؤولين في العواصم المعنية لممارسة ضغوطهم على اصدقائهم هناك...
مستوى الوعي لدى المواطن في البلاد الغربية يتركز بالدرجة الاولى؛ في القانون والاقتصاد وما يتعلق بوضعه المعيشي، حتى ان علاقته بالطبقة السياسية الحاكمة قائمة على حجم الفوائد من صعود هذا النائب الى البرلمان، او فوز هذا الحزب وتوليه الحكومة، فيما يتعلق بفرص العمل وخفض الضرائب وتوفير الضمان الصحّي وإطلاق الحريات العامة في أمور تتعلق بالوضع الاجتماعي والصحي، مثل الإجهاض والمثلية الجسنية والبيئة، وفي الآونة الاخيرة برز ملف جديد على الساحة السياسية، وهو؛ قوانين الهجرة. هذا الملف الذي شهد نضجاً ونمواً تصاعدياً خلال العقود الماضية، هو الذي فتح كوّة صغيرة امام المجتمعات الغربية لتتعرف الى طبيعة الشعوب الاخرى في العالم كونها راحت تصدّر لها المهاجرين الهاربين من الموت والاضطهاد، فبدأت تستمع الى قصص وحكايات غريبة عليه.
الوسيلة الاعلامية الاكثر انتشاراً
اذا كانت العواصم الغربية وتحديداً؛ لندن و واشنطن تعد دولاً مثل البحرين والسعودية وبلبدان اسلامية اخرى حاضنة لمصالحها الاقتصادية والسياسية، فانها لن تسمح بإلحاق الضرر البالغ، او تعرضها لخطر حقيقي في أنظمتها السياسية بفعل التغطيات الاعلامية لما تتعرض له الشعوب هناك من اضطهاد وتمييز وقمع بأعنف الوسائل. نعم؛ ربما تتولى بعض المنظمات الدولية المدّعية الدفاع عن حقوق الانسان بإصدار تقارير تتضمن انتهاكات لحقوق الانسان، تدعو الحكومات في هذه البلدان الى "تنظيف سجلها" في هذا الجانب، بما يمكن عدّ القضية رسالة ايجابية غير مباشرة الى الحكومات الديكتاتورية والقمعية بضرورة إعادة النظر بالاجراءات القمعية، وتعديل بعض السياسات بما يحسّن صورتها امام العالم، ولا تسبب الاحراج السياسي والقانوني مع وجود حرية الصحافة والاعلام في الغرب، فربما تخرج وكالة انباء او صحيفة ما، وتفضح المستور امام الرأي العام، وإلا فان الصحافة والاعلام بشكل عام في البلاد الغربية غير معني بانتهاكات حقوق الانسان من قبل الحكومات الديكتاتورية، واذا تم اعداد تقارير في هذا المجال فان التوظيف المتقن يتجه صوب تحميل المواطن البحراني او السعودي او النيجيري او من الاقليات المسلمة في آسيا وافريقيا، مسؤولية نشوب ما تطلق عليه بـ "النزاعات الطائفية".
في ظل هذه المعطيات تأتي التظاهرات والاعتصامات التي تقوم بها الجاليات المسلمة في لندن و واشنطن، وحتى برلين وباريس لنقل الصورة كما هي للرأي العالم الغربي. هذه الفعاليات تقلب المعادلة ويكون المسؤول بالدرجة الاولى الحكومات الغربية التي تتستّر على الديكتاتوريات العكسرية والقبلية الجاثمة على صدور الشعوب، كما يحصل في الوقت الحاضر مع الشيخ الزكزاكي في نيجيريا والذي تحتجزه السلطات العسكرية منذ عام 2015 دون توجيه أي تهمة اليه، وقد وردت انباء عن تدهور حالته الصحيّة بشكل خطير، وما تزال السلطات النيجيرية المدعومة غربياً تتجاهل جميع دعوات الافراج عن الشيخ الزكزاكي.
وعندما يكون الرأي العام الغربي أمام الحقيقة الناصعة لما يتعلق بنيجريا او الخليج او الاقلية المسلمة في ميانمار المعروفين باسم "روهينغا" فان هذا "الاعلام الجماهيري" من شأنه ان يتحول الى أداة ضغط على القرار السياسي ويدفع المسؤولين في العواصم المعنية لممارسة ضغوطهم على اصدقائهم هناك، وإن حصل التجاهل تسجل نقطة سوداء في السجل الانتخابي لهذا السياسي أو ذاك الحزب.
الوجه الحقيقي للإسلام
ليس من السهل تغيير الصورة السلبية في اذهان الانسان الغربي إزاء المسلمين بعد كل ما حصل من احداث عنف في الغرب من تفجير ودهس واغتيالات قادتها جماعات تكفيرية استوطنت البلاد الغربية طيلة العقود الماضية، وهي سابقة في وجودها على الجالية الشيعية في الغرب، حيث تمتلك أضخم وأفخم المساجد والمدارس في اوربا واميركا، ومن هذه المراكز تخرّج الانتحاريون والذباحون ممن نفذوا في أدمغتهم بعيداً عن مسقط رأسهم؛ بريطانيا، وفرنسا، وبلجيكا، والمانيا، فجربوا الارهاب الدموي البشع في سوريا والعراق، كما نفذوا جزءاً من هذا المخطط في هذه البلدان ايضاً. لذا فان الرجل المسلم بمظهره المعروف، والمرأة المسلمة بحجابها، يمثلون في نظر شريحة من المواطنين الغربيين –وليس كلهم- مصدر خوف او خطر على حياتهم، او على الاقل يتجنون الاقتراب منهم والتعامل معهم.
هذه الصورة السلبية تعطي رسالة خاطئة بأن الشعوب المسلمة في كل مكان لا تستحق سوى حكام ديكتاتوريين وقساة، وأي مطالبة بالحقوق او الحديث عن انتهاكات مهما بلغت بشاعتها، فهي لا تعدو كونها ضجيج من داخل بيت واحد لا شأن لنا به!
بيد ان الفعاليات الاحتجاجية في الغرب ليس فقط تستهدف الحكام، وإنما تكشف للشعوب الغربية حقيقة القيم والمبادئ التي من أجلها المعارضون الاحرار، ويتعرضون للقمع الوحشي والتعذيب والتجويع والقتل، وهي نفسها التي يخشاها الحكام الديكتاتوريين، ولايسمحون بان تسود في البلاد لانها تكشف زيف ادعاءاتهم وتفند مصداقيتهم امام شعوبهم وامام العالم.
ومثال ذلك؛ السعودية التي يتصور حكامها بأنهم أذكياء في كسب الشرعية الدولية وتحسين صورتهم أمام العالم بإطلاق حرية الغناء والرقص واحتساء الخمور وإطلاق حرية قيادة السيارة للمرأة، متغافلين عن أن الحرية الحقيقية في العالم الديمقراطي هو حرية العقيدة والرأي والتعبير وهو ما يعجز عنه السعوديون مهما فعلوا، هذا فضلاً عن الحريات والحقوق الاخرى، مثل حرية العمل والسفر.
بالمقابل فان الاحتجاجات في الغرب تكشف عن وجود خيارات ديمقراطية أصيلة من شأنها توفير الامن والاستقرار في المنطقة بما ينعكس على الامن والاستقرار السياسي والاقتصادي في العالم، وتحديداً العالم الغربي.
اضف تعليق