يدين مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات أي استخدام للقوة من كل الأطراف، يحمل الحكومة العراقية مسؤولية الحفاظ على سلامة المحتجين في كل زمان ومكان، ويستغرب من استخدام عناصرها الرصاص الحي بشكل قاتل ضد محتجين لا يحملون الأسلحة التي يمكن أن تعرض حياة عناصر قوى...
تقرير: عباس المالكي/مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
اندلعت الاحتجاجات الشعبية التي عمّت محافظات وسط وجنوب العراق، من البصرة أولا في الثامن من شهر تموز الجاري، اثر قيام القوات الحكومية بإطلاق العيارات النارية الحية على عشرات الشباب المطالبين بالوظائف في منطقة "باهلة" القريبة من حقول الرميلة الشمالية الغنية بالنفط، شمال محافظة البصرة، ما تسبب بمقتل احد الشباب ويدعى سعد المنصوري وجرح آخرين.
للوهلة الأولى تبدو تلك الحادثة وكأنها قد دفعت المئات من المواطنين في محافظة البصرة إلى النزول للشوارع احتجاجا على استخدام القوات الحكومية الرصاص الحي. لكن الأمور تستبطن الكثير من الأزمات والمشاكل التي يعاني منها البصريون والتي تعد وفقا للقوانين العراقية والدولية حقوقا أساسية لم يحصل عليها المواطنون أو تم انتهاكها بشكل سافر من قبل السلطات العراقية.
الناشط المدني، علي الموزاني، وكان احد قادة التظاهرات الشعبية في البصرة على مدى السنوات الماضية كشف لمركز آدم عن أن البصرة تواجه مشاكل كبيرة خصوصا في مجالات المياه والكهرباء والبطالة والصحة والتعليم.
فالمياه الشحيحة مالحة ولم تعد صالحة للاستخدامات البشرية بعد انحسار مستويات مياه شط العرب أمام مياه الخليج المالحة، ونسب التلوث في البصرة تسببت بارتفاع عدد المصابين بأمراض السرطان الذين يفتقرون إلى مركز تخصصي للعناية بهم.
وبدا تقصير الحكومة العراقية واضحا حيال مرضى السرطان بسبب عدم تخصيص الأموال الكافية لشراء الأدوية والعقاقير التي يحتاجون إليها، وفي هذا التجاهل الحكومي خرق واضح لواحد من أهم حقوق الإنسان إلا وهو الحق في الصحة والعلاج.
وتنتشر المياه الآسنة بين مساكن المواطنين ما يجعل العيش فيها صعبا للغاية، وبالإضافة إلى تدني مستوى التعليم الحكومي وقلة الأبنية المدرسية في البصرة، يواجه مئات الآلاف من الشباب البطالة بسبب توقف المعامل وتراجع الأنشطة الاقتصادية في المحافظة والاعتماد بشكل كبير على الاستيراد.
هذه الأسباب من وجهة نظر علي الموزاني، الذي كان من بين أبرز قادة التظاهرات منذ 2015 كانت كافية لشعور البصريين بالإحباط. لكن ما أثار حفيظتهم أكثر هو عدم اكتراث الحكومات الاتحادية والمحلية المتعاقبة بمعاناتهم.
فعلى الرغم من سنوات من التظاهر بدأت بشكل واضح في 2015 غير أن الموقف الرسمي تجاه مطالب المتظاهرين كان باردا وغير فعال على الدوام، وأظهرت السلطات العراقية عدم مبالاة فظيعة أمام كل الاحتجاجات الشعبية التي كانت بمثابة صرخات إنسانية تشكو من ضغط معيشي كبير.
وامتدت الاحتجاجات الشعبية إلى محافظات وسط وجنوب البلاد سريعا بعد محافظة البصرة، إما لإظهار التعاطف مع المحتجين البصريين، وإما لأن المواطنين العراقيين في محافظات وسط وجنوب البلاد يعانون من ذات المشاكل المعيشية والخدمية والصحية التي يعاني منها البصريون وإن تفاوتت النسب من محافظة لأخرى.
وفي كل الأحوال فإن حق التظاهر والتعبير عن الرأي كفلته القوانين العراقية المعنية وفي مقدمتها الدستور العراقي الذي أشار إلى هذا الحق في المادة،38، منه والتي تمت صياغتها بالشكل التالي: "تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب العامة، حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون".
لكن ما لوحظ في هذه الاحتجاجات استخدام القوات الحكومية الرصاص الحي في التصدي للمظاهرات ما أسفر عن سقوط عدد من القتلى وتم الإعلان عن "أربعة حالات وفاة" بينما أصيب العشرات من المتظاهرين وقوات الحكومة بحسب وزارة الصحة العراقية.
وإذ يدين مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات أي استخدام للقوة من كل الأطراف، يحمل الحكومة العراقية مسؤولية الحفاظ على سلامة المحتجين في كل زمان ومكان، ويستغرب من استخدام عناصرها الرصاص الحي بشكل قاتل ضد محتجين لا يحملون الأسلحة التي يمكن أن تعرض حياة عناصر قوى الأمن للخطر الحال.
كما يحمل الحكومة العراقية مسؤولية تفاقم حدة الرفض الشعبي بسبب تجاهلها المستمر لمطالب المتظاهرين وعدم سعيها لتحسين أوضاعهم المعيشية والخدمية والصحية وحل مشكلاتهم بشكل مهني وهي دون شك من مهام هذه الحكومة والحكومات التي سبقتها.
ومن هنا فإن أبرز التوصيات التي خرج بها المركز حيال الأوضاع الراهنة هي:
أولا- امتناع القوات الحكومية عن استخدام العنف وإطلاق الرصاص الحي في مواجهة أي احتجاجات قد تجري مستقبلاً، واعتماد الأساليب المعهودة في مثل هكذا حالات كخراطيم المياه.
ثانيا- فتح الحكومة العراقية بشكل عاجل ودون تأخير لقنوات الحوار مع ممثلي المحتجين والاستماع إلى مطالبهم وأن تبدي المزيد من الحرص على تنفيذها وفقا لجداول زمنية محددة.
ثالثا- تعويض ضحايا الاحتجاجات والابتعاد عن الصاق تهم بالمحتجين ووصفهم بـ"المندسين" في حين إن كل المؤشرات تؤكد أن حالة الغضب الشعبي كانت متفاقمة ونجم عنها بعض التصرفات العنيفة من المتظاهرين بسبب حاجة المواطنين إلى الكهرباء والمياه وسبل المعيشة.
رابعا- إطلاق سراح جميع المعتقلين على خلفية الاحتجاجات، وضمان عدم تعرضهم لأية ملاحقة قانونية وقضائية مترتبة على مشاركتهم في التظاهر للمطالبة بحقوقهم.
خامسا- أن تكافح السلطات العراقية الفساد المستشري في مؤسساتها والذي تسبب بهدر الأموال التي كانت مخصصة لتوفير الحقوق الحياتية الأساسية للسكان، فمن شأن هذا الإجراء أن يبعث برسالة تطمين قوية للمحتجين ويسهم بتهدئة الأوضاع التي تبقى مرشحة دائما للتوتر بسبب نقص الخدمات وما يتم كشفه من ملفات فساد كبيرة لا تتم محاسبة المتورطين فيها.
.....................................
اضف تعليق