q
ما يحصل باليمن- البلد الافقر في الشرق الأوسط-هو حرب ضد الإنسانية، وهو حرب إبادة جماعية، وهو حرب ضد الحقوق والحريات، هي حرب تطال جميع الشعب اليمني، وفي مناطق اليمن كافة، الشمالية منها والجنوبية. وهذه الحرب تشترك فيها جميع الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية، بدوافع سياسية

لا يظن أحد أن ما يحصل في اليمن هو صراع مسلح بين طرفين سياسيين مختلفين، ولا يظن أحد أن ما يحصل في اليمن هو حرب بالوكالة بين طرفين إقليميين يتسابقان في الوجود والسيطرة والتحكم، بل ما يحصل باليمن- البلد الافقر في الشرق الأوسط-هو حرب ضد الإنسانية، وهو حرب إبادة جماعية، وهو حرب ضد الحقوق والحريات، هي حرب تطال جميع الشعب اليمني، وفي مناطق اليمن كافة، الشمالية منها والجنوبية. وهذه الحرب تشترك فيها جميع الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية، بدوافع سياسية أو اقتصادية لاسيما تجارة السلاح، أو بدوافع مذهبية ضيقة.

ربما تكون الأسباب التي تسوقها الأطراف المتحاربة لتبرير حربها ضد بعضها تعبر عن حقيقة ما، في مكان ما، من هذه الحرب المستعرة، إلا أن النتائج المتحصلة من هذا النزاع المسلح؛ الطويل الأمد، قد تجاوزت حدود تلك الأسباب؛ وتعدت الضرورات التي تبيح المحظورات، فالأوضاع الإنسانية في اليمن أضحت أوضاعا كارثية، ونتائجها تتفاقم باستمرار، ولا تلوح في الأفق الحلول السياسية التي تدعو لها الأطراف الوطنية أو الدولية، تحديدا الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص السيد مارتن غريفيثس.

يقول مارتن غريفيثس (لقد أفضى الصراع في اليمن إلى واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية خطورة في التاريخ الحديث. إذ تآكلت مؤسسات الدولة بشدة، وما برحت البلاد مستمرة في التمزق بوتيرة مثيرة للقلق. فالمدنيون يتحملون العبْء الأكبر جّراء هذا الصراع وأضحوا ضحايا للعديد من انتهاكات حقوق الإنسان. فمِن الجلّــي أنه لا يمكن العثور على حلّ عسكري في اليمن).

وفقا للأمم المتحدة، تعد أزمة اليمن أسوء أزمة إنسانية على مستوى العالم، حيث قتل ما يزيد عن 7700 شخصا، معظمهم مدنيون، وجرح 40 ألفا آخرون. ويعاني 2,2 مليون من الأطفال من سوء التغذية، كما يعاني ما يقرب من نصف مليون شخص من التأثر الشديد من سوء التغذية، لدرجة أنهم سيحملون هذه الأضرار مدى الحياة. وهناك خطر محدق لكارثة إنسانية ستتطور إلى مجاعة، يتأثر منها من 20 إلى 22 من المدن، وثلثا السكان ليس لديهم ما يكفي من الغذاء، وهم بحاجة ماسة إلى مساعدة للبقاء على قيد الحياة.

هذه ليست مجرد أرقام وحسب؛ فكل رقم من هذه الأرقام يعني أن هناك إنسانا في اليمن قد تعرض إلى الموت والقتل والمرض والجوع والتهجير. وهذه الأرقام تزداد كل يوم، فمع اشتداد المعارك في الساحل الغربي لليمن في محافظة الحُديدة، تزداد أوضاع المدنيين سوءا؛ ذلك لأن الهجوم على ميناء الحديدة سيعرض حياة أربعة ملايين يمني يعيشون في باقي محافظات البلاد للخطر، لان هذه المدينة هي المعبر الوحيد للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك المواد الغذائية والأدوية وغيرها من المواد الضرورية، التي يعتمد عليها ما يقدر بحوالي ثلثي الشعب، وأن هذا الهجوم سيفاقم الأزمة الإنسانية في الحديدة؛ لأن هناك نحو أربعمائة ألف شخص يقطنون المدينة، وأي حصار عليها يمتد أمده سيترك مئات آلاف السكان منقطعين وغير قادرين على الفرار.

صريح السيد "روبير مارديني"، المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأدنى والشرق الأوسط في اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) بشأن الوضع في الحُديدة في اليمن (إن التقدم الأخير باتجاه الحُديدة من شأنه أن يزيد الوضع الإنساني المأساوي سوءاً خاصة وأن السكان بلغوا أصلاً حالة قصوى من الإنهاك... ولا بدّ من الحفاظ على شرايين التواصل الحيوية مع العالم الخارجي، بما فيها ميناء الحُديدة ومطار صنعاء. فالعائلات وعامة الناس هم من سيعانون من عدم دخول المواد الغذائية، ويساورنا القلق من أن تواصل العمليات العسكرية الدائرة إعاقة وصول السلع الأساسية... وقد سبق وأن خزّنت اللجنة الدولية مواد غذائية ومستلزمات طبية ونُظم لتنقية المياه ومستلزمات للصرف الصحي في الحُديدة. لكن يتعذّر توزيع هذه المواد الضرورية لإنقاذ أرواح الناس على من هم بحاجة إليها بينما القتال دائر... ونحن قلقون من وضع البنى التحتية الأساسية في الحُديدة، بما فيها شبكات توزيع المياه والكهرباء التي لا غنى عنها لبقاء السكان على قيد الحياة).

لا شك أن الوضع الإنساني في اليمن هو وضع سيئ للغاية، وأن المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الدولية الإنسانية لا تكفي لسد احتياجات الشعب اليمني بكامله، ولا تكفي إلا لأيام معدودة، وأن تدفق المساعدات لليمن ليس بالأمر الهين على تلك المنظمات، ولا في الوصول إلى اليمنيين المستحقين لها، وأن عددًا قليلًا من الجهات الدولية المعنية بالعمل الإنساني استطاعت الوصول إلى الأماكن الأكثر احتياجًا أو لديها الاستعداد لذلك. فبحسب (إيف داكور) المدير العام للجنة الدولية للصليب الأحمر (حتى الآن، لا تزال الاستجابة الإنسانية في مُجملها لا تلبي إلا النذر اليسير من الاحتياجات، علاوة على تعذّر إدخال المساعدات الإنسانية اللازمة لإنقاذ الأرواح إلى اليمن، فضلًا عن توزيعها على الأفراد الأكثر احتياجًا لها بسبب المعارك وانعدام الأمن المُستمرّين، هذا بخلاف العقبات الإدارية. وما يزيد الوضع سوءًا، تكرار تجاهل أطراف النزاع لمبادئ القانون الدولي الإنساني الذي يُلزم القوات العسكرية والمجموعات المُسلّحة بتسهيل إيصال مواد الإغاثة الإنسانية، واحترام الحياد الطبي بما يكفل تقديم العلاج الطبي إلى كل من يحتاجه).

ولا شك أن نقل القتال إلى ميناء الحديدة الذي يعد معبرا لثمانين بالمائة من المواد الغذائية والمساعدات إلى اليمن، بحسب الأمم المتحدة، يعني تهدد حياة ملايين المدنيين، ولا يوجد في اليمن أي بديل صالح لميناء الحديدة، وأي تعديلات على الواردات التجارية والإنسانية القادمة من خلال هذا الميناء، سيكون لها عواقب وخيمة، كما أن الميناء يقع في مركز يسكنه الآلاف، وبالتالي فان أي حملة عسكرية في المنطقة ان كانت برية او جوية ستكون لها آثار مدمرة على المدنيين.

ومع ذلك كله، لا ينبغي التعكيز على المساعدات الإنسانية والمعونات الدولية التي تقدمها منظمات الإغاثة، لإنقاذ أرواح ملايين اليمنيين تحديدا المدنيين والأطفال والنساء. ولا ينبغي أن تستمر العمليات الاغاثية المشوهة لمساعدة بعض اليمنيين الذين يمكن أن تصل إليهم تلك المعونات. ولا ينبغي عقد مؤتمرات جمع الأموال لليمنيين من هذا الطرف الدولي أو ذلك، فكل هذا لا ينهي معاناة اليمنيين، ولا يقدم لهم حلولا واقعية، بل هي حلول جزئية، قد تكون بعض أهداف تلك المساعدات الدولية تقديم العون للمدنيين اليمنيين المتضررين بالفعل، وقد تكون أهداف غالبيتها إدامة الحرب اليمنية إلى أقصى حد ممكن، ومد أطرافها بما يساعدها على الاستمرار بالقتال حتى يباد اليمنيون عن بكرة أبيهم.

إن حل أزمة اليمنيين إنما يكمن فقط في وقف القتال الدائر بين الأطراف اليمنية، وهذا هو الحل الاستراتيجي، وهذا هو الحل الذي ينقذ المواطنين اليمنيين من محنتهم، ويخلصهم من شبح الإبادة الجماعية، والجوع الجماعي. ولكن لا يتوقف القتال بين اليمنيين إلا بتوقف القتال بين داعميه الإقليمين والدوليين، سواء الذين يشتركون بالفعل في العمليات القتالية أو الذين يدعمون تلك الأطراف بالمال والسلاح أو الخبرة والدراية. ولا يتوقف الداعمون الخارجيون حتى يجدوا أن مصالحهم في اليمن أو جزء منها على الأقل قد تحقق. أو يجد بعضهم أن الحرب بدأت ترتد عليه سلبا، ولم يعد يتحمل كلفتها الباهظة.

في الواقع، إن إيقاف الاقتتال في اليمن يعتمد على ما يأتي:

1. تدخل مباشر من لدى الأمم المتحدة، وفقا لمبادئ الحياد وعدم الانحياز لحساب طرف على حساب طرف آخر، من خلال إصدار قرارات دولية ملزمة لجميع أطراف النزاع اليمني، تتضمن خريطة طريق سياسية على وفق توقيتات زمنية محددة، تضع حدا لمأساة اليمن، وتفرض عقوبات صارمة وعادلة على أطرافها في حال الإخلال بالمبادئ العامة لتلك الخريطة.

2. إنّ أي عملية سياسية ذات مصداقية تتطلب أن يتمتع جميع الأطراف بالمرونة اللازمة، وتقدم تنازلات صعبة، وأن تضع المصلحة الوطنية في الصدارة من أجل الشعب اليمني.

3. يتعين على أطراف النزاع وداعميها أن تدرك عميقا أن حل مشكلة اليمن لن تكون بتحقيق نصر عسكري أو أمني، هنا أو هناك، بل أن حصول الأمن والاستقرار الوطنيين، إنما يكون فقط بالتوافق على حلول سياسية مرضية لجميع الأطراف.

4. وحتى يتحقق ذلك على أطراف الصراع اليمني أن تحرص على عدم استهداف المدنيين والأعيان المدنية واتخاذ الاحتياطات الضرورية التي تكفل التمييز بين المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان.

5. وحتى يتحقق ذلك ينبغي الإبقاء على موانئ اليمن مفتوحة أمام الشحنات الإنسانية والتجارية خصوصاً شحنات الأغذية والأدوية والوقود.

.....................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2018

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
[email protected]

اضف تعليق