الشهر هو نفسه، لكن الاعوام تختلف..
في اذار من العام 1991 انتفض العراقيون في المحافظات الجنوبية ضد نظام صدام حسين، الخارج لتوه من هزيمة ساحقة امام قوات التحالف الدولي التي حررت الكويت من احتلاله.
لم يكن وقتها ربيع عربي، ولم يصعد الاسلام السياسي الى سدة الحكم في بلدانه، ولم يكن منسوب الطائفية السياسية بهذا الجريان الهادر. في الاجمال لم يكن هناك اي ظرف يتشابه بين اذار ذلك العام واذار العام 2015.
اذا كانت حرب احتلال الكويت، قد قسمت المواقف الرسمية والشعبية منها، فالرسمية قد ادانت ذلك ووحدت مواقف الدول العربية والاجنبية ضدها، الا ان المواقف الشعبية في معظمها قد اندفعت وراء الشعارات التي رفعها صدام حسين وقتها لاحتلاله لتلك الامارة.
بالمقابل توحد الموقف الرسمي مع الموقف الشعبي ضد ماجرى بعد ذلك، وهي انتفاضة محافظات الجنوب، بعد تحرك رسمي ضد بعض الشعارات التي رفعها المنتفضون، والتي رأت فيها تلك الدول تهديدا شيعيا لوضع قائم لايمكن السكوت عنه.
اشتركت في تلك المواقف النخب الثقافية العربية، ولم تدن يومها ماتعرض له سكان تلك المحافظات من قتل وتشريد وقمع وانتهاكات ارتقت الى جرائم حرب، وثقتها العشرات من المقابر الجماعية المكتشفة حتى الان، مع اخرى غير مكتشفة، حيث بلغ عدد الذين قام نظام صدام بقتلهم في جنوب العراق خلال 14 يوم من عمر الانتفاضة بحدود 300 الف شخص اي بمعدل أكثر من 20 ألف شهيد يوميا..
بعد سنوات من ذلك الحدث، يفضح كنعان مكية في كتابه الشهير (القسوة والصمت) مواقف تلك النخب الثقافية، والتي انطلقت من مرجعيات طائفية وقومية عروبية في مواقفها مع ماقام به صدام حسين تجاه سكان تلك المحافظات.
اذار 2015 والحدث الابرز حصار تكريت، والذي تتسلط عليه الاضواء من جميع الجهات، يحاول الاعلام العربي - وقد نجح في ذلك بدرجة كبيرة - تصويره على انه قمة الصراع الشيعي – السني، وان هذا الصراع الدائر في تكريت سيكون له تداعيات خطيرة على مستقبل العراق ومكونات الاجتماعية، وان ماتقوم به القطعات العسكرية (جيش – حشد شعبي) هو عمليات انتقام ضد السنة وانها جرائم حرب وابادة ضد المكون السني في العراق، وانها جميع مايوجد في قاموس الانتهاكات من تعبيرات ومفردات، الغرض منها شيطنة وابلسة تلك القطعات ورفع وتيرة الكراهية والتحشيد ضدها.
على مدار الاعوام الماضية لو اننا جمعنا الاصوات والكتابات التي ادانت القاعدة او الجماعات السنية المسلحة وماقامت به ضد الشيعة، بشقيها الرسمي والشعبي، فانها لا ترقى من حيث حجمها الى الحدث الحالي وهو حصار تكريت، وهي الكتابات والاصوات التي تنطلق من نفس المرجعيات التي حكمتها في العام 1991 ضد انتفاضة المحافظات الجنوبية.
ما الذي يجعل من تكريت مختلفة؟
لانها مركز النخبة الحاكمة في عهد صدام حسين، وهو المتحدر من احدى مناطقها، وهي تحتضن قبره الذي يزوره اتباعه في جميع المناسبات، وهي تمثل رمزا للسلطة السنّية التي تلاشت بعد العام 2003 ، وهي السلطة التي لازالت تسكن بقوة مخيال سنة العراق والعرب.
فارق اخر وهو الاهم، ان الضحية السنّي غير الضحية الشيعي، فالاول اكثر ارتقاءا في سلم الانسانية من نظيره الشيعي، (الا يتشابه ذلك مع مقولة اليهود شعب الله المختار؟)، والثاني تصب عليه اللعنات وهو (اللاشيء)، وهو الكافر والمارق والمجوسي، وهو المشكوك بأصله وفصله، الى اخر قائمة النعوت والاوصاف التي درج على اطلاقها السنّة في العراق وغيره من البلدان العربية والمسلمة على الشيعة.
اضف تعليق