لماذا يعزف الشباب عن المشاركة السياسية في بلدانهم، لاسيما المشاركة في الانتخابات؟ وما هي أهم التحديات التي تواجه الشباب وتقلل من نسبة مشاركتهم في العملية الانتخابية؟ وكيف يمكن أن نقيم العلاقة بين الشباب والأحزاب السياسية المؤثرة في القرار السياسي؟ وما هي الإجراءات التي يمكن للبرلمانات والحكومات والأحزاب السياسية والمجتمع المدني القيام بها لزيادة تمثيل الشباب والشابات في السياسة؟ وما هي الحلول المقترحة ليأخذ الشباب دورهم في قيادة دفة السلطة والحكم في بلدانهم؟
حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة عند إعلانها العام الدولي للشباب عام 1985، أربعة أنواع لمشاركة الشباب في الحياة العامة، وهي: المشاركة الاقتصادية المتمثلة في فرصة عمل، والمشاركة الثقافية، والمشاركة المجتمعية والتطوع بهدف خدمة المجتمع وتنمية البيئة، والمشاركة السياسية في صنع القرار والسلطة.
وتعد المشاركة السياسية للشباب، ابتداء مـن الانـضمام للأحـزاب والاتحادات المهنية والنقابية إلى الترشيح للمناصب العامة وتولي تلك المناصب، إلى التصويت فـي الانتخابـات الرئاسـية والبرلمانيـة والمحلية، إلى المشاركة في الحملات الانتخابية والمؤتمرات والندوات المعنية بتسيير شئون المجتمع إحـدى أهم دعامات المواطنة وديمقراطيـة المـشاركة لـدى المجتمعـات المعاصرة.
على الرغم مما تضمنته الإعلانات واللوائح والبرامج الدولية والدساتير والقـوانين الوطنية من مبادئ الديمقراطية التي تشجع على مشاركة الشباب في الحياة السياسية إلا أن اسـتقراء واقع هذه المشاركة يشير إلى ضعف مـستواها حيـث لا يحـرص الـشباب علـى المشاركة في الانتخابات البرلمانية والمحلية إلا نادرا!
فثمة دليل قوي على أن مشاركة الشباب في العمليات السياسية الرسمية والمؤسسية أقل نسبيًا من مشاركة المواطنين الأكبر سنًا في جميع أنحاء العالم. ويمثل التصويت، وهو أحد أهم الطرق الرسمية للمشاركة مثالا واضحًا على ذلك. ففي العديد من البلدان النامية، يصل عدد السكان الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما إلى أكثر من نصف السكان، بيد أن الشباب يشاركون أقل من مواطنيهم الأكبر سنًا في معظم العمليات السياسية الرسمية، مثل الانتخابات.
وتشير تقارير صادرة عن الأمم المتحدة أن "ثمة عقبات كبيرة تعترض طريق المشاركة السياسية للشباب على المستويات الثالثة للقدرات. فعلى المستوى الفردي، تتألف العقبات من الافتقار للمهارات التقنية؛ وضعف الحافز، لا سيما للمشاركة في العلميات الرسمية التي يقودها كبار السن؛ والافتقار للموارد الاقتصادية؛ والافتقار للوعي والمعرفة. وعلى المستوى المؤسسي، عادة ما تواجه الجماعات التي يقودها الشباب صعوبات بسبب الافتقار للموارد الاقتصادية، ومحدودية المعرفة التنظيمية لديها. وعلى المستوى البيئة، ثمة قيود هيكلية قد تتضمن ارتفاع سن الأهلية للترشح للانتخاب، إضافة إلى قيود ثقافية تكبح مشاركة الشباب."
وتوصلت دراسة حول مشاركة الشباب في كندا إلى الاستنتاج التالي: "حددت الأبحاث المناهج المدرسية، وتحديدًا التربية المدنية أو الوطنية –من حيث المحتوى وطرق التدريس– بوصفها سببًا رئيسيًا في تدني المعارف والمهارات السياسية" وبالمثل، يدعو منتدى الشباب الأوروبي إلى إدراج " التربية المدنية كمادة إلزامية ضمن النظام التعليمي النظامي" حيث تعتبر التغييرات في المناهج المدرسية، ولا سيما أثناء عمليات التحول السياسي، نقطة دخول مهمة لتعزيز ثقافة جديدة قوامها الإبداع والمشاركة في الحكم.
قد تكون التربية المدنية هي الموضوع الأساس الذي ينبغي للدول والحكومات والمجتمعات الانتباه له، فالمشاركة السياسية للشباب ليست عملية طبيعية يرثها الإنسان، وإنما هي عملية مكتسبة يتعلمها الشباب وتنمو خلال مراحل حياتـه وتفاعله داخل الجماعات المرجعية التي ينتمـي إليهـا. ويتوقـف ممارسة الشباب لها على مدى توافر المقدرة والدافعيـة والفـرص الحقيقية التي يوفرها المجتمع له والتقاليد الـسياسية والأيديولوجيـة السائدة في المجتمع.
وقد يكون ضعف المشاركة السياسية للشباب والشابات يرجع -بحسب مختصين بشأن الشباب- إلى مجموعة عوامل، منها على سبيل المثال: النطاق العمري، والوضع الاقتصادي، ومستوى التعليم، والنوع الجنساني، والدين والمنزلة الاجتماعية، والمفاهيم الخاصة بقيمة المشاركة السياسية والآراء السياسية، والإعاقات أو الاحتياجات الخاصة.
وقد يرجع عزوف الشباب عن المشاركة السياسية، إلى غياب الديمقراطية داخل الأحزاب، وغياب البرامج الحزبية. وعدم منح الشباب الفرصة داخل الأحزاب السياسية للترشح للانتخابات التشريعية والمحلية. وعدم وجود سلوك سياسي وسياسات خاصة للشباب تعكس ثقافة سياسية مختلفة لهم عن فئات المجتمع.
وربما تعلب الأمية والبطالة وخاصة بين الشباب دورا أساسيا في إحجام الشباب عن المشاركة في الحياة السياسية حيث لا يتحقق الإشباع للحاجات الأساسية للشباب مثل إيجاد فرص عمل مناسبة والزواج وبناء حياته المستقلة بما يؤثر سلبا على قيام الشباب بالأعمال التطوعية بداية وانتهاء بالمشاركة السياسية في الحياة العامة.
ولكن مهما كانت المسببات والأسباب، ومهما اختلفت من بلد إلى آخر، فإن عزوف الشباب عن المشاركة السياسية عامة والانتخابات خاصة، يدعو إلى القلق دائما، ويبعث عن التساؤل بشأن مدى تمثيل النظام السياسي لجميع فئات المجتمع من جهة. ويبعد الشباب عن الساحة السياسية ويحرمهم من ممارسة حقوقهم من جهة ثانية. ولكل من الاتجاهين نتائج ربما تقود إلى التشكيك بشرعية النظام السياسي القائم، وتحفز الشباب على نحو من الأنحاء إلى اللجوء إلى العنف المفرط في التعبير عن بعض حقوقهم المهدورة من جانب الأحزاب السياسية، سواء تلك التي تقود البلد أو تلك التي تعارضها.
وبناء عليه، فقد تركزت الحوارات الدولية والوطنية بشأن المشاركة السياسية للشباب بصفة أساسية على خلق الدوافع لدى الشباب لكي يدلوا بأصواتهم في الانتخابات ويساهموا في العملية الانتخابية والسياسية بطريقة شرعية، ولكيلا يكونوا أداة بيد الجماعات المتطرفة التي تستغل احتياجات الشباب وعزوفهم عن المشاركة الإيجابية في الانتخابات، وتدفعهم نحو العمل العنفي غير المبرر، حيث أن وجود الشباب الفاعل في الحياة السياسية يمنح البلاد أمنا واستقرارا وتقدما...
ولا غرابة في ذلك، فمعروف أن الشباب ثروة بشرية هائلة قادرة على مواجهة التحديات في الحاضر والمـستقبل، وعلى تغيير وتحديث المجتمع في ظل الظروف التي نعيشها، له حقوق كمـا عليـه أيـضا واجبات. فالشباب له حق الحياة الآمنة والحصول على جميع الخـدمات الـصحية والثقافية والاجتماعية والتعليمية والعمل والإنتاج، وله الحق في إبداء الرأي والمشاركة في اتخاذ القـرار. كما أن له حقوقا يكفلها له الدستور والقانون مثل حق الانتخاب والاختيار الحر، والمـشاركة السياسية.
ولذلك، فمن الأهمية بمكان، أن تولي الجهات الحكومية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني اهتماما خاصا بالشباب والشابات من أجل أن يكونوا حاضرين دوما في الساحة السياسية والحزبية، وأن يكونوا مؤثرين في القرارات والسياسيات التنموية لبلادهم.
ويمكن أن يتحقق هذا من خلال ما يأتي:
1. ينبغي التعامل مع هذه الشريحة الواسعة من الشباب على أنها مصدر أفكار مبتكرة، وطاقة خالقة، وفرص جديدة، لا النظر إليها على أنها مشكلة يجب احتواؤها أو التحكّم بها.
2. ينبغي تكاتف وتضافر جهود كل الوزارات والمؤسسات ذات الصلة بالشباب مثل: وزارات الشباب، والإعلام، التربية والتعليم، ومؤسسات تنمية المرأة وغيرها، بالإضافة إلى الجامعات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني لتثقيف الشباب من الناحية السياسية.
3. ينبغي أن تنظر الأحزاب السياسية إلى الشباب على أنهم مصدر قوة يساهم إلى حد كبير في تطوير بلدهم، وأمنها واستقرارها. إلا أنهم يحتاجون إلى الدعم والاستثمار المناسبين لإبراز طاقاتهم.
4. ينبغي أن يأخذ المشرعون والأحزاب السياسية في اعتبارهم احتياجات الشباب ضمن سياساتهم. لا سيما وأن معدل البطالة بين صفوفهم يتجاوز ضعف معدل البطالة المسجلة بين أوساط الراشدين.
5. ينبغي على القيادات السياسية أن تجعل لها صف ثاني من القيادات الشبابية تكـسبهم خبـرة القيادة وتحمل المسئولية ومشاركتهم في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسـب، وأن تبادلهم أدوار السلطة، وأن تأهلهم بدورات تدريبية فعالة.
6. ينبغي تقديم برامج إعلامية تشجع الشباب على ضرورة المشاركة السياسية خاصة في الانتخابات وتنمي لديهم قيم الولاء والانتماء.
.....................................
اضف تعليق