للقوانين –على اختلاف صورها وتجلياتها– معاني ترتبط بالحياة ومفرداتها، فمن خلال قواعدها الملزمة بحماية الحقوق وفرض الواجبات تلعب المنظومة القانونية دورا لا يقل أهمية وتأثيرا عن فروع المعرفة الأخرى في تنظيم حياة المجتمعات وبنائها على أسس سليمة تنعم بالعيش الكريم وتسود فيها مبادئ العدل والحرية، وذلك عندما يدرك فيها المواطن ماله من حقوق وما عليه من واجبات، بعيدا عن الفوضى وسيادة منطق القوة والغلبة.
وقد أدركت البعض من الشعوب هذه الحقيقة مبكرا فجعلت من سيادة القانون ونشر المعرفة القانونية نهجا وطريقا لاستقرارها وازدهارها وهوما جعلها تقطع شوطا كبيرا في تقدمها وبنائها الحضاري، إلا أن هذا النهج وللأسف لا نجد له تطبيقا في واقعنا العراقي، فالثقافة القانونية غائبة تماما عن بال واهتمام المواطن، لا بل غائبة حتى عن أجهزة ومؤسسات الدولة، وهذا ما ولّد لدى الإفراد فراغا وقصورا في فهم مدلولات القانون وأهميته في تنظيم الحياة للفرد والمجتمع، باعتبار أن تحقيق هذا الفهم ينعكس ايجابيا على استقرار وتوازن المجتمع.
فكثيرا ما يواجه المواطن في حياته اليومية مواقف وحالات يتعامل معها بشكل سلبي وبلا مبالاة وذلك بسبب جهله بالمسؤولية القانونية المترتبة على هذا السلوك، الأمر الذي يفقده حقه إضافة إلى ما يلحق به من ضرر مادي ومعنوي كان يمكن تجنبه لو حظي هذا المواطن بمستوى من الثقافة القانونية.
والمعرفة القانونية هي كذلك معنية في الأمر حيث تعد ضمن حقل فلسفة القانون، وهي ذات مجال واسع لبحث الموضوعات الأكثر أهمية في مجال القانون مثل أساس الإلزام في القانون ويقصد بذلك بحث مسألة العدل والعدالة والحق. وتنقسم فلسفة القانون إلى عدد من المباحث هي الوجود القانوني والقيم القانونية والمعرفة القانونية ويضيف إليها البعض علم الاجتماع القانوني.
ويبحث الوجود القانوني في تعريف القانون وأساس إلزامه. وهنا يجرى التمييز عادة بين النص القانوني الصادر عن المشرع وبين القانون المجرد أو الموضوعي الذي يشير إلى المعنى كذلك من يصنع القانون فهل هو عبارة عن إرادة حرة تلزم نفسها ام سلطة شخصية. والقيم القانونية هي المبادئ والمثل الحاكمة للقانون هي العدل مثلا أو الأمن والاستقرار أو الحرية أوكلها معا. وما المقصود بكل منها.
والمعرفة القانونية. هي الوسائل التي يمكن بها التعرف على القانون وهل هو مجرد العقل أم التجربة والملاحظة، وما هي أدوات المعرفة القانونية.
أما علم الاجتماع القانوني. فيبحث في العلاقة بين القانون والمجتمع. وتتعدد مدارس أو مذاهب فلسفة القانون بتعدد الحضارات الإنسانية وأنساقها الثقافية. ولعل أهم مقابلة بين مذاهب فلسفة القانون هي تلك التي تجرى بين مذاهب القانون الطبيعي وفلسفة القانون الوضعية والفلسفة الاجتماعية في القانون والمذاهب المادية التاريخية.
في هذا الإطار المعرفة القانونية تعني الوعي بالقانون حيث يمكن تقسيم الوعي بالقانون إلى مستويين:
المستوى الأول هو الوعي بنظرية القانون وبنصوصه المختلفة وبالجوانب الفنية والفلسفية الدقيقة فيه. ويتداخل هذا النوع من المعرفة القانونية بالثقافة القانونية المتخصصة، لذلك نجد هذا النوع من الوعي القانوني عند المشتغلين بالقانون من قضاة ومحامين وكتاب عدول وحقوقيين وأساتذة جامعيين ممن يتولون تدريس القانون في الكليات المتخصصة، وربما نجده أيضا ً عند بعض المثقفين المولعين بالاطلاع على القانون وقضاياه النظرية.
ويبحث هذا المستوى بأمور من مثل مصادر قوة الإلزام في القانون وفقه القانون الدستوري وتنازع القوانين وسلطة القانون وتماسك القوانين بوصفها منظومة واحدة والسابقة القانونية ونظريات القانون.
أما المستوى الثاني من الوعي بالقانون فهو يختص بوعي الفئات الاجتماعية المختلفة والأفراد من غير المتخصصين بالقانون بالحقوق والواجبات التي تترتب على العيش الآمن والسليم ضمن المنظومة الاجتماعية الواحدة.
على أننا نلاحظ وجود نوع من التكامل بين المستويين الأول والثاني لأن القانون، وما يتفرع عنه من أنظمة وتعليمات وما يرتبط به من مؤسسات وأفراد، إنما يعبر عن صيرورة المجتمع في مرحلة تاريخية معينة، كما يمكن لانتشار الوعي بالقانون أن يمهد الأرضية المناسبة لعملية تطبيق القوانين على نحو فعال وناجز اجتماعيا.
إن مفهوم الوعي القانوني لا يقف عند حد نشر الثقافة القانونية بين مختلف شرائح المجتمع بل إن ذلك يسير جنبا إلى جنب مع رفع المستوى الثقافي للمواطن لتحقيق الهدف الاسمي في فهم القانون واستيعابه وبهذا يتمكن من تقبل أوامره ونواهيه وتطبيقها كما جاءت عن قناعة وليس لمجرد الخوف من التلويح بالعقاب، وهذا ما تسعى إليه المجتمعات المتمدنة فخلق الوعي لدى إفرادها والذي لا يقف عند الوعي القانوني فحسب بل هو الوعي العام المتعلق بالجوانب الصحية والبيئية والأمنية وغيرها من الجوانب المتعلقة بالمنظومة المجتمعية وهذا هو سلاح هذه المجتمعات في التصدي لكل إشكال التهديدات التي تستهدف وجودها.
إن من جزئيات الوعي العام بل من أهمها هو الوعي القانوني الذي يحصن المجتمع تجاه الانتهاكات التي يرتكبها إفراده لقوانينه المستقرة وإن تحقيق الوعي القانوني يتطلب من أعضاء المجتمع تحقيق هذا الهدف ذلك إن مؤسسات الدولة مهما بلغت بها الإمكانيات فلن تستطيع تحقيق هذه الغاية ما لم يسعى إليها الفرد ذاته لكونه ماسا بذاته وفكره الذي يحمله.
لا يخفى علينا مطلقا إن مهمة نشر الوعي والثقافة القانونية صعبة كون إن الوضع العام المرتبك في العراق يحول دون ذلك كما وان الأنظمة المتبعة لابد لها من أن تتغير لمواكبة الحداثة في العالم وتبدأ بتربية الأطفال والمناهج الدراسية التعليمية إلى القواعد الوظيفية، كما وندرك جليا إن المعرفة القانونية لا تأتي إلا من وعي وثقافة المجتمع في مجال القانون وطالما إن المجتمع فيه العديد من مظاهر التخلف فمن الطبيعي ان تقتصر الثقافة القانونية على النخبة والاختصاص في القانون.
اضف تعليق