شبكة النبأ: دخلت البرازيل مرحلة جديدة في حربها الانتخابية لاختيار الرئيس القادم، حيث لم تسفر الجولة الاولى للانتخابات، عن فوز أي مرشح لكنها أفضت إلى جولة ثانية ستجرى بين الرئيسة الحالية اليسارية ديلما روسيف، ومرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي آيسيو نيفيس، بعد فشل كل منهما في الحصول على الأغلبية المطلوبة للفوز بمقعد الرئاسة، وحصلت روسيف على 40.7 في المئة من الأصوات، بينما حصل نيفيس على 34.7. في حين لم تواصل المرشحة مارينا سيلفا تحقيق مفاجآت جديدة، بعد أن كانت متقدمة على روسيف في استطلاعات الرأي، التي جرت في أغسطس الماضي حيث حصلت على 21 في المئة فقط من الاصوات هو ما أبعدها عن السباق.
وستجرى انتخابات الإعادة في 26 أكتوبر، على أن يفوز من يحصل على الأغلبية البسيطة. وبحسب بعض المراقبين فان الايام القادمة التي ستسبق الجولة الحاسمة ومعرفة من يقود البلاد في المرحلة المقبلة، ربما ستشهد حربا اعلامية اكثر شراسة خصوصا وان الفترة السابقة قد شهدت تصعيدا غير مسبوق من خلال تبادل الاتهامات واستغلال للسلطة وفضح بعض الخفايا وقد تصدرت فضائح الفساد قائمة النزاع.
وعلى الرغم من فشلها في حسم الجولة الأولى من الاقتراع تعهدت روسييف بالعمل حتى النصر حيث استخدمت في خطاباتها التي اعقبت الاعلان عن النتائج الرسمية عبارة "الكفاح يستمر و سيكلل بالنجاح". وقالت رئيسة البرزيل المنتهية ولايتها ان "المعركة مستمرة وسننتصر فيها لأنها معركة الشعب البرازيلي وهي معركة بناة المستقبل الذين لن يسمحوا ابدا بأن أن تعود البرازيل إلى الوراء". وتقول استطلاعات انه على الرغم من ذلك مازالت روسييف المرشحة الأوفر حظا بشكل طفيف للفوز بالرئاسة بسبب سجل انجازات حزبها. وأعلنت رئيسة البرازيل ديلما روسيف، أنها ستجري تغييرات في مجلس وزرائها، إذا فازت بفترة رئاسية ثانية. وقالت روسيف،"حكومة جديدة.. فريق جديد. ليس لدي أي شك في ذلك".
ووفقا لقانون الانتخابات فإنه يتعين على المرشح لمنصب الرئاسة أو حاكم الولاية إن يجمع أكثر من 50 بالمائة من الأصوات ليفوز بالمنصب وإلا ستعقد جولة إعادة بين المرشحين الأعلى أصوات. وتجدر الإشارة ايضا إلى أن القانون البرازيلي ينص على أن التصويت إجباري لكل مواطن يبلغ عمره ما بين 18 إلى 70 عاما.
روسيف تواجه نيفيز
وفي هذا الشأن ستواجه الرئيسة البرازيلية اليسارية المنتهية ولايتها ديلما روسيف الاجتماعي الديموقراطي آيسيو نيفيس في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي تشهد منافسة شديدة في هذا البلد الناشئ العملاق من اميركا اللاتينية. وتصدرت روسيف مرشحة حزب العمال الحاكم منذ 12 عاما نتائج الدورة الاولى الاحد بفارق كبير بحصولها على 41,48% من الاصوات بحسب النتائج الرسمية شبه النهائية.
غير ان خصمها من الحزب الاجتماعي الديموقراطي البرازيلي آيسيو نيفيس حصل على 33,68%، ما يزيد بفارق كبير عن استطلاعات الراي التي توقعت السبت ان يحصل على 26 الى 27% من الاصوات، وسيسعى لتشكيل تحالف في وجه حزب العمال. وبذلك يكون الحاكم السابق الواسع الشعبية لولاية ميناس، ثاني اكبر ولاية عدديا في البرازيل، اخرج المرشحة المدافعة عن البيئة مارينا سيلفا التي اثارت مفاجأة بتصدرها التوقعات والتي لم تحصل سوى على 21,29% من الاصوات. ومن المتوقع ان تشهد حملة الدورة الثانية من الانتخابات معركة ضارية بين روسيف ونيفيس للفوز باصوات ناخبي مارينا سيلفا المنشقة عن حزب العمال والتي كانت تدعو الى سياسة تميل الى اليسار اجتماعيا والى اليمين اقتصاديا.
واعلن نيفيس "يشرفني ان امثل امل التغيير في الدورة الثانية" داعيا على الفور الحزب الاشتراكي البرازيلي الذي دعم ترشيح سيلفا الى الانضمام اليه لهزم روسيف. وقال "الوقت الان هو لتوحيد قوانا. ترشيحي ليس ترشيح حزب سياسي بل مجموعة من التحالفات" في خدمة "جميع البرازيليين الذين ما زالت لديهم القدرة على ان يغضبوا".
ويترقب القادة السياسيون والمعلقون والناخبون بفارغ الصبر التعليمات التي سيصدرها الحزب الاشتراكي ومارينا سيلفا الى الناخبين بشأن الدورة الثانية بعدما كانت المرشحة تدعو الى "سياسة جديدة" في قطيعة مع عشرين عاما من الاستقطاب السياسي ما بين حزب العمال والحزب الاجتماعي الديموقراطي. ولم تشأ مارينا سيلفا اصدار تعليمات على الفور وقالت "سننظم اجتماعات ونتحاور فيما بيننا" قبل اتخاذ "قرار مشترك" يقوم على مضمون البرامج لكنها اضافت ان "البرازيل قال بوضوح انه غير موافق على الوضع الحالي". وشكرت ديلما روسيف من برازيليا الناخبين على الفوز الذي منحوها اياه في الدورة الاولى.
وقالت ان "المعركة مستمرة وسننتصر فيها لانها معركة الشعب البرازيلي. هذه المعركة هي معركة بناة المستقبل الذين لن يسمحوا ابدا بان تعود البرازيل الى الوراء". وقال المحلل السياسي اندري سيزار من مكتب "بروسبيكتيفا" للاستشارات ان "آيسيو نيفيس ينطلق من جديد ويصل الى الدورة الثانية بكثير من القوة. اعتقد ان روسيف ونيفيس لديهما فرص متكافئة في الفوز، ستكون الحملة قصيرة جدا ومكثفة جدا".
وقال جواو اوغوستو دي كاسترو نيفيس من مجموعة اوراسيا "هناك رغبة في التغيير، اشخاص مستاؤون من تدهور الاقتصاد، وخصوصا في الطبقات الاكثر فقرا، لكن الدفاع عن مكتسبات حزب العمال قوي ايضا بين الناخبين" مرجحا فوز روسيف. وادلى اكثر من 142 مليون ناخب برازيلي باصواتهم لانتخاب رئيسهم المقبل وكذلك 513 نائبا فدراليا و1069 نائبا محليا و27 حاكما وثلث اعضاء مجلس الشيوخ (27 مقعدا) من بين 26 الف مرشح.
وينقسم ناخبو البرازيل بين الوفاء لحصيلة المكاسب الاجتماعية التي باشرها لولا (2003-2010) سلف روسيف ومرشدها السياسي، والانعطاف الليبرالي الى الوسط من اجل تحريك الاقتصاد الذي ضعف. وتجري هذه الانتخابات في ظل وضع مختلف تماما عن انتخابات 2010 التي فازت فيها ديلما روسيف في ظل نهاية حقبة "الازدهار" التي شهدتها سنوات لولا.
فقد تبدلت الرياح منذ ذلك الحين بالنسبة لسابع قوة اقتصادية في العالم حيث سجلت اربع سنوات من النمو البطيء قبل الدخول في مرحلة انكماش في النصف الاول من السنة على خلفية تزايد التضخم (6,5%) وتدهور الحسابات العامة. وهي حصيلة هزيلة تعوض عنها نسبة بطالة متدنية الى حد تاريخي اذ لا تتخطى 4,9%.
وشهدت البرازيل في حزيران/يونيو 2013 حملة احتجاجات شعبية تاريخية هزت الطبقة السياسية، حيث نزل جيل حقبة لولا الى الشارع في تظاهرات حاشدة احتجاجا على الفساد المتفشي بين النخب، مطالبا بتحسين التعليم والصحة والمواصلات عوض انفاق المليارات على تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم 2014. كما حصلت فضائح فساد لطخت صورة حزب العمال. بحسب فرانس برس.
غير ان تاريخ الحزب من البرامج الاجتماعية وحصيلته في تحسين المستوى المعيشي يضمنان له دعم الطبقات الشعبية والمناطق الفقيرة الوفية له، ومنها معقله في شمال شرق البلاد. وانضم اكثر من اربعين مليون فقير منذ 2003 الى الطبقة الوسطى التي شكلت لاول مرة غالبية الناخبين في هذا الاستحقاق. وراوح الوضع الاقتصادي لهذه الطبقة المتوسطة مكانه خلال ولاية ديلما روسيف وهي اليوم منقسمة مثلما اشارت اليه نتائج الدورة الاولى من الانتخابات في مناطق جنوب شرق البلاد الصناعية التي سجلت منافسة شديدة بين المرشحين الثلاثة. وستتركز المنافسة بين ديلما روسيف وآيسيو نيفيس على الفوز باصوات هذه الطبقة.
التحديات الاقتصادية
من جانب اخر قد ورثت ديلما روسيف (66 سنة)، الاقتصادية الصارمة، وزيرة الرئيس السابق لويس انياسيو لولا دا سيلفا (2003-2010) ورئيسة ديوانه، في كانون الثاني/يناير 2011 وضعا متميزا. فقد ارتفع اجمالي الناتج الداخلي في البرازيل الى 7,5% خلال 2010 لا سيما ان اول رئيسة في البرازيل استفادت من اغلبية واسعة في البرلمان، وكان الشعب راضيا عن تحسن الاوضاع المعيشية خلال السنوات الثماني الماضية التي تمكن خلالها 30 مليون فقير من الارتقاء الى الطبقة المتوسطة والاستهلاك عبر التدين.
لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن ودخلت البرازيل مرحلة ركود تقني في النصف الاول من السنة الجارية وبات النمو تقريبا في مستوى النصف خلال 2014. وقال الاقتصادي فينيسيوس بوتيلهو من مؤسسة جيتوليو فرغاس ان "معدل النمو من 2011 الى 2014 يعادل حوالى 1,5% سنويا، وهو مستوى منخفض جدا على ال4 % لسنوات لولا".
وقال المرشح الاشتراكي ادواردو كامبوس قبل وفاته في حادث طائرة في اب/اغسطس لتحل محله المرشحة مارينا سيلفا، ان "روسيف ستكون اول رئيسة بعد عودة الديموقراطية (1985) تترك البلاد في حالة اسوأ من التي وجدتها فيها". ويأخذ عليها اوساط الاعمال عدم المبادرة بالاصلاحات الضرورية لجعل البلاد اكثر تنافسية بسبب تدخل الدولة غير المفيد.
وافادت دراسة من مؤسسة دوم كبرال ان البرازيل تقهقرت من المرتبة 38 الى 54 (من اصل 60 بلدا) في مجال التنافسية في عهد الرئيس روسيف. وبدأت ديلما روسيف ولايتها وهي تتمتع بشعبية كبيرة بناء على ما اشتهرت به من حسن الادارة والصرامة ولم تتردد في تنظيف "منزل لولا" باقالة ستة وزراء اشتبه في تورطهم بالفساد من السنة الاولى. ووعدت الرئيسة بوضع حد للفقر المدقع في البرازيل، التي تعتبر من البلدان التي تعاني من اكبر نسبة انعدام مساواة اجتماعية في العالم.
ووسعت المساعدات التي اصبح يتمتع بها اليوم 50 مليون برازيلي واخرجت 11 مليونا اضافيا من البؤس. كذلك انجزت برنامج مساكن شعبية وردا على الانتفاضة الاجتماعية في حزيران/يونيو 2013 استدعت الالاف من الاطباء الاجانب لا سيما الكوبيين لسد الثغرة في المجال الصحي في المناطق الفقيرة والنائية من البلاد. وأنشأت برنامج تاهيل بمئة الف منحة طلابية في أفضل جامعات العالم.
وقال ريكاردو ريبيرو المستشار في سي ام سي، ان كل ذلك "يساعدها على الاستفادة من تقييم ايجابي" لا سيما في شمال البلاد الفقير. لكن شعبيتها تراجعت خلال 2013 مع ارتفاع التضخم (الذي بلغ اليوم 6,5%) والتظاهرات الحاشدة في حزيران/يونيو 2013 ضد الفساد والمطالبة بخدمات عامة افضل. ولخص ريناتو ميريليس رئيس معهد "داتابوبولار" لتحليل الرأي العام بالقول "عندما ترك لولا الحكم كان الناس يظنون ان ظروفهم الحياتية ستتحسن بشكل اسرع، ما تسبب في احباط كبير". بحسب فرانس برس.
وقال بوتيلهو "كان يمكن ان يكون ذلك انجازها الاهم. لكن رغم تحقيق بعض النجاحات ما زال الانطباع يفيد اجمالا بان المشاريع سجلت تأخرا مع المشاركة المبالغ فيها والمكلفة جدا للدولة". وواجهت روسيف تحديين معا هما الاستعدادات لمونديال كأس العالم لكرة القدم والانتفاضة الشعبية في 2013 التي لم تكن متوقعة. وقال بوتيلهو ان "تنظيم المونديال كان ناجحا بالنهاية لكنه تزامن مع فترة كان فيها المجتمع يطالب بمزيد من الاستثمارات في تحسين الخدمات العامة واستأثر المونديال باموال عامة كثيرة على حساب اولويات اخرى".
فضيحة بتروبراس
من جانب اخر علنت الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف انها طلبت من القضاء اسماء المستفيدين المفترضين من الرشاوى التي دفعتها شركة النفط الوطنية بتروبراس للنواب الذين ينتمون الى الاكثرية التي تدعمها. وقالت "في حال كان اي موظف حكومي او اي شخص من الحكومة الفدرالية ضالعا فسوف نتخذ الاجراءات المناسبة" وذلك بعد ان كشفت الصحافة عن فضيحة سياسية مالية كبيرة في البرازيل.
واكدت روسيف ان "ليس لها اية فكرة عما يجري في شركة بيتروباس" وذلك في مقابلة مع صحيفة "او استادو دي ساو باولو". وكان مسؤول كبير سابق في شركة بتروبراس النفطية العملاقة التابعة للدولة قد اثار عاصفة في البرازيل بتوجيه اتهامات في اوج الحملة الانتخابية الى نحو خمسين مسؤولا في الائتلاف الحاكم بالاستفادة من نظام دفع رشاوى.
فقد استجوبت الشرطة باولو روبرتو كوستا الذي كان مديرا تنفيذيا لقسم التكرير في بتروبراس بين 2004 و2012 والمعتقل والمتهم في اطار ملف واسع لتبييض الاموال ويواجه لذلك عقوبة السجن لثلاثين عاما، لعشرات الساعات اعطى خلالها اعترافات خطيرة بغية الاستفادة من خفض عقوبته لاحقا. بحسب فرانس برس.
وقدم للمحققين قائمة باسماء النواب واعضاء مجلس الشيوخ والحكام الذين دفعت بتروبراس لهم رشاوى في اطار صفقات لمنح اسواق لمقدمي خدمات بفواتير مقدرة باكبر من قيمتها الحقيقية. وقال للمحققين بحسب وسائل الاعلام البرازيلية ان نوابا واعضاء في مجلس الشيوخ وحكاما "كانوا يأتون يقرعون على بابي كل يوم". واختلفت الصحف الكبرى بشأن عدد الشخصيات السياسيية المتورطة واكدت ان المحققين يبقون اسماءهم طي الكتمان.
اضف تعليق