شبكة النبأ: بعد أشهر من صراع على السلطة والاتهامات المتبادلة بتزوير الانتخابات احتفلت أفغانستان، بتنصيب أول رئيس جديد منذ عشر سنوات بعد بإبرام اتفاق بوساطة أمريكية، أسفر عن تشكيل حكومة وحدة وطنية ربما لن تستمر طويلا حسب بعض المراقبين بسبب التحديات الامنية والاقتصادية المتفاقمة التي يعاني منها هذا البلد الذي بشكل كبير على المساعدات والدعم الاجنبي.
يتولى أشرف غني وكما يقول بعض الخبراء مهام منصبه في وقت حساس جدا حيث ستنتظره الكثير من المهام والتحديات ابرزها الانسحاب المقرر للقوات الدولية وتولى القوات الأفغانية مهمة الحرب ضد حركة طالبان التي تسعى الى تشديد هجماتها القتالية، يضاف الى ذلك المشاكل الاخرى التي ورثها ومنها مشاكلة الفساد المستشري في أفغانستان والخلافات السياسية المستمرة، ولعل رسالة التحدي قد وجهت الى الحكومة الجديدة قبل توليها قيادة البلاد فقبل دقائق من أداء عبد الغني اليمين الدستوري وقع انفجار ضخم قرب مطار العاصمة الأفغانية كابول. وقال أحد أفراد قوات الأمن إن انتحاريا هاجم نقطة تفتيش أمنية قرب المطار. وأعلنت حركة طالبان المسؤولية عن الهجوم. وقد ناشد عبد الغني في كلمة خاصة حركة طالبان ومتشددين آخرين الانضمام إلى محادثات سلام ووضع حد لأكثر من عقد من أعمال العنف.
وقال "الأمن مطلب رئيسي لشعبنا ونحن مللنا هذه الحرب... أدعو حركة طالبان والحزب الاسلامي إلى الاستعداد لإجراء مفاوضات سياسية." والحزب الإسلامي فصيل متحالف مع طالبان. وتعهد عبد الغني أيضا بكبح الفساد ودعا إلى التعاون داخل الائتلاف الحكومي. وقال في كلمته التي استمرت نحو ساعة "حكومة الوحدة الوطنية لا تعني فقط اقتسام السلطة ولكن العمل معا."
وظهرت بالفعل بوادر توتر في الائتلاف الهش الذي سيدير البلاد. ونشب خلاف على توزيع الحقائب الوزارية وما إذا كان عبد الله سيلقي كلمة في حفل تأدية اليمين. وقال مساعد لعبد الله إن معسكره هدد بمقاطعة حفل التنصيب لكن النزاع حل بعد اجتماعات في ساعة متأخرة من الليل مع السفير الامريكي. وكان عبد الله حاضرا لدى بدء الاحتفال ووقف الى جوار عبد الغني.
وأولى مهام عبد الغني بعد أداء اليمين كانت التوقيع على مرسوم بتشكيل منصب كبير المسؤولين التنفيذيين للحكومة الجديدة والذي سيشغله عبد الله وهو منصب موسع له سلطات مماثلة لسلطات رئيس وزراء استحدث للخروج من مأزق الانتخابات. وأدى عبد الله اليمين بعد ذلك بدقائق وألقى كلمة قبل أن يلقي عبد الغني بكلمته.
ويمثل تنصيب الرئيس نهاية عهد برحيل الرئيس كرزاي وهو الزعيم الوحيد الذي عرفه الأفغان منذ أن أطاح غزو قادته الولايات المتحدة عام 2001 بحركة طالبان التي وفرت ملاذا للقاعدة. وعززت إجراءات الأمن المشددة بالفعل في العاصمة كابول قبل حفل تنصيب الرئيس خشية أن يحاول مقاتلو طالبان تعطيل الحفل أو مهاجمة الشخصيات الدولية البارزة التي قدمت لأفغانستان لحضور حفل التنصيب. ويأمل كل من المؤيدين الأجانب والأفغان أن يتمكن عبد الغني وعبد الله من تنحية خلافاتها الانتخابية الحادة والعمل على تحسين الحياة في بلد يعاني من ويلات الحرب والفقر منذ عشرات السنين.
وترث الحكومة الجديدة مشكلات ضخمة من بينها محاربة طالبان التي شنت في الأشهر الأخيرة مزيدا من الهجمات الأكثر جرأة مع انسحاب القوات الأجنبية. وسيتعين على عبد الغني إعادة ضبط العلاقات مع الولايات المتحدة والتي توترت في السنوات الأخيرة في ظل حكم كرزاي. وأقيم حفل التنصيب في مجمع قصر الرئاسة الضخم. وشمل الحضور شخصيات أجنبية بارزة من بينها الرئيس الباكستاني ممنون حسين ومستشار البيت الأبيض الكبير جون بوديستا. وستواجه الحكومة الجديدة أزمة مالية على الفور. وطلبت كابول التي تعتمد على المساعدات الخارجية من الولايات المتحدة ودول مانحة أخرى 537 مليون دولار لتسديد نفقاتها حتى نهاية العام.
وقد اعربت الولايات المتحدة عن ارتياحها للاتفاق الذي وقعه الرئاس الافغانية اشرف غني وعبد الله عبد الله لتشكيل حكومة وحدة وطنية واعتبرته "فرصة هامة للوحدة". وقال المتحدث باسم البيت الابيض جوش ايرنست في بيان "ان توقيع هذا الاتفاق السياسي يسهم في وضع حد للازمة السياسية في افغانستان ويعيد الثقة"، مؤكدا "اننا ندعم هذا الاتفاق ومستعدون للعمل مع الحكومة المقبلة لضمان نجاحه".
وهنأ وزير الخارجية الاميركي افغانستان بما وصفه "باللحظة الاستثنائية للحكم". وتحدث عن "فصل جديد في شراكتنا الدائمة مع افغانستان". وقال "هذان الرجلان وضعا الشعب الافغاني اولا، وضمنا ان يبدأ اول انتقال ديموقراطي سلمي في تاريخ بلدهما بحكومة وحدة وطنية". وتحدث عن "فرصة هائلة" لافغانستان لكي تبرز اقوى بعد الاتفاق، مؤكدا ان "الانتخابات ليست النهاية .. بل يجب ان تكون بداية تنطلق منها افغانستان وشعبها الى اجندة اصلاح وتحدث تحسينات في العملية الانتخابية". بحسب فرانس برس.
ولقي الاتفاق بين الرجلين تشجيع الامم المتحدة وحلفاء كابول واولهم الولايات المتحدة، بهدف تفادي غرق هذا البلد في انقسامات عنيفة في الوقت الذي تستعد فيه غالبية جنود الجلف الاطلسي للانسحاب من افغانستان بنهاية العام.
اتفاق أمني
في السياق ذاته وقع مسؤولان من أفغانستان والولايات المتحدة اتفاقا أمنيا تأخر لفترة طويلة يسمح لجنود أمريكيين بالبقاء في البلاد بعد نهاية العام وفاء بوعد قطعه الرئيس الأفغاني الجديد أشرف عبد الغني خلال حملته الانتخابية. ووقع مستشار الأمن القومي الأفغاني حنيف أتمار والسفير الأمريكي جيمس كانينجهام الاتفاق الأمني الثنائي خلال مراسم بالقصر الرئاسي بثها التلفزيون بعد يوم من تنصيب عبد الغني رئيسا للبلاد. بحسب رويترز.
وقال عبد الغني في خطاب بعد التوقيع "بصفتنا بلدا مستقلا واستنادا إلى مصالحنا الوطنية وقعنا هذا الاتفاق من أجل استقرار وراحة ورخاء شعبنا. واستقرار المنطقة والعالم." ولطالما رفض حامد كرزاي سلف عبد الغني توقيع الاتفاق الأمر الذي وتر علاقته بالولايات المتحدة. وبموجب شروط الاتفاق من المتوقع أن يبقى 12 ألف جندي أجنبي لتدريب ومساعدة قوات الأمن الأفغانية بعد أن تنهي البعثة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة مهامها القتالية رسميا في نهاية 2014. ومن المتوقع أن تكون القوة مؤلفة من 9800 جندي أمريكي بينما سيكون الباقين من دول أخرى بحلف شمال الأطلسي. وستدرب القوة قوات الأمن الأفغانية وستساعدها في الحرب ضد حركة طالبان وحلفائها من المتشددين الإسلاميين..
وانتهزت حركة طالبان حالة الشلل في كابول لاستعادة أراض استراتيجية في أقاليم مثل هلمند في الجنوب وقندوز في الشمال. واستنكرت الحركة الاتفاق مع الولايات المتحدة ووصفته بأنه مؤامرة "خبيثة" من الولايات المتحدة للسيطرة على أفغانستان واستعادة مصداقيتها الدولية كقوة عسكرية عظمى. وقالت الحركة "تحت اسم الاتفاقية الأمنية .. يريد الأمريكيون اليوم إعداد أنفسهم لمعركة أخرى غير ظاهرة وبالغة الخطورة. "يريدون بحيلهم وخداعهم أن يضللوا الناس. يعتقدون أن الشعب الأفغاني لا يعلم مؤامراتهم وأهدفاهم الخبيثة."
تعهدات بالوحدة
الى جانب ذلك تعهد الرئيس الأفغاني المنتخب أشرف عبد الغني بإنهاء الصراع السياسي والفساد في خطاب ألقاه وهو الأول له منذ توقيع اتفاق لتقاسم السلطة مع غريمه وزير الخارجية السابق عبد الله عبد الله بهدف إنهاء أشهر من الاضطرابات. وقال عبد الغني وهو وزير المالية الأسبق في خطابه بالقصر الرئاسي في كابول "استقرار أفغانستان هو أهم شيء بالنسبة لنا. دعونا نبني هذا البلد ونضع الماضي وراءنا." وأعلن عبد الغني رئيسا منتخبا بعد أن وقع اتفاقا توسطت فيه الولايات المتحدة لتقاسم السلطة مع عبد الله. وشكا عبد الله من تلاعب واسع النطاق خلال جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في يونيو حزيران وهددت الخصومة بزعزعة استقرار البلاد فيما تستعد القوات الأجنبية للانسحاب من البلاد.
وبموجب اتفاق الوحدة سيقتسم عبد الغني السلطة مع رئيس للسلطة التنفيذية يختاره عبد الله. وسيكون الاثنان مسؤولان عمن سيتولى المناصب المهمة مثل الجيش الأفغاني وغيرها من القرارات التنفيذية. ويتحتم الآن على إدارة عبد الغني ليس فقط تشكيل حكومة فعالة وسط شكوك بشأن إلى متى سيستمر هذا الاتفاق وانما أيضا التعامل مع تمرد حركة طالبان التي أصبحت أكثر جرأة.
وشجب متشددو حركة طالبان الاتفاق الذي توصل إليه المرشحان المتنافسان في الانتخابات الرئاسية الأفغانية بتشكيل حكومة وحدة وطنية ووصفوه بأنه اتفاق "باطل" دبرته الولايات المتحدة وتعهدوا بمواصلة حربهم. ورفض ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم حركة طالبان التي تقاتل لطرد القوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة حكومة الوحدة الوطنية ووصفها بأنها خدعة غير مقبولة دبرها عدوهم.
وأضاف في بيان أرسل للصحفيين عبر البريد الإلكتروني "تنصيب أشرف عبد الغني وتشكيل إدارة وهمية لن يكون مقبولا أبدا لدى الأفغان." وتابع قائلا "يجب أن يفهم الأمريكيون أن ترابنا وأرضنا ملكنا وكل القرارات والاتفاقات يجريها الأفغان لا وزير الخارجية الأمريكي أو السفير الأمريكي." واردف "نرفض هذه العملية الأمريكية ونتعهد بمواصلة الجهاد إلى أن نحرر أمتنا من الاحتلال وحتى نمهد الطريق أمام حكومة إسلامية محضة." بحسب رويترز.
ودفعت الولايات المتحدة بقوة من أجل توصل عبد الغني وعبد الله لاتفاق يقضي باقتسام السلطة للحيلولة دون وصول النزاع بشأن نتيجة الانتخابات إلى طريق مسدود. واتصل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بالمرشحين طيلة فترة امتدت لاسابيع لاقناعهما بالتوصل لحل وسط كما ناشدهما الرئيس باراك أوباما تشكيل حكومة وحدة. وقال عبد الغني في خطابه "سينصب تركيزنا على الكفاءة في كل قطاع بالحكومة ولن يكون هناك مكان للمحسوبية... ستكون حكومة تتسم بالشفافية والمساءلة وتحمل المسؤولية."
وتواجه الإدارة الجديدة تحديات كبيرة في قتال التمرد الذي تقوده حركة طالبان ودفع فواتيرها وسط تراجع العائدات الضريبية. كما تواجه أيضا صعوبة في تحسين حياة المواطنين الأفغان مع نقص المساعدات في الوقت الذي تنسحب فيه معظم القوات الأجنبية من البلاد بنهاية العام.
كاميرون في أفغانستان
وصل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى أفغانستان في زيارة غير معلنة للاجتماع بحكومة الوحدة الجديدة ليصبح أول زعيم غربي يزور البلاد منذ حل أزمة الانتخابات مما خفف من مخاطر نشوب صراع مسلح. وتأتي الزيارة بعد أيام من تنصيب الرئيس الافغاني الجديد أشرف عبد الغني عقب أشهر من الاضطرابات السياسية بسبب انتخابات رئاسية متنازع على نتيجتها.
وقال كاميرون إنه يتطلع للعمل في المستقبل مع عبد الغني وكبير المسؤولين التنفيذيين الجديد عبد الله عبد الله. وأضاف في مؤتمر صحفي مع عبد الغني "نتقاسم جميعا هدفا مشتركا وهو وجود أفغانستان أكثر أمنا واستقرارا ورخاء. "نريد أفغانستان لم تعد ملاذا آمنا للارهابيين أو تهديدا لأمن أي من بلدينا وناقشنا اليوم كيف يتسنى لنا أن نحقق هذه الأهداف معا."
وأضاف كاميرون أن الجنود البريطانيين "دفعوا ثمنا باهظا" بسبب مشاركتهم في الحرب بأفغانستان لكن بريطانيا "قطعت شوطا بعيدا" في تحقيق أهدافها هناك. وأوضح رئيس الوزراء البريطاني قائلا إن تدخل بلاده في هذا البلد جاء بسبب مخاوف مرتبطة بالأمن الداخلي البريطاني. وقال كاميرون "لنا جميعا هدف مشترك: ألا وهو تحقيق أمن واستقرار وازدهار أفضل لأفغانستان".
وأشار رئيس الوزراء البريطاني إلى التقدم الذي تحقق في أفغانستان خلال السنوات الماضية، مضيفا أن "الشعب الأفغاني يستحق حكومة فاعلة وشرعية بإمكانها بناء مستقبل أفضل بالنسبة إليه". وكان كاميرون زار قبل توجهه إلى أفغانستان القاعدة البريطانية في جزيرة قبرص التي تنطلق منها الطائرات البريطانية لشن غارات ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق. بحسب بي بي سي.
وبريطانيا هي ثاني أكبر المساهمين -بعد الولايات المتحدة- في التحالف الدولي الذي انتشرت قواته في أفغانستان منذ التدخل العسكري عام 2001 للإطاحة بنظام حكم حركة طالبان في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر أيلول في الولايات المتحدة. وقتل أكثر من 450 جنديا بريطانيا في أفغانستان خلال الحرب على طالبان وحلفائها.
اضف تعليق