قرار فلسطين طلب الانضمام إلى اتفاقية روما، التي سيصبح بموجبها الفلسطينيون اعضاءا في المحكمة الجنائية الدولية بـ"لاهاى"، والذي جاء كرد سريع على رفض مجلس الأمن الدولي مشروع قرار يطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، لايزال محط اهتمام عالمي متزايد، خصوصا وان هذه الخطوة التي أغضبت إسرائيل والولايات المتحدة والتي عدها بعض المراقبين خطوة وطنيّة شجاعة، تمنح فلسطين امتيازات جديدة في الأسرة الدولية خصوصا مع وجود تضامن من دول أوروبا، قد فتحت الباب أمام مرحلة جديدة من مراحل الصراع الفلسطيني_ الإسرائيلي، فقد اعتمدت إسرائيل وفي أول ردة فعل لمعاقبة السلطة الفلسطينية من خلال فرض إيقاف تحويل أموال الضرائب التي تعد مورد أساسي من موارد السلطة التي تعاني العديد المشكلات والأزمات الداخلية (سياسية واقتصادية).
هذا القرار وكما يقول بعض المراقبين ربما يكون إحدى أهم الأوراق لدى إسرائيل التي ستواصل اعتماد قراراتها الانتقامية ومنها بمقاضاة عدد من القادة الفلسطينيين سبب تصرفات (حماس) التي تعتبرها الولايات المتحدة و(إسرائيل) منظمة إرهابية، في سبيل الضغط على فلسطين وإجبارها على الرضوخ لقراراتها، يضاف الى ذلك ان الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الأول للكيان الصهيوني قد تلجأ الى نفس الأسلوب، خصوصا وإنها أعلنت وبشكل رسمي إن انضمام الفلسطينيين للمحكمة الجنائية الدولية والذي يمثل ضربة قوية لآمال إعادة إنعاش محادثات السلام، سيؤثر على الدعم الأمريكي للسلطة الفلسطينية التي تحصل على معونات سنوية تقدر بنحو نصف مليار دولار، وهو ما حصل في وقت سابق.
هذه الاجراءت الانتقامية والتحركات المستقبلية التي قد تعتمدها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وكما يقول بعض المحللين، قد تحرج السلطة الفلسطينية وتضعف عزيمتها الحالية او قد تجبرها على اتخاذ قرارات معينة ربما ستنعكس سلبا على هذا التحرك المهم والضروري، مؤكدين في الوقت ذاته على ضرورة الإسراع في توحيد الصف الفلسطيني، وتجاوز الخلافات الداخلية واستمرار العمل المسلح من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية يقابله دعم عربي جاد للضغط على أمريكا وإسرائيل لانتزاع الحقوق الفلسطينية المغتصبة.
الرد الاسرائيل
وفيما يخص آخر التطورات فقد قال مسؤولون إسرائيليون إن إسرائيل قررت عدم تحويل أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية وتبحث عن سبل لمقاضاة القادة الفلسطينيين ردا على تحركاتهم للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية. وفي أول رد عقابي على تحرك الفلسطينيين للانضمام للمحكمة الجنائية الدولية قال مسؤول إسرائيلي إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قرر بالتشاور مع كبار وزرائه تجميد التحويل الشهري القادم لأموال الضرائب والذي يبلغ نحو 500 مليون شيقل في المجمل (حوالي 125 مليون دولار).
وتعارض إسرائيل والولايات المتحدة التحركات احادية الجانب للفلسطينيين في المنظمات الدولية وتقولان إن هذه الخطوة ستقوض فرص التوصل إلى تسوية سلمية من خلال التفاوض للصراع القائم منذ عشرات السنين. وهذه الأموال حيوية لتسيير عمل السلطة الفلسطينية -التي تتمتع بحكم ذاتي محدود- ولدفع رواتب العاملين بالقطاع العام. واتخذت إسرائيل خطوة مماثلة في ديسمبر كانون الأول 2012 وجمدت تحويل أموال الضرائب لمدة ثلاثة أشهر ردا على حملة اطلقها الفلسطينيون في الأمم المتحدة لنيل اعتراف دولي بدولة فلسطينية.
وقالت المفاوضة الفلسطينية الكبيرة حنان عشراوي "هذه سرقة علنية. ليست عملية غير قانونية فحسب بل انهم يضيفون إلى سرقة الأراضي سرقة الأموال. الايرادات تخص الشعب الفلسطيني وهي تذهب للرواتب ولدعم اقتصادنا. ليس من حق إسرائيل أن تقرر سرقة أموالنا." وبموجب اتفاقات السلام المؤقتة الموقعة منذ التسعينات تقوم إسرائيل بتحصيل ما لا يقل عن 100 مليون دولار شهريا من عائدات الضرائب نيابة عن السلطة الفلسطينية.
وقال المسؤول الإسرائيلي انه بالإضافة إلى تجميد عائدات الضرائب فإن إسرائيل "تدرس إمكانية اتخاذ اجراءات قضائية على نطاق كبير في الولايات المتحدة وأماكن أخرى" ضد الرئيس عباس ومسؤولين فلسطينيين اخرين. وأضاف مسؤول إسرائيلي اخر أن إسرائيل ستعتمد على الأرجح في هذه الاجراءات القضائية على منظمات غير حكومية ومنظمات قانونية مؤيدة لإسرائيل قادرة على اقامة دعاوى قانونية في الخارج.
وقال المسؤولون إن إسرائيل تعتبر السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة متآمرة مع حركة حماس في غزة بسبب اتفاق المصالحة الذي ابرماه في ابريل نيسان. وحذر نتنياهو من قبل من الخطوات احادية الجانب للسلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة قائلا انها ستعرض زعمائها للمقاضاة بسبب دعمهم لحماس التي تعتبرها إسرائيل منظمة ارهابية.
وقال مسؤول إن حماس "ترتكب جرائم حرب وتطلق النار على مدنيين من مناطق مأهولة بالسكان" في إشارة إلى الحرب في غزة الصيف الماضي والتي قتل فيها أكثر من 2100 فلسطيني وما يزيد عن 70 إسرائيليا. ويسعى الفلسطينيون لإقامة دولتهم المستقبلية على أراضي الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية وقطاع غزة وهي المناطق التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967 .
وتزايد الزخم للاعتراف بدولة فلسطين بعد أن نجح عباس في مسعى للحصول على اعتراف من الناحية الفعلية بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2012 وهو ما كفل للفلسطينيين حق الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية. وتؤيد الولايات المتحدة أكبر حلفاء إسرائيل إقامة دولة فلسطينية مستقلة في نهاية المطاف لكنها أبدت رفضها للخطوات أحادية الجانب وقالت إنها ستضر بعملية السلام. وتقدم واشنطن نحو 400 مليون دولار سنويا في شكل معونات اقتصادية للفلسطينيين. وينص القانون الأمريكي على قطع هذه المعونة إذا استخدم الفلسطينيون عضوية المحكمة الجنائية الدولية في إقامة دعاوى قضائية ضد إسرائيل.
من جانب اخر أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ان اسرائيل لن تسمح بمثول جنودها امام المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب محتملة. وقال نتانياهو "لن نسمح بجر جنود وضباط جيش الدفاع الى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي" بعد تقديم الفلسطينيين طلب الانضمام الى المحكمة. وقال نتانياهو محذرا ان "السلطة الفلسطينية اختارت مسار المواجهة مع اسرائيل ونحن لن نجلس مكتوفي الايدي". وتعهد بالدفاع عن ضباط الجيش الذين قد يواجهون ملاحقات قضائية من المحكمة. واضاف "سيواصل جنود الجيش الدفاع عن اسرائيل باصرار وقوة وكما يدافعون عنا سندافع عنهم بنفس الاصرار والقوة".
على صعيد متصل قال مسؤولون فلسطينيون إن المعارضة الأمريكية لمشروع القرار الفلسطيني أمام مجلس الأمن الدولي جعلت من فشله أمرا حتميا. ويدعو مشروع القرار إلى إقامة دولة فلسطينية بحلول أواخر عام 2017 بعد مفاوضات سلام لا تتجاوز مدتها عاما. ورفضت الولايات المتحدة وأستراليا مسودة القرار فيما وافقت عليه ثماني دول وامتنعت خمس دول عن التصويت. وعجز الفلسطينيون عن ضمان ما يطمحون إليه وهو موافقة تسعة أعضاء بمجلس الأمن وهو ما كان سيضطر الولايات المتحدة إلى استخدام حق النقض (الفيتو) بوصفها إحدى الدول الخمس دائمة العضوية بالمجلس.
وانهارت محادثات السلام التي جرت بوساطة أمريكية في أبريل نيسان بسبب النزاع على البناء الاستيطاني الإسرائيلي واتفاق لمبادلة الأسرى فضلا عن قرار عباس التوقيع على أكثر من عشرة نصوص دولية سابقة في خطوة ترى إسرائيل أنها منفردة تخل بالمفاوضات. وقالت الدبلوماسية الفلسطينية البارزة حنان عشراوي "كنا منذ عام 1991 نؤدي دور الشخص الطيب الذي يتجنب إثارة المشاكل خلال المفاوضات وفي الوقت نفسه تلاشى احتمال حل الدولتين".
وأضافت أنه لا توجد خطط في الوقت الراهن للتقدم بشكوى رسمية للمحكمة الجنائية الدولية لكن الخطوة التي اتخذها عباس "مؤشر واضح لإسرائيل والمجتمع الدولي على أنه يتعين على إسرائيل أن تتوقف وتكف عن جرائم الحرب التي تقترفها لاسيما المستوطنات". ومن بين الاتفاقات الأخرى التي وافق عليها عباس عدة بنود خاصة بالولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية والتزامات ضد الأسلحة المحظورة والذخائر العنقودية علاوة على تعهدات أقل إثارة للجدل بشأن الحقوق الدولية للمرأة والملاحة والبيئة.
تحديد الجرائم
في السياق ذاته قال مسؤول حقوقي فلسطيني ان الإعلان الفلسطيني الذي قدم للانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية حدد الجرائم المطلوب النظر فيها بما بعد 13 حزيران/يونيو العام الماضي. وقال شعوان جبارين، مدير مؤسسة الحق العاملة "محكمة الجنايات الدولية لها اختصاص مكاني وزماني، وتضمن الإعلان الفلسطيني للانضمام الى المحكمة تحديدا زمانيا هو 13 حزيران/يونيو من العام 2014".
واضاف ان "اختيار هذا الوقت مرده التاريخ الذي حدده مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة للجنة دولية كلفت بدء التحقيق في انتهاكات حقوق الانسان خلال الحرب الاسرائيلية على غزة بداية تموز/يونيو الماضي". وكانت إسرائيل شنت حربا على قطاع غزة في بداية تموز/يونيو الماضي، نتج عنها مقتل اكثر من الفي فلسطيني وأصيب أكثر من عشرة آلاف وهدمت مئات المنازل.
وتوقفت الحرب بعد التوصل الى وقف لإطلاق النار في اب/اغسطس الماضي، اثر مفاوضات قادتها مصر بين الفصائل الفلسطينية واسرائيل. ويعني هذا الامر ان الملفات التي من الممكن ان يقدمها الجانب الفلسطيني فقط تشمل قضايا ارتكبت ما بعد 13 حزيران/يونيو من العام الحالي. غير ان الإعلان أيضا، حسب جبارين، اشار الى حق الفلسطينيين بإعلانات اخرى تقدمها الى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي "حين تقتضي الحاجة". بحسب فرانس برس.
واضاف ان "بإمكان الفلسطينيين مطالبة المحكمة الدولية البحث في جرائم ارتكبت في العام 2009 وقبل ذلك". وحسب قوانين المحكمة، فأنها تستطيع النظر في القضايا المرتكبة ما بعد الاول من حزيران /يونيو من العام 2002، وهو تاريخ انشاء المحكمة. وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقع قرار الانضمام الى محكمة الجنايات الدولية، وسط معارضة اسرائيلية وتهديدات بان اسرائيل ستلاحق قادة فلسطينيين بشكل مماثل امام المحاكم الدولية.
فلسطين والاتحاد الأوربي
الى جانب ذلك تبنى البرلمان الأوروبي قرارا يؤيد قيام دولة فلسطينية من حيث المبدأ في إجراء يمثل حلا وسطا لا يحذو حذو بعض البرلمانات الوطنية الأوروبية التي ساندت الاعتراف بالدولة الفلسطينية على الفور. وتوصلت الأحزاب الرئيسية إلى اتفاق على اقتراح ينص على أن البرلمان الأوروبي "يؤيد الاعتراف بدولة فلسطينية وحل الدولتين من حيث المبدأ ويعتقد أن ذلك يجب أن يكون مصاحبا لتطور محادثات السلام التي يجب دفعها قدما."
وكان أعضاء في البرلمان الأوروبي ينتمون للحزب الديمقراطي الاشتراكي واليسار وحزب الخضر تقدموا باقتراحات بإجراء تصويت رمزي يطالب الدول أعضاء الاتحاد وعددها 28 دولة بالاعتراف بفلسطين دون شروط. وجاء هذا التحرك بعد قرار السويد في أكتوبر تشرين الأول الاعتراف بدولة فلسطين ثم تصويت برلمانات بريطانيا وفرنسا وأيرلندا على قرارات غير ملزمة للحكومات تدعوها إلى الاعتراف بها في خطوة أظهرت تزايد نفاد صبر أوروبا إزاء تعثر عملية السلام.
وزاد تعبير بعض الدول الأوروبية عن خيبة أملها تجاه إسرائيل التي واصلت بناء المستوطنات في الأراضي التي يتطلع الفلسطينيون لإقامة دولتهم عليها منذ أن انهارت في أبريل نيسان الماضي محادثات السلام التي رعتها الولايات المتحدة. لكن حزب الشعب الأوروبي المنتمي ليمين الوسط -وهو أكبر كتلة في البرلمان الأوروبي- وتحالف الليبراليين والديمقراطيين من أجل أوروبا -وهو رابع أكبر تجمع في البرلمان الأوروبي- قالا إن الاعتراف يجب أن يكون جزءا من اتفاق بين الفلسطينيين وإسرائيل يتم التوصل إليه من خلال المفاوضات.
على صعيد متصل قرر القضاء الأوروبي شطب حركة حماس عن لائحة المنظمات الإرهابية للاتحاد الأوروبي مع الإبقاء على تجميد أموالها في أوروبا. وقالت المفوضية الأوروبية إن هذا الشطب "قرار قانوني وليس قرارا سياسيا" وأنها تنوي الطعن فيه. وأوضحت محكمة العدل الأوروبية في بيان أن إدراج حماس على هذه اللائحة عام 2001 لم يستند إلى أسس قانونية "وإنما تم على أساس معلومات من الصحافة والإنترنت.
في المقابل، أعلنت المفوضية الأوروبية أن الاتحاد الأوروبي "ما زال يعتبر حماس منظمة إرهابية" وينوي الطعن في قرار شطبها من لائحته السوداء أمام محكمة العدل. وقالت المفوضية في بيان إن هذا الشطب "قرار قانوني وليس قرارا سياسيا تتخذه حكومات الاتحاد الأوروبي" الذي "سيتخذ في الوقت المناسب الخطوات التصحيحية المناسبة، بما في ذلك احتمال الطعن
من جهتها، رحبت حركة حماس بقرار القضاء الأوروبي إلغاء قرار إدراجها على لائحة المنظمات الإرهابية للاتحاد الأوروبي واعتبرته "انتصارا للقضية الفلسطينية". وقال المتحدث باسم حماس فوزي برهوم " هذا انتصار للقضية الفلسطينية ولحقوق شعبنا الفلسطيني" مضيفا "نشكر المحكمة الأوروبية على هذا القرار الإيجابي الذي يجب أن يتبعه قرارات دولية ترفع الظلم عن شعبنا الفلسطيني ". بحسب فرانس برس.
وقالت المحكمة العامة بالاتحاد الأوروبي إن وضع حماس على القائمة لم يعتمد على النظر في تصرفات حماس وإنما على افتراضات ترددت في وسائل الإعلام والإنترنت. ولكنها أكدت أنها ستبقي على الآثار المترتبة على وضع حماس على قائمة المنظمات الإرهابية حتى تضمن أن يكون أي تجميد للأموال في المستقبل فعالا. وطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الاتحاد الأوروبي بإعادة إدراج حركة حماس الفلسطينية "فورا" على لائحة المنظمات الإرهابية. وقال نتانياهو في بيان صادر عن مكتبه "نحن لسنا راضين بتوضيح الاتحاد الأوروبي أن إزالة حماس من لائحته للمنظمات الإرهابية هي مسألة فنية. نتوقع منه إعادة إدراج حماس على القائمة فورا". وأضاف "حماس منظمة إرهابية قاتلة تدعو في ميثاقها إلى تدمير إسرائيل".
اضف تعليق