وتسبب الاقتراح الذي طرحه ترامب بكل بساطة في موجات صدمة دبلوماسية في أنحاء الشرق الأوسط والعالم، لكنه من سمات نهج ولايته الرئاسية الثانية، وهو التعامل مع علاقات بلاده بدول حليفة مثل كندا والمكسيك على أساس المصالح التجارية واعتبار العالم مجرد فرصة استثمارية كبرى. وأكد ترامب على وجهة النظر...

ضرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عرض الحائط بسياسة أمريكية متبعة منذ عقود حيال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وأثار انتقادات لاذعة عندما قال إن الولايات المتحدة ستسيطر على قطاع غزة وتحوله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” بعد “إعادة توطين” الفلسطينيين في أماكن أخرى.

وأدلى الرئيس الأميركي بهذه التصريحات الثلاثاء بعد استقباله في البيت الأبيض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي اعتبر أنّ من شأن هذه الخطّة أن “تغيّر التاريخ”.

وقدّم ترامب اقتراحه خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نتانياهو وقد تسبّب بحالة من الذهول والصدمة وسط الصحافيين.

وفي خطة تفتقر إلى التفاصيل حول كيفية ترحيل حوالى مليوني فلسطيني أو السيطرة على غزة، قال ترامب إنه سيجعل القطاع المدمّر بسبب الحرب مكانا “مذهلا” عبر إزالة القنابل غير المنفجرة والأنقاض وإعادة تطويره اقتصاديا.

وأثارت هذه الخطوة الصادمة تنديدات دولية. ورفضت السعودية، التي تتمتع بثقل إقليمي ويأمل ترامب في أن تبرم اتفاقا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، خطة ترامب تماما.

ووصفت تركيا تصريحات ترامب بأنها “غير مقبولة”. وقالت فرنسا إن ذلك يهدد بزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.

وقالت روسيا والصين وإسبانيا وألمانيا وأيرلندا وبريطانيا إنها لا تزال تؤيد حل الدولتين الذي شكل أساس السياسة الأمريكية في المنطقة لعقود، وينص على أن غزة ستكون جزءا من دولة فلسطينية مستقبلية تشمل الضفة الغربية المحتلة.

وقال ترامب في أول إعلان كبير يتعلق بسياسة بلاده في الشرق الأوسط إنه يتصور بناء منتجع تعيش فيه مختلف الجنسيات في وئام.

ودمر القصف الإسرائيلي على مدى 15 شهرا القطاع الساحلي الضيق، وقالت السلطات الصحية الفلسطينية إنه قتل أكثر من 47 ألف شخص.

ووصف جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره السابق، قطاع غزة العام الماضي بأنه واجهة بحرية عقارية “قيمة”.

وقال ترامب في أثناء استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض يوم الثلاثاء إنه سيدعم محاولات نقل الفلسطينيين من غزة وإعادة توطينهم بشكل دائم في أماكن يمكنهم العيش فيها دون خوف من العنف. وأضاف أنه يناقش هو وفريقه هذا الاحتمال مع الأردن ومصر ودول أخرى في المنطقة.

وفي مؤتمر صحفي، صرح ترامب بأن الملك الأردني عبد الله والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سيوافقان على الفكرة على الرغم من رفضهما لها، قائلا إنهما “سيفتحان قلوبهما وسيمنحاننا نوع الأرض التي نحتاجها لإنجاز هذه المهمة ويمكن للناس أن يعيشوا في وئام وسلام”.

وتسبب الاقتراح الذي طرحه ترامب بكل بساطة في موجات صدمة دبلوماسية في أنحاء الشرق الأوسط والعالم. وقالت الصين إنها تعارض التهجير القسري المقترح للفلسطينيين.

وقال لين جيان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية إن بلاده “تعتقد دوما أن المبدأ الأساسي هو أن الفلسطينيين يحكمون فلسطين فيما يتعلق بالحكم بعد الصراع” مضيفا أن بكين تؤيد حل الدولتين.

ووجهت فرنسا انتقادات لاذعة وقالت إن التهجير القسري لسكان غزة سيكون انتهاكا خطيرا للقانون الدولي وهجوما على التطلعات المشروعة للفلسطينيين، ويعد أيضا عقبة رئيسية أمام حل الدولتين وعاملا رئيسيا لزعزعة استقرار المنطقة.

وذكر سامي أبو زهري القيادي في حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) يوم الأربعاء أن تصريحات ترامب “سخيفة”.

وقال لرويترز “تصريحات ترامب حول رغبته بالسيطرة على غزة سخيفة وعبثية، وأي أفكار من هذا النوع كفيلة بإشعال المنطقة”. وأكد أن حماس تظل ملتزمة بتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل وضمان إنجاح مفاوضات المرحلة الثانية منه.

ولم يتضح بعد ما إذا كان ترامب سيمضي قدما بالفعل في تلك الخطة المثيرة للجدل أم أنه ببساطة يتخذ مواقف متطرفة كاستراتيجية للمساومة.

وكشف ترامب عن خطته المفاجئة، دون الخوض في تفاصيل، خلال المؤتمر الصحفي.

وأشاد إيتمار بن جفير وزير الأمن العام الإسرائيلي السابق والسياسي اليميني المتطرف بتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقال زعيم حزب عوتسماه يهوديت (القوة اليهودية) على إكس إن “تشجيع” سكان غزة على الهجرة من القطاع هو الاستراتيجية الوحيدة الصحيحة في نهاية الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس). وحث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تبني هذه السياسة “على الفور”.

واستقال بن جفير الذي ينتمي إلى حركة سياسية تدعو إلى الاستيطان اليهودي في قطاع غزة، ووزيران آخران من حزبه القومي الديني من حكومة نتنياهو الشهر الماضي بسبب اتفاق وقف إطلاق النار الذي يهدف إلى الإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى حماس في القطاع مقابل إطلاق سراح مئات المعتقلين الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.

وفي تصريحات أدلى بها يوم الثلاثاء خلال زيارة نتنياهو لواشنطن، أثار ترامب احتمال نقل أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في قطاع غزة إلى مناطق أخرى مشيرا إلى أن القطاع أصبح غير صالح للسكن بعد الحرب التي استمرت لأكثر من 15 شهرا.

وقالت حركة نحالا التي تروج للاستيطان اليهودي في الضفة الغربية إن في حالة تطبيق اقتراح ترامب “يجب أن نسارع إلى إنشاء مستوطنات في مختلف أنحاء قطاع غزة”.

وأضافت في بيان على إكس “ينبغي ألا يبقى أي جزء من أرض إسرائيل بلا مستوطنات يهودية. إذا ظلت أي منطقة بلا سكان فقد يستولي عليها الأعداء”.

ويستنكر مدافعون عن حقوق الإنسان مثل هذه المقترحات ويصفونها بالتطهير العرقي. ومن المرجح أن يشكل أي تهجير قسري انتهاكا للقانون الدولي.

ويظل اتفاق وقف إطلاق النار صامدا إلى حد كبير حتى الآن خلال مرحلته الأولى الممتدة لستة أسابيع وهو اتفاق تم التوصل إليه بوساطة مصرية وقطرية وبدعم من الولايات المتحدة. لكن احتمالات التوصل إلى تسوية دائمة ليست واضحة.

استهجان واسع إثر تصريحات ترامب

وأثارت هذه التصريحات سيلا من ردود الفعل المستنكرة، من حركة حماس والسلطة الفلسطينية إلى البرازيل، مرورا بفرنسا وبريطانيا وألمانيا وتركيا.

وقال الناطق باسم حركة حماس عبد اللطيف القانوع إنّ “الموقف الأميركي العنصري يتماهى مع موقف اليمين الإسرائيلي المتطرف في تهجير شعبنا”، مؤكدا أن تصريحات ترامب “محاولة يائسة” لتصفية القضية الفلسطينية.

وأعلنت الحركة في بيان أنّ تصريحات ترامب “عدائية لشعبنا ولقضيتنا… ولن تخدم الاستقرار في المنطقة وستصبّ الزيت على النار”.

أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي وصل صباح الأربعاء إلى الأردن للقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني فأعرب عن “رفض شديد لدعوات الاستيلاء على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين خارج وطنهم”.

وأكّد الملك عبدالله الثاني لدى استقباله عباس رفض بلاده “أية محاولات” لضمّ إسرائيل للأراضي الفلسطينية المحتلة وتهجير سكانها.

وقال بيان صادر عن الديوان الملكي إن العاهل الأردني أكّد خلال اللقاء “ضرورة وقف إجراءات الاستيطان، ورفض أية محاولات لضمّ الأراضي وتهجير الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، مشددا على ضرورة تثبيت الفلسطينيين على أرضهم”.

وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية من جهتها أنّ مستقبل غزة يكمن في “دولة فلسطينية مستقبلية” وليس في سيطرة “دولة ثالثة” على القطاع.

وقالت الناطقة باسم الحكومة الفرنسية صوفي بريما إنّ تصريحات ترامب “تهدّد الاستقرار وعملية السلام”.

وأوضحت أنّ “فرنسا تعارض تماما تهجير السكّان. نحن متمسكون بسياستنا وهي: عدم تهجير السكان والسعي إلى وقف لإطلاق النار في المسار نحو عملية السلام وحلّ الدولتين”.

وأكّد رئيس الوزراء البريطاني على ضرورة تمكين الفلسطينيين من “العودة إلى ديارهم” في غزة.

وقال وزير خارجية بريطانيا إنه ينبغي أن يكون الفلسطينيون قادرين على “العيش وتحقيق الازدهار” في غزة والضفة الغربية.

وصرّحت ألمانيا، ردّا على ترامب، أن قطاع غزة “ملك للفلسطينيين”.

واعتبر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن مشروع الرئيس الأميركي “غير مقبول” و”لا حاجة حتّى لمناقشته”.

ورأى الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا أنّ اقتراح نظيره الأميركي “يصعب فهمه”، مؤكدا أنّ الفلسطينيين هم الأجدر بالاهتمام بمصير أرضهم.

وخلال المؤتمر الصحافي مع الرئيس الأميركي، أشاد نتانياهو بترامب، ووصفه بأنه “أعظم صديق لإسرائيل على الإطلاق”، معتبرا أنّ خطته للسيطرة الأميركية على قطاع غزة يمكن أن “تغيّر التاريخ”.

ولم يستبعد نتانياهو عودة الحرب مع حماس أو مع أعداء إسرائيل الآخرين في المنطقة، بما في ذلك حزب الله اللبناني وإيران.

وقال نتانياهو “سننهي الحرب بكسبها”، متعهّدا في الوقت نفسه ضمان عودة جميع الرهائن المحتجزين لدى حماس.

وأعرب عن ثقته في قدرته على التوصّل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع السعودية، مؤكدا أمام الصحافيين التزامه تحقيقه.

وقال “أعتقد أنّ السلام بين إسرائيل والسعودية ليس ممكنا فحسب، بل أعتقد أنه سيتم”.

وسارعت السعودية الى الردّ بأنها لن تطبّع مع إسرائيل بدون إقامة دولة فلسطينية.

وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيان إنّ الرياض “لن تتوقّف عن عملها الدؤوب في سبيل قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية”، مضيفة “أنّ المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بدون ذلك”.

كما جدّدت الرياض رفضها “تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه”.

بالمقابل، تعهّد الوزير الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش الأربعاء العمل على أن يتمّ “بشكل نهائي دفن الفكرة الخطرة” المتمثلة بإقامة دولة فلسطينية.

وخلال حفل للترحيب بالسفراء الجدد، أشاد الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بـ”اللقاء المهمّ جدّا والمثمر بين الرئيس دونالد ترامب ورئيس الوزراء نتانياهو”، معربا عن أمله في أن تتبلور ثماره “في المنطقة وفي إسرائيل والعالم أجمع في القريب العاجل”.

وليست هذه المرّة الأولى التي يتطرّق فيها الرئيس الأميركي إلى ترحيل الفلسطينين من غزة، إذ سبق له وأن دعا في تصريح سابق بعد تسلّمه الرئاسة، لنقلهم إلى الأردن ومصر.

ويستقبل ترامب هذا الأسبوع العاهل الأردني في البيت الأبيض.

ودعا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ورئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى الأربعاء إثر لقاء بينهما إلى إعادة إعمار غزة “بدون خروج” أهلها منها، عبر المضي قدما في مشاريع إزالة الركام وإدخال المساعدات “بوتيرة متسارعة”.

وأثارت تصريحات ترامب غضبا أيضا بين الفلسطينيين على الأرض.

وقال حاتم عزام، أحد سكان مدينة رفح في جنوب قطاع غزة، “يجب أن يفهم ترامب ونتانياهو حقيقة شعب فلسطين وشعب غزة، الشعب متجذر بأرضه، لن نرحل ولن نهاجر تحت أيّ مسميات وخدع كاذبة”.

وصرّح أحمد الميناوي (24 عاما) من غزة “نحن موقفنا رفض ورفض… ونحن حياتنا كريمة داخل قطاع غزة… ونحن نقول باختصار لترامب ونتانياهو فلسطين ليست للبيع”

.

أما النائب في الكنيست الإسرائيلي منصور عباس، فاعتبر في منشور على “فيسبوك” أنّه “من غير الممكن تنفيذ أيّ ترانسفير (نقل) من دون ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية”.

وشدّد النائب على ضرورة عدم الإنجراف إلى “مغامرة من شأنها أن تعمّق العداء والكراهية” داعيا إلى “إيجاد طريقة مبدعة لإعطاء الأمل ودفع المصالحة والسلام بين الشعبين، واستكمال تنفيذ مراحل الاتفاق”.

ولقي مقترح ترامب ترحيبا في إسرائيل، غير أنّ كثيرين شكّكوا في إمكانية تنفيذه.

وقال رافائيل، وهو اختصاصي في علاج التدليك في الخامسة والستين من العمر “يعجبني كثيرا ما قاله، لكنّني أشكّك في إمكانية حدوثه. أنا لا أصدّقه ويصعب عليّ تصديقه. لكن من يعلم، الله أعلم”.

واعتبر كفير ديكل (48 عاما) الذي يقطن في منطقة غلاف غزة ويعمل في مجال التكنولوجيا المتقدّمة أنّ القطاع الفلسطيني “بمثابة سرطان في قلب الأمّة”، قائلا “دعوهم (أي الغزّيين) يرحلون ويبنون حياتهم في مكان آخر ونحن سنحوّل فعلا المكان إلى جزيرة سلام”.

من جهته ذكّر المفوّض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك بأن ترحيل سكّان أيّ أرض محتلة محظور تماما، قائلا إنّ “الحقّ في تقرير المصير هو مبدأ أساسي في القانون الدولي ويجب أن تصونه جميع الدول، وهو ما أعادت محكمة العدل الدولية مؤخرا التأكيد عليه”.

وأضاف أنّ “أيّ نقل قسري أو ترحيل لسكان من أرض محتلة محظور تماما”.

واعتبر المفوّض الأممي السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي أنّ مشروع السيطرة على غزة “مفاجئ جدّا”.

ولفت غراندي إلى أنّ الوضع الحالي “ليس واضحا”، مشيرا إلى أنّه “لا بدّ من معرفة ما يعنيه على أرض الواقع”.

وتزامنت تصريحات ترامب الأخيرة مع انطلاق الجولة الثانية من مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

مسؤولون أمريكيون يدافعون

بدورهم دافع مسؤولون أمريكيون عن اقتراح الرئيس دونالد ترامب نقل المزيد من الفلسطينيين من قطاع غزة الذي دمرته الحرب إلى دول مجاورة، مؤكدين أنه يحاول النظر إلى المشكلة بشكل واقعي دون فرض حل بعينه.

وفي نظرة مسبقة بشأن محادثات في البيت الأبيض في وقت لاحق يوم الثلاثاء بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سعى المسؤولون الكبار إلى تبسيط ما تم اعتباره على نطاق واسع دعوة من ترامب لتهجير جماعي لسكان غزة من القطاع، والتي رفضتها بشدة دول عربية ومسؤولون فلسطينيون.

وأكد المسؤولون الأمريكيون، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم، أن الولايات المتحدة تريد العمل مع شركائها العرب وإسرائيل للتوصل إلى حلول مبتكرة للمشكلة.

ويعكس الاقتراح الذي أطلقه ترامب الشهر الماضي رغبات اليمين المتطرف في إسرائيل، لكنه يتناقض مع تعهد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بعدم التهجير الجماعي للفلسطينيين.

ولم يصل المسؤولون إلى حد تكرار دعوة ترامب بشكل صريح للأردن ومصر لاستقبال المزيد من سكان غزة، لكنهم أيضا لم يتراجعوا عن الاقتراح.

وقال أحد المسؤولين الكبار للصحفيين “ينظر الرئيس ترامب إلى قطاع غزة ويعتبره موقع هدم، ويرى أنه ليس ممكنا من الناحية العملية إعادة بنائه في غضون ثلاث إلى خمس سنوات، إذ يعتقد أن الأمر سيستغرق ما لا يقل عن 10 إلى 15 عاما، ويعتقد أنه ليس من الإنسانية إجبار الناس على العيش في قطعة أرض غير صالحة للسكن بين ذخائر غير منفجرة وأنقاض”.

وأضاف أن ترامب “يبحث عن حلول لمساعدة سكان غزة على العيش حياة طبيعية في أثناء إعادة إعمار قطاع غزة، ويحاول النظر إلى الأمر بطريقة واقعية”.

وأشاد رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون يوم الأربعاء باقتراح الرئيس دونالد ترامب بتولي الولايات المتحدة السيطرة على قطاع غزة الذي مزقته الحرب.

وقال إن الجمهوريين في مجلس النواب “سيؤيدون” ترامب في مبادرته.

وأضاف جونسون في مؤتمر صحفي “أعتقد أن الإعلان الأولي أمس كان مفاجئا للكثيرين، لكنه لاقى ترحيبا، على ما أعتقد، من الناس في جميع أنحاء العالم”.

ومضى قائلا “لماذا؟ لأن هذه المنطقة خطيرة للغاية، وهو (ترامب) يتخذ إجراءات جريئة وحاسمة لمحاولة تأمين السلام في تلك المنطقة”.

وقال جونسون إنه ينتظر المزيد من التفاصيل حول خطة ترامب، مضيفا أنه سيناقش الأمر مع نتنياهو عندما يلتقي به في مبنى الكونجرس يوم الخميس.

وأشار جونسون إلى أن وقوع هجوم آخر على إسرائيل مثل هجوم حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 خطر قائم إذا بقيت غزة “بشكلها الحالي”، وقال إن من المنطقي تقليل المخاطر.

وأضاف “أعتقد أن الناس يفهمون ضرورة ذلك، وسندعم إسرائيل وهي تعمل لهذا الهدف. وسنؤيد الرئيس في مبادرته”.

وضرب اقتراح ترامب المفاجئ بالسياسة الأمريكية المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني عرض الحائط وأثار تنديدا على مستوى العالم.

وبعث خمسة وزراء خارجية عرب ومسؤول فلسطيني كبير رسالة مشتركة إلى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو يوم الاثنين يعارضون فيها خطط تهجير الفلسطينيين من غزة، وحملت الرسالة توقيعات وزراء خارجية السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن بالإضافة إلى حسين الشيخ مستشار رئيس السلطة الفلسطينية.

وكان ترامب قد طرح لأول مرة الاقتراح باستقبال الأردن ومصر للفلسطينيين من غزة بعد فترة وجيزة من تنصيبه في 20 يناير كانون الثاني. وردا على سؤال حول ما إذا كان يقترح ذلك باعتباره حل طويل الأمد أم قصير الأمد، قال الرئيس الأمريكي “قد يكون أيا منهما”.

وأججت تصريحات ترامب المخاوف التي تساور الفلسطينيين منذ فترة طويلة بشأن إجبارهم على الرحيل من ديارهم بشكل دائم.

مشروع يتسق مع طموحاته التوسعية

ربما يبدو تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أثار الذهول بأنه يرغب في أن تسيطر الولايات المتحدة على قطاع غزة وتعيد بناءه مباغتا ودون أي مقدمات لكنه في الواقع متسق مع الطموحات التوسعية لإدارته الجديدة.

منذ عودة ترامب للبيت الأبيض قبل ما يزيد قليلا عن أسبوعين، بدا أن نهجه الذي يحمل شعار “أمريكا أولا” تطور ليصبح “أمريكا أكبر” مع تركيز الرئيس على السيطرة على أراض جديدة حتى بعد أن تعهد خلال حملته الانتخابية بإبقاء البلاد بعيدا عن التشابكات الخارجية و”الحروب التي لا تنتهي”.

وتسبب الاقتراح الذي طرحه ترامب بكل بساطة في موجات صدمة دبلوماسية في أنحاء الشرق الأوسط والعالم، لكنه من سمات نهج ولايته الرئاسية الثانية، وهو التعامل مع علاقات بلاده بدول حليفة مثل كندا والمكسيك على أساس المصالح التجارية واعتبار العالم مجرد فرصة استثمارية كبرى. وأكد ترامب على وجهة النظر هذه من خلال اقتراحه يوم الاثنين بإطلاق صندوق الثروة السيادية الأمريكي.

كما تحدث عن إمكانية استعادة بلاده لقناة بنما واقترح شراء جرينلاند من الدنمرك، وكرر مرارا فكرة أن كندا يجب أن تكون الولاية الأمريكية الحادية والخمسين.

ويظهر استطلاع أجرته رويترز/إبسوس أن تلك الأفكار لا تحظى بتأييد شعبي يذكر حتى في أوساط الحزب الجمهوري الذي ينتمي له ترامب.

وفي الوقت نفسه، هدد ترامب كندا وأيضا المكسيك بعقوبات اقتصادية إذا لم تذعنا لمطالبه المتعلقة بأمن الحدود.

وتحدث ترامب يوم الثلاثاء في المؤتمر الصحفي مع نتنياهو بطريقة المطور العقاري، وهي مهنته قبل أن يدخل عالم السياسة، مُقرا في الوقت ذاته بالمحنة التي مر بها سكان غزة.

وقال ترامب “سنحول ذلك إلى مكان عالمي مدهش. أظن أن الإمكانيات وقطاع غزة رائعان… وأعتقد أن العالم بأسره.. وممثلين من كل أنحاء العالم سيكونون هناك وسيعيشون هناك. الفلسطينيون أيضا، سيعيش فلسطينيون هناك. سيعيش كثيرون هناك”.

يقول وليام ويشلر مدير برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، وهو مؤسسة بحثية، إن ترامب ربما لا يكون جادا لكنه ربما يفعل ما يفعله في كثير من الأحيان وهو اتخاذ مواقف متطرفة كاستراتيجية للمساومة.

وتابع قائلا “الرئيس ترامب يتبع قواعده المعتادة: يغير قواعد اللعبة ليعزز موقفه ويزيد حظوظه تحسبا لأي مفاوضات قادمة… في هذه الحالة هي مفاوضات بشأن مستقبل السلطة الفلسطينية”.

لماذا يثير مقترح ترامب حول غزة قلق المنطقة؟

تطارد الفلسطينيين منذ زمن ذكريات النكبة عندما طُرد 700 ألف من ديارهم مع إعلان قيام إسرائيل عام 1948.

وطُرد أو فر كثيرون منهم إلى دول عربية مجاورة، منها الأردن وسوريا ولبنان، وما زال كثيرون منهم أو من أبنائهم يعيشون في مخيمات اللاجئين في هذه الدول وذهب بعضهم إلى غزة. وتشكك إسرائيل في الرواية التي تقول إنهم أُخرجوا من ديارهم.

وشهدت أحدث موجة من الصراع، التي توقفت الآن في ظل وقف هش لإطلاق النار، قصفا إسرائيليا وهجوما بريا في غزة لم يسبق لهما مثيل، مما أدى إلى تدمير المناطق الحضرية.

ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن نحو 85 بالمئة من سكان غزة، الذي يعد واحدا من أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان في العالم، نزحوا بالفعل من ديارهم.

يقول كثير من الفلسطينيين داخل غزة إنهم لن يغادروا حتى لو أُتيحت لهم الفرصة لأنهم يخشون أن يؤدي ذلك إلى نزوح دائم آخر في تكرار لما حدث في عام 1948.

وتعارض مصر ودول عربية أخرى بشدة أي محاولة لدفع الفلسطينيين عبر الحدود.

وتخشى هذه الدول، شأنها شأن الفلسطينيين، من أن يؤدي أي تحرك جماعي عبر الحدود إلى تقويض احتمالات التوصل إلى "حل الدولتين" وترك الدول العربية تتعامل مع العواقب.

وقالت السعودية إنها لن تقيم علاقات مع إسرائيل دون إنشاء دولة فلسطينية، وهو ما يتناقض مع ادعاء ترامب بأن الرياض لا تطالب بوطن للفلسطينيين.

وقادت الولايات المتحدة جهودا دبلوماسية على مدى شهور لدفع المملكة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل والاعتراف بها. لكن حرب غزة دفعت الرياض إلى تأجيل الأمر في مواجهة الغضب العربي إزاء الهجوم الإسرائيلي.

ومنذ الأيام الأولى للصراع، قالت حكومات عربية، لا سيما مصر والأردن، إنه يتعين ألا يُطرد الفلسطينيون من الأراضي التي يريدون إقامة دولتهم عليها في المستقبل، والتي تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة.

قال يسرائيل كاتس، وزير الخارجية الإسرائيلي السابق والذي يشغل حاليا منصب وزير الدفاع، في 16 فبراير شباط 2024 إن إسرائيل لا تعتزم ترحيل الفلسطينيين من غزة، وإنها ستنسق مع مصر بشأن اللاجئين الفلسطينيين وستجد طريقة لعدم الإضرار بمصالح مصر.

لكن تعليقات بعض الوزراء الإسرائيليين أثارت مخاوف الفلسطينيين والعرب من نكبة جديدة. ودعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش مرارا إلى اتباع سياسة "تشجيع هجرة" الفلسطينيين من غزة وإلى قيام إسرائيل بفرض الحكم العسكري في القطاع.

* المصدر: وكالات+رويترز+فرانس برس

اضف تعليق