التحديات التي يواجهها العراق في عام 2025 تتطلب التعامل مع مخاطر القوة الخشنة وفق رؤية شاملة تراعي التحديات الأمنية دون الإضرار بالنسيج الاجتماعي. بالمقابل، تحتاج الدبلوماسية الناعمة إلى تطوير أدواتها لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية. ويتعين على العراق أن يسعى إلى تعزيز سيادته، واستقرار مجتمعه، وفتح قنوات دبلوماسية مع مختلف...

بدأ مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية عام 2025 بنشاطه الشهري الأول، من خلال عقد ملتقى فكري بعنوان: (العراق في عام 2025: مخاطر القوة الخشنة وتحديات الدبلوماسية الناعمة). جمع الملتقى نخبة من مديري المراكز البحثية، والشخصيات الحقوقية والأكاديمية، إلى جانب إعلاميين وصحفيين، ضمن ملتقى النبأ الأسبوعي الذي انعقد في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.

افتتح الملتقى الأستاذ حيدر عبد الستار الأجودي بتقديم الورقة البحثية وإدارة الجلسة الحوارية، مشيرًا إلى أهمية دراسة توازن القوى والتحديات التي تواجه العراق في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية الراهنة، وابتدأ حديثه قائلا:

"على الرغم من التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدها العراق في السنوات الأخيرة، الا انه ما يزال يواجه تحديات كبيرة في التعامل مع قوى إقليمية ودولية تلعب دوراً بارزاً في تحديد مستقبله، فوجد العراق نفسه في عام 2025 في مفترق طرق معقد تبرز فيه مخاطر القوة الخشنة وتحديات الدبلوماسية الناعمة كعاملين حاسمين في تحديد ملامح المستقبل السياسي والاقتصادي للعراق، هذه الورقة البحثية تستعرض المخاطر المرتبطة باستخدام القوة الخشنة والتحديات التي تواجه الدبلوماسية الناعمة في العراق، مع التركيز على الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

القوة الخشنة في معناها الاصطلاحي تشير إلى استخدام الوسائل العسكرية والاقتصادية والإكراهية لتحقيق الأهداف السياسية للدولة. تُستخدم القوة الخشنة عادة لفرض الإرادة على الدول أو الجهات الفاعلة الأخرى من خلال التهديد أو استخدام القوة بشكل مباشر عبر استخدام القوة العسكرية أو التهديد بها لتحقيق أهداف سياسية أو أمنية، مثل شن الحروب أو تنفيذ عمليات عسكرية محدودة، ومن اساليب القوة الخشنة فرض قيود اقتصادية على دولة أو كيان معين، مثل الحظر التجاري أو تجميد الأصول، لإجباره على تغيير سلوك أو موقف سياسي، الفرق بين القوة الخشنة والقوة الناعمة القوة الخشنة تعتمد على الإكراه والإجبار اما القوة الناعمة تعتمد على الإقناع والجاذبية، مثل استخدام الثقافة والقيم والمساعدات الإنسانية لتحقيق الأهداف، ومن امثلة استخدام القوة الخشنة الغزو العسكري للعراق عام 2003، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، والتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.

اما المعنى الاصطلاحي للدبلوماسية الناعمة فأنه يشير إلى قدرة الدولة على تحقيق أهدافها السياسية والاستراتيجية من خلال التأثير والإقناع بدلاً من الإكراه أو استخدام القوة العسكرية والاقتصادية. وتعتمد على الجاذبية الثقافية، والقيم الأخلاقية، والسياسات التي تعزز صورة الدولة ومصداقيتها في نظر الآخرين.

واذا ما خصصنا الحديث حول العراق فأن الاعتماد على القوة الخشنة تتجسد في التدخلات العسكرية والامنية لتحقيق اهداف سياسية، سواء كانت من قبل دول إقليمية أو قوى عالمية، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني في العراق. هذا التدخل غالباً ما يضعف السيادة الوطنية ويعزز النزاعات الداخلية وتؤدي إلى تصاعد العنف واستنزاف الموارد البشرية والمالية ويغذي التطرف والتوترات في المناطق المتضررة. ولكن في المقابل يعاني العراق من تهديدات مستمرة من قبل الجماعات المسلحة، مثل تنظيم داعش وغيره، مما يجعل استخدام القوة الخشنة أحياناً ضرورة في مواجهة هذه التهديدات، كما ان وجود قوات أجنبية على الأراضي العراقية يضعف من استقلالية القرار الوطني ويؤدي إلى صراعات بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية.

وقد تؤدي القوة الخشنة إلى تآكل النسيج الاجتماعي في العراق، حيث يساهم العنف من قبل الأجهزة الأمنية في مواجهة الاحتجاجات الشعبية في تعميق الانقسامات الطائفية والعرقية، مما يعزز الانقسام الداخلي وتعميق الفجوة بين السلطة والمواطنين.

من جهة اخرى، الدبلوماسية الناعمة تعتمد على القوة الناعمة لبناء جسور التعاون وتعزيز صورة الدولة على المستوى الدولي. ومع ذلك، يواجه العراق عدة تحديات منها:

ان العراق لموقعه بين قوى إقليمية كبرى مثل إيران والسعودية، يضعه في موقف صعب في تبني سياسة دبلوماسية ناعمة مستقلة. فهو بحاجة إلى بناء شبكة علاقات توازن بين هذه القوى المتنافسة دون التفريط في سيادته. اضافة الى ذلك، ان العلاقات المتوترة مع بعض دول الجوار، مثل تركيا وإيران، تجعل من الصعب بناء شراكات تعاونية، كما ان البعثات الدبلوماسية العراقية تعاني من نقص في الكفاءات والموارد، مما يحد من قدرتها على التأثير الإيجابي.

يواجه العراق تحديات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك ضعف تنويع الاقتصاد والاعتماد الكبير على النفط. على الرغم من ذلك، تبقى الدبلوماسية الاقتصادية من أهم أدوات العراق في تعزيز علاقاته الدولية، سواء عبر جذب الاستثمارات أو تطوير مشاريع التنمية.

ويمكن للعراق أن يعزز مكانته الدولية عبر نشر ثقافته وتعزيز التعليم، لكن هذا يتطلب تحسين الوضع الداخلي من خلال إصلاحات في النظام التعليمي والثقافي، وهو ما يشكل تحدياً كبيراً في ظل الأزمات المتتالية.

اما فيما يخص التوترات المستمرة بين القوى الكبرى في المنطقة مثل الولايات المتحدة وإيران، والتدخلات العسكرية الأجنبية، قد تضع العراق أمام تحديات كبيرة في صياغة سياسة خارجية مستقلة، كما ان التطورات التكنولوجية والإعلامية يمكن أن تكون أدوات فعالة في الدبلوماسية الناعمة، ولكن من ناحية أخرى، قد تتسبب التكنولوجيا الحديثة في نشر المعلومات المضللة وتعميق الصراعات.

إن التحديات التي يواجهها العراق في عام 2025 تتطلب التعامل مع مخاطر القوة الخشنة وفق رؤية شاملة تراعي التحديات الأمنية دون الإضرار بالنسيج الاجتماعي. بالمقابل، تحتاج الدبلوماسية الناعمة إلى تطوير أدواتها لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية. ويتعين على العراق أن يسعى إلى تعزيز سيادته، واستقرار مجتمعه، وفتح قنوات دبلوماسية مع مختلف القوى العالمية والإقليمية. كما يجب أن تكون الأولوية للحلول السلمية التي تساهم في خلق بيئة أمنية واقتصادية مستدامة.

وللاستفادة القيمة من اراء الحضور واصحاب الاختصاص وفتح باب التعليق على الورقة البحثية تم طرح السؤالين الآتيين:

السؤال الاول/ كيف يمكن للعراق أن يتجنب الوقوع في فخ القوة الخشنة في ظل الوضع الإقليمي المضطرب؟.

السؤال الثاني/ ما هي أفضل الاستراتيجيات التي يمكن أن يتبناها صانع القرار في العراق لتعزيز الدبلوماسية الناعمة في ادارة الازمات وصناعة الفرص السياسية والاقتصادية؟

المداخلات

العراق بعيدا عن صراعات المنطقة

- الدكتور علاء الحسيني، باحث أكاديمي في مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات:

العراق ليس بمعزل عن العالم، بل يتأثر ويؤثر في محيطه العربي والإسلامي والإقليمي. نحن ما زلنا نشهد تداعيات الصراع الإسرائيلي مع محاور المقاومة، سواء في الجمهورية الإسلامية أو في لبنان وفلسطين. هذه التداعيات ليست سوى فعل ورد فعل حتى الآن، ولم تبدأ حقيقةً. بعد توقف القتال والرصاص، سيحتاج الأمر إلى وقت لظهور الارتدادات التي ستؤثر على العراق وسوريا. الوضع في سوريا، بطبيعة الحال، سيكون له ارتداداته على العراق، كما أن الوضع الاقتصادي في الجمهورية الإسلامية سيكون له تأثير كبير.

من المبكر التنبؤ بتفاصيل عام 2025؛ فالأحداث ما زالت تتكشف، والوقت وحده سيكشف عن التوقعات والتخمينات. مع ذلك، يقع على الحكومة مسؤولية كبيرة لتجنيب العراق الأزمات. حتى الآن، نجحت الحكومة نسبياً في إبقاء العراق بعيداً عن صراعات فلسطين وسوريا، لكن استمرار هذا النجاح يعتمد على ما تحمله الأيام القادمة. استقرار أسعار النفط الحالية عند مستوى السبعينات، صعوداً ونزولاً، ساهم في توفير نوع من الأمان الاقتصادي، مما حال دون وقوع أزمات اقتصادية كبرى. مستقبل هذه الأوضاع مرتبط إلى حد كبير بالسياسات التي سيتبعها الرئيس المنتخب للولايات المتحدة الأمريكية، وخطط صانع القرار الأمريكي.

على الصعيد السياسي، يواجه البرلمان العراقي تحديات كبيرة مع اقترابه من نهاية دورته الحالية. الأداء المضطرب للبرلمان مرشح للتفاقم مع بدء الاستعدادات للانتخابات المقبلة، وما يرافقها من صراعات بين الأحزاب والقوى السياسية. هذه العوامل قد تؤدي إلى تزايد استخدام القوة الخشنة أو الحفاظ على الوضع الراهن. هنا تبرز الحاجة الملحة إلى دور فعّال من الحكومة، مدعومة بالأحزاب والكتل السياسية، في مواجهة هذه التحديات. كما أن للقوات المسلحة، بما فيها التشكيلات العسكرية الرديفة، دوراً كبيراً في حفظ الاستقرار، إلى جانب الإعلام وقوى المجتمع المدني.

تكميم الأفواه وتقليص حرية التعبير

- المحامي صلاح الجشعمي، ناشط حقوقي:

صور القوة الخشنة لها فرعان: الأول يتعلق بالقوة الخشنة الداخلية، وهي تعني كيفية تعامل الحكومة داخلياً، وما إذا كانت تستخدم هذا النوع من القوة. أما الثاني فيتعلق بمخاطر الداخل، حيث نرى على وسائل التواصل الاجتماعي تصاعد الدعوات إلى تغيير النظام والترويج لفكرة أن النظام أصبح هرماً. في المقابل، نشهد قسوة من قبل الحكومة تتمثل في تكميم الأفواه وتقليص حرية التعبير، وهذه إشارات خطيرة يشعر بها المواطن، وتوحي بأن هناك تغييراً قادماً أو اضطراباً داخلياً. عندما يخرج مسؤولون سياسيون أو رموز من داخل الدولة أو خارجها ليؤكدوا أن العراق خارج منظومة التغيير في المنطقة دون تقديم أسس علمية أو مقدمات واضحة، فهذا يعكس حالة من الخطر الداخلي. من الممكن أن تلجأ السلطة إلى استخدام القوة الخشنة لمعالجة هذه الظواهر، إلا أن هذه المعالجات إذا تمت بطرق غير علمية فقد تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية خطيرة.

استخدام القوة الخشنة داخلياً يمتد إلى المجال الاقتصادي، حيث نشهد حملة مطاردة للسوق الموازي للعملة، وهو ما يؤثر بشكل سلبي على التجار الصغار والمتوسطين. هؤلاء التجار يعتمدون على العملة الصعبة لتلبية احتياجات تجارتهم، في حين يعتمد المواطنون بنسبة كبيرة على ما يوفره هؤلاء التجار من سلع وخدمات. ما يحدث هو أن الدولة تستخدم أسلوباً خشناً في التعامل مع هذا السوق دون تقديم حلول بديلة ناجحة، مما أدى إلى اضطراب في سوق الأسعار وركود واضح في الأسواق. هذه الممارسات تعتمد على القوة الخشنة دون أسس علمية واضحة.

أما فيما يتعلق بالقوة الخشنة في السياسة الخارجية، فإن العراق ما زال في حالة من الضبابية، العراق يُصنف حالياً ضمن القوى التي تعتمد على القوة الخشنة في التعامل الإقليمي، حيث لم يظهر حتى الآن تفعيل حقيقي للقوة الدبلوماسية. العراق لا يزال يعمل وفقاً لردود الأفعال، حيث تتحرك القوى السياسية فقط عند حدوث تهديدات مباشرة. هذا الوضع يؤدي إلى ركود وانكماش سياسي، مما يشير إلى غياب رؤية واضحة لدى السلطات العراقية بمختلف فئاتها، سواء التشريعية أو التنفيذية، وأيضاً غياب التخطيط الواضح من قبل القوى السياسية. هذا القصور يعكس افتقار العراق إلى رؤية دبلوماسية فعالة تضع خططاً واضحة للشعب العراقي وللقوى الإقليمية والدولية، بهدف إخراجه من حالة الاضطراب الحالية.

العراق يفتقر إلى شكل ديمقراطي

- الاستاذ عدنان الصالحي/ مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:

العراق وقع في فخ القوة الخشنة، وهو الآن مصنف ضمن الساحات التي انخرطت في المحاور المتعلقة بقضية غزة وما بعدها. بالرغم من ذلك، يبدو أن القضية تتجه نحو نهايتها، حيث يُصنّف العراق إلى جانب فلسطين ولبنان وسوريا واليمن، وكل دولة تسير وفق إجراءاتها الخاصة في هذا السياق. الحكومة العراقية لا تملك سيطرة مباشرة على هذا الملف بقدر ما تعود القرارات إلى الكتل السياسية التي تشكل الحكومة، وهو أمر طبيعي في الأنظمة الديمقراطية. الحكومة في هذه الأنظمة تنفذ البرنامج الانتخابي الذي حازت به على ثقة البرلمان، وهو الوضع الطبيعي في الدول ذات الديمقراطية المستقرة.

العراق ما زال يفتقر إلى شكل ديمقراطي واضح ومحدد؛ هل هو نظام فيدرالي، أم مركزي، أم نظام يعتمد على مشاركة القرار مع محاور إقليمية وعالمية؟ الكتل السياسية تبدو وكأنها دخلت في معركة أكبر من حجمها، ونحن الآن في مرحلة انتظار للنتائج والحسابات الناتجة عن هذه المرحلة، بغض النظر عن صحة أو خطأ انخراط العراق في هذا المحور. هناك ردود فعل واضحة في لبنان وسوريا وفلسطين، واليمن أيضاً بدأ يشهد تداعيات مشابهة، ولكن هذه الردود ليست بالضرورة إنسانية، بل قد تكون عسكرية أو سياسية، وهو ما يمكن ملاحظته من تغير سريع في المحاور الدولية.

العراق يواجه قراراً حاسماً؛ إما المضي قدماً في نزع السلاح وبناء دولة تلتزم بالضوابط الدولية والانتخابات الشفافة التي تشرف عليها الأمم المتحدة، وإما الاستمرار في الوضع الحالي مع احتمال فرض عقوبات أو اتخاذ إجراءات عسكرية. القرار يبدو واضحاً في الاتجاه نحو شرق أوسط خالي من الحروب ومهيأ للتجارة، بعيداً عن الهيمنة الصينية، وهو توجه يتطلب إصلاحات داخلية شاملة تشمل إعادة هيكلة القوات المسلحة التي لم تبنَ بشكل سليم نتيجة المحاصصة.

العراق اليوم أمام فرصة ذهبية لإعادة ترتيب أوراقه وبناء دولة تقوم على الشفافية والوضوح. المحللون السياسيون خارج العراق يرون أن الفرصة سانحة لاتخاذ قرار تاريخي لبناء دولة قوية ومستقرة. هذا يتطلب تحديد علاقات العراق مع الجمهورية الإسلامية في إيران، بحيث تكون العلاقات بين دولتين مستقلتين ضمن ضوابط واضحة. أي قرار يتخذ بشأن هذه العلاقة سينعكس على العراق بالطريقة نفسها التي يتم التعامل بها مع إيران. الفرصة سانحة اليوم لتحديد المسار الذي يختاره العراق، وكل الخيارات مطروحة على الطاولة بانتظار القرار النهائي الذي سيحدد الاتجاه المستقبلي للعراق.

استثمار القوة الناعمة لترسيخ الاستقرار السياسي

- الاستاذ احمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:

إذا رجعنا للتاريخ، نجد أن أي دولة انخرطت في الحروب واستخدمت القوة الخشنة كانت النتيجة دائماً الخسارة، إما خسارة عسكرية تؤدي إلى الهزيمة والتفكك، أو خسارة اقتصادية تعقبها عقوبات متنوعة. في النهاية، تضطر هذه الدول إلى إعادة بناء نفسها من جديد، فالقوة الخشنة لا يمكن الاعتماد عليها لتحقيق نتائج مستدامة.

العراق يمتلك اليوم فرصة حقيقية للتوجه نحو القوة الناعمة. هناك مقومات عديدة تؤهله ليكون محوراً مهماً في هذا المجال، بدءاً من موقعه الجغرافي الذي يمكن أن يكون جزءاً من طريق الحرير، مروراً بثرواته الطبيعية، وانتهاءً بالقدرات الثقافية والتعليمية التي يمكن استغلالها عبر تطوير الجامعات واستقطاب الطلاب الأجانب وتوأمة المؤسسات التعليمية مع نظيراتها العالمية. القوى الناعمة تشمل أيضاً تعزيز السياحة، كما هو الحال مع التوجه نحو السياحة في محافظة ذي قار، إضافة إلى مجالات مثل الفن والرياضة.

العراق يواجه في الوقت نفسه تحديات متعددة، من بينها الانتخابات وصراعات القوى السياسية. بعض الجهات قد تلجأ إلى تخريب العملية الانتخابية أو إثارة الفوضى إذا شعرت بعدم تحقيق مكاسب انتخابية. هذه الجهات قد تكون مدعومة من أطراف خارجية تسعى لإحياء سيناريوهات مشابهة لما حدث في سوريا، من خلال دعم قادة عسكريين أو فصائل معينة بهدف إعادة السيطرة السياسية.

إذا نجحت العملية الديمقراطية في العراق بشكل طبيعي وبتأييد من المجتمع الدولي، يمكن أن يحقق الاستقرار السياسي المطلوب. هذا الاستقرار سيعزز دور العراق في استثمار قواه الناعمة، خاصة أن السياسة العراقية خلال الأزمات الماضية كانت متوازنة نسبياً، حيث تجنبت الحكومة الانزلاق في مسارات القوة الخشنة رغم وجود جهات معينة مارست هذا الدور.

لتحقيق ذلك، على صانع القرار العراقي أن يركز على تطوير الاقتصاد وضمان الاستقرار السياسي الداخلي، مع تجنب الدخول في مشاحنات مع الجيران أو اتخاذ خطوات قد تؤدي إلى مغامرات غير محسوبة العواقب. الاستقرار الداخلي والسياسي هو الأساس لاستثمار العراق في قواه الناعمة وتحقيق مكانة إقليمية ودولية مستدامة.

إظهار القوة والهيجان الشعبي للمواجهة

- الاستاذ صادق الطائي، باحث أكاديمي:

ليس فقط أمريكا وإسرائيل والغرب يمثلون القوة الخشنة، بل أيضًا بعض الدول الغربية وأمريكا تسعى إلى حل الحشد الشعبي وتحويله إلى فصيل تابع لوزارة الدفاع، يخضع لقرارات الوزارة فقط دون أن يكون له منافس.

بلا شك، الوضع الإقليمي في الشرق الأوسط مضطرب، ولكن يستطيع العراق تجنب الوقوع في فخ القوى الغربية وأمريكا من خلال الالتزام بالحشد الشعبي بقوة، وعدم التسويف به أو تضعيفه. لا أعتقد أن الحكومة الحالية قادرة على تحقيق تلك الفكرة أو معارضة رأي أمريكا، لأن تجربة حكومة عبد المهدي ليست بعيدة.

في ساحة الصراع والمواجهات، لا تنفع الدبلوماسية الناعمة، بل تتحول إلى نقطة ضعف وخوف من المواجهة. في حالة التحدي، المطلوب هو إظهار القوة والهيجان الشعبي للمواجهة. الدولة تقف أمام هذا الهيجان الشعبي، وإذا لم يتم البحث عن فرص سياسية واقتصادية بشكل صحيح، بلا شك سنفقدها كما حدث في سوريا.

التنبؤ بالمستقبل بالتعلم من تجارب الماضي

- الشيخ مرتضى معاش:

دخلنا في عام ٢٠٢٥ بحالة من عدم اليقين، فما سيحدث في المستقبل غير معلوم، والكل متشكك ولا يستطيع التنبؤ بالأحداث القادمة. هذه أمور خطيرة جدًا وفي ظل محاولاتنا للتنبؤ بما سيحدث، من الضروري أن نتعلم من تجارب الماضي، خاصة تلك التي وقعت في عام ٢٠٢٤.

نحن في العراق الآن، وبعد ١٤٠٠ سنة، حصلنا على وجود شيعي حقيقي، وهذه حقيقة يجب أن نعمل على الحفاظ عليها في المستقبل، سواء في العقود أو القرون القادمة، الحفاظ على هذا الوجود يتطلب معرفة حقيقية، حيث تتيح لنا المعرفة القدرة على تجنب الأخطاء التي قد تهدد هذا المشروع.

أما النقطة الثانية فهي أن العراق اليوم في حالة عدم الفعل، حيث لا يتخذ أي خطوة لمواجهة المخاطر والتحديات، وهذه حالة تؤدي إلى ركود يؤدي في النهاية إلى اتخاذ قرارات خاطئة، علينا أن نفكر في هذا الأمر وأن نبحث عن حلول لتفادي الوقوع في هذا الوضع.

أما النقطة الثالثة فهي الحساسيات المتزايدة في الشارع العراقي، لا سيما في العلاقات بين العراق وأمريكا، والعراق وإيران، وكذلك الحساسيات الداخلية بين مختلف القوى والفئات. اليوم لا يوجد انفتاح حقيقي في العراق على الحوار بين هذه القوى، الأمر الذي يؤدي إلى حالة من الانغلاق والعزلة، يجب أن يكون هناك حوار داخلي لتحديد كيفية التعامل مع الأزمات الحالية والمخاطر المحيطة.

النقطة الأخرى هي التمسك بالمكاسب السياسية، وهو أمر قد يصبح ضارًا في حال تحولت هذه المكاسب إلى خطوط حمراء لا يمكن التراجع عنها، مثال ذلك هو الحشد الشعبي الذي يناقش البعض إلغاؤه أو الإبقاء عليه. الحشد ليس مؤسسة أمنية دائمة، بل هو قوة شعبية تطوعية تظهر في أوقات الأزمات. كان يجب أن يتم تحضير الشعب وتدريبه ليكون القوة الرديفة لمواجهة الأزمات، وليس الاعتماد على مؤسسة دائمة قد تفقد زخمها الشعبي مع مرور الزمن.

بالنسبة للعلاقة مع إيران، ما زالت غير واضحة تمامًا، وهذا يعكس حالة من الشك لدى العديد من الأطراف، خاصة الولايات المتحدة. كما أن العراق يواجه خطرًا من ربط مصيره بمصير إيران، لأن أي تغير في النظام الإيراني قد يهدد الاستقرار في العراق. على العراق أن يكون أكثر انفتاحًا على دول الخليج وأمريكا وأوروبا، وأن يبني تحالفات اقتصادية قوية تساهم في حماية مصالحه.

أزمة الدولار وأزمة الطاقة هما من أكبر التحديات التي تواجه العراق اليوم، حيث يمكن أن يؤدي انهيار العملة أو أزمة الطاقة إلى تأثيرات كارثية على الاقتصاد. كذلك، إن غياب الاستثمار الداخلي الخارجي بسبب هيمنة الكتل السياسية والإقليمية هو أمر في غاية الخطورة. الاستثمار الخارجي يعد من أهم عناصر الدبلوماسية الناعمة التي تساعد في حماية الدول، خاصة إذا كانت هذه الدول تتمتع بتحالفات اقتصادية قوية. للأسف، العراق لم يستفد من هذه الفرص حتى الآن، مما يزيد من تحدياته الاقتصادية.

حصر السلاح بيد الدولة

- الاستاذ علاء الكاظمي، باحث اكاديمي:

عملية نزع السلاح تختلف عن عملية حصر السلاح، نزع السلاح يعني إزالة السلاح بالكامل وتسليمه للدولة، بينما حصر السلاح يتعلق بحصر القرار المتعلق باستخدام السلاح بيد الدولة، والقول بأن حصر السلاح هو أمر خاطئ في بعض الأحيان، وانتشار القوة يمكن أن يحفظ نوعًا من التوازنات، مثلما هو الحال مع بعض القوى العراقية التي تحتفظ بأسلحتها وتشكيلاتها رغم كلام المرجعية، هذا يدل على أن حصر السلاح يعني حصر قرار استخدام السلاح فقط، ولا يشمل بالضرورة نزع السلاح.

إذا أردنا تجنب استخدام القوة الخشنة في العراق، فإن العودة إلى فكرة حصر السلاح يمكن أن تكون خطوة مهمة. أما بالنسبة للوضع السياسي الداخلي في العراق، فهناك خلافات كبيرة بين بعض الفصائل، وهذه الخلافات قد تؤثر على القدرة على تطبيق هذه العمليات. حتى المرجعية دعت أكثر من مرة إلى ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، ولكن العديد من القوى لا يلتزمون بذلك.

من جانب آخر، يجب التفكير في المستقبل، فبعد خمس أو عشر سنوات، من المهم أن نعرف إلى أين نحن ذاهبون. إذا فهمنا ذلك، سيكون من الممكن التكيف مع التغيرات سواء كانت تتعلق بالقوة الخشنة أو الناعمة. في المستقبل القريب، فإن قضية المواجهة والشجاعة ستنحسر، وستزداد أهمية التكنولوجيا. الأسلحة التقليدية في المواجهات العسكرية قد تصبح أقل فاعلية، حيث ستتحول الحروب إلى حروب تعتمد على التكنولوجيا.

الحروب المستقبلية ستكون حروب أدمغة، لذلك من الضروري أن يفكر الجميع في تطوير القدرات التكنولوجية الخاصة بهم، فالتصنيع واستخدام الأسلحة التقليدية قد يصبح أقل أهمية مع تقدم التكنولوجيا.

تجنيب العراق وشعبه ويلات الحروب

- الاستاذ علي حسين عبيد، كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:

يجب أن يركز السياسيون العراقيون في العام الحالي على تحقيق مصلحة العراق ومصلحة الشعب العراقي. على صانع القرار السياسي أن يعمل بكل الطرق الممكنة لتجنب المخاطر التي تحيط بالعراق. الخارطة السياسية والعلاقات المتداخلة تتميز بحساسية كبيرة وتعقيد واضح، وتضارب المصالح يشكل خطرًا كبيرًا. الفرص المتاحة للقيادات العراقية قليلة، رغم أن الأمور واضحة أمامهم. لذلك، من الضروري أن تسعى الطبقة السياسية والأحزاب، رغم اختلاف مصالحها، إلى تجنيب العراق وشعبه ويلات الحروب التي خاضها خلال نصف قرن أو أكثر.

الشعب العراقي عانى كثيرًا وفقد الكثير، ولهذا يستحق اليوم أن تُبعد عنه جميع أشكال الحروب مهما كانت أسبابها، سواء عقائدية، دينية، سياسية، مصلحية، داخلية، أو خارجية. ينبغي للجميع التفكير بجدية في كيفية حماية العراق وتعويض العراقيين عن معاناتهم السابقة من خلال بناء جدار قوي يحميهم من الحروب بكل الوسائل المتاحة.

هذا التوجه سيحمي أيضًا الطبقة السياسية نفسها، لأن تعرض الشعب لأي خطر، مثل القصف أو الهجمات المتوقعة من جهات مختلفة، سيؤدي إلى خسائر كبيرة تطال الجميع، بدءًا من القادة السياسيين والطبقة السياسية، وصولًا إلى الشعب. لذلك، إنقاذ العراق والعراقيين اليوم مسؤولية تقع على عاتق الطبقة السياسية، ويجب أن يكون تفكيرها مبنيًا على حماية البلاد وشعبها من المخاطر.

تأمين الطاقة بمثابة وسيلة ناعمة

- الاستاذ حامد الجبوري/ باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:

العراق من الدول المستوردة للغاز، خاصة من إيران، وحاليًا هناك اتفاقات تُبرم لاستيراد الغاز من تركمانستان. العراق يحتل المرتبة 112 عالميًا في احتياطي الغاز، ويعد من بين الدول الأولى في استيراده. إذا تم التركيز على استغلال الاحتياطي والعمل على الإنتاج والتصدير، فإن ذلك سيوفر على العراق استيراد الغاز، ويجنب البلاد تبعات العقوبات الأمريكية المفروضة على الدولار المستخدم في استيراد الغاز من إيران.

تأمين الطاقة يمثل وسيلة ناعمة لتجنب العراق الوقوع في فخ العقوبات الاقتصادية. الاعتماد الكبير على الدولار يفتح المجال لاستخدامه كورقة ضغط، لذا فإن تحقيق الاكتفاء من الغاز محليًا سيخفف من هذا الاعتماد، مما يساهم في تقليل تأثير القوى الاقتصادية الخارجية.

بالإضافة إلى ذلك، التنويع الاقتصادي أمر ضروري، فالعراق يعتمد حاليًا بشكل أساسي على النفط، ولا توجد قطاعات اقتصادية متنوعة تسد جزءًا كبيرًا من الطلب المحلي. هذا التنويع سيقلل من الحاجة إلى الدولار، ويخفف من إمكانية استخدامه كأداة ضغط.

من النقاط المهمة التي يجب العمل عليها أيضًا، تحسين الميزان التجاري مع الدول المجاورة مثل تركيا والخليج وإيران. من الضروري معرفة ما تستورده هذه الدول من الخارج، والعمل على تصنيع وتصدير المنتجات التي تحتاجها بالاعتماد على الموارد المحلية. هذا سيسهم في خلق تشابكات اقتصادية قوية تحمي العراق من المخاطر الخارجية، ويجنبه الوقوع في القوى الخشنة.

العقوبات الاقتصادية سبب في سقوط الانظمة

- الاستاذ محمد علاء الصافي، باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:

مع وصول الرئيس ترامب إلى السلطة، يبدو أن التحديات العالمية ستكون أغلبها اقتصادية. أي دولة لا تدرك نفسها بسبب السياسات الاقتصادية الخاطئة قد تجد صعوبة في مواجهة القرارات التي ستتخذها إدارة ترامب، وخاصة فيما يتعلق بوضع العراق. من خلال الحملة الانتخابية للرئيس ترامب، كان واضحًا من الشعارات التي رفعها أن برنامجه جاد، وأنه يعتزم تنفيذ تلك السياسات المعلنة منذ البداية.

بالنسبة للوضع العراقي، فإن التبعية التامة للمشروع الإيراني في المنطقة قد تقود العراق إلى المصير نفسه الذي وصلت إليه سوريا ولبنان. العقوبات الأمريكية ليست مستثناة للحكومة العراقية الحالية، وانهيار سوريا كان بسبب العقوبات التي طالت البنك المركزي السوري وقانون قيصر، وهذا يوضح تأثير تلك العقوبات على الأنظمة السياسية والاقتصادية. تصريحات وزير الخارجية الأمريكي بلينكين أكدت أن القوانين التي أُقرَّت كانت السبب الرئيسي في سقوط نظام الأسد، وليس التدخل العسكري المباشر.

التحدي الأكبر أمام الحكومة العراقية يتمثل في تحرير الملفات العالقة مع الولايات المتحدة والدول الغربية، خصوصًا فيما يتعلق بقضايا الغاز، الاستيراد والتصدير، العملة، ومزاد العملة. إذا لم تُحل هذه القضايا، قد تواجه الحكومة الحالية مصيرًا مشابهًا لانهيار حكومة الأسد، سواء بالاستقالة أو بمصير غير معروف.

المفارقة أن العراق يربط مصيره بدول أخرى، مما يعكس غياب المؤسسات والنظام الداخلي المستقل. المجتمع الدولي، وخاصة الإدارة الأمريكية، تقدم مطالب للتعامل مع العراق والدخول في النظام العالمي، لكن هذه المطالب هي في الأساس مطالب شعبية عراقية، وليست فرضًا خارجيًا.

المطالب التي توجَّه للعراق، مثلما تقول الولايات المتحدة، هي مطالب تصب في مصلحة الشعب العراقي، بعيدًا عن المحاور السياسية الدولية. الخبراء والمختصون في القانون الدولي والنظام الاقتصادي العالمي يشيرون إلى ضرورة اتخاذ خطوات محددة لتجاوز الأزمات. هذا العام يبدو حاسمًا ليس فقط لمصير الحكومة الحالية، بل لمستقبل العراق ككل في السنوات القادمة.

إبعاد العراق عن القوة الخشنة

- الدكتور خالد الاسدي، باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث:

صانع القرار العراقي، هو الكتل السياسية. أما بالنسبة للحكومة والمتمثلة برئيس الوزراء، فهو يريد الخروج من القوة الخشنة والتركيز على الاقتصاد وتحقيق النهضة، إلا أن القوى السياسية لا ترغب في ذلك.

اليوم كنت أقرأ مقالًا لرئيس الوزراء في صحيفة الشرق الأوسط، حيث ذكر أن شعب العراق ينتظر النهضة التي يرى شروطها متوفرة في البلاد بأفضل حال. يقول: "لا تعوزنا الموارد البشرية ولا الكفاءات العلمية، ولا تنقصنا الثروات الطبيعية وغير الطبيعية، ولدينا الأرض الطيبة والنهران الخالدان دجلة والفرات، والموقع الجغرافي الذي يحتل أكثر المواقع الاستراتيجية أهمية على خريطة العالم. كل ذلك جعل العراق يحظى بمكانة خاصة على مدى التاريخ، وكان منارة للعلم والأدب".

رئيس الوزراء يريد إبعاد العراق عن القوة الخشنة، لكن الكتل السياسية ما زالت متمسكة بصنمية فكرية تُصر على استخدام القوة الخشنة ولا ترغب في التغيير. المشكلة أعتقد أنها يمكن أن تُدارَك في المستقبل القريب، لأن الكتل السياسية الآن تخشى على نفسها. جميعها قلقة من أن يأتي ترامب ويُفرض عليها عقوبات، وربما تُعلن أسماء الشخصيات التي ستعاقب.

لذلك، من الممكن في القريب العاجل إذا قُدِّمت لهم حلول، حتى وإن كانت مؤقتة، أن يقبلوا بها، لكن الأمل هو أن تكون هذه الحلول ناهضة بالعراق ومصلحة لمستقبله، وليس فقط لمستقبلهم الخاص. لأنهم عند أي أزمة تصيب العراق، يتركون البلد ويخرجون.

وفي ختام الملتقى الفكري تقدم مدير الجلسة الاستاذ حيدر الاجودي بالشكر الجزيل والامتنان إلى جميع من شارك برأيه حول الموضوع سواء بالحضور او من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، كما توجه بالشكر الى الدعم الفني الخاص بالملتقى الفكري الاسبوعي.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2025 Ⓒ

http://mcsr.net

اضف تعليق