ذكر باحثون أمريكان خلال هذه الأيام أن ترامب سوف يسعى باتجاه السيطرة على البنك الفيدرالي الأمريكي، ولذلك سيكون هناك تعزيز للرقابة أكثر ومساءلة أكثر وتعقيد أكثر بالنسبة للحوالات العراقية للخارج، وسيكون هناك تعزيز أكبر للنفوذ المالي الأمريكي في العراق، هذا الوضع سوف يحرج الحكومة العراقية بشكل كبير، ويضعها...
تحرير: حسين علي حسين
عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية يوم السبت الموافق 9/11/2024 حلقته النقاشية الشهرية، ضمن نشاطات ملتقى النبأ الأسبوعي، وذلك في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، وجاءت الورقة تحت عنوان (الإدارة الأمريكية الجديدة والشرق الأوسط: مصالح الحلفاء ومواجهة الأعداء)، قدم هذه الورقة الأستاذ الباحث في مركز الفرات الدكتور حسين أحمد السرحان، حيث حضرها وناقشها عدد من الباحثين المختصين والكتاب ورؤساء المراكز البحثية، وقد قال الباحث في ورقته هذه:
الإدارة الأمريكية الجديدة حققت فوزا كبيرا جدا، وربما لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية أن يفوز رئيس مرة ثانية غير متتالية، وحصد أصواتا كبيرة خلافا للماكنة اليسارية، الإعلامية في الولايات المتحدة وخلافات لتوقعات واستطلاعات الرأي.
أمام هذا الوضع ولأهمية منطقة الشرق الأوسط بكل أهميتها وملفاتها الأمنية وفي مجال الطاقة وأمن إسرائيل أو الدور الإيراني، والمتغيرات الأخرى في هذه المنطقة، هذه الأمور تستدعي المناقشة ونضع في البداية ملاحظة مهمة وأساسية أنه عادة الرئيس الأمريكي المنتخب لا يستلم مهام السلطة في 20 من الشهر الأول القادم سنة 1025، ولم تصدر استراتيجية الأمن القومي الجديدة، ولم يصدر أيضا خطاب حالة الاتحاد الذي يصدر عادة في شهر آذار أو شباط، حتى أن حالة الاتحاد لا تتعلق كثيرا بالأمن الدولي بقدر تعلقها بالداخل الأمريكي.
لكن بغض النظر عن كل هذه التفاصيل نستطيع أن نستقرئ أو نقرأ الفترة السابقة لترامب من سنة 2016 إلى سنة 2020، وأيضا الإدارة الأمريكية للديمقراطيين التي امتدت من 2020 إلى 2024، حتى نبين الاختلاف في الملفات المشتركة بين الديمقراطيين والجمهوريين في منطقة الشرق الأوسط، بداية الشرق الأوسط من المناطق المهمة جدا على المستوى العالمي ومنطقة أزمة حالها حال منطقة شرق أوربا، أوكرانيا وروسيا، وأيضا حالها حال جنوب شرق آسيا، فضلا عن أنه هناك ملفات سياسية مهمة مثلا ما يتعلق بأمريكا اللاتينية والتحالف مع دول أوربا الغربية والملفات العربية الأخرى.
هذه الأمور حاسمة فيما يخص موضوع الانتخابات الأمريكية ويكون لها دور كبير في تصويت الجمهور، للجمهوريين أو للديمقراطيين، في هذه الانتخابات لاحظ الكثير من المتابعين فقرة أساسية وهي أن ترامب طرح موضوعات ورؤية وأفكار حول موضوع المسلمين والعرب وحرب غزة والحرب في لبنان وموضوع إيران، وأيضا حلفاء أمريكا الذين يسميهم ترامب بالأصدقاء، كالسعودية وغيرها، لذلك فإنه كسب ود العرب والأقليات العربية والمسلمة في الداخل الأمريكي وحصل على أصوات 2 مليونين أو ثلاثة ملايين صوتا.
هذه الملفات فيما يخص منطقة الشرق الأوسط، هي ملف أمن إسرائيل وملف إيران وملف العراق وسوريا، فضلا عن ملفات تتعلق باليمن وليبيا، والملف الأبرز فوق كل هذه الملفات والذي هو أساسي لهذه الملفات جميعا عدا ليبيا نوعا ما هو الملف الإيراني، لنقرأ أو نتتبع عقيدة الديمقراطيين السياسية كما يسميها بعض الباحثين الأمريكيين، فما هي عقيدة بايدن تجاه إيران أو ما هي عقيدة الديمقراطيين بشكل عام، أوباما ثم تلاه بايدن، هذه العقيدة كانت مبنية على أساس ما يخص إيران انه تكون إيران قوية لكن بدون أذرع في المنطقة.
وتبقى إيران قوية بشكل كام وفق برنامج نووي محدد مسبقا من قبل الدول الغربية ومجلس الأمن الدولي، وبرنامجها الصاروخي يكون ثابتا على وضعه، وتكون إيران قوية في المنطقة الإقليمية ومؤثرة إقليميا ولكن من دون أذرع مسلحة في المنطقة، والسبب في ذلك هو لضمان أمن إسرائيل بالدرجة الأولى وأيضا ضمان أمن الحلفاء والأصدقاء كالدول الخليجية، والجانب الثالث هو ضمان استمرار تدفق الطاقة، لأن هذه المنطقة تساهم تقريبا بما يقارب من 20% من حاجة العالم للنفط الخام والغاز.
فهذه الملفات كانت مهمة وتستند على رؤية مفادها لا يتم التصدي لإيران بالقوة، وإنما بالإمكان الاحتواء، ولذلك هذه العقيدة السياسية الديمقراطيين سواء كان أوباما أو بايدن قائمة على هذا الأساس، أنه يتم احتواء إيران والتحكم بقوتها النووية وتكون مؤثرة إقليميا تحت هيمنة القطب الأوحد الولايات المتحدة الأمريكية، وفي نفس لا يكون هناك تهديد لأمن إسرائيل ولا لأمن الطاقة ولا لأمن الأصدقاء.
ولهذا نحن نلاحظ أن الأربع سنوات الأخيرة كانت قائمة على منهج منع التصعيد، وضرورة نشر الاستقرار ومنع التصعيد وليس الحل الكامل، هذا ما يختلف عن الجمهوريين، هذه النقطة مهمة جدا إذا أردنا أن نقارن بين العقيدة السياسية للديمقراطيين عن العقيدة السياسية للجمهوريين، فهي قائمة عند الديمقراطيين على منع التصعيد وليس الحل التام، وقائمة على نوع من الاستقرار وليس الحل الكامل للمشكلة، ولهذا لم يكن هناك حل لا للملف الأوكراني ولا لملف غزة ولا حتى لبنان. حاليا الإدارة الديمقراطية تسعى بهذا الاتجاه.
الأفكار التي يطرحها ترامب دائما تكون أفكار راديكالية، يعني قائمة على ضرورة تحقيق الحل، ولهذا يتبنون فكرة تجاه إيران أنه لابد من تحييد إيران كقوة مؤثرة إقليميا، وتحييد قوتها الإقليمية، ومنعها من مزاولة أي دور سياسي أو أمني في المنطقة بما يؤثر على أمن إسرائيل، طبعا المشترك الأساسي بين الديمقراطيين والجمهوريين هو موضوعيّ أمن إسرائيل وأمن الطاقة وحتى أمن الأصدقاء، هذه الملفات الأساسية بالنسبة للطرفين مهمة.
الجانب الثاني الجمهوريون ينتقدون الملف النووي الإيراني ولم يتضمن البرنامج الصاروخي، ولم يتضمن الوكلاء، وأذرع إيران أو الفصائل المسلحة في العراق، وسوريا ولبنان أو اليمن، هذه الملفات حقيقة أصبحت هي مسار الاختلاف باين الإدارتين الديمقراطية والجمهورية.
إذا جئنا إلى موضوع الملف الإيراني، فهو بصراحة عبارة عن مجموعة متفرعات أو متغيرات وهي تشمل الملفات التالية:
الملف الأول: موضوع البرنامج الملف النووي
وكما ذكرنا بأن عقيدة الديمقراطيين تأتي بالشكل الذي ذكرناه في أعلاه، لكن رؤية ترامب في الأعوام الأربعة القادمة، مع بداية سنة 2025، نستطيع أن نقرأ الآتي، ترامب ألغى الاتفاق النووي وكان ضد أن يكون لإيران دور مؤثر في إقليميا في تهديد أمن الحلفاء والأصدقاء والطاقة، وفرض عقوبات كبيرة على أركان سياساتها الخارجية.
هذه العقوبات تناوبت في ثلاث جوانب، العقوبات الاقتصادية القصوى، وشددها بشكل كبير وقاد عملية انخفاض قيمة التومان (العملة الإيرانية)، وثانيا كان هناك نوعا من الضغوط والعمليات العسكرية، وكانت أهدافها محدودة، وآخرها اغتيال الجنرال قاسم سليماني، وكانت هناك ضغوط عبر الدبلوماسية والحلفاء في الاتحاد الأوربي.
لكن بقيت المسألة الأساسية لترامب وللجمهوريين بشكل عام هي ضرورة تجفيف منابع التمويل للدولار أو العملات الصعبة التي تحصل عليها إيران، ولذلك انتقدوا كثيرا خطوة بايدن في شهر حزيران أو تموز بالسماح لإيران بالحصول على أموالها المجمدة في كوريا الجنوبية وبعض الأموال التي يقول أنها وصلت إلى 350 مليار دولار، في مقابل الإفراج عن بعض الرهائن والموقوفين أو المحتجزين الأمريكان في طهران.
هذه الخطوة اعتبرها الجمهوريون مشكلة كبيرة أعادت القوة للنظام الإيراني بهذه الأموال الكبيرة، التي قد تستخدم في أنشطة عسكرية وأمنية، أو كما يصفونها هم في أنشطة إرهابية في المنطقة، ورغم ذلك برر الديمقراطيون هذه الخطوة في الكونغرس أن هذه الأموال يجب أن لا تذهب إلى الحكومة الإيرانية، بصيغة دولار نقدي وإنما يجب أن تصل بصيغة مساعدات طبية ومستلزمات إغاثة يمكن أن يستفيد منها الشعب الإيراني، مع ذلك قال الجمهوريون هذا ليس الحل في هذا الموضوع، وإنما تمكين إيران في جوانب إغاثية ودوائية وعلاجية وسواها سوف يدفعها إلى إنفاق الأموال المخصصة لهذه المواد للتأثير في المنطقة، لذلك كان هذا الموضوع محور جدل بين الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة الأمريكية.
الملف الثاني: ملف أمن إسرائيل
طبعا في فترة حكمه السابقة 16- 20 قدم ترامب خدمة كبيرة للحكومة وللدولة الإسرائيلية بشكل عام، واحدة من هذه الهدايا هو نقل العاصمة من تل أبيب إلى القدس الشرقية والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل، ثم الاعتراف بأرض الجولان السورية بأنها أرض إسرائيلية، الجانب الثاني هو اتفاقات ابراهام مع الإمارات، ومع البحرين والمغرب، وتوسيعها باتجاه فتح المفاوضات مع السعودية وغيرها من الدول الأخرى.
والهدية الثالثة هي اغتيال قاسم سليماني الجنرال الإيراني، فما هي رؤية ترامب للسلام؟، كما أسلفنا قبل قليل أن ترامب لا يسعى باتجاه منع التصعيد، كلا، إنه يريد هدف أكبر، هو طموح جدا باتجاه حلحلة وفرض السلام في المنطقة، فخلال مدة الانتخابات أو الحملة الانتخابية لم يشرح أو يوضح ما هي الطرق التي يعتمدها لتحقيق السلام في الشرق الأوسط،
لكن من قراءة وفكرة بسيطة تستند إلى المقومات والتصريحات التي أدالي بها، خلال الفترة الانتخابية إنه لابد من تطبيق اتفاقيات ابراهام للسلام لكسب السعودية وقطر وحتى في المستقبل تشمل اليمن والعراق، وهذه ربما تتعلق بموضوع سوريا، وهذا الفرض ربما يأتي بفرضيات عديدة، ثم هناك طرق لاحقة فيما يخص التعامل مع العراق.
لكن دعوني أن أوضح أنه ربما يكون التعاون مستقبلا مع موضوع حماس وحزب الله بهذا الاتجاه، أنه لابد من وجود إدارة سياسية أو منظومة حكم سياسية، في فلسطين لا تهدد أمن إسرائيل ولا يكون فيها دور لا سياسي ولا عسكري لحماس وهذا قريب التنفيذ، فيما يخص لبنان والدولة اللبنانية في حلة عجز مؤسساتي كامل، لم تكن مؤسساتها دستورية فيما يخص رئاسة الجمهورية وحتى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مؤقت يقود حكومة انتقالية.
وبالتالي لابد أن يكون هناك في المستقبل في لبنان أيضا حكومة لبنانية منتخبة على أن لا تهدد أمن إسرائيل ولا يكون فيها دور سياسي أو عسكري لحزب الله، هذا ما تطرحه الرؤية الغير معتدلة في الداخل الإسرائيلي، وهذا ما تنبني عليه خطة الجنرال العسكرية الإسرائيلية في إطار خطة الأرض المحروقة التي تم تنفيذها في غزة وهي تُنفذ حاليا في جنوب لبنان.
هذه المقومات تدفعنا إلى أنه فيما يخص جنوب إسرائيل وشمال إسرائيل ربما يكون هناك تحدٍ كبير باتجاه فرض أنظمة سياسية ضامنة لأمن إسرائيل، ولهذا نقول إن الحرب في لبنان لن تكون سهلة، ولن تكون ضمن مدة محددة.
فيما يخص العراق وسوريا، فالعراق وسوريا يمكن التعامل على أساس أن سوريا تتعامل براغماتيا بشكل قوي من خلال نظام الرئيس بشار الأسد، فيما يخص موقفها من اغتيال حسن نصر الله، أو دور حزب الله في سوريا، كان لها التفاتات وحركات براغماتية قوية جدا باتجاه المحافظة على النظام القائم.
وربما يدفع ذلك في المستقبل أن يدخل المتغيّر الأمريكي لفرض السلام وسحب القوات الأمريكية من شمال سورية وفرض السلام في سورية من خلال التواصل مع تركيا وباقي الدول المؤثرة او في المناطق التي تسيطر عليها الميلشيات الإيرانية، ربما يكون هناك بدفع أبناء العشائر والمناطق المسيطرة عليها باتجاه هذا الوضع لمقاومة الميلشيات أو الفصائل الإيرانية وهذا ما حصل خلال هذا الأسبوع في منطقة دير الزور وعشيرة العبيدات والعبيد باتجاه مقاومة الميلشيات الإيرانية.
فيما يخص العراق، فرئيس وزراء العراق قام بطريقة ذكية وجيدة تُحسب له، هنّأ الرئيس الأمريكي على الرغم من معارضة كثير من قوى الإطار، لهذه التهنئة، وهنأه في تغريدة بتويتر وأيضا عبر اتصال هاتفي وذكره باتفاقيات الإطار الاستراتيجي واتفاقيات الجوار الأمريكي العراقي واللجنة المشتركة المعتمدة بين الجانبين.
نأتي إلى الإطار الحاكم للعلاقات العراقية الأمريكية، طبعا هذا الإطار هو يتعلق باتفاقية الإطار الاستراتيجي والتي تتضمن تعاون وتطوير وتبادل بكل القطاعات، تعليم ونفط وصحة وبيئة ومناخ وكل التفاصيل السياسة الخارجية والدعم والتعاون الأمريكي في هذا الموضوع.
الإطار الثاني: الحاكم أو التقليدي، للعلاقات العراقية الأمريكية، هو اللجان المشتركة، وهي عادة لجان حكومية من الطرفين، واجتماعات دوري وهذا أسلوب متبع بين الدول بشكل عام، نشاطات قطاعية لكل الوزارات شدد عليها السيد رئيس الوزراء، في زيارته الأخيرة لواشنطن ولقائه مع بايدن.
الإطار الثاني: هو موضوع لجنة الجوار الأمني العراقي الأمريكي المشتركة، هذه اللجنة من الجانب العراقي غير ممكن تستند على تصريحات وبيانات الجانب العراقي حول مخرجات الاجتماعات لهذه اللجنة لأنها تتكلم عن انسحاب فوري وتتناغم أو تتماهى بطريقة أو أخرى مع القوى السياسية المتحكمة بالمشهد السياسي، وتؤكد بأن العراق مستمر باتجاه الانسحاب وانسحاب القوات الأمريكية وكذا لكن الواقع لما ترجع للبيانات الأمريكية وتغريدات السفارة الأمريكية أو البيانات التي تصدر عن الجانب الأمريكي تجد أنه لا يوجد شيء اسمه انسحاب، بل يوجد شيء اسمه تعاون أمني مشترك ثنائي، أن تنتقل العلاقة من استلام كامل ملف السيادة الجوية للأمريكان باتجاه التعاون الأمني. نعم أُقرّ لاحقا في تموز بأنه حاليا موجود 2500 جندي أمريكي مقال، وفق الرسائل التي تصدر عن الكونكرس الأمريكي، هذه القوات في إطار التحالف الدولي.
الإطار الثالث: وهو الإطار الذي ينظم العلاقة بين العراق والولايات المتحدة، هذه القوات سوف تسحب جزئيا، جزءا كبيرا منها ينسحب نهاية عام 2025، ويبقى الجزء الآخر لتعزيز هذا التعاون والتفاهم الأمني المشترك والتدريب والتنسيق الأمني وينسحب بشكل كامل نهاية عام 2026، هذا البرنامج الذي تم إقراره من قبل الفريق الأمني المشترك الأمريكي العراقي في عهد الديمقراطيين. ولا نعرف في زمن ترامب ماذا تكون عليه الأمور.
الإطار الرابع: للعلاقة الناظمة بين العراق والولايات المتحدة، هو موضوع التحالف الدولي، وهو التحالف الذي تتبجح به الولايات المتحدة، وأن هذا التحالف هدفه هزيمة داعش في العراق وسوريا، وهزيمة داعش لا تقتصر على الجوانب العسكرية بقدر ما تكون هناك جوانب سياسية وجوانب مالية اقتصادية، الجوانب السياسية التحالف الدولة العراقية والقوى المتنفذة بالمشهد السياسي باتجاه توسيع المشاركة السياسية وعدم إقصاء الآخرين سواء كانوا سنة أو أكراد لعدم خنق أو إجهاض أي بيئة ممكن تكون حاضنة للمعارضة والتمرد على الدولة العراقية. ماليا التحالف الدولي في جزء كبير منه باتجاه تجفيف منابع التمويل، وفي الحقيقة نجح هذا الأمر.
نأتي على جانب اقتصادي مهم جدا، فيما يخص الناظم للعلاقة العراقية الأمريكية، فكما نعرف إن النفوذ المالي أو الاقتصادي الأمريكي، في العراق بدأ في عام 2003، واستمر حتى الوقت الحاضر، بدأ في فرض الحماية على الأموال العراقية، وهذا شيء جيد للحكومة العراقية، لأنه الدول الدائنة والمقترضة التي تطلب العراق بإمكانها أن تستحوذ على هذه الأموال، وتم فتح حساب جاري في البنك الفيدرالي الدولي فرع نيويورك، للعراق ويسمى حساب العراق واحد، وحساب العراق اثنين، واستمر إلى غاية شباط 2022، تم سداد تعويضات الكويت 54.6 مليار دولار، وبقيت الأموال للحكومة العراقية.
لذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية استمرت منذ بدء حماية الأموال العراقية وصولا إلى مزاد العملة، والمنصة الإلكترونية، وفي عام 2025 سوف ندخل في آلية البنوك المراسلة، كل هذه الخطوات الخمسة هي تعزيز لهذا النفوذ المالي الاقتصادي في العراق، ولا ننسى أنه بعد اغتيال سليماني أن مجلس النواب صوت على انسحاب القوات الأمريكية وكان في وقتها طرح ترامب مقترح هو أن نرفع الحماية عن الأموال العراقية، وكان هذا شيء خطر على العراق فيما يخص احتياطي العملة للعراق وأمن الدولار، لكنه تراجعت الإدارة الأمريكية فيما بعد عن هذا الأمر وهذا التهديد، ولم يتم تنفيذه.
لذلك فإن الأمريكيين يعرفون جيدا أنه البوابة الأولى لحصول إيران على الدولار هو العراق، وبالتالي لابد من منع ذلك وغلق هذه البوابة، ولذلك سوف ندخل في بداية 2025 في آلية البنوك المراسِلة، حيث يوجد حاليا ست بنوك على مستوى الداخل حصلت على بنوك مراسلة دولية باتجاه التحويل من ضمنها الـ (سي بي آي).
أيضا يوجد لدينا نفوذ مالي بجانب آخر هو الضمان البنك التجار العراقي للتجارة، من خلاله يتم التحويل إلى الخارج، والضامن مصرف أهلي امريكي، في المستقبل يمكن لهذه الضمانات أن تهدد الوضع في العراق، ولذلك أعتقد أن الجانب الاقتصادي والتعامل مع العراق في المستقبل سوف يكون بالتجاه التالي وهو تشديد الرقابة والمساءلة والمراقبة، على التحويلات المالية العراقية إلى الخارج خاصة وأن ترامب خلال السنة الماضية كان ينتقد كثيرا البنك الفيدرالي الأمريكي ويدعو لفرض السيطرة على هذا البنك الفيدرالي.
وقد ذكر باحثون أمريكان خلال هذه الأيام أن ترامب سوف يسعى باتجاه السيطرة على البنك الفيدرالي الأمريكي، ولذلك سيكون هناك تعزيز للرقابة أكثر ومساءلة أكثر وتعقيد أكثر بالنسبة للحوالات العراقية للخارج، وسيكون هناك تعزيز أكبر للنفوذ المالي الأمريكي في العراق، هذا الوضع سوف يحرج الحكومة العراقية بشكل كبير، ويضعها أمام تحديات خطيرة، ربما يدفعها باتجاه التطبيع مع إسرائيل أو استئناف العلاقات والدخول في اتفاقية سلام عامة في المنطقة، وهذه يسميها ترامب خيمة السلام أو إطار السلام العام في الشرق الأوسط. فربما يدفع نحو هذا الشيء إذا ما تم مضايقة العراق اقتصاديا.
الأسلوب الثاني الذي من المتوقع أن تلجأ له الإدارة الأمريكية، هو الآتي حاليا المرشحون لوزارة الخارجية ووزارة الدفاع هم وزير الخارجية في زمن ترامب، والجانب الثاني هو عضو مشاكس جدا، وله رسالة بعضها قبل أيام إلى الكونغرس الأمريكي قال فيها يجب فرض عقوبات على المسؤولين العراقيين، وعلى البنك المركزي العراقي لأنه يساهم بشكل كبير بحصول إيران على الدولار الأمريكي.
لذلك اعتقد أنه في المستقبل وكلاء إيران أو الجماعات المسلحة يمكن أن تتعرض إلى ضربات محدودة بدون أن تكون هناك حرب شاملة، ولدينا جانب آخر يخص الاقتصاد، الإدارة الديمقراطية خلال الأربع سنوات الماضية، من 2020 إلى 2034، سمحت للعراق أن يستورد الغاز من إيران ويحفظ أموال العراق في بن (سي بي آي)، ربما تقوم الإدارة الجديدة بإلغاء هذه الاستثناءات على العراق وبالتالي لا يمكن أن يحصل على الغاز الإيراني.
كثير من هذه الإجراءات والأدوات، نحن لسنا متأكدين منها لكن نستشرفها في ضوء الواقع وفي ضوء الممارسات السابقة للإدارة الأمريكية الجمهورية 16- 20، والديمقراطية 20- 24، في ضوء هذه المعطيات أو هذه التفاصيل أطرح هذين السؤالين:
السؤال الاول: كيف ستتعامل الإدارة الأمريكية الجديدة للتوفيق بين أهدافها في مواجهة الأعداء ومصالح الحلفاء؟
السؤال الثاني: في ضوء الإدارة الأمريكية لملفات الشرق الأوسط كيف تنظر لمستقبل المنطقة؟
المداخلات
قطار الجمهوريين السريع
- الأستاذ حيدر الأجودي، باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
كما جرت العادة قد سادت العالم حالة من الترقب للحظة انتظار إعلان نتائج الرئيس الفائز في الانتخابات الأمريكية، وهي عادة تقليدية ومتكررة كل أربع سنوات ولكن على الرغم من تكرار هذه العادة، إلا أن الانتخابات الأمريكية في عام 2024 كان لها خصوصية أكثر حتى في الوضع الداخلي الأمريكي وما نتج عنه من انسحاب للرئيس بايدن وزج كاميلا هاريس في الانتخابات بديلا عنه.
وأيضا السياسية الخارجية الأمريكية وما نتج عنها في حرب غزة وجنوب لبنان، فكانت أكثر حساسية في هذا الجانب، حقيقة كانت سياسة ترامب حسبما هو متوقَّع تميل نحو سياسة الإصلاح للسياسات الأمريكية خلفا لبايدن وما نتج عن كابينته الوزارية التي أخفقت، فيحاول إصلاح ما مضى، وهو يحاول الآن الإيفاء بوعوده أمام الجماهير من المسلمين والعرب المهاجرين، بوقف إطلاق النار وإيقاف الحرب في غزة.
ولكن هناك فترة زمنية وهي انتقالية بين الاستلام والتسليم، هذه الفترة حرجة جدا ومهمة جدا، وهذا ما أشار إليه ترامب في إحدى مكالماته مع نتنياهو قال له بصريح العبارة ونقلتها الصحف العالمية أيضا، افعلْ ما يجب عليك أن تفعله، وهذه إشارة واضحة تعني أن هذه الفترة لغاية 21 من يناير القادم اليد الطولى لك، في هذه المدة القصيرة افعل ما تريد أن تفعله وإنها الحرب، حتى عندما يستلم ترامب السلطة يدخل ربما في صفقة جديدة كما شاهدناه في ولايته الأولى صفقة القرن بتسمية القدس عاصمة لإسرائيل. فربما تكون هناك صفقة قرن أخرى.
أيضا الجانب الإيراني أوضحت الورقة بأنه هناك محاولة للعمل بتحجيم ايران في المنطقة والحد من الأذرع الإيرانية في العراق وسوريا، ولبنان أصبحت شبه أرض محترقة، واليمن كذلك، ترامب يحاول أيضا العمل على الخروج من سيادة الشق الأوسط، يعمل على انسحاب القوات الأمريكية قدر المستطاع، والاكتفاء بالتحالفات التي تكفل له إلى حد ما الجانب الاقتصادي وهو رجل اقتصاد باعتباره رجل صاحب ثروة وأموال فيميل إلى الجانب الاقتصادي.
ومعروف عن الجمهوريين بأنهم سرعة اتخاذ القرار، وما يعرف بقطار الجمهوريين، باعتبار سرعة القرار لديهم أكثر من الديمقراطيين.
كيف يقرأ العراق السياسة الأمريكية
- الدكتور حميد الهلالي، باحث وأكاديمي في جامعة الطف:
أحب هنا أن أقف عند نقطتين وأذكر هذه العبارة (الإدارة الأمريكية الجديدة والشرق الأوسط)، يعني تحدثت عن مفهوم الشرق الأوسط، حيث أن الشرق الأوسط مبني على أربعة أقطاب، إيران وتركيا ومصر والسعودية، الذي يعني إيران بالدرجة الأولى أن الرئيس بايدن ترك فراغا، هذا الفراغ حقيقة كان السبب في أن يشكل محور جديد هو (الاتحاد السوفيتي الصين وإيران) حتى تركيا اشتركت فيه، وكان يخشى أن يتطور هذا المحور ويكبر وهو كان السبيل لتكوين حلف وارشو.
أنا أتصور أن ترامب سوف يحاول أن يقلل من هذا التحالف، دعونا أن نكون واقعيين، الشرق الأوسط فيه لاعبان أساسيان، اللاعب الأول هو إيران، واللاعب الثاني هو السعودية، وهي دولة تطبيع وليست دولة مواجهة، وإيران امتدت في الفترة الأخيرة أكثر من حجمها، يعني إيران لديها هدفان معروفان، أن تنفذ مشروعها النووي، والثاني مشروع ديني، لكن إيران امتدت إلى خارج حدودها حتى أنهم قالوا في تصريحاتهم نحن لدينا أربع عواصم بيروت وبغداد ودمشق لذلك هذا المد الإيراني لم يقلق ترامب وحده وإنما أقلق أوربا كلها. والحقيقة أخافهم وهو ما حدث الآن حيث تحاول إيران أن تنقل المعركة إلى أذرعها ولا تقاتل بنفسها، وهذا الموضوع لم يكن مألوفا عند الدول نفسها.
سابقا لا توجد دولة تقاتل دولة أخرى بدون أن تدخل هي نفسها بالمعركة، مرة روسيا قاتلت في كوبا أو غيرها، ولكن حالات نادرة، أما في التاريخ الحديث لا توجد دولة تقاتل خارج حدودها بغير قواتها وفي غير بلدانها، نحن داخلون في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وسوريا مهددة وبيروت دُمِّرت، وصنعاء تدمر، فالنتيجة السياسة الأمريكية هدفها الأول هو إيران، كل مسعاها الآن تقليم أظافر إيران وقطع أذرعها، كيف يقرأ العراق السياسة الأمريكية، هل سيكون العراق قارئا ذكريا لما موجود في عقلية ترامب وتفكيره، هذا هو المهم.
وأنا أتصور أن رئيس الوزراء بدأ يقرأ ذلك من خلال تهنئة ترامب، لكن هناك ضاغط، وهذا هو المخيف في السياسة العراقية، التي يتصرف بها الإطار، وهو امتداداته إيرانية، ليس جميع من في الإطار ولكن القوى الفاعلة في الإطار، لذلك رئيس الوزراء غير قادر على منع المسيرات رغم أنه تعهد بذلك، ولا القوة التابعة لإيران مستعدة أن تتخلى عن إيران، دعونا نكون واقعيين بهذا الشأن، فهي غير مستعدة أن تتخلى عن إيران يوجد لديها ارتباط مذهبي وآيديولوجي وعسكري والكثير من الارتباطات.
هذا الموضوع يجب أن تتم مغادرته، وهو موضوع وجود دولة تحرك دولة أو دول أخرى، وتحرك قوات داخل دولة أخرى وتنفذ ارادتها داخل الدول هذا غير جائز، فهذا غير جائز وغير معقول أنه أنت تحارب دولة ثانية وتصدر الأوامر لدولة ثانية أن تحارب وأنت جالس في دولة أخرى، لذا نتصور أن ترامب سيعمل بكل الطرق سياسا اقتصاديا عسكريا، ويعمل كل المحاولات من أجل إنهاء هذه الازدواجية العجيبة الغريبة في العلاقات الدولية.
وقف القتال في الشرق الاوسط
- الأستاذ أحمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:
هذا هو موضوع الساعة، ترامب في 2025 سوف يختلف عما كان عليه في 2016، لأن أمامه ملفات كثيرة في الداخل الأمريكي ومع أوربا ومع روسيا في الأزمة الأوكرانية، والملف الأكبر والأقوى والذي هو ملف الاقتصاد مع الصين، وبالتالي فالشرق الأوسط هو واحد من الملفات التي تدخل ضمن حسابات ترامب، لكن فيما يتعلق بالصفقات فأظن أنه يعقد اتفاقا مع إيران، وإيران دولة تفكر في مصلحتها ومن الممكن بسهولة أن تعقد صفقة مع ترامب.
وبالتالي تكون هذه الصفقة على حساب دول الخليج، وأتوقع أن هذا الشيء سوف يحدث في هذه الولاية لترامب، أما بالنسبة للعراق فللأسف القرار العراقي ليس قرارا عراقيا واحدا من جهة سياسية واحدة، فيمكن أن لا يكون مع دول التطبيع ولا مع إيران، وبالتالي يأخذ سياسة الحياد وينأى بنفسه عن الصراعات في المنطقة، لأن العراق دولة ممتلئة بالجراح.
في تصوري أن القضية الأهم لترامب، أنه أعطى تعهدات لليهود بحماية أمن إسرائيل، وهذا سوف يعمل لتحقيقه، وأعتقد سيعمل على وقف القتال، وإيقاف الحرب الدائرة في غزة وجنوب لبنان، لأنه مهما كانت التأثيرات على غزة وشمال غزة وجنوب لبنان، بالتالي لها أثر ووقع كبير في حيفا وعكا وفي تل أبيب وفي شمال إسرائيل، هذه المناطق تمثل تقريبا نصف إسرائيل وبالتالي فإن الإسرائيليين لا يحتملون العيش في حالة عدم الاستقرار وغيرها.
فالخدمة التي سيقدمها لإسرائيل إنه يحاول أن يضغط على إيران وأذرعها، بوقف القتال وبشيء يحفظ لإسرائيل هيبتها امام الشرق الأوسط، وفي الداخل يقود معركة مع الديمقراطيين، والآن هو يفكر كيف يقلم أظافر الديمقراطيين في الداخل وتوجد عنده حسابات في هذا الشأن، وهو أعد العدة حول كيفية التقليل من نفوذهم داخل الولايات المتحدة، وبالتالي يحاول أن يصفي هذه الملفات مرة بالترهيب وأخرى في الترغيب، وأول قضية له في الشرق الأوسط هي وقف القتال في غزة وجنوب لبنان.
نظام عالمي جديد
- الشيخ مرتضى معاش:
الشيء الأساسي في هذه القضية أن ما جرى في العام الماضي، ولحد الآن وخصوصا في قضية لبنان شيء كبير جدا وليس سهلا، ما جرى في غزة شيء آخر، لكن ما جرى في لبنان هو كالقنبلة النووية التي ألقتها أمريكا على اليابان، وهذا شيء جديد يحصل في الساحة العالمية، وكما قال الرئيس الروسي بوتين سوف يتشكل نظام عالمي جديد.
في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل محرجة في حرب غزة، خرجت إسرائيل من إحراجها ودخلت إيران في إحراجها، ودخلت في طريق مسدود، أي أن إسرائيل استطاعت أن تخرج من النفق المسدود وإيران دخلت النفق المسدود، فماذا ستفعل؟
كان في توقعاتها أنها تستطيع حل مشكلاتها مع بايدن والديمقراطيين، ولكن الظاهر أنه جاء ترامب، فاللايقين أو عدم اليقين موجود في التفكير الإيراني إلى أبعد حد، وتجربة لبنان أكدت أن هناك شيئا جديدا كبيرا جدا يحصل في المنطقة، فهو ليس سهلا، وقد قرأت بعض المقالات أن بعض المتشددين في أمريكا يدعون إلى استثمار الفرصة التاريخية الكبرى وتغيير هيكلية المنطقة والاستمرار في عملية الضرب في سوريا والعراق وإيران واليمن.
فمثلما حدث في لبنان يحصل نفس الشيء في هذه البلدان، وإن كان هذا الأمر سوف يؤدي إلى اختلال الاقتصاد العالمي، ولكن كانوا يدعون إلى ضربات مدروسة ومحدودة لا تؤثر على حركة النفط، وبالتالي ارتفاع الأسعار وحدوث التضخم والركود في الغرب وخصوصا في أمريكا، هذه هي القراءة العامة التي يمكن ملاحظتها في هذا الموضوع.
بالنسبة إلى سياسة ترامب، انه رجل اقتصاد وصفقات بالأساس، وما يرتبط بالشرق الأوسط يرتبط بالمشروع الاقتصادي الموجود في أمريكا، والمهم هو أن يحرك الاقتصاد الأمريكي ويفي بوعوده التي أعطاها إلى ناخبيه، وهذا هو الهدف الأساسي بالنسبة إلى قاعدة (أمريكا أولا).
لذلك ماذا سيعمل؟، سوف يوقف الحروب حسب رأيه بطريقة معينة، ويقلل عملية التسليح الإسرائيلي والتسليح الأوكراني، حتى لا تستنزف موارد الموازنة الأمريكية، وبالنتيجة يستفيد من هذه الموازنة في عملية تقليل النفقات ودعم الاقتصاد الأمريكي داخليا، وقد قرأت في بعض المقالات أن إيلون ماسك الذي هو رجل التجديد فهو يمثل ترامب في عملية تقليل النفقات التي تقدم للبنتاغون حتى يحقق وعوده الاقتصادية.
لذلك هذه الفكرة أنه سوف يوقف الحروب، لكن يوقفها بعد استلامه للسلطة، فكما ذكر الأخوة أن هذه الفرصة سوف تكون فيها الحرب مفتوحة على أشدها، حتى تستجيب إيران للأمر الواقع، ونحن استمعنا قبل أيام إلى تصريحات أحد رموز النظام الإيراني القدماء دعا إلى عدم الرد على إسرائيل وبالنتيجة عدم الوقوع في مصيدة الرد الإيراني ومن ثم الرد الإسرائيلي العنيف الذي قد يستهدف المنشآت النووية.
ربما كان الرد الإسرائيلي هو الرد الأخير حتى أن أمريكا ذكرت بأنها أعطت إشارة إلى إيران بأن هذا الرد هو الأخير، ولا يحق لإيران أن تقوم برد آخر، لذلك ربما إيران الآن هي الطرف الأضعف في هذه القضية، وليس لها حل إلا أن تتخلى عن الفصائل المسلحة في كل المنطقة، والاتجاه نحو ان تتحول فصائلها إلى العمل السياسي المطلق من دون وجود أذرع مسلحة، حتى تستطيع أن تحافظ على نفوذها في الشرق الأوسط وحتى تحافظ على وجودها في الداخل، فنفس النظام الإيراني مهدَّد إذا لم ينتبهوا إلى المخاطر القادمة، واتخاذ العبر من الاحداث التي حصلت في لبنان.
أما بالنسبة إلى العراق، فكأن البلد مستلب الإرادة، ولا تفيد هذه التصريحات، ولا يعرف الساسة والقيادات والنخب في العراق ماذا يجري، وعدم التفكير بالعواقب والوصول إلى الخسارة المطلقة، حتى ان ما كان موجودا بيدهم قد يذهب أيضا كما حدث في لبنان.
وترامب سوف يكون أقوى وأكثر قدرة على تحريك المنطقة وبالنتيجة هناك فرص لإعادة هيكلية الشرق الأوسط ومن ورائه دول الخليج، فهم يدعمون هذا المشروع في إعادة هيكلية المنطقة، بما يتناسب مع نزع السلاح للميلشيات وإلغائها في المنطقة كلها.
المصالح الأمريكية لا تتغير
- الأستاذ علاء الدين الجنابي، باحث وكاتب:
في سنة 1949 تم اختراع علاج، سبب فرحة طبية عارمة في الأوساط الطبية، هذا العلاج اسمه كورتيزون، واحدة من وظائف هذا العلاج، إذا دخل في جسم الإنسان شيء غريب، كل الأجهزة الموجودة في هذا الجسم، راح تتوجه نحو هذا الشيء الغريب الذي دخل حسم الإنسان وتضربه، وكان من الصعب جدا أن يزرعوا جسما في داخل جسد الإنسان.
ولكن بعد اختراع هذا العلاج، أصبح بالإمكان زرع شيء غريب داخل جسد الإنسان، ولهذا فإن كل إنسان يزرع كلى لابد أن يستخدم هذا العلاج، وظيفة هذا الجهاز أن أجهزة الدفاع الموجودة في جسم الإنسان عندما تريد تتوجه لضرب هذه الكلى الجديدة، فإن هذا العلاج يأتي ويضرب أجهزة الدفاع على رأسها ويصبها بالدوخة، بحيث تفقد قدرتها على التوجه نحو هذه الكلى الجديدة وضربها.
هذا المثال إذا أردنا أن نطبقه على ما يجري الآن في المنطقة، نلاحظ أنه نفسه بالضبط عملية زراعة إسرائيل في الشرق الأوسط، فمنذ أن زرعوا إسرائيل في الشرق الأوسط حتى هذا اليوم، نلاحظ كل دول الشرق الأوسط في حالة من عدم الاستقرار، الشعوب كانت ولا زالت ترفض الوجود الإسرائيلي، ولكن كل ما كان لديها استقرار للتوجه نحو إسرائيل لا تستطيع.
مثالان بسيطان عن ذلك، مثلا الحكم الملكي في العراق كان فيه عد استقرار ولكن نوعما كان أفضل بعده جاء عبد الكريم ثم عبد السلام وعبد الرحمن عارف واحمد حسن البكر بعده صدام، وخلقوا حرب إيران والكويت، ثم أحداث 2003 والطائفية ثم داعش وأحداث تشرين وحتى هذه اللحظة هناك نوع من عدم الاستقرار.
ربما في مصر حدث نفس الشيء، كل الدول أما أن تكون مطبِّعة أو أن تكون في فوضى، هذا هو وضع الشرق الأوسط كله، لذلك عندما نقول ما هو مستقبل المنطقة، فالأمر واضح، وعندما ننظر إلى ماضي المنطقة، والوضع الحالي للمنطقة هناك تشابه بين الاثنين، يتكرر ما دام هذه السياسة الأمريكية باقية ولا تتكرر.
في تصوري المصالح الأمريكية لا تتغير بتغير الرؤساء، فيذهب ديمقراطي ويأتي جمهوري بالنتيجة هذه مصالح لا تتغيرن الهيمنة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لا تتغير، ومن يصنع القرار في أمريكا ليس الرؤساء لكي ننتظر نتيجة معينة، من يصنع القرار هو في الواقع مراكز دراسات، مؤسسات، شركات كبرى، بنوك كبرى، هي التي تصنع القرار السياسي في أمريكا.
نعم مثلا الرؤساء من الديمقراطيين أو الجمهوريين، بعضهم أكثر دبلوماسية وبعضهم أكثر تشددا، وبعضهم يضرب بهذا الاتجاه وآخر يفاوض في هذا الاتجاه، ولكن هذا كله محكوم ضمن مصالح معينة، حتى لو كنت رئيس أمريكا انت ليس من حقك أن تتجاوز هذه الخطوط المرسومة لك، سواء كان تفاوضا أو ضربا وتشددا، ليس من حقك أن تتجاوز الحدود.
لذلك في قضية اغتيال كندي هذا الرجل كان يمتلك نوعما مشروعا مغايرا، فيع تعارض مع المصالح الأمريكية، لذلك هم أنفسهم قاموا باغتياله، لذلك فإن قضية تبدل الرؤساء من الديمقراطيين إلى الجمهوريين، ليس هنالك اختلاف إلا في بعض التفاصيل.
الآن في الشرق الأوسط الصراع المرسوم بين أمريكا وإيران، في تصوري القضية لا تذهب نحو الصدام، وإن يقال عن ترامب متشدد، ببساطة حرب الطاقة تقع ضمن الخطوط الحمر بالنسبة لأمريكا، أي لا تسمح أمريكا بحرب طاقة، ترامب صرح في سنة 2018 بأننا سنمنع إيران من تصدير النفط، ومباشرة بعده صرح حسن روحاني قائلا إذا برميلنا لا يخرج للتصدير فإن كل براميل المنطقة لا تخرج أيضا.
هذه خطوط حمر لا يمكن تجاوزها، الصراع شكله واضح جدا، الإدارة الأمريكية الجديدة لديها تشدد، ولكنه يكون محكوما بأطر معينة، وبوضع معين أما بقية دول الشرق الأوسط، فترامب خصوصا هو رجل اقتصاد أو غيره يرى إيران فرصة لحلب الشرق الأوسط وفرصة لأخذ الأموال من قطر ومن الإمارات والسعودية كما حدث ذلك في الحكومة السابقة عندما دخل في عقود مع السعودية وغيرها صفقة 400 مليار دولار.
وجود هذا التهديد الإيراني يستخدمه الأمريكيون لصالحهم، تحت عنوان محاربة التمدد الإيراني، والبعبع الإيراني، ولكن هم في الواقع يستثمرون ذلك لصالحهم.
أما بالنسبة لقضية الأذرع الإيرانية، أنا في تصوري، أن هذه التنظيمات بُنيت على فكر عقائدي، وهذا لا أعتقد بسهولة يمكن القضاء عليه، بل لا يمكن أن يتم القضاء عليه، لأن هذا الأمر غير مرتبط بسياسة، وإنما مرتبط بتاريخ وعقيدة ودين، وبالنتيجة هذا الوضع يُغذّى يوميا.
فهذه الفصائل لا أعتقد بإمكان أمريكا أن تقضي عليها، أو تجفف منابعها، أو تؤذيها بضربة، خصوصا أنهم الآن بدأوا يبنون اقتصاداتهم بشكل خاص بهم بعيدا عن إيران، من تصنيع، ومن أموال وغير ذلك، بالنتيجة في تصوري يصعب القضاء عليهم.
التعامل الأمريكي الصحيح مع إيران
- الأستاذ علي حسين عبيد، كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:
بالنسبة لترامب يُقال عنه أنه رجل غير سياسي، وتعوزه الخبرات السياسية، ولا نعرف كيف يسمح لرجل من هذا النوع بلا خبرات سياسية يقود أكبر وأقوى دولة في العالم، فهو ليس رجل سياسة وإنما رجل تجارة واقتصاد.
ومن خلال أمواله وشركاته وثرواته، ربما استطاع أن يصنع له مركزا مهمّا وقويا في الحزب الجمهوري، ومن خلال هذا الحزب جعل منه وسيله أو أداة للوصول والانتقال إلى السلطة.
لكن الدورة الرئاسية السابقة التي قاد بها ترامب أمريكا 2016- 2020، وامتدت لأربع سنوات، استطاع خلالها أن يكون خبرات سياسية كبيرة، فانتقل من الخبرات الاقتصادية ومن كونه رجل اقتصاد، إلى الخبرات السياسية كونه أصبح رجل سياسة، بحيث أصبح رئيسا لأقوى دولة في العالم كله، ولذا أعتقد أنه في تعامله الجديد في دورته الرئاسية الجديدة سوف يكون مختلفا عما كان عليه في الفترة الرئاسية السابقة وسوف يستفيد من تلك الدورة على صعيد الخبرة السياسية، الاختلاف سوف يتركز على قضية تعامله مع إيران بالدرجة الأولى.
لأن التعامل الأمريكي الصحيح مع إيران هو مفتاح لفرض كل ما تريده من سياسات وأهداف في الشرق الأوسط كله وليس مع إيران وحدها، لماذا لأننا جميعا نتفق على أن إيران هي اللاعب الأساسي في هذه المنطقة بالدرجة الأولى. فتعامل ترامب وسياسته الجديدة سوف يكون بشكل مركز مع إيران بالدرجة الأولى.
ان ترامب لكي يكون دقيقا في إدارته وخصوصا في المجال السياسي، سوف يستفيد من مستشاريه بشكل كبير وسوف يحقق باعتقادي تغييرا لصالح أمريكا بالدرجة الأولى ولصالح حلفائه أيضا.
إعادة ترتيب أوضاع المنطقة
- الأستاذ عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:
الإدارة الأمريكية هي جزء من منظومة عالمية، قد تصغر أو تكبر في فترة من الزمن، لكن هي منظومة عالمية تقود المنطقة برمتها، إذا عدنا إلى يوم 7 أكتوبر الذي بدأ فيه ما يسمى طوفان الأقصى، دائما يُقال من المستفيد تعرف المسبب، فالقضية ليست هجمة على مستوطنة أو مكان محدد وانتهت بردة فعل إسرائيلية في غزة ولبنان كلا، بل هي إعادة تصفية للمنطقة بالكامل، دائما المناطق تُرسم بعد أن تحدث فيها حروب واضطرابات.
لا يمكن أن تكون المنطقة هادئة ويأتون ويعيدون تقسيمها أو توزيع الأدوار، فواضح جدا أنه يُراد إعادة ترتيب المنطقة بشكل جديد وتقسّم بشكل جديد، أعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي قالها بشكل واضح حين قال نحن الآن بصدد إعادة رسم هيكلية المنطقة، فالإدارة الأمريكية بشكلها السابق أو بشكلها القادم، هي بالنتيجة سوف تنساق ضمن هذا المحور، وقد يُشار إلى ترامب وإدارته بأنه هنالك لديها أهداف نوعية لتنفيذها.
لكن هي لن تخرج عن التشكيلة الأساسية للمنطقة، بالنتيجة واضح جدا أنها محاولة لتقليص نفوذ إيران وجعل قوتها في داخل حدودها، ويتر الأذرع الخارجة عنها، وهذا العمل لا يكون فقط هدف أمريكي إسرائيلي، بل قد يكون هدف دولي عام، بالنتيجة هذه القضية لا تستغرق فترة قصيرة من الزمن بل تمتد فترة أطول.
قد تكون هنالك ساحات ليس بالضرورة أن تكون ضربات عسكرية أو ضغط عسكري، أو حروب، كلا، قد تكون عقوبات اقتصادية، أو قد تكون استهدافات شخصية لبعض الشخصيات، أو اتفاقات مع بعض الحكومات حول هذه الدول لسحب البساط منها، وأنا باعتقادي أن العراق سيكون أول دولة كساحة هادئة، وهناك اتفاق إقليمي على إبعاد العراق عن أول صراع يبدو في الآونة الأخيرة، لذلك فإن المنطقة مقبلة على تقسيم جديد وعلى إدارة جديدة.
ولكن بنفس طويل وبإخراج بعض الشخصيات منها، وقد يكون نتنياهو أحد هذه الشخصيات التي تؤدي دورها وتخرج في نهاية المطاف، بعض الشخصيات تم إبعادها وبعضها قُتلتْ، وبعضها الآن هُمِّشتْ، لكن المقبل سيكون شخصيات جديدة بعضها قد تُرسل له رسائل ابتعد عن الساحة، المطلوب منك أن تبتعد، ولن يعرف أكثر من هذا الشيء.
حتى في داخل إيران قد يكون هناك تغيير في نوعية السياسة ليس بالضرورة الاشخاص لكن السياسة سوف يتم تغييرها، سياسة الهدوء وسياسة الاحتواء وسياسة اللسان اللين في الفترة المقبلة، دائما التصعيد الإعلامي ليس مهما عندنا، المهم ما بعد الإعلام أو ما بين السطور، ماذا يجري في الغرف المظلمة، هذا مهم جدا، ولكن بالنتيجة الإدارة الأمريكية المقبلة، قد تعتمد على الأهداف النوعية ولكن بالنتيجة هي إدارة تخضع لتخطيط المنطقة بشكل كامل.
الفشل الأمريكي في تغيير الأنظمة
- الأستاذ محمد علاء الصافي، باحث في مركز الإمام الشيرازي للدراسات:
الإدارة الأمريكية سواء كانت لترامب أو الجمهوريين، فإنها مرتبطة بالنسبة للداخل الأمريكي، وفق المتغيرات التي حدثت خلال السنوات التي مضت من حكم بايدن، لا أريد أن أتبع لنظرية المؤامرة، لكن اعتقد كانت سلسلة مستمرة والمفروض أن يستمر ترامب إلى سنة 2020 لإكمال مشروعه بخصوص المنطقة.
كذلك لا أميل إلى قضية أن الإدارة الأمريكية تخطط لتقسيم المنطقة، وتتلاعب بالدول لأننا لاحظنا أن ترامب في حكومته السابقة كان موقفه متشدد جدا تجاه الاستفتاء الكردي الذي حدث في شمال العراق، وساندت أمريكا الحكومة العراقية وحتى ساندوا الحشد الشعبي في وقتها من أجل أن يتوقف برزاني عن إجراء الاستفتاء وتحقيق الانفصال الذي كان واضحا بأنه كان مدعوما من الإسرائيليين.
لذا لا أعتقد أن الأمريكان يميلون نحو هذا الاتجاه، وأكثر من مرة صرح ترامب في حكومته الأولى وحتى في فترة بايدن قبل بدء الصراع الأمريكي الانتخابي حول ايران، والمفروض التعامل معها، بشكل عام ضد قضية تسقيط الحكومة، وتجربة العراق وأفغانستان خير مثال على الفشل الأمريكي في تغيير الأنظمة أو محاولة إعادة رسم حدود المنطقة بشكل عام. فهو إلى المدرسة الكلاسيكية تقريبا، بمعنى أنا موجود لكن وفق قوانين أو اتفاقيات جديدة.
حتى قضية إلغاء الاتفاق النووي مع إيران سنة 2017، هو ألغاه لأسباب لا تتعلق بالدرجة الأولى بإسرائيل أو بسبب ضغوط حلفائهم في المنطقة، بل كان إلغاؤه لأسباب اقتصادية وبيّن هذا الشيء وذكر أن أمريكا ضحت بمفاوضات أكثر من 15 سنة مع ايران وشد وجذب وصراعات وتفجيرات وإرهاب، وانتشار منظمات في المنطقة، في سبيل حتى نتوصل لحلول حول الاتفاق النووي، وعندما وصلنا إلى ذلك كل الحلفاء للأمريكان من أوربا وفرنسا استفادوا من الاتفاق النووي عن طريق توقيع العقود الاقتصادية مع إيران بالنفط والغاز والطائرات أما أمريكا فلم تستفد من ذلك الاتفاق.
فكان أهم أسباب إلغاء الاتفاق النووي لأن أمريكا لم تستفد منه اقتصاديا، بالإضافة إلى أنه كان يريد أن يرضي حلفاءه في المنطقة، من خلال إلغاء هذا الاتفاق الذي وقعه أوباما، لذا أظن بأن الإدارة الأمريكية وفق الوعود التي أعطاها ترامب في حملاته الانتخابية والتي اكدها بعد فوزه، أنه جاء لكي ينهي الحروب والصراعات في المنطقة والعالم بشكل عام.
لاحظنا أن بوتن هنأه في فوزه بالانتخابات، فهو يميل لهذا الاتجاه حيث يرى أن الخصم الأول لأمريكا وهو الصين، وقضية التنامي الاقتصادي الصيني، فأعتقد أنه سوف يسير في هذا الاتجاه، لأنه من غير الممكن تنمية الاقتصاد الأمريكي وإعادة الدور الأمريكي في العالم بشكل عام، والجانب الاقتصادي، مع وجود الصراعات وتمويل الأوكرانيين والإسرائيليين بشكل مفرط في مدها بالسلاح في حروب استنزافية لا نهاية لها.
لذا أنا أعتقد أنه يميل نحو الاتفاق، كذلك سوف يضغط على الأوكرانيين وعلى الإسرائيليين وعلى نتنياهو لكي يصلوا إلى اتفاق هذا ما أراه من حيث ملامح المنطقة، خاصة أن كل حلفائه سواء في الخليج أو مصر نلاحظ أنهم لم يتدخلوا من بداية الصراع وحتى الآن، في سبيل ألا يصل لهم الصراع ولا يشملهم.
هذا يعني أن الكل كانوا ينتظرون إدارة جديدة، وبايدن هو الذي كان سبب خسارة الديمقراطيين للانتخابات بسبب تركه لهذا الملف من دون معالجة أو تدخّل، هذا هو التعامل للإدارة الأمريكية الجديدة في المنطقة. كذلك ملفات الشرق الأوسط تبقى على حالها في نفس السياق.
ترامب متحرر من أي التزام قيَمي
- الدكتور لطيف القصاب، أستاذ أكاديمي وكاتب في شبكة النبأ المعلوماتية:
كل القراءات التي استمعنا لها هي قراءات محتملَة، وممكنة التطبيق أيضا، يعني حتى المتناقضة منها، لماذا؟، لأن ترامب غير أوباما وغير بادين وغير حتى جورج بوش، يعني هو قد يكون فلتة في النظام السياسي الأمريكي، الرجل متحرر من كل شيء تقريبا، فأنت إذا قرأت سيرته الذاتية، ستجد إنسانا متحررا أو متحللا من أي شيء، ومن أي التزام قيمي، سواء كان أخلاقيا أو دينيا أو حتى عقائديا، بمعنى ليس ثمة أيدلوجية واضحة في فكر ترامب.
ترامب رجل اقتصاد، تاجر كبير، وما أسهل أن يكون الاقتصادي الناجح سياسيا ناجحا، لكن شخصية ترامب شخصية مولعة بتلقي الإعجاب، أو الدخول في المغامرات والمقامرات، أنت لا تستطيع أن تتوقع ما سيفعله، فالصورة ليست واضحة عن ترامب، وماذا سيفعل ترامب، حتى أنه الآن متحرر جدا من التزاماته الداخلية، هذه الوعود التي أطلقها للناخبين، 70 مليونا أو مئة مليونا، من الممكن أن يتخلى عنها بسهولة لأنه لا توجد فترة رئاسية أخرى له.
بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين بحدود 14 مليون مهاجرا يريد ترحيلهم فورا، وبعضهم يريد أن يعدمهم، طبعا هو يقصد المهاجرين غير الشرعيين وإلا فإن أمريكا بلد مهاجرين من الطراز الأول، ويريد أن يستبدلهم بأصحاب الشهادات، الخلاصة من كل هذا الكلام، أنت لا تستطيع أن تبني على ما يتفوه به ترامب وتأخذه رأسمال.
تبقى أنت في دوامة، هل سيفعل ما قاله وتعهد به أم لا يفعل ذلك؟، فقد يقلب الطاولة حتى على أعز أصدقائه، فهو ليس لديه أصدقاء بل هو لديه مصالح فقط، حتى على المستوى العائلي، وهناك من يتحدث بأنه سوف ينقلب حتى على إيفان، فهو رجل اقتصاد وتاجر وينظر إلى الأمور بطريقة مختلفة تماما.
وتتكرر لديه دائما جملة (أمريكا العظيمة)، يعني يريد أن يدخل التاريخ بشكل غير معروف، وقد استمعت له أكثر من مرة يردد أكثر من مرة، انا ليس بهتلر، وكأنه يريد أن يؤكد بأنه هتلر، أحيانا عندما يكرر الإنسان بعض الأشياء، فإن العقل الباطن يفضح صاحبه، لذا فهذا الرجل يعاني وكان مفلسا، وكان مليارديرا، فهو متقلب جدا.
هذا التقلب الحياتي على المستوى الشخصي يعكس تقلبا سياسيا على مستوى الإدارة الأمريكية التي أنا لا أسميها الإدارة الأمريكية الآن، وإنما هي إدارة ترامب، ودولة المؤسسات الأمريكية يعني هذا العرف السائد والمعروف كثيرا عن أمريكا باعتبارها دولة مؤسسات وليست دولة أفراد، ممكن واحتمال وارد جدا أن تتحول هذه الدولة من دولة مؤسسات إلى دولة الحكومة الفردية هذه وجهة نظري الشخصية وقد أكون مخطئا.
اضف تعليق