ما زال أسطول ناقلات الظل الروسي صداعًا يؤرّق القوى الغربية، على رأسها الولايات المتحدة، لدوره في تقويض سقف أسعار النفط الذي حددته مجموعة الـ7، وغالبًا ما يستعمِل هذا الأسطول هياكل ملكية غامضة، تُوجه عبر ولايات قضائية خارجية تتمتع بسرية شركات قوية؛ ما يجعل مسألة فرض العقوبات على المالكين المستفيدين، بالغة التعقيد...
ما زال أسطول ناقلات الظل الروسي صداعًا يؤرّق القوى الغربية، على رأسها الولايات المتحدة، لدوره في تقويض سقف أسعار النفط الذي حددته مجموعة الـ7، وغالبًا ما يستعمِل هذا الأسطول هياكل ملكية غامضة، تُوجه عبر ولايات قضائية خارجية تتمتع بسرية شركات قوية؛ ما يجعل مسألة فرض العقوبات على المالكين المستفيدين، بالغة التعقيد.
وتضاعف حجم النفط الروسي المنقول بوساطة أسطول السفن المُلتَفة على العقوبات الغربية إلى 44% من إجمالي حمولات النفط المغادرة للمواني الروسية حتى يوليو/تموز (2023).
في المقابل لم يتخطَّ حجم النفط الروسي المنقول عبر ناقلات الظل 13% قبل اندلاع الحرب الأوكرانية؛ ما يعني زيادة هذا الحجم بواقع قرابة مرتين ونصف المرة بعد 18 شهرًا منذ الغزو الروسي، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
ودخل قرار الحظر الغربي للنفط الروسي حيز التنفيذ في 5 ديسمبر/كانون الأول (2022)، وشمل قرار الاتحاد الأوروبي فرض حد أقصى 60 دولارًا لتداول النفط الروسي في الأسواق العالمية ، إلى جانب فرض حظر آخر على صادرات المشتقات النفطية الروسية أصبح ساري المفعول منذ 5 فبراير/شباط (2023)، مع استمرار الحرب.
تراجع محتمل
ربما يتلاشى النمو المطرد في أسطول ناقلات الظل الروسي منذ بدء الحرب الأوكرانية، أو حتى يهبط، مع تواصل الضغوط على الهند والبلدان الأخرى التي تمكّن موسكو سرًا من الالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة على شحناتها من النفط والغاز، وفق تقرير نشرته مجلة ذا إنتربريتر (The Interpreter) الأميركية.
ويشن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، وكالة استخبارات مالية وتنفيذ قانون تابعة لوزارة الخزانة الأميركية، حربًا شرسة على ناقلات الظل، بهدف دفع صناعة الشحن، طوعًا أو كرهًا، على تجنب أي تعامل مع السفن المشتبه بها في هذا الخصوص.
ويطلق المكتب المعروف اختصارًا بـ"أو إف إيه سي" (OFAC) تحذيرات متتالية لسلطات المواني وملاك السفن والمشغلين وجمعيات التصنيف وسجلات العلم ووكلاء الشحن، وشركات التأمين، من بين كيانات أخرى عديدة، بشأن مخاطر عدم اتخاذ التدابير الواجبة لتحديد ما وصفهم بـ"اللاعبين السيئين".
وفي تقرير استشاري أرسله إلى صناعة الشحن في أكتوبر/تشرين الأول (2023)، قال "أو إف إيه سي" إن "تجارة الظل قد أضحت ملحوظة بدرجة أكبر من ذي قبل، وغالبًا ما تشتمل على كيانات وشحنات تابعة لدول، وأشخاص خاضعين لعقوبات أو حتى على صلة بأنشطة أخرى غير شرعية"، مستشهدًا بالممارسات غير القانونية عالية المخاطر.
الشركات الهندية متآمرة
من بين اللاعبين الرئيسين المتعاملين مع أسطول ناقلات الظل هي الشركات الهندية التي أنشأت سجلات شحن مشبوهة في بلدان مختلفة تسجل سفنًا من المؤكد أنها لن تُسجَّل تحت دول علم حسنة النية، وفق نتائج تحقيقات أجراها خبراء شحن.
ورغم كونها دولة حبيسة، سرعان ما أصبحت لاوس مكانًا معروفًا بوصفه سجل شحن، بحسب تقرير طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وتحذو هذه الدول حذو الغابون، البلد الواقع في وسط أفريقيا، التي تعكف -الآن- على تغيير أعلام أسطول من الناقلات نيابةَ عن عملاقة الشحن الروسي سوفكومفلوت (Sovcomflot) التي تديرها الحكومة.
سفن معيبة
أحدث الظهور المفاجئ لأسطول ناقلات الظل الروسي، الذي يُدعى كذلك "الأسطول الرمادي" أو "الأسطول المُظلِم"، تشويشًا بالصناعة، في حين تكافح المواني وتجار السلع وأطراف أخرى لتحديد السفن التي يمكنها العمل معها قانونيًا، دون غيرها.
وقالت شركة ويندوورد (Windward) المتخصّصة في الاستخبارات ومراقبة المخاطر البحرية إن أسطول الظل الرمادي نتيجة مباشرة لتهريب النفط الروسي.
وأضافت ويندوارد، التي تحلل الطريقة التي تنتهجها موسكو للتحايل على العقوبات: "أسطول الظل هو ظاهرة جديدة نتجت عن الحرب الروسية، وقد تأسست الشركات الخارجية بسرعة في أعقاب اندلاع الحرب لإخفاء أصول السفن وملكيتها، وادعاء الالتزام بالقوانين تفاديًا لأي عقوبات محتملة".
ووفق تقديرات ويندوارد؛ هناك أسطول رمادي يتألف من 900 سفينة ينقل قرابة 2.6 مليون برميل يوميًا، وفق أرقام رصدتها منصة الطاقة المتخصصة.
أما أسطول الظل المظلم؛ فيزيد حجمه مقارنة بنظرائه في أساطيل الظل الأخرى؛ إذ يصل قوامه إلى 1100 ناقلة، وفق حسابات ويندوارد.
بداية الفكرة
عندما ألغت أوروبا وغيرها من مشتري الوقود الأحفوري الروسي على المدى الطويل، العقود في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط (2022)، برزت دول مثل الهند والصين وتركيا في المشهد بوصفها مشترين للبضائع القانونية وغير القانونية من موسكو.
وفي الوقت نفسه، أُسسِت شركات وهمية في هونغ كونغ والإمارات العربية المتحدة لإخفاء الهوية الحقيقية لأصحاب ومشغلي الأسطول السري.
وتقوض ممارسات الشحن الخادعة تلك قواعد المنظمة البحرية الدولية التي يساورها قلق متزايد إزاء أسطول ناقلات الظل.
وفي أواخر عام 2023، لاحظت المنظمة أن معظم أسطول الظل يتألف من السفن القديمة بما في ذلك بعض التي لم تخضع للتفتيش مؤخرًا، أو حتى لم تخضع لمستوى الصيانة المطلوب، أو لديها ملكية غير واضحة ونقص حاد في التأمين.
انتهاك القوانين
يُشكِّل أسطول ناقلات الظل انتهاكًا صارخًا للقوانين واللوائح المنظمة لحماية البحر والسواحل، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وخلال العام قبل الماضي (2022)، توقفت ناقلة النفط الخام العملاقة، يونغ يونغ (Young Young) التي تحمل النفط الفنزويلي، قبالة إندونيسيا، وفي مايو 2023، انفجرت ناقلة النفط بابلو (Pablo) ذات الصلة بإيران قبالة السواحل الإندونيسية؛ ما أودى بحياة 3 من أفراد الطاقم.
ومع ذلك تتزايد ثروات ملاك تلك السفن المتهالكة، وفق شركة الاستشارات والبحوث البحرية كلاركسونز ريسرش (Clarksons Research)، التي تشير تقديراتها إلى أن مؤشر أسعار الناقلات المستعملة قد لامس ذروته في 15 عامًا بين عامي 2021 و2022.
اضف تعليق