تحتلّ أسعار النحاس أهمية خاصة في صناعة تقنيات الطاقة المتجددة وبطاريات السيارات الكهربائية التي تعتمد على هذا المعدن (موصل عالي الكفاءة للكهرباء والحرارة)، ويُستعمل النحاس في أنظمة الطاقة الشمسية والكهرومائية وطاقة الرياح، لذا يساعد في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ويقلل كمية الطاقة اللازمة لإنتاج الكهرباء...
بقلم: أسماء السعداوي
تحتلّ أسعار النحاس أهمية خاصة في صناعة تقنيات الطاقة المتجددة وبطاريات السيارات الكهربائية التي تعتمد على هذا المعدن (موصل عالي الكفاءة للكهرباء والحرارة)، ويُستعمل النحاس في أنظمة الطاقة الشمسية والكهرومائية وطاقة الرياح، لذا يساعد في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ويقلل كمية الطاقة اللازمة لإنتاج الكهرباء، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
ومؤخرًا، شهدت أسعار النحاس تراجعًا امتد طويلًا، وهو ما فتح الباب لحدوث فجوة بين العرض والطلب، ويهدد الاستثمارات وخطط إنشاء مناجم جديدة تلبي الطلب الذي يُتوقع ارتفاعه إلى 30 مليون طن سنويًا بحلول عام 2035.
وحاليًا، انخفض الطلب على النحاس -المستعمل في كل شيء من أسلاك الكهرباء إلى بناء أسطح المنازل- في مؤشر على موقف جهود إزالة الكربون من النشاط الاقتصادي، وهو ما دفع أسعاره إلى الانخفاض، وشكّل تحديًا جديدًا في عملية التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، بحسب تقرير نشرته صحيفة "ذا وول ستريت جورنال" (The Wall Street Journal).
أسعار النحاس في 2030
تراجعت العقود الآجلة للنحاس بأكثر من 15% على مدار الـ10 أشهر الماضية إلى نحو 3.60 دولارًا للرطل.
ويُعزى ذلك الانخفاض إلى تعثّر التعافي الاقتصادي بعد انتهاء جائحة كورونا في الصين (أكبر مستهلك للنحاس في العالم)، إضافة إلى عوامل أخرى من بينها صعود الدولار، وتباطؤ التصنيع العالمي، وحل أزمة اضطرابات سلاسل التوريد في تشيلي وبيرو، أحد أكبر منتجي النحاس عالميًا.
وتستهلك الصين أكثر من نصف الإنتاج العالمي للنحاس، كما تضخ استثمارات ضخمة في صناعة الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية.
وعلى نحو خاص، دعمت استثمارات الطاقة الشمسية الطلب على النحاس في الصين خلال أول 3 أرباع من العام الجاري (2023)، بزيادة بأكثر من 150% على أساس سنوي، وفق بيانات مصرف غولدمان ساكس.
وخلال الأعوام المقبلة سيتطلب التحول إلى الطاقة المتجددة من شركات التنقيب إنتاج كميات ضخمة جديدة من النحاس بلونيه الأحمر والأصفر.
يقول محللون، إن هناك "فائضًا مؤقتًا" يدفع أسعار النحاس إلى الانخفاض ويثبط حركة الاستثمارات الضرورية لإقامة مزارع الرياح وألواح الطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية حول العالم.
وتعليقًا على ذلك، يقول محلل استراتيجيات المعادن في بنك غولدمان ساكس، نيكولاس سنودون، إن هذه الديناميكية تجعل السوق معرّضة لأزمة قد تؤدي لارتفاع أسعار النحاس أو عجز الإمدادات.
وأضاف أن السوق ستدخل في حالة ندرة شديدة، وسترتفع أسعار النحاس، ورغم أن الأمر مؤكد، فهو غير محدد التوقيت.
تحدي الاستثمارات الجديدة
يهدد انخفاض أسعار النحاس توفير السيولة المالية لإقامة مناجم جديدة جديدة تلبي الطلب الذي سيرتفع بأكثر من 50% بحلول عام 2040، بحسب "بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس" (Bloomberg NEF).
وفي البيان الأخير لنتائج أعمالهما، قال اثنان من أصحاب المناجم، إنهما ينتظران ارتفاع أسعار النحاس قبل الالتزام باستثمارات ضخمة جديدة.
تقول الرئيسة التنفيذية لشركة فريبورت-مكموران (Freeport-McMoRan) المتخصصة في التعدين، كاثلين كويرك، إن ارتفاع تكاليف رأس المال يعوق تطوير مناجم جديدة.
كما قال الرئيس التنفيذي لشركة غلينكور الأسترالية (Glencore) لأنشطة التعدين، غراي ناغل، إنه يرغب في توافر النحاس وقت الحاجة، وليس قبلها، مشيرًا إلى أنه يفضّل وصول الأسعار إلى دون 4.50 دولارًا للرطل، قبل افتتاح منجم جديد في الأرجنتين، الذي يُتوقع أن ينتج النحاس على مدار 3 عقود مقبلة.
وأضاف: "نريد جمع الكثير من المال لكل عام من الـ30"، حسب التصريحات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة.
يقول المدير العالمي لأبحاث السلع في مصرف سيتي غروب (Citigroup)، ماكس لايتون، إن ثمة زيادة في حجم الطلب من قِبل مطوري مصادر الطاقة المتجددة والبطاريات وخطوط الكهرباء فإن النسبة لا تتخطى الـ10% من الاستهلاك العالمي، ولولا سوق الطاقة الخضراء المتنامية، لكانت أسعار النحاس أقلّ بنسبة 15% تقريبًا، بحسب لايتون.
ويشير محللون إلى الحاجة لاستثمارات جديدة قريبًا، لأن تطوير المناجم الجديدة يستغرق سنوات، وفي هذا الصدد، تتوقع شركة الأبحاث ماكنزي آند كو (McKinsey & Co) عجزًا في إمدادات النحاس بواقع 6.5 ملايين طن متري في عام 2031، وذلك بناءً على توقعاتها بزيادة المعروض السنوي من 25 مليون طن في 2022 المنصرم إلى 30.1 مليون طن.
ولذلك، يتوقع غولدمان ساكس أن تؤدي فجوة العرض الآخذة في الاتّساع إلى ارتفاع أسعار النحاس إلى 4.50 دولارًا للرطل سنويًا، وصولًا إلى أكثر من 6.80 دولارًا للرطل في 2050.
في الأشهر المقبلة، قد تنخفض الأسعار بسبب الإمدادات الجديدة وتباطؤ الطلب المرتبط بالتحول الأخضر بنسبة 90%، كما تستعد منطقة اليورو للدخول في حالة ركود، وتظهر علامات جديدة على تباطؤ الاقتصاد الصيني.
وفي ضوء ذلك، تتوقع المجموعة الدولية لدراسات النحاس أن يفوق الإنتاج حجم الطلب بواقع 467 ألف طن في العام المقبل (2024).
ضبط السوق
تقول محللة المعادن الأساسية في مصرف ستاندرد تشاترد (Standard Chartered)، سوداكشينا أونيكريشنان، إن هناك قلقًا كبيرًا بشأن مدى انخفاض أسعار النحاس على المدى القصير للغاية.
ودفعت التقلبات في أسعار النحاس القائمين على الصناعة للبحث عن حلول لمنح السوق بيئة أكثر استقرارًا.
بدوره، لا يخفي الرئيس التنفيذي لشركة نيكسانس (Nexans) الفرنسية لصناعة خطوط الكهرباء، كريستوفر غويرين، قلقه بشأن العجز المستقبلي في الإمدادات، إلّا أنه قد خفض حجم الشراء مقدمًا لتجنّب المضاربات.
يقول غويرين: "من الممكن أن تُنشئ الحكومات احتياطيًا إستراتيجيًا على غرار النفط.. لكن الشركات لا يمكنها القيام بشيء".
لكن رهانات المضاربين على هبوط أسعار النحاس تفوق رهانات الارتفاع في بورصة لندن للمعادن بأكبر عدد خلال عقد، حسب شركة تي دي سيكيورتيز ( TD Securities).
ويتجه الكثيرون من متوقّعي الارتفاع إلى شراء أسهم شركات إنتاج النحاس، وأحد أولئك المشترين المحتملين هو رئيس شركة كاميلوتا أدفيسورس (Camelotta Advisors)، ومقرّها سان فرانسيسكو، دانا غريج، الذي يتوقع ارتفاع أسعار النحاس بدعم من تراجع الفائض وانخفاض أسعار الفائدة وضعف الدولار وانتعاش سوق العقارات بالصين.
على صعيد متصل، تشير شركة الأبحاث وود ماكنزي إلى تقنيات مبتكرة لمعالجة خام النحاس والقادرة على إحداث تغيير ملموس في سدّ الفجوة بين العرض والطلب.
ويقول مدير التقنيات المستقبلية في شركة سي آر يو (CRU) المتخصصة في تحليل بيانات المعادن، سيمون برايس، إنه يمكن خفض استهلاك النحاس بمقدار النصف عبر تقليل استعمال رقائق النحاس في بطاريات السيارات الكهربائية، مشيرًا إلى أن السيارات الكهربائية تستعمل نحاسًا بأكثر بـ3 إلى 4 مرات عن السيارات التقليدية العاملة بالبنزين.
اضف تعليق