شكّل إقليم ناغورني قره باغ الذي تقطنه غالبية من الأرمن محور نزاع مديد. وخاضت الجمهوريتان السوفيتيان السابقتان، أذربيجان وأرمينيا، حربين بشأنه، إحداهما بين 1988 و1994 راح ضحيتها 30 ألف قتيل، والثانية في 2020 انتهت بهزيمة يريفان. ويؤجج انتصار أذربيجان المخاوف من رحيل سكان الإقليم البالغ عددهم 120 ألفا...
قالت قيادة إقليم ناجورنو قرة باغ الانفصالي إن الأرمن في ناجورنو قرة باغ، والبالغ عددهم 120 ألفا، سيغادرون إلى أرمينيا لأنهم لا يريدون العيش تحت سيادة أذربيجان ويخشون من الاضطهاد والتطهير العرقي وبدأوا في الفرار من المنطقة.
وفي الأسبوع الماضي، قال أردوغان، الذي ساعد أذربيجان بالأسلحة في القتال الذي دار عام 2020، إنه يدعم أهداف العملية العسكرية الأخيرة لأذربيجان لكنه لم يقم بأي دور فيها.
وتقول أرمينيا إن أكثر من 200 شخص قُتلوا وأصيب 400 آخرون في عملية أذربيجان العسكرية. وأدانت الولايات المتحدة وحلفاء غربيون لأرمينيا العملية العسكرية.
كانت قره باغ في قلب الصراع لأكثر من ثلاثة عقود بين البلدين الخصمين في القوقاز، أرمينيا وأذربيجان، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.
شكّل إقليم ناغورني قره باغ الذي تقطنه غالبية من الأرمن محور نزاع مديد. وخاضت الجمهوريتان السوفيتيان السابقتان، أذربيجان وأرمينيا، حربين بشأنه، إحداهما بين 1988 و1994 راح ضحيتها 30 ألف قتيل، والثانية في 2020 انتهت بهزيمة يريفان.
ويؤجج انتصار أذربيجان المخاوف من رحيل سكان الإقليم البالغ عددهم 120 ألفا، ولو أن أرمينيا أكدت أن من غير المتوقع تنفيذ أي عملية إجلاء جماعية.
بعد رحيل جيش الاتحاد السوفياتي، اندلعت حرب بين أرمينيا وأذربيجان خلّفت 30 ألف قتيل تقريبًا ودفعت بـ700 ألف أذربيجاني إلى الفرار من أرمينيا ومن ناغورني قره باغ وبـ230 ألف أرميني إلى الفرار من أذربيجان.
ومنطقة ناغورني قره باغ متنازع عليها منذ عقود، وهي جيب في القوقاز ألحقه ستالين بأذربيجان في العام 1921 ومُنح الحكم الذاتي في العام 1923.
ويرى بعض الخبراء أن الرئيس علييف يعتبر أن ضم ممر زانغيزور الأرميني على طول الحدود مع إيران سيسمح بإقامة التواصل الجغرافي حتى ناخيتشيفان ومع تركيا كذلك.
وأشارت يريفان إلى أنها لا تتوقع تدفقا واسعا للاجئين حاليا، لكنها مستعدة لاستقبال 40 ألف أسرة إذا لزم الأمر.
تركت كل شيء هناك
سلكت سفيتلانا إيسخانيان (76 عاما) طريق المنفى من ناغورني قره باغ الى أرمينيا حاملة فقط حذاءها الأخضر وحقيبة يد وجواز سفرها كأمتعة.
تقول هذه المرأة المسنة التي كانت في عداد مجموعة أولى من اللاجئين الذين دخلوا الاحد الى أرمينيا، عند معبر كورنيدزور الحدودي حيث أقامت الحكومة مركز استقبال، "هذا كل ما أملك. ليس لدي أحد ولا أقارب في أرمينيا، ولا أعرف ماذا سأفعل".
تبرز جواز سفرها الأرمني الثمين. فهي تحمل على غرار الغالبية الساحقة من سكان ناغورني قره باغ البالغ عددهم 120 ألفا، جوازي سفر أحدهما أحمر محلي والآخر أزرق للسفر خارج الجيب.
وضع حوالى عشرة أجهزة كمبيوتر في مركز الاستقبال في كورنيدزور وخلفها كان متطوعون يسجلون اسماء اللاجئين الواصلين وارقام الاتصال بهم فيما يقوم أعضاء الصليب الأحمر الأرمني بتنظيم لعبة كرة طائرة مع الأطفال أو يوزعون الطعام.
تقول سفيتلانا إيسخانيان إن منزلها في ستيباناكيرت، "عاصمة" ناغورني قره باغ تعرض لأضرار بسبب القصف الذي رافق الغزو الخاطف الذي نفذته اذربيجان هذا الأسبوع في هذا الاقليم القوقازي الذي تسكنه غالبية أرمينية.
لكنها وصلت من قرية إغتساهوغ الحدودية. وقالت لمراسلي وكالة فرانس برس، "ذهبت الى إغتساهوغ لزيارة قبر ابني الذي قتل خلال الحرب في التسعينات عندما قصفوا القرية".
وكان ناغورني قره باغ الذي ألحقته السلطات السوفياتية بالأراضي الاذربيجانية في 1921، مسرحا لحربين بين الجمهوريتين السوفياتيتين السابقتين أذربيجان وأرمينيا: واحدة من 1988 إلى 1994 (30 ألف قتيل) والأخرى في خريف 2020 (6500 قتيل).
هذه المرة، انتهت العملية العسكرية في 24 ساعة اذ لم تكن القوات الانفصالية بثقل باكو نفسه، ورفضت يريفان زج قواتها في نزاع جديد في هذه المنطقة.
تؤكد هذه الأرمنية العجوز أن سكان ستيباناكيرت يواجهون صعوبات هائلة في حياتهم اليومية.
تقول "لقد تضرر منزلي جراء القصف على ستيباناكيرت. الناس يطبخون في الخارج لأنه لم يعد هناك كهرباء، إنهم يطبخون على نار الحطب. أما هؤلاء الذين أتوا من القرى ولجأوا الى ستيباناكيرت فينامون في العراء".
تضيف "سيكون من المستحيل العودة للعيش في ناغورني قره باغ" مع الاذربيجانيين طالما ان الحقد عميق الى هذا الحد بين شعبي هذه المنطقة التي أعلنت استقلالها عن باكو من جانب واحد في 1991 بدعم من يريفان. ودور الدين فيها مهم جدا بين ارمينيا المسيحية منذ القرن الرابع واذربيجان الشيعية الواقعة على ضفة بحر قزوين.
15 دقيقة لحزم الأمتعة
وسط حشد اللاجئين، غادر شامير وهو مزارع يبلغ 28 عاما قريته القريبة من الحدود مع زوجته.
يروي هذا الرجل، "لقد تركت كل شيء خلفي، حيواناتي، كل شيء. في البداية، اعتقدنا أن سكان إغتساهوغ هم وحدهم الذين يمكنهم المغادرة، ثم علمنا أن بإمكاننا أيضا المغادرة. كان لدينا 15 دقيقة لحزم أمتعتنا، لم نتمكن من أخذ شيء".
ويضيف "القرية كانت مطوقة من قبل الجيش الاذربيجاني. لم يكن لدينا مشاكل في الطعام، كان لدينا حدائق خضراوات كما ان اللجنة الدولية للصليب الأحمر جلبت لنا الطحين" وذلك بعدما تمكنت أول قافلة مساعدات تابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر من دخول ناغورني قره باغ.
وتابع الرجل الذي ينوي ان يقيم في منطقة من أرمينيا له فيها أقارب "حين أدركت أن آرتساخ (اسم ناغورني قره باغ بالأرمينية) هي أذربيجانية، قررنا المغادرة لأنه لا يمكن لأي أرمني أن يعيش على الأراضي الأذربيجانية".
لكنه ترك خلفه قبر ابنته البالغة ثلاث سنوات. يقول "لم أودعها لأنني آمل فعلا في أن أعود الى هناك".
ودخل ما يقرب من خمسة آلاف لاجئ من ناغورني قره باغ إلى أرمينيا الاثنين، فيما وصل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى جيب ناخيتشيفان الأذربيجاني على مسافة مئات الكيلومترات فقط للقاء نظيره الأذربيجاني إلهام علييف.
وقالت الحكومة الأرمينية في بيان "حتى ظهر 25 أيلول/سبتمبر، دخل 4850 نازحًا قسريًا إلى أرمينيا من ناغورني قره باغ".
بعد ظهر الأحد، دخلت مجموعة أولى من اللاجئين الفارين من ناغورني قره باغ، أرمينيا. ووصل بضع عشرات من سكان هذه المنطقة، معظمهم نساء وأطفال ومسنون، إلى مركز إيواء أقامته الحكومة الأرمينية في كورنيدزور عند الحدود الأرمينية-الأذربيجانية.
أيام فظيعة
في مدينة غوريس، يعجّ المركز الإنساني الذي أُقيم في مبنى مسرح البلدية باللاجئين منذ مساء الأحد، حسبما أفاد مراسل وكالة فرانس برس.
طيلة الليل، تدفّق لاجئون ليسجّلوا أسماءهم وللعثور على مسكن أو وسيلة نقل باتجاه مناطق أخرى في أرمينيا.
وصلت أنابيل غولاسيان (41 عامًا)، المتحدّرة من قرية ريف، للتوّ إلى غوريس في حافلة صغيرة مع خمسة من أبنائها السبعة فيما بقي الاثنان الآخران في يريفان مع زوجها.
عندما بدأ القتال الأسبوع الماضي في ناغورني قره باغ، لجأت غولاسيان وأسرتها إلى القاعدة الروسية في مطار ستيباناكيرت "عاصمة" ناغورني قره باغ، لكنهم طُردوا منها بعد ليلتهم الأولى فيها، وانتقلوا إلى مبنى مهجور وغير مسقوف.
وتقول لوكالة فرانس برس "كانت أيامًا فظيعة، كنّا نجلس جنبًا إلى جنب. أغنياء وفقراء، كلّنا في المكان نفسه".
تنتظر المرأة الأربعينية مع أسرتها أمام المركز الإنساني، وإلى جانبها بعض مقتنياتها.
وتضيف "كان الوضع سيئًا جدًا، لذلك تواصلنا مع رئيس إدارة قريتنا وسألناه إذا كان بامكاننا الرحيل. قال +نعم لكن إذا ذبحكم الأتراك (وهي التسمية التي يعتمدها كثيرون للإشارة إلى الأذربيجانيين) لن نتحمّل المسؤولية+".
تضم فالنتينا أسريان (54 عامًا)، التي كانت تسكن في بلدة فانك، أصغر أحفادها بحرارة بين ذراعيها، وجنبها باقي أحفادها، قائلة "من كان يظنّ أن الأتراك سيدخلون هذه القرية الأرمينية التاريخية. إنّه أمر لا يُصدّق".
وتضيف "الآن أصبح الأتراك هناك، يقيمون في (فندق) تايتانيك (المحلي). قصفوا القرية، كان هناك جرحى، قُتل زوج أختي. كنّا في الملاجئ، أي فعليًا أقبية منازلنا، ونُقلنا إلى المطار في اليوم التالي".
وتشير إلى أنه تمّ توفير حافلات لإعطاء الأولوية لإجلاء الأشخاص الذين خسروا منازلهم على غرارها.
وتتابع "ليس لديّ أقارب هنا، ولا أي مكان أذهب إليه".
وستتكفّل الدولة الأرمينية بإقامتها في فندق في مدينة غوريس.
وأعلنت سلطات ناغورني قره باغ أن المدنيين الذين شردتهم أعمال العنف الأخيرة سينقلون إلى أرمينيا بمساعدة جنود حفظ سلام روس ينتشرون في المكان منذ الحرب السابقة بين الطرفين في العام 2020.
وتعهدت أذربيجان السماح للمتمردين الذين يستسلمون الانتقال إلى أرمينيا.
ويخشى كثيرون أن يفر السكان المحليون بأعداد كبيرة فيما تعزز القوات الأذربيجانية سيطرتها.
إضافة إلى القلق المهيمن على سكان ناغورني قره باغ البالغ عددهم نحو 120 ألفا، يبقى الوضع الإنساني صعبا أيضا.
وقال أحد مراسلي وكالة فرانس برس إن "العاصمة" ستيباناكيرت المحاصرة من قبل القوات الأذربيجانية، محرومة من الكهرباء والوقود فيما يعاني سكانها من نقص في المواد الغذائية والأدوية.
مخاوف بشأن الأرمن في قره باغ
ويتصاعد القلق بشأن الأرمن في ناغورني قره باغ، مع تشديد القوات الأذربيجانية قبضتها على المنطقة الانفصالية.
وفي حال صمد وقف إطلاق النار الجديد هناك، فقد يمثّل ذلك نهاية للصراع الجاري بين ارمينيا وأذربيجان حول هذا الإقليم.
وتواجهت الدولتان الواقعتان في منطقة القوقاز في جولات معارك متكررة أعقبت سقوط الاتحاد السوفياتي قبل ما يزيد عن ثلاثة عقود.
وشهدت سنوات القتال في ناغورني قره باغ انتهاكات من كلا الجانبين، وهناك مخاوف من حدوث أزمة لاجئين جديدة.
وفي السياق، أعرب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لرئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان عن "مخاوف كبيرة" بشأن الأرمن في الإقليم، وذلك في مكالمة هاتفية السبت، حسبما أفاد متحدث باسمه.
وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، دعا وزير الخارجية الأرميني أرارات ميرزويان إلى تشكيل بعثة أممية لمراقبة معاملة الأرمن في المنطقة الجبلية.
غير أنّ وزير الخارجية الأذربيجاني جيهون بيراموف أعلن أمام الجمعية العامة أنّ "أذربيجان عازمة على إعادة دمج سكان منطقة قره باغ الأرمن في أذربيجان كمواطنين متساوين".
وتوجه وفد من الكونغرس الأميركي إلى أرمينيا لإظهار الدعم لباشينيان وتفقّد الحصار المفروض على المنطقة.
وقال السناتور غاري بيترز من ميشيغان للصحافيين على الحدود، "بالتأكيد الناس خائفون للغاية ممّا يمكن أن يحدث هناك". وأضاف "أعتقد أنّ العالم بحاجة إلى معرفة ما يحدث بالضبط".
مع عبور أول قافلة مساعدات تابعة للصليب الأحمر إلى الجيب المتنازع عليه منذ أن شنّت أذربيجان هجومها الخاطف الأسبوع الماضي، قالت القوات الحكومية هناك إنّ "نزع سلاح" المتمرّدين بدأ.
من جهتها، أعلنت موسكو أنّ المقاتلين الانفصاليين الأرمن بدأوا الجمعة تسليم أسلحتهم بموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه الجمعة بوساطة روسية.
وعرضت القوات الأذربيجانية السبت جزءاً من ترسانة الانفصاليين التي استولت عليها، ومن ضمنها بنادق قنص ورشاشات كلاشنيكوف وقذائف صاروخية وأربع دبابات.
وتسيطر قوات باكو الآن على منطقة شوشا، بينما حيث تبدو المدينة التي تحمل الاسم نفسه مهجورة.
وأفاد مراسلو وكالة فرانس برس أنّ القوات نصبت مدافع هاون على مرتفعات مطلة على الطريق المؤدّي إلى ستيباناكيرت، عاصمة الإقليم القريبة.
كما أنهم يسيطرون إلى الجنوب الغربي على ممر لاتشين الذي كان يربط المنطقة الانفصالية بأرمينيا وقطعت باكو حركة المرور عليه طوال الأشهر التسعة الماضية، ما تسبب بنقص كبير في المواد الغذائية والأدوية في المنطقة.
وفي بلدة كورندزور الحدودية الأرمينية، تجمّع المدنيون عند آخر نقطة تفتيش قبل الأراضي الأذربيجانية، على أمل الحصول على أخبار عن أقاربهم.
وقال جاريك زاكاريان البالغ من العمر 28 عاماً "أنا هنا منذ ثلاثة أيام وليالٍ، أنام في سيارتي"، فيما كان نازحون أرمن يتأملون قرية في الجانب الآخر من الوادي بواسطة منظار جندي.
أخرج زاكاريان عائلته في كانون الأول/ديسمبر، قبل ثلاثة أيام من حصار أذربيجان للمنطقة، لكنّه يقلق على أصدقائه وأقربائه الذي ما زالوا في الطرف الآخر من الحدود.
وقال زارا أماتوني المتحدث المحلي باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر لوكالة فرانس برس، إنّه تم إدخال 70 طنّاً مترياً من المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية عبر ممر لاتشين.
قرويون "يشعلون النار بمنازلهم"
وفي مؤشر إلى العداء بين الجانبين، اتهمت وزارة الدفاع الأذربيجانية الأرمن في قره باغ بإشعال النار في منازلهم في إحدى القرى لإبقائها بمنأى عن تقدم قوات باكو.
وكان بعض القرويين اشعلوا النار في منازلهم قبل الفرار في 2020، بعدما بدأت أذربيجان السيطرة على أجزاء من ناغورني قره باغ في حرب استمرت ستة أسابيع.
وقالت روسيا إنّ جندياً أذربيجانياً "أصيب خلال تبادل لإطلاق النار"، مشيرة إلى أنها تحقّق في الحادث مع باكو ومسؤولين انفصاليين.
وأفاد قادة انفصاليون أنّهم يجرون محادثات مع باكو بوساطة روسية لتنظيم عملية الانسحاب وعودة المدنيين الذين شرّدهم القتال.
وأوضحوا أنهم يناقشون كيفية وصول المواطنين إلى ناغورني قره باغ والخروج منها، علما أن الإقليم يضم أقلية أرمنية من 120 ألف شخص.
التواصل الجغرافي
في هذا الإطار، من المقرر أن يشارك الرئيسان التركي والأذربيجاني في مراسم وضع الحجر الأساس في خط جديد لنقل الغاز وتدشين مجمع عسكري أذربيجاني في جيب ناخيتشيفان الواقع بين أرمينيا وإيران والذي الحق بأذربيجان في العام 1923 من دون أن يكون متصلا جغرافيا بباكو.
ويتناقض الموقف التركي مع انسحاب روسيا الظاهر من المنطقة فيما يرى بعض الخبراء أن الرئيس علييف يعتبر أن ضم ممر زانغيزور الأرميني على طول الحدود مع إيران سيسمح بإقامة التواصل الجغرافي حتى ناخيتشيفان ومع تركيا كذلك.
وفيما يواجه تظاهرات مناهضة، ألقى رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان باللوم وإن ضمنا على روسيا، لعدم دعمها أرمينيا بعد انتصار الجيش الأذربيجاني على الانفصاليين الأرمن في ناغورني قره باغ.
وقال عبر التلفزيون "تبين أن الأنظمة الأمنية الخارجية التي تنخرط أرمينيا في إطارها غير فاعلة لحماية أمنها ومصالحها" في إشارة شبه مبطنة إلى العلاقات مع موسكو الموروثة من الحقبة التي كانت فيها أرمينيا إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق.
ورفض الكرملين على لسان الناطق باسمه دميتري بيسكوف هذه الانتقادات، قائلًا "نحن نرفض بشكل قاطع كل المحاولات لتحميل المسؤولية للجانب الروسي وقوات حفظ السلام الروسية (في ناغورني قره باغ) التي تتصرف ببسالة" رافضًا أي "مآخذ" عليها أو اتهامها بالتقصير.
وأضاف "تبقى أرمينيا حليفتنا وحكومتها قريبة منا وشعبها قريب منّا"، لافتًا إلى أن "الحوار" بين موسكو ويريفان مستمرّ على عدّة مستويات دبلوماسية "خصوصًا في هذه الأيام الصعبة".
وأكّد أن روسيا ستستمر في "تأدية واجباتها" ولا سيّما في "ضمان احترام حقوق سكان قره باغ".
رغم أجواء الأزمة، سيعقد اجتماع مقرر بين علييف وباشينيان منذ فترة طويلة في إسبانيا في الخامس من تشرين الأول/أكتوبر، على ما أعلنت السلطات الأرمينية.
وسيحضر الاجتماع كذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال.
نازحون منذ 1992 يحلمون بالعودة
يتوق آزاد عبّاسوف منذ ثلاثين عامًا إلى العودة إلى قريته في منطقة ناغورني قره باغ، غير أن أمل النازح الأذربيجاني في أن يتحقّق حلمه انتعش بعد الانتصار الخاطف الذي حققته باكو الأسبوع الماضي على الانفصاليين الأرمن.
يقول المدرس المتقاعد البالغ 67 عامًا، والذي أمضى نصف حياته تقريبًا بعيدًا من قريته، "العودة هاجسي".
مرتديًا بزّة وربطة عنق تميّزانه عن سائر سكان مدينة ترتر الأذربيجانية الذين يرتدون ملابس متواضعة، يعرض لوكالة فرانس برس صورة جوية على هاتفه لموقع منزله القديم. ويقول متأثرًا "غالبا أنظر إليها".
يعيش الأذربيجاني عبّاسوف في ترتر على بعد أكثر من ساعة بالسيّارة من قرية أومودلو التي يتحدّر منها في منطقة ناغورني قره باغ.
لا تزال ذكريات الثامن والعشرين من شباط/فبراير 1992 حيّة في ذاكرة الرجل الستيني، وهو اليوم الذي اضطرّ فيه إلى ترك قريته بعد وفاة شقيقه وإسقاط مروحية إنقاذ. وقد سار خلال فراره لمسافات طويلة.
ويقول آزاد عبّاسوف "كما اضطررنا إلى ترك منازلنا على عجل في العام 1992، فنحن مستعدّون للعودة إليها بالسرعة نفسها" وترك مدينة ترتر وسياراته من طراز "لادا" العائدة إلى الحقبة السوفياتية وطيف الحرب المهيمن.
في هذه المدينة كما في الضواحي المجاورة لافتات عليها قبضات مرفوعة أو أزهار ترمز إلى استعادة أراضي في ناغورني قره باغ في العام 2020 خصوصا مدينة شوشا التي تعتبرها باكو عاصمتها الثقافية.
في ترتر، تشير مئات اللوحات إلى الأضرار التي خلّفتها حرب العام 2020، مثل تدمير منزل جاويد إسماعيلوف بصاروخ يتوسّط حديقته حيث لا يزال إبريق شاي أزرق ومروحة ملتوية وسترة جلدية بين أنقاض ما أصبح نصبًا تذكاريًا في الهواء الطلق.
على غرار آزاد عبّاسوف، يقول نازحون قابلتهم وكالة فرانس برس إنهم يحلمون بالعودة إلى ناغورني قره باغ.
وتقول فالييفا نازاكات (49 عامًا) التي خسرت زوجها خلال النزاع في 2020 الذي استمرّ 44 يومًا "أريد طبعًا أن أعود إلى قره باغ، سئمنا من الحرب والخوف".
وخسرت نازاكات بفعل الحرب أيضًا قريتها بوي أحمدلي بجبالها ومياهها وكروم العنب فيها. ومع القوات الأذربيجانية استعادت هذه البلدة لاحقا إلا أن الوصول إليها يخضع لشروط مشدّدة.
ويقول عبّاسوف "نحتاج إلى ظروف سلميّة للعودة إلى القرية (...) يجب أن تُحرّر قريتي بطريقة جيّدة، يجب إزالة الألغام وبناء طرقات وإعادة بناء منازل، هناك الكثير ممّا يجب فعله".
وينبغي أيضًا تجاوز الخصومات التي تعمقت عبر الأجيال والمعارك.
ويتابع عبّاسوف "نحن بحاجة إلى استئصال بذور العداء بيننا" وحلّ قضية الإسكان الشائكة.
ويصرّ على أنه لن يسكن في منزل غير المنزل الذي كان يملكه، موضحًا "ليعود الأرمن إلى قريتهم".
في المقابل، يقول نازحون أرمن فرّوا من جيب ناغورني قره باغ إنهم يرفضون رفضًا قاطعًا العودة إلى منازلهم في حال جاء "الأتراك" وهي التسمية التي يعتمدها كثيرون للإشارة إلى الأذربيجانيين، إلى قراهم.
من جهته، يقول الرجل الثلاثيني جاويد إسماعيلوف "كلّ شيء يحتاج إلى وقت، إنها عملية طويلة (...) لكن يمكننا التعايش".
اضف تعليق