تشهد العلاقات بين كوسوفو وصربيا توترات متكررة رغم مرور 15 عاما على استقلال الإقليم عن بلغراد. فقد عاش شمال كوسوفو مواجهات بين السلطات ومسلحين تحصنوا بدير إثر مقتل شرطي وجرح آخر. ونددت بريشتينا بهذه الجريمة المنظمة المدعومة من المسؤولين في بلغراد...
تشهد العلاقات بين كوسوفو وصربيا توترات متكررة رغم مرور 15 عاما على استقلال الإقليم عن بلغراد. فقد عاش شمال كوسوفو الأحد مواجهات بين السلطات ومسلحين تحصنوا بدير إثر مقتل شرطي وجرح آخر. ونددت بريشتينا بهذه "الجريمة المنظمة المدعومة من المسؤولين في بلغراد". بحسب فرانس برس.
على الرغم من مرور 15 عاما على إعلان كوسوفو استقلالها عن صربيا في 17 فبراير/شباط 2008، لا تزال المواجهات والتوترات تعصف بالعلاقات بين الجانبين. والأحد، قُتل شرطي في كمين تعرضت له دورية قرب الحدود الصربية نصبه مسلحون تحصنوا بعد ذلك في دير ثم تبادلوا إطلاق النار مع شرطة كوسوفو لساعات، ما أسفر عن مقتل ثلاثة مهاجمين على الأقل. أبرز أسباب استمرار هذا النزاع أن صربيا لا تزال ترفض الاعتراف باستقلال إقليمها السابق البالغ عدد سكانه 1,8 مليون نسمة، غالبيتهم العظمى من أصول ألبانية، والذي يضم مجموعة صربية مؤلفة من 120 ألف شخص (خمسة بالمئة من السكان) تقيم بشكل أساسي في الشمال.
وجاء استقلال كوسوفو بعد نحو عقد من انتفاضة مسلحة على الحكم الصربي القمعي. ويعترف بها أكثر من 100 دولة. لكن صربيا تعتبر كوسوفو رسميا جزءا من أراضيها، وتتهم الحكومة المركزية في بريشتينا بالتعدي على حقوق الصرب لكنها تنفي الاتهامات بإثارة الصراع داخل حدود جارتها.
ويُعَبّر نحو 50 ألف صربي في شمال كوسوفو، على الحدود مع صربيا، عن رفضهم لكوسوفو برفض دفع تكاليف الطاقة التي يستخدمونها للدولة، وكثيرا ما يهاجمون الشرطة إذا حاولت إلقاء القبض على أحدهم. ويحصل جميع الصرب على امتيازات من ميزانية صربيا ولا يدفعون أي ضرائب سواء لبريشتينا أو بلغراد.
لماذا تفاقم الوضع؟
تصاعدت حدة الاضطرابات عندما تولى رؤساء البلديات من أصل ألباني مناصبهم في المنطقة ذات الغالبية الصربية في شمال كوسوفو بعد انتخابات قاطعها الصرب في أبريل/نيسان 2023، وهي الخطوة التي دفعت الولايات المتحدة وحلفاءها إلى توبيخ بريشتينا.
وأثارت هذه الخطوة واحدا من أسوأ الاضطرابات في شمال كوسوفو منذ سنوات، مع خروج مظاهرات واعتقال صربيا ثلاثة من عناصر شرطة كوسوفو، إضافة إلى أعمال شغب عنيفة قام بها متظاهرون صرب أدت إلى إصابة أكثر من 30 عنصرا من قوة حفظ السلام التابعة لحلف شمال الأطلسي.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، أقام صرب شمال كوسوفو عدة حواجز على الطرق وتبادلوا إطلاق النار مع الشرطة بعد إلقاء القبض على شرطي صربي سابق بزعم اعتدائه على أفراد شرطة في الخدمة خلال احتجاج.
ويتصاعد التوتر منذ شهور بسبب خلاف يتعلق بلوحات ترخيص السيارات. وتريد كوسوفو منذ سنوات من الصرب في الشمال أن يغيروا لوحات سياراتهم الصربية، التي يعود تاريخها إلى حقبة ما قبل الاستقلال، إلى تلك الصادرة عن بريشتينا، ضمن سياستها الرامية إلى بسط سيطرتها على كامل أراضي كوسوفو.
وفي يوليو/ تموز الماضي، أعلنت بريشتينا مهلة شهرين لتبديل اللوحات، مما أثار اضطرابات، قبل أن توافق لاحقا على تأجيل موعد التنفيذ إلى نهاية 2023.
واحتجاجا على التحول الوشيك، استقال رؤساء بلديات من العرق الصربي في الشمال، بالإضافة إلى قضاة و600 فرد شرطة هناك، في نوفمبر /تشرين الثاني من العام الماضي، مما أحدث خللا في عمل المؤسسات وأثار فوضى في المنطقة.
ما الذي يريده الصرب في نهاية المطاف؟
يسعى الصرب في كوسوفو إلى إنشاء رابطة للبلديات ذات الغالبية الصربية تتمتع بقدر كبير من الحكم الذاتي. فيما ترفض بريشتينا ذلك باعتباره وصفة لإقامة دولة صغيرة داخل كوسوفو، وهو ما من شأنه أن يؤدي فعليا إلى تقسيم البلاد على أساس عرقي.
ولم تحقق صربيا وكوسوفو تقدما يذكر في هذه القضية وغيرها من القضايا منذ الالتزام في 2013 بحوار يرعاه الاتحاد الأوروبي بهدف تطبيع العلاقات بينهما، وهو شرط لكليهما قبل الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي.
ما هو دور الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي؟
يحتفظ حلف شمال الأطلسي بقوات حفظ سلام في كوسوفو قوامها 3700 جندي، وهو ما تبقى من القوة الأصلية التي كان يبلغ قوامها 50 ألفا عندما نُشرت عام 1999.
ويقول الحلف إنه سيتدخل بما يتماشى مع تفويضه إذا صارت كوسوفو معرضة لخطر تجدد الصراع. وتحتفظ بعثة الاتحاد الأوروبي بنحو 200 من أفراد قوات الشرطة الخاصة في كوسوفو، وكانت هذه البعثة قد دُشنت في 2008 لأغراض تدريب الشرطة المحلية وقمع الفساد ومواجهة العصابات المسلحة.
ما أحدث خطط الاتحاد الأوروبي للسلام؟
يضغط مبعوثو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على صربيا وكوسوفو للموافقة على خطة، كُشف النقاب عنها في منتصف 2022، تتوقف بلغراد بموجبها عن ممارسة الضغوط للحيلولة دون حصول كوسوفو على مقعد في المنظمات الدولية، ومنها الأمم المتحدة.
كما تلتزم كوسوفو بموجب الخطة بتشكيل رابطة للبلديات ذات الغالبية الصربية، وسيفتح الجانبان مكاتب تمثيلية في عاصمة الطرف الآخر للمساعدة في حل النزاعات القائمة.
لكن المحادثات المتعلقة بتطبيع العلاقات بين الخصمين السابقين في زمن الحرب تعثرت الأسبوع الماضي، وحمَل الاتحاد الأوروبي رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي مسؤولية ذلك لفشله في إنشاء رابطة البلديات.
واتهم كورتي، الذي وافق على أن يكون لمثل هذه الرابطة صلاحيات محدودة ويمكن للحكومة المركزية إلغاء قراراتها، وسيط الاتحاد الأوروبي بالانحياز إلى صربيا للضغط عليه لتنفيذ شق واحد فقط من الاتفاق.
ويبدو أن الرئيس الصربي مستعد للموافقة على الخطة، إذ أنه حذر القوميين الرافضين من أعضاء البرلمان من أن بلغراد قد تواجه عزلة تضر بها في أوروبا إذا رفضوا الخطة.
لكن لا يلوح في الأفق أي تقدم في ظل وجود المتشددين القوميين الأقوياء على الجانبين، وليس فقط بين صرب شمال كوسوفو.
من جهته قال جوزيب بوريل الذي بدا مستاء من عدم قدرة الطرفين على التوافق، "لقد بذلنا كل ما بوسعنا" لمحاولة إيجاد تسوية بين رئيس وزراء كوسوفو والرئيس الصربي لكن "من المستحيل تقليص الخلافات".
وبعد فشل محادثات مماثلة في حزيران/يونيو، اعتقد بوريل أنه وجد مخرجا عبر تسوية "هي الطريق الواقعي الوحيد" لتحريك المفاوضات كما قال.
ما الذي يهدد السكان الصرب؟
تكتسب المنطقة الواقعة في شمال كوسوفو، حيث يشكل الصرب غالبية السكان، أهمية فعلية إذ إنها تشكل امتدادا لصربيا. وتتحمل بلغراد تكاليف الإدارة المحلية ورواتب الموظفين العموميين والمدرسين والأطباء ومشروعات البنية التحتية الكبرى.
ويخشى السكان الصرب من فقدان مزايا مثل الرعاية الصحية المجانية في صربيا بمجرد دمجهم بشكل كامل داخل كوسوفو، وهو ما سيدفعهم إلى الانضمام إلى نظام خاص للرعاية الصحية في كوسوفو، كما يخشون من أن تكون معاشات التقاعد أقل نظرا لأن متوسط المعاش الشهري في كوسوفو يبلغ 100 يورو (107 دولارات) مقارنة بمعاش يبلغ 270 يورو في صربيا.
اضف تعليق