اصبح شي جينبينغ الرئيس لأطول فترة في تاريخ الصين الحديث. غير أن ثاني قوة اقتصادية في العالم تواجه الكثير من التحديات، أبرزها تباطؤ النمو وانخفاض معدل الولادات وتراجع صورة الصين في العالم ويبقى بإمكان شي جينبينغ الذي سينهي ولايته الجديدة سبعينيا، الفوز بولاية رابعة في حال لم يتقدم...
فاز شي جينبينغ الجمعة بولاية ثالثة غير مسبوقة رئيسا للصين إثر عملية تصويت في البرلمان، ليوطد موقعه كأقوى زعيم لهذا البلد منذ أجيال.
وانتخب بـ 2952 صوتا مقابل عدم تصويت أي نائب ضده وعدم امتناع أي نائب عن التصويت.
ولم تكن هناك أي شكوك حول نتيجة الاقتراع إذ تقوم الجمعية الوطنية الشعبية عمليا بالمصادقة على قرارات الحزب الشيوعي الحاكم.
وسبق أن تم التمديد لشي (69 عاما) في تشرين الأوّل/أكتوبر لمدّة خمس سنوات على رأس الحزب الشيوعي الصيني واللجنة العسكريّة، وهما المنصبان الأهمّ في سلّم السلطة في البلاد.
ومنحه النواب ولاية رئاسية جديدة لخمس سنوات أيضا.
وأدى الرئيس اليمين على نسخة من الدستور معلنا "أقسم أن أكون... مخلصا للوطن والشعب... وأن أعمل جاهدا لبناء بلد اشتراكي معاصر كبير يكون مزدهرا وقويا وديموقراطيا".
لكن الأشهر الأخيرة كانت صعبة على شي جينبينغ إذ شهدت الصين تظاهرات ضخمة في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر احتجاجا على سياسة "صفر كوفيد" التي انتهجها، تلتها موجة من الوفيات عقب التخلي عن هذه الإستراتيجية الصحية في كانون الأول/ديسمبر.
وسارع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تعتبر بلاده شريكا اقتصاديا ودبلوماسيا وثيقا للصين، إلى توجيه "تهانيه الصادقة" إلى شي جينبينغ . وقال في رسالة نشرها الكرملين إن "روسيا تقدر بشكل كبير مساهمتكم الشخصية في تعزيز العلاقات (...) بين بلدينا".
وتكلل إعادة انتخاب شي الجمعة مسارا سياسيا شهد صعوده من مسؤول سياسي غير معروف من الجمهور إلى الزعيم الصيني الأكثر نفوذا منذ عقود.
غير أن الكاتب والصحافي السويسري أدريان جيج الذي كتب سيرة لشي جينبينغ، اعتبر أن الإثراء الشخصي ليس حافزه الأول.
وقال "لديه حقا رؤية للصين، يريد أن تصبح الصين أقوى بلد في العالم".
واعتمدت جمهورية الصين الشعبية على مدى عشرات السنين إدارة جماعية على رأس هرمية السلطة، بعد الفوضى السياسية وعبادة الشخصية اللتين طبعتا عهد زعيمها ومؤسسها ماو تسي تونغ (1949-1976).
وعملا بهذا النموذج، تخلى سلفا الرئيس الحالي جيانغ زيمين وهو جينتاو عن منصبيهما بعد عشر سنوات في السلطة.
غير أن شي وضع حدا لهذه القاعدة في 2018 حين ألغى مادة الدستور التي تحدد سقف ولايتين للرئيس، وسمح بتنامي عبادة لشخصيته.
وبتصويت الجمعة يصبح شي جينبينغ الرئيس لأطول فترة في تاريخ الصين الحديث.
غير أن ثاني قوة اقتصادية في العالم تواجه الكثير من التحديات، أبرزها تباطؤ النمو وانخفاض معدل الولادات وتراجع صورة الصين في العالم في السنوات الأخيرة.
ويبقى بإمكان شي جينبينغ الذي سينهي ولايته الجديدة سبعينيا، الفوز بولاية رابعة في حال لم يتقدم في الأثناء أي مرشح جدير بالمصداقية.
وعلى الساحة الدولية، فإن العلاقات مع الولايات المتحدة في أدنى مستوياتها وسط خلافات حول مواضيع كثيرة، من تايوان إلى معاملة المسلمين الأويغور، مرورا بالخصومة في المجال التكنولوجي.
وندد الرئيس هذا الأسبوع بحملة غربية تقودها الولايات المتحدة وتهدف إلى "احتواء وتطويق وقمع" الصين.
وقال ستيف تسانغ من معهد الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن "سنرى الصين أكثر ثقة بنفسها على الساحة الدولية، تؤكد خطابها بمزيد من الحزم" وفي الوقت نفسه تسعى "للحد من اعتمادها على باقي العالم".
وقال ألفريد مولوان وو الأستاذ المساعد في كلية لي كوان يوو للسياسة العامة في جامعة سنغافورة الوطنية إنّ "الرأي العام بشأن (شي جينبينغ) قد لا يكون جيداً جداً، فقد قوّضت سياسة صفر كوفيد ثقة الناس".
رغم ذلك، يحافظ الرئيس على موقع "قوي إلى حدّ ما" على رأس الحزب، الأمر الذي يجعله شخصاً لا يمكن المساس به عملياً.
حتى كانون الأول/ديسمبر الماضي، كانت الصين لا تزال تطبّق أكثر السياسات صرامة ضد كوفيد في العالم، الأمر الذي أثّر على النمو الاقتصادي والحياة اليومية لسكانها، إن كان عبر اختبارات "بي سي آر" اليومية تقريباً والحجر الصحي الطويل الأمد أو عبر قيود السفر.
وارتبطت سياسة "صفر كوفيد" بصورة شي جينبينغ نفسه، فعندما اندلعت تظاهرات في تشرين الثاني/نوفمبر في كلّ أنحاء البلاد، لم يتردّد البعض بالمطالبة بأن يرحل.
ومباشرة بعد ذلك، رُفعت القيود الأمر الذي أدى إلى تفجّر حالات الوفيات، التي تبقى أرقامها الرسمية أقل ممّا هي عليه في الواقع.
وبينما تبدو البلاد كأنها تخرج ببطء من الوباء، يبدو شي جينبينغ الذي عيّن موالين مقربين منه في المناصب الحزبية العليا، أقوى من أي وقت مضى.
قريب عزيز
هذا الأسبوع، وصفته صحيفة الشعب اليومية في سيرة ذاتية نشرتها عنه، بأنه زعيم لا يكل، مشيدة بروح التضحية لديه ومؤكدة أنّ "الناس العاديين ينظرون إليه على أنّه قريب عزيز".
وقال كريستوفر جونسون الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات "تشاينا ستراتيجيز غروب" China Strategies Group، إنّ احتجاجات تشرين الثاني/نوفمبر لم تهزّه، بل "منحته بالضبط باب الخروج الذي كان يبحث عنه".
كما كتبت مجلّة "فورين أفيرز"، أنه "إذا سار التخلّي عن سياسة صفر كوفيد على ما يرام، فيمكنه القول إنه استمع للشعب. وإذا سارت الأمور بشكل سيء، فيمكنه إلقاء اللوم على المتظاهرين وعلى ’القوى الأجنبية المعادية’ التي قال رئيس الأمن التابع له علناً إنّها تدعمهم (المتظاهرين)".
لذلك "يمكنه تقديم نفسه كقائد، بدلاً من تقديم نفسه كشخص اضطرّ للرد"، وفقاً للمجلّة.
رئيس وزراء جديد
لن تطرح هذه القضايا الحساسة على الأرجح خلال هذه الجلسة البرلمانية التي يفترض أن يُعيَّن خلالها لي تشيانغ الصديق المقرب لشي جينبينغ والرئيس السابق للحزب الشيوعي الصيني في شنغهاي، رئيسًا جديدًا للوزراء.
وتم تشديد الإجراءات الأمنية في بكين في الأيام الأخيرة تحسبا للحدث مع فرض عمليات تفتيش عند مدخل العاصمة وانتشار عناصر أمن على أطراف الشوارع وكذلك قرب الجسور.
وقال ألفريد مولوان وو الأستاذ في جامعة سنغافورة الوطنية إنه رغم فصل "صفر كوفيد" الذي شوّه صورته، يتمتع شي جينبينغ بمكانة "قوية إلى حد ما" في قمة الحزب، ما يجعله عمليا غير قابل للمس.
أما ستيف تسانغ من فرع الصين في معهد الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن، فرأى أن شي جينبينغ لديه فرصة خلال هذه الجلسة البرلمانية للإشادة بإدارته للاستياء الشعبي نهاية تشرين الثاني/نوفمبر.
وقال المحلل لوكالة فرانس برس إن شي "تصرف بشكل حاسم عندما كانت هناك دعوات خلال التظاهرات تطالبه والحزب الشيوعي الصيني بالرحيل. خنقها وأزال سبب" الغضب.
وسيناقش النواب أيضًا عددا كبيرا من القضايا الاقتصادية والاجتماعية بدءًا من تعزيز التثقيف الجنسي في المدارس إلى زيادة معدل المواليد مرورا بالتحرش عبر الإنترنت.
هدف اقتصادي وآخر عسكري
وكشفت الصين هدفا حذرا للنمو في 2023 وزيادة في الإنفاق الدفاعي، وذلك في افتتاح الدورة البرلمانية السنوية التي ستسمح لشي جينبينغ بالبقاء في الرئاسة خمس سنوات أخرى.
وسترتفع ميزانية الدفاع - الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة - بنسبة 7,2 في المئة هذا العام لتبلغ 1553,7 مليار يوان (225 مليار دولار)، في أكبر زيادة لها منذ 2019.
وأمام حوالى ثلاثة آلاف نائب من المؤتمر الوطني لنواب الشعب مجتمعين في قصر الشعب في بكين، أكد رئيس الوزراء المنتهية ولايته لي كه تشيانغ أن "محاولات الاحتواء القادرة من الخارج تتكثف بلا توقف".
ودعا إلى "تكثيف" تدريب الجيش وإلى "الاستعداد للقتال" بينما يتصاعد التوتر الصيني الأميركي خصوصا حول مسألة تايوان.
وقال لي إنه بعد ثلاث سنوات من التباطؤ بسبب القيود المفروضة على مكافحة كوفيد-19 "يشهد الاقتصاد الصيني انتعاشا متينا".
لكن الهدف المحدد ل2023 البالغ "حوالى 5 في المئة"، هو واحد من الأدنى منذ خمس سنوات.
في 2022، سجل الناتج المحلي الإجمالي للصين نموا نسبته 3 في المئة فقط على خلفية تباطؤ اقتصادي عالمي وجائحة كوفيد وإجراءات عزل وأزمة عقارات.
وقال لي كه تشيانغ إن "التنمية الاقتصادية في الصين واجهت عوامل عدة غير متوقعة في الداخل والخارج مثل الوباء".
وأضاف أنه "تحت القيادة القوية للّجنة المركزية للحزب، نسقنا بفعالية الوقاية من المرض والسيطرة عليه والتنمية الاقتصادية والاجتماعية".
تعزيز النفقات العسكرية
كما أعلنت الصين زيادة ميزانيتها للدفاع للعام 2023 في ظل التوتر مع الدول الآسيوية المجاورة والولايات المتحدة وحتى حلف شمال الأطلسي على خلفية تصاعد نفوذها.
وستزداد ميزانية الدفاع الصينية بنسبة 7,2%، وهي أعلى نسبة منذ 2019، في تسارع طفيف عن العام الماضي (+7,1)، وفق تقرير لوزارة المالية نشر خلال الدورة السنوية للبرلمان الصيني.
وستخصص الصين 1553,7 مليار يوان (225 مليار دولار) لنفقات الدفاع، وهي ثاني أعلى ميزانية في العالم بعد الولايات المتحدة التي تزيد عنها بحوالى ثلاثة أضعاف.
غير أن الأرقام الصينية موضع تشكيك.
وأوضح نيكلاس سفانستروم مدير معهد سياسات الأمن والتنمية في ستوكهولم لوكالة فرانس برس أن "قسما كبيرا من أبحاث (الصين) العسكرية مثل الصواريخ والدفاع الإلكتروني وغير ذلك غير مدرجة في نفقاتها العسكرية بل تعتبر من فئة البحث والتنمية المدنيين".
وتبقى زيادة الميزانية الدفاعية الصينية دون 10% للعام الثامن على التوالي.
غير أنها تثير ريبة الدول المجاورة التي تقوم نزاعات جغرافية بينها وبين الصين.
ومن هذه الدول الهند التي تندلع أحيانا كثيرة اشتباكات على طول حدودها المشتركة مع الصين في منطقة الهيملايا، واليابان التي تتنازع مع الصين السيطرة على جزر سنكاكو أو دياويو بحسب تسميتها الصينية، والفيليبين التي تشهد بانتظام حوادث مع الصين حول السيادة على جزر في بحر الصين الجنوبي. كما تثير الصين مخاوف الغربيين.
واتهم مسؤولون أميركيون كبار مؤخرا الصين بأنها تخطط لاجتياح تايوان بعد بضع سنوات لاعتبارها الجزيرة جزءا من أراضيها، كما اتهمتها واشنطن بإرسال "أسطول" من المناطيد العسكرية للتجسس على العالم.
حتى الحلف الأطلسي الذي تتركز جهوده تقليديا في أوروبا، يعتبر منذ العام الماضي أن العملاق الآسيوي يطرح "تحديا" لـ"مصالح" دوله.
غير أن الصين تنفي أن تكون تشكل تهديدا مؤكدة أن جيشها "دفاعي"، وتشير إلى أنها لا تملك سوى قاعدة عسكرية واحدة في الخارج في جيبوتي فيما تقيم الولايات المتحدة مئات القواعد في العالم.
كما أن نفقاتها العسكرية تبقى دون 2% من إجمالي ناتجها المحلي، بالمقارنة مع حوالى 3% بالنسبة لواشنطن.
لكن كيف تنفق الصين هذه المبالغ؟
أوضح جيمس شار خبير الجيش الصيني في جامعة التكنولوجيا في نانيانغ بسنغافورة أن الميزانية "تستخدم لزيادة رواتب العسكريين وتمويل شروط تدريب أفضل والحصول على معدات أكثر تطورا".
كما لفت نيكلاس سفانستروم إلى أن "الصين تستثمر في قدرتها على السيطرة على تايوان وإبقاء الولايات المتحدة خارج المنطقة".
ومع تشديد بكين الضغط على تايوان، زادت الطائرات العسكرية الصينية عمليات خرق منطقة تحديد الدفاع الجوي للجزيرة بحوالي الضعف العام الماضي.
وتندد بكين بإرسال الولايات المتحدة سفنا وطائرات عسكرية إلى المنطقة للتصدي للطموحات الصينية فيها، وتبدي مخاوف حيال تعزيز واشنطن في الأشهر الأخيرة تعاونها العسكري مع أستراليا واليابان والفيليبين وتايوان.
رأى سفانستروم أن "شمال شرق آسيا يشهد سباق تسلح، يشكل تعزيز القدرات الصينية محركه".
وفي هذا السياق زادت دول أخرى من المنطقة ميزانياتها العسكرية للعام 2023 على غرار كوريا الجنوبية (+4,4%) والهند (+13%).
وتعتزم اليابان التي عدلت مؤخرا عقيدتها العسكرية الدفاعية، مضاعفة ميزانيتها الدفاعية لتصل إلى 2% من إجمالي ناتجها المحلي بحلول 2027، ردا خصوصا على الصين.
وقال جيمس شار إن "الصين تشكل تحديا للغرب والنظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة" منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
لكنه أضاف أنه "من المؤكد على الصعيد العسكري، أقله على المدى القريب والمتوسط، أنها غير مستعدة لتحدي وضع واشنطن بصفتها القوة العسكرية الأولى في العالم" مشيرا إلى أن الجيش الصيني "سيواصل على الأرجح القيام بعمليات عسكرية لكن دون عتبة الحرب".
وشدد المعهد الدولي للبحث حول السلام في ستوكهولم على أن الولايات المتحدة هي الدولة التي تخصص أكبر نفقات عسكرية في العالم، بلغت 801 مليار دولار عام 2021، بحسب آخر الأرقام المتوافرة.
وبعد الولايات المتحدة تأتي الصين (293) فالهند (76,6) والمملكة المتحدة (68,4) وروسيا (65,9) وفرنسا (56,6).
تجديد مؤسسات للعلوم والتكنولوجيا
كما ستقوم الصين بتجديد شامل لقدرات وزارة العلوم والتكنولوجيا لديها وستضخّ مزيدًا من الموارد في مجالَي التصنيع والأبحاث سعيًا لتحقيق استقلاليتها فيهما في مواجهة محاولات أجنبية "لاحتوائها وقمعها".
تنصّ وثيقة إعادة الهيكلة الواسعة التي أعلنتها الحكومة الصينية ويُنتظر أن يوافق عليها البرلمان الصيني، على تركيز موارد وزارة العلوم والتكنولوجيا على تنسيق الإنجازات العلمية والتكنولوجية.
وجاء في الوثيقة أن بكين "ستعمل على تحسين إدارتها لسلسلة كاملة من ابتكارات العلوم والتكنولوجيا"، بالإضافة إلى إنشاء إدارة بيانات وطنية مسؤولة عن الإشراف على الاقتصاد الرقمي.
وقال العضو في مجلس الدولة الصيني شياو جي، خلال تقديمه للخطّة في اجتماع للبرلمان الوطني، إن الصين تواجه "وضعًا صعبًا من المنافسة العلمية والتكنولوجية الدولية إلى جانب الاحتواء والقمع الخارجيين".
وأضاف شياو، وفق ما جاء في بيان رسمي، أنه يتعين على بكين "تنسيق القدرات العلمية والتكنولوجية بشكل أفضل لتخطّي الصعوبات في التقنيات الأساسية الرئيسية"، مع تسريع "الاعتماد الذاتي عالي المستوى في العلوم والتكنولوجيا".
ومن المتوقع أن يوافق البرلمان الصيني على الخطّة في اجتماعه الوطني السنوي، المعروف باسم "ليانغوي" (أو "الدورتان").
وستخفّض الخطة عدد الموظفين في مؤسسات الدولة المركزية بنسبة 5%، مع إعادة تعيين الموظفين الذين تتم إقالتهم في "المجالات الأساسية والأعمال المهمّة".
وتنص الخطة أيضًا على استبدال الهيئة الحالية الناظمة لقطاع المصارف وشركات التأمين بهيئة جديدة تعمل ببعض وظائف هيئة مراقبة الأوراق المالية في الصين، ما يعزز الرقابة على القطاع المالي الذي يخضع لإشراف معزز.
في وقت سابق من الشهر، تعهّد الرئيس الصيني شي جينبينغ، بتعزيز قدرة الصين في مجال الصناعة، قائلًا لمندوبي اجتماع الدورتَين "علينا الاعتماد على أنفسنا".
في مواجهة بيئة دولية معادية بشكل متزايد ونمو بطيء في الداخل، تكافح بكين أيضًا مع تحوّل الشركات العالمية من التصنيع في الصين إلى الاعتماد على مصنّعين في دول مثل الهند وفيتنام.
وقال شي أمام مندوبي اجتماع "الدورتَين" الأحد إن على الصين تطوير تصنيع عالي الجودة يكون "مبتكرًا ومنسقًا وصديقًا للبيئة ومفتوحًا ومشتركًا".
تَلي الدورة البرلمانية هذا العام مؤتمرًا مهمًا للحزب الشيوعي ضمن على أثره شي خمسة أعوام إضافية على رأس الحزب الشيوعي والجيش.
وقال الزميل في مركز بول تساي للدراسات الصينية في كلية الحقوق في جامعة ييل تشانغاو ويي لوكالة فرانس برس إن الخطة التي طُرحت اتّبعت "عمليًا قاعدة غير مكتوبة بأن هذا ما يجب أن يحدث في بداية كل ولاية حكومية تستمر خمسة أعوام".
ويُتوّقع أن تُطرح خطة أخرى أوسع بعد انتهاء "الدورتَين" الأسبوع المقبل.
ويضيف ويي "من الممكن بالتأكيد، بل ومن المحتمل أيضًا، أن تزيد سيطرة الحزب (وشي شخصيًا) كجزء من جولة إعادة الهيكلة هذه".
شي يندّد بالحملة الغربية
من جهته ندّد الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال جلسة برلمانية في بكين بحملة غربية تقودها الولايات المتّحدة بهدف "تطويق" بلاده و"احتوائها وقمعها" داعيا القطاع الخاص إلى المزيد من الابتكار لجعل بلاده أقل اعتمادا على الدول الأجنبية.
تتعرض طموحات بكين في قطاع التكنولوجيا الفائقة لقيود متزايدة من واشنطن وحلفائها، ما يدفع الشركات الصينية إلى مضاعفة جهودها للتعويض عن الواردات المهمة.
وتدور معركة شرسة بين الصين والولايات المتحدة في مجال تصنيع أشباه الموصلات، وهي رقائق إلكترونية أساسيّة في عدد كبير من القطاعات والمنتجات التي تراوح من السيارات إلى الهواتف الذكية مرورا بالتجهيزات الطبية والأدوات الكهربائية المنزلية وصولا إلى المعدات العسكرية.
وشددت واشنطن في الأشهر الأخيرة العقوبات المفروضة على مصنّعي الرقائق الصينيين للحدّ من وصولهم إلى التكنولوجيا الأميركية، مبرّرة ذلك بأن هذه الشركات تقوم بـ"نشاطات تتعارض مع الأمن القومي" الأميركي.
وقال شي جينبينغ، وفق ما نقلت عنه وكالة أنباء الصين الجديدة شينخوا إن "البيئة الخارجية للتنمية في الصين شهدت تغيرات سريعة، والعوامل غير المؤكدة والتي لا يمكن التنبّؤ بها ازدادت بشكل كبير".
وأضاف في انتقاد مباشر نادر لواشنطن أن "دولا غربية، بقيادة الولايات المتّحدة، نفّذت سياسة احتواء وتطويق وقمع ضدّ الصين، الأمر الذي أوجد تحدّيات غير مسبوقة أمام تنمية بلادنا".
وتابع الرئيس الصيني "في مواجهة التغيرات العميقة والمعقدة التي تحصل في العالم كما في الصين، من الضروري التزام الهدوء والتركيز ... للتحرك بشكل استباقي وإظهار الوحدة والتحلي بالشجاعة للقتال" من أجل تحقيق النجاح.
وأشار إلى أن على الشركات الخاصة "أخذ زمام المبادرة والسير في طريق تطوير النوعية" في إشارة إلى تحسين الجودة والبحوث.
وفي وقت سابق، دعا شي الصين إلى تعزيز استقلالية البلاد من خلال "بناء قطاع تصنيع قوي".
وشدد على أن "دولة كبيرة يبلغ عدد سكانها 1,4 مليار نسمة يجب ألا تعتمد إلا على نفسها" في هذا الشأن لأن "الأسواق الدولية لا تستطيع حمايتنا".
وتضاعفت في السنوات الأخيرة المواضيع الخلافية بين الصين والولايات المتّحدة، سواء حول قضية أقلية الأويغور المسلمة أو اختلال الميزان التجاري بين البلدين أو مسألة تايوان أو ملف الهيمنة في مجال التقنيات المتقدمة أو الاتّهامات بالتجسّس.
والشهر الماضي، تسبب إسقاط الولايات المتحدة منطادا صينيا في مزيد من التوتر في العلاقات بين البلدين، مع اتهام إدارة الرئيس جو بايدن هذا المنطاد بالتجسس على أراضيها، وهو ما تنفيه الصين بشدة.
بدوره، أعرب وزير الخارجية الصيني تشين غانغ ردا على سؤال في مؤتمر صحافي عن أسفه للوضع الحالي للعلاقات الصينية الأميركية.
وقال "أعتقد أن ما يحدد العلاقات الصينية الأميركية يجب أن يكون المصالح المشتركة والمسؤوليات المشتركة والصداقة بين الشعبين ... وليس السياسة الداخلية الأميركية وهذا النوع من المكارثية الهستيرية الجديدة" ضد الصين، في إشارة إلى الانتقادات المتكررة للطبقة السياسية الأميركية ضد بلاده.
كذلك، أبدى غانغ أسفه للاتهامات الأخيرة من بعض الدول الغربية التي تتّهم الصين، من دون دليل، بأنها تعتزم إمداد روسيا بالأسلحة في حربها ضد أوكرانيا.
وقال إن بكين لن تقبل "العقوبات" أو "التهديدات" من واشنطن وحلفائها.
في أواخر شباط/فبراير، أصدرت الصين وثيقة من 12 نقطة تحض موسكو وكييف على إجراء محادثات سلام.
كذلك، تدعو الوثيقة إلى احترام سلامة أراضي كل البلدان، ما يعني ضمنا أراضي أوكرانيا التي يخضع جزء منها للسيطرة الروسية.
وفيما رحّبت كييف بهذه الوثيقة الصينية بحذر، قوبلت بمزيد من الشك في الغرب، لأن بكين، المحايدة رسميا، لم تدن موسكو مطلقا في العلن.
وقال غانغ إن الصين "ليست سبب الأزمة ولا طرفا فيها ولم تقدم أسلحة لأي من الطرفين" داعيا إلى بدء محادثات سلام "في أقرب وقت ممكن".
وختم أن العلاقة بين بكين وموسكو لا تشكل "تهديدا لأي بلد في العالم".
من هو الرئيس الصيني شي جينبينغ؟
عندما تولى شي جينبينغ السلطة في 2012، توقع المراقبون أن يكون زعيم الحزب الشيوعي الأكثر تقدمية في تاريخ الصين، بسبب تكتمه وتاريخه العائلي.
بعد عشر سنوات، سقطت هذه التوقعات بالكامل ما يظهر الى أي مدى كان هذا الرجل البالغ من العمر 69 عاما والذي فاز الجمعة بولاية ثالثة غير مسبوقة، غير معروف آنذاك.
عمل أقوى رئيس للصين منذ حكم مؤسس النظام ماو تسي تونغ، بصبر على ترسيخ سلطته وعمل على تكميم كل صوت قد يختلف معه ورغبة في السيطرة هيمنت على جميع مفاصل الحياة في الصين الحديثة تقريبًا وباتت تشمل مواضيع اجتماعية-اقتصادية.
يشيد التأريخ الرسمي للحزب الشيوعي الصيني باستمرار بمسيرته من العمل القسري في الريف واختبار حياة الفلاحين القاسية الى صعوده ببطء هرم السلطة وعمله الجاد.
لكن الرئيس الصيني لا يكافح "من أجل السلطة بسبب رغبته في السلطة وحدها"، وفق ما يعتقد ألفريد ل. تشان مؤلف كتاب عن حياة شي، بل يوضح لوكالة فرانس برس أنه "يسعى إلى السلطة (ويستخدمها) كأداة ... لتحقيق رؤيته" لمستقبل بلاده.
ويقول كاتب سيرة آخر هو أدريان غيغس لفرانس برس "لديه فعلا رؤية للصين ويريد أن يراها أقوى دولة في العالم"، معتبرا أن شي ليس مدفوعا برغبة في الإثراء خلافا لما قيل عن ثروته العائلية في وسائل الإعلام الدولية.
يقع الحزب الشيوعي في قلب هذه الرؤية التي يسميها شي "الحلم الصيني" أو "النهضة العظيمة للأمة الصينية".
وكتب كيري براون مؤلف كتاب "شي: دراسة في السلطة" أن "شي رجل إيمان ... بالنسبة له الله هو الحزب الشيوعي". وأضاف أن "أكبر خطأ يرتكبه بقية العالم بشأن شي هو عدم أخذ هذا الإيمان على محمل الجد".
لم تكن طفولته تدل على أنه سيرتقي إلى أعلى منصب في الحزب الشيوعي الصيني. كان والده شي تشونغ شون بطلا ثوريا وأصبح نائبا لرئيس الوزراء، لكن ماو تسي تونغ عاقبه خلال الثورة الثقافية.
وقال تشان إن "شي وعائلته تلقيا معاملة قاسية".
فقد شي جينبينغ مكانته بين ليلة وضحاها ويبدو أن أختا له من أبيه انتحرت بسبب الاضطهاد. وقال هو نفسه إن زملاء المدرسة ابتعدوا عنه. وهي تجربة يقول عالم السياسة ديفيد شامبو إنها ساهمت في منحه "إحساسًا بالانفصال العاطفي والنفسي والاعتماد على الذات منذ سن مبكرة".
في سن الخامسة عشرة فقط أُرسل شي للعمل في ظروف قاسية في الريف حيث كان ينقل الحبوب وينام في مسكن يشبه مغارة حُفر على سفح تلة ويقول إن "قسوة العمل صدمته" خلال هذه الفترة.
وروى لصحيفة واشنطن بوست في 1992 عن جلسات اضطر خلالها لإدانة والده. قال حينذاك "حتى إذا كنت لا تفهم أنت مجبر على الفهم". وأضاف أن "ذلك يجعلك تنضج قبل الأوان".
يقول كاتب سيرته الفرد أل. تشان إن هذه الطفولة القاسية حبته بذهن متقد.
اليوم صارت المغارة التي كان ينام فيها موقعا سياحيا لإظهار اهتمامه بالأكثر فقرا. رسم أحد السكان صورة لشخصية شبه أسطورية تقرأ كتبا في فترات الراحة، مؤكدا أنه "لم يكن رجلاً عاديًا".
وبسبب ما حصل لوالده، رُفض طلبه بالانضمام إلى الحزب الشيوعي مرات عدة قبل أن يقبل.
في 1974 أصبح شي زعيما للحزب في قرية. وقد بدأ على حد قول غيغس "من مستوى منخفض جدا"، وتسلق سلم السلطة إلى أن صار حاكم مقاطعة فوجيان في 1999 ثم زعيم الحزب في تشيجيانغ في 2002 وأخيراً في شنغهاي في 2007.
في نهاية سبعينات القرن الماضي بعد وفاة ماو، رُد الاعتبار لوالده مما عزز موقعه.
بعد طلاقه زوجته الأولى، تزوج شي من مغنية الأوبرا بينغ ليوان في 1987 عندما كانت أكثر منه شهرة.
وتعتقد تساي شيا وهي مسؤولة سابقة في الحزب الشيوعي الصيني تعيش في المنفى في الولايات المتحدة أنه "يعاني من عقدة نقص، نظرًا لأنه تلقى تعليما أقل من قادة كبار آخرين في الحزب الشيوعي الصيني".
قال تشان إن شي اعتبر نفسه دائما "وريثًا للثورة".
في 2007، عيّن في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، أعلى هيئة لصنع القرار في الحزب.
عندما حل محل هو جينتاو بعد خمس سنوات، لم تسمح حصيلة أدائه بالتكهن بأفعاله من التضييق على الحركات الاجتماعية ووسائل الإعلام المستقلة واتهامات بانتهاك حقوق الإنسان في شينجيانغ أو الترويج لسياسة خارجية قوية.
وكتب براون أن أهمية الحزب واضحة وكذلك مهمته وهي أن "يعيد للصين عظمتها". لكن من الواضح أيضًا أنه يخشى أن تضعف قبضته على السلطة.
وقال غيغس "كان انهيار الاتحاد السوفياتي والاشتراكية في أوروبا الشرقية صدمة كبيرة"، موضحا أن شي يعزو الانهيار إلى الانفتاح السياسي.
وتابع "لذلك قرر أن هذا لا ينبغي أن يحدث للصين ... ولهذا السبب يريد قيادة قوية للحزب الشيوعي مع زعيم قوي".
اضف تعليق