لم تقتصر الاعتراضات التي واجهها الرئيس الأمريكي "أوباما" وادارته من قبل الكونغرس الأمريكي، وبالأخص أعضاء الحزب الجمهوري، فيما يتعلق بالمفاوضات حول الملف النووي الإيراني، على الولايات المتحدة الامريكية فحسب... بل امتدت الى الطرف الثاني...إيران، بعد الخلاف الحاد بين المحافظين كطرف معارض لإجراء أي حوار مع الغرب وتحديد الولايات المتحدة الامريكية... والتيار الإصلاحي الذي ما زال مصرا على اكمال مشوار الملف النووي حتى النهاية... والمحافظة على وعودة الانتخابية برفع الحصار الاقتصادي المفروض على ايران، والتقارب مع الغرب لتحسين صورة ايران الخارجية... والاستفادة من الاستثمارات الضخمة لتحريك عجلة الاقتصاد.
واثار توزيع منشورات ضد المفاوضات النووية الايرانية مع القوى الكبرى في مدينة قم المقدسة وسط ايران احتجاجات غير معتادة من الزوار على ما نقلت وكالة ايرنا الرسمية للأنباء، واشارت الوكالة الى ان ناشطين من منظمة الباسيج الطلابية كانوا يوزعون منشورا يندد بالمفاوضات امام مسجد جمكران قرب قم (وسط) عندما اعترضهم عدد من الزوار، وقال لهم احد الزوار "هل جئتم احتفاء بالامام الثاني عشر ام لمصلحتكم الخاصة انتم وجماعتكم" متهما الباسيج "بالاساءة للمشاعر الدينية" للزوار الذين اتوا احتفالا بمولد الامام المهدي، ونادرا ما تذكر الصحافة الايرانية ردود الفعل على هذا النوع من الانشطة التي تجري في البلاد بانتظام.
ومنعت وزارة الداخلية التجمعات المتعلقة بالمفاوضات النووية باسم "الامن القومي"، واوضح المتحدث باسم الوزارة حسين علي اميري "فيما يناقش فريق المفاوضين (الدول الكبرى) سيشكل التظاهر دعما او رفضا للمفاوضات النووية تهديدا للامن القومي"، على ما نقل موقع خبر اونلاين، واضاف "الجميع (في ايران) موافق على مبدأ المفاوضات والجميع يريدها ان تصل الى نتيجة"، بالرغم من المنع نظمت تظاهرة في قزوين (غرب طهران) تنديدا "بالمطالب المبالغ فيها" للغربيين، وتجري القوى الكبرى منذ خريف 2013 مفاوضات مع ايران برعاية الاتحاد الاوروبي حول برنامجها النووي المثير للجدل الذي يسمم العلاقات الدولية منذ 2003، من اجل التوصل الى وسيلة للسيطرة على اي طموحات ذرية لدى طهران مقابل رفع للعقوبات، وبعد اتفاق موقت في تشرين الثاني/نوفمبر 2013 واتفاق مبدئي في الثاني من نيسان/ابريل 2015، بات امام الاطراف مهلة حتى 30 حزيران/يونيو لتوقيع اتفاق كامل ونهائي.
ومع اقتراب الموعد النهائي لإنهاء الجولة الختامية من المفاوضات والتي من المفترض ان تسفر عن اتفاق نهائي بين إيران والقوى الكبرى الست، الا ان شيء من هذا لم يتم تأكيده حتى اللحظة، اذ غالبا ما تصدر إشارات عن تقدم او تراجع في مجمل المباحثات او بعض التفاصيل الفنية، لكن المحادثات تحاط بسرية كاملة... والتسريبات لا تعطي في الغالب صورة واضحة عن طبيعة هذه المفاوضات والمواضيع التي تم مناقشتها... لكن الكثير من المراقبون يرون ان هناك بصيص امل في نهاية النفق... ولعل هذا البصيص هو ما جعل الاجنحة المتشددة في ايران والولايات المتحدة الامريكية تنزعج من إمكانية عبور العقبة النووية... ويرى محللون ان نجاح التيار الإصلاحي في ايران قد يعزز مكاسب الرئاسة والبرلمان الإيراني لصالح التيار الذي يحاول اقناع بقية التيارات السياسية في ايران... بمزيد من الانفتاح الخارجي ورفع القيود عن الحريات العامة والتعبير عن الرأي للنشطاء والمعارضين.
انتخابات ووعود
الى ذلك اعلن الرئيس الايراني حسن روحاني ان الحكومة تريد تنظيم انتخابات تشريعية "حرة ونزيهة" وذلك في خطاب القاه امام مديري الشرطة ومحافظي البلاد على ما اوردت وكالة الانباء الايرانية الرسمية (ايرنا)، وقال روحاني "ان نجاح الحكومة يكمن في تنظيم انتخابات تنافسية حرة ونزيهة"، وقد حدد موعد اجراء الانتخابات التشريعية المقبلة وانتخابات مجلس الخبراء المكلف تعيين ومراقبة وكذلك اقالة المرشد الاعلى للجمهورية في 26 شباط/فبراير 2016، واضاف الرئيس الايراني "يجب الا يمنع احد من القاء خطاب في مدينة ما من خلال الصاق صفة معينة به"، وذلك بعد ان منع عدد من السياسيين من التعبير عن مواقفهم علنا، وفي اذار/مارس الماضي منع نحو خمسين مهاجما لم توضح هويتهم النائب علي مطهري الذي ينتقد بانتظام وضع زعيمي المعارضة مير حسين موسوي ومهدي كروبي قيد الاقامة الجبرية منذ شباط/فبراير 2011، من القاء خطاب في شيراز بجنوب ايران. بحسب فرانس برس.
ومنذ ذلك الحين منع عدد من المسؤولين الاصلاحيين من القاء خطب في مدن عدة من البلاد، ودعا روحاني ايضا الى حيادية اجهزة الدولة في الانتخابات، وقال الرئيس "يجب الا نسمع في هذه المدينة بان الحكومة، والحرس الثوري والجيش والتلفزيون الرسمي والمحافظ ومدير الشرطة او مكتب الامام مناصرون لشخص معين، انه سم بالنسبة للانتخابات"، كما طالب روحاني الذي انتخب في حزيران/يونيو 2013 بدعم الاصلاحيين والمعتدلين، بان تكون صناديق الاقتراع اثناء الانتخابات التشريعية شفافة لتفادي "الادعاء في اليوم التالي بانها كانت محشوة"، وهذه الصناديق تلف حتى الان بقماش ابيض او بالبلاستيك السميك ومختومة، وقال روحاني ايضا "يجب الاحجام عن هذه الممارسات لتفادي توجيه الاتهامات الى النظام".
كما دعا الرئيس الايراني حسن روحاني الى "وحدة الامة" في مواجهة "الاعداء" وذلك لمناسبة احياء ذكرى رحيل الامام الخميني في طهران حيث القى كلمة وسط اجواء مشحونة قوطع خلالها مرات، ويواجه روحاني الذي كان يتحدث لمناسبة الذكرى 26 لرحيل مؤسس جمهورية ايران الاسلامية، جناحا محافظا يندد بما يعتبره محاولات للتقارب بين الحكومة الايرانية والاعداء التاريخيين لايران واولهم الولايات المتحدة، وذلك بالتزامن مع مفاوضات الملف النووي الإيراني، وقال حسن روحاني "نحتاج الوحدة والتلاحم"، مشيرا الى الامام الخميني الذي توفي في 4 حزيران/يونيو 1989 بعد ان حكم ايران عشر سنوات، واضاف "يريد الاعداء ان يبثوا الشقاق ين المجموعات الأثنية والديانات والخطوة الاولى (لمواجهة ذلك) هي ان نكون موحدين في البلد"، ودعا الى "توحيد الكلمة" رغم "اختلاف وجهات النظر والاحزاب المختلفة من اجل مصلحتنا الوطنية وللحفاظ على النظام".
وكان روحاني يتحدث في ضريح الخميني وقد قوطع عدة مرات من جمهور رفع شعارات تمجد الخميني وخلفه علي خامنئي، ومع تأييده المفاوضات النووية فان خامنئي عبر دائما عن ارتيابه بشأن نتائج هذه المفاوضات، واكد حسن روحاني انه وصل الى الحكم "بإرادة الشعب" في الانتخابات الرئاسية التي جرت في حزيران/يونيو 2013 وفاز بها من الجولة الأولى، وقال "هذه الامة قاومت لمدة 36 عاما وستواصل المقاومة"، واعدا بالوفاء بما وعد به خلال حملته الانتخابي، وكان روحاني وعد بحل ازمة برنامج ايران النووي ورفع العقوبات الدولية التي تخنق اقتصاد البلاد، ودافع عن حريات مدنية اكبر في اطار احترام الاخلاق الاسلامية وهو ما جذب اليه الكثير من اصوات الناخبين الذين تقل اعمارهم عن 30 عاما والذين يشكلون الاغلبية في ايران. بحسب فرانس برس.
اتهامات قد تطال نجادي
من ناحيتها وفي أواخر يناير كانون الثاني الماضي قضت محكمة بسجن نائب سابق للرئيس المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد بتهمة الاختلاس ما أثار عاصفة من الادعاءات التي كانت سببا لتكهنات تقول الآن إن أحمدي نجاد نفسه قد يواجه اتهامات، وقد وردت هذه الادعاءات في رسالة خاصة نشرتها وكالة العمال الايرانية للانباء لتكشف في خطوة نادرة من نوعها عن الانقسامات على مستوى القيادات في وقت تظهر فيه مؤشرات على أن الرئيس السابق - وهو من أشد المنتقدين للغرب - يتأهب للعودة إلى الساحة السياسية، ونفى أحمدي نجاد الادعاءات التي ربطت بينه وبين القضية وقال أنصاره إن الدافع وراء طرح الادعاءات سياسي، ومنذ ذلك الحين أبدى مسؤولون كبار قلقهم من أن تؤدي الانقسامات العلنية بين قيادات الفصائل المختلفة إلى تقويض المفاوضات الجارية مع القوى العالمية لتسوية النزاع على البرنامج النووي الإيراني، وفي خطاب في أواخر مارس آذار على سبيل المثال حث الزعيم الايراني الأعلى آية الله علي خامنئي أي منتقدين للحكومة في المفاوضات التي يقودها حسن روحاني خليفة أحمدي نجاد على عدم استخدام الإهانات.
وفي ضوء هذه التطورات سيكون الاستمرار في الادعاءات ضد أحمدي نجاد أمرا له حساسيته بل إن بعض المحللين يرون أنه أمر مفرط في الحساسية، غير أن آخرين يقولون إن تصريحات بعض نواب البرلمان والمسؤولين ووسائل الإعلام التي تربطها صلة وثيقة بالسلطات تشير إلى أن القضاء يقترب من نظر الأمر، وكان رضا رحيمي النائب السابق لأحمدي نجاد قد أصبح أرفع مسؤول يدان بالفساد منذ قيام الثورة الاسلامية عام 1979 عندما حكم عليه بالسجن خمس سنوات وغرامة قدرها 38.5 مليار ريال (أي حوالي 1.3 مليون دولار)، وقالت بعض وسائل الإعلام الرسمية إنه قبل رشى فيما يتصل بفساد في شركة ايران للتأمين التابعة للدولة، وكتب رحيمي رسالة إلى أحمدي نجاد شاكيا أنه كان يجب أن يقف إلى جواره في تلك القضية وزعم أنه أي رحيمي نفسه ساعد الحكومة في دفع رشى قيمتها 12 مليار ريال (400 ألف دولار) لنحو 170 مرشحا من المحافظين في انتخابات برلمانية عام 2008.
وقال رحيمي في رسالته "ألم يتم ابلاغك بأن هذه هي الحكاية كلها"، ولم يقل رحيمي شيئا عما كان يجب على هؤلاء المرشحين أن يفعلوه مقابل ما حصلوا عليه من أموال لكنه أشار ضمنا إلى أنه كان من المتوقع أن يتعاونوا مع حكومة أحمدي نجاد، وكان رحيمي نائبا للرئيس في الفترة من 2009 إلى 2013، وقبل نشر الرسالة نفى أحمدي نجاد في بيان أن اتهامات الفساد الموجهة لرحيمي ترتبط بحكومته مشيرا إلى أنها تتصل بفترة سبقت شغل رحيمي منصب نائب الرئيس، وبعد ذلك بأيام أطلق أحمدي نجاد موقعا جديدا على الانترنت في إشارة إلى احتمال عودته للساحة السياسية في الانتخابات البرلمانية خلال العام المقبل، وفي العام الماضي تم تنفيذ حكم الإعدام شنقا في ملياردير يتردد أنه كان على صلة بمساعدين لأحمدي نجاد وذلك لمشاركته في عملية احتيال بلغ قيمة الأموال فيها 2.7 مليار دولار وكذلك غسل أموال شملت أطرافها 14 بنكا من البنوك المملوكة للدولة والبنوك الخاصة، ونفى المتهمون الأربعة في تلك القضية ارتكاب أي مخالفات، وسلط الضوء على هذه القضية في وقت يعاني فيه الايرانيون معاناة شديدة بسبب العقوبات المفروضة على بلادهم وكان لها أثر بالغ السلبية على سمعة أحمدي نجاد ومن حوله في نهاية فترته الثانية في الرئاسة. بحسب رويترز.
واتهم أنصار أحمدي نجاد خصومه السياسيين باستغلال تلك القضية لضمان عدم إتاحة أي فرصة لحلفاء الرئيس المنتهية ولايته في انتخابات الرئاسة عام 2013، وانتهت الانتخابات بفوز روحاني في انتصار ساحق بفضل تعهداته لتخفيف العزلة الدولية المفروضة على ايران وإصلاح ما لحق بالبلاد من أضرار بسبب العقوبات المرتبطة بالبرنامج النووي الايراني بالإضافة إلى ما وصفه روحاني بسوء الادارة المالية في عهد أحمدي نجاد، ودفعت رسالة رحيمي مجموعة من نواب البرلمان لكتابة رسالة إلى قيادات الجهاز القضائي والبرلمان يحثهم فيها على الكشف عن المرشحين الذين تردد حصولهم على رشى، وقال كمال الدين بيرموازن أحد الذين شاركوا في صياغة الرسالة "ليس هذا بالمال النظيف، علينا استرداد هذه الأموال بأي وسيلة ممكنة ووضعها تحت تصرف الشعب"، كما اشتبك أحمدي نجاد - الخطيب المفوه الذي كان يندد كثيرا بالغرب - مع البرلمان واتهمه بعض الأعضاء بسوء إدارة الاقتصاد والتنكر لخامنئي.
وقال أحمد توكلي عضو البرلمان المحافظ الذي ينتقد أحمدي نجاد منذ فترة طويلة إنه يجب توجيه اتهامات للرئيس السابق، ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الاسلامية عن توكلي قوله في أوائل فبراير شباط الماضي "أي شخص يخالف القانون يجب أن يحاكم، وفي رأيي أن أحمدي نجاد من المخالفين للقانون"، وانطلقت حملة على موقعي فيسبوك وانستجرام الالكترونيين في أعقاب نشر الرسالة تحت اسم "المطالبة بمحاكمة محمود أحمدي نجاد،" ورفض مؤسسو صفحة الفيسبوك طلبا لإجراء مقابلة معهم، وقال متحدث باسم مجلس صيانة الدستور الذي يتمتع بصلاحيات كبيرة من بينها إمكانية التدقيق في نواب البرلمان ويملك سلطات تشريعية وقضائية إن بوسع المجلس التدخل للتحقيق في الادعاءات الواردة في رسالة رحيمي إذا بدأ البرلمان التحقيق في الأمر أو إذا فتح القضاء ملفا جديدا.
وردا على سؤال عن المغزى الأوسع للحكم على رحيمي قال غلام حسين محسني إيجي المتحدث باسم الجهاز القضائي في مؤتمر صحفي إن "القضاء كان وسيظل يمتلك نية جادة للتصدي لكل الأشخاص الفاسدين على الصعيد الاقتصادي على أي مستوى ومهما كانت المناصب التي يشغلونها"، ولم تفلح كل المحاولات الرامية للاتصال بكبار مستشاري أحمدي نجاد السابقين عن طريق الهاتف من أجل التعليق، ويواجه أحمدي نجاد بالفعل مجموعة من الاتهامات عن الفترة التي قضاها في المناصب العامة وكلها تتصل في الغالب حسب ما تقوله وسائل الاعلام المحلية بعدم اتباع الإجراءات الحكومية السليمة، واستدعته محكمة في أواخر عام 2013 للاستماع إلى أقواله لكنه لم يحضر، وسئل محسني ايجي المتحدث باسم القضاء عن الملف القانوني لأحمدي نجاد فقال "في الوقت الحالي هذه المسألة يجري متابعتها وستتوقف المدة على النائب العام."
ويشك البعض أن أحمدي نجاد سيقدم للمحاكمة بغض النظر عن مدى صحة الاتهامات لأن ذلك سينال من صورة خامنئي الذي كان دعمه لأحمدي نجاد عاملا رئيسيا في إحكام الرئيس السابق قبضته على السلطة لا سيما بعد إعادة انتخابه عام 2009 عندما سحقت قوات الأمن اضطرابات شعبية بسبب ما تردد عن تلاعب في أصوات الناخبين بحسب رويترز، وقال عباس ميلاني مدير برنامج الدراسات الايرانية بجامعة ستانفورد "إذا اتخذوا خطوة ضد أحمدي نجاد فلن يكون الأمر أنه قد يكشف عن المزيد من الوثائق - وهو الذي هدد فعلا بذلك في كثير من الأحيان - بل أن الناس سيبدأون في نهاية المطاف في التساؤل عمن يقف وراءه"، وقال في إشارة إلى الحرس الثوري أقوى قوة عسكرية في ايران "وكلنا نعلم أن الاجابة عن ذلك السؤال هي آية الله خامنئي والقيادة العليا للحرس الثوري"، ووجهت وسائل إعلام محلية لأحمدي نجاد سؤالا في فبراير شباط الماضي عن اتهامات الفساد، ونقلت وكالة الطلبة الايرانية للأنباء عنه قوله "توجد إجابات لكن الآن ليس هو الوقت المناسب."
اضف تعليق