الضجة التي اثيرت حول خطاب رئيس الوزراء الاسرائيلي "نتنياهو" امام الكونغرس الامريكي، جعلت منه اقرب الى الخطاب "التاريخي" او "المفصلي" في تحديد مسار العلاقات الاسرائيلية-الامريكية من جهة، ومسار الاتفاق النووي الايراني مع الولايات المتحدة الامريكية والدول الخمس الكبرى من جهة اخرى، لكن الحقيقية هي بخلاف ذلك تماما، فذهاب نتنياهو الى الولايات المتحدة الامريكية لمطالبة اعضاء الكونغرس الامريكي (وبالأخص امام الجمهوريين المتعاطفين معه)، بمنع "اتفاق سيء"، حسب وصفة، قد يهدد امن اسرائيل والمنطقة، هو امر طبيعي بالنسبة للعلاقة (السياسية والامنية والاقتصادية وحتى القومية) التي تربط البلدين (اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية)، كما ان هذه العلاقة لن تتأثر (بالشكل الذي نعتقد به او نتصوره كما ضخمته وسائل الاعلام او تصريحات بعض المسؤولين) بسبب خلاف بروتوكولي او خلاف شخصي بين زعيمين، ويرى باحثون ان النتيجة ستكون واحدة بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية وادارة البيت الابيض، قبل الخطاب وبعده، فالمحادثات النووية ماضية في اتجاه وضع اللمسات الاخيرة المرسوم لها منذ اكثر من عام، كما يرجح اخرون ان فشل المفاوضات النووية بين ايران والاطراف الدولية قد تكون لها نتائج اشد خطورة على امن اسرائيل من ابرام الاتفاق الذي تطمح اليه ادارة اوباما في تحقيق نصر سياسي قد يتوج به نهاية ولايته الثانية كرئيس للولايات المتحدة الامريكية.
ويبدو ان نتنياهو الذي عجز كقائد سياسي وحليف مقرب من الولايات المتحدة الامريكية من وضع حد للتقارب الايراني-الامريكي، الذي بني على مقاربة سياسية جديدة لمنطقة الشرق الاوسط، يحاول الرئيس الامريكي "اوباما" تطبيقها منذ توليه الادارة الامريكية، وقد فشلت جميع مساعي نتنياهو السابقة في عرقلة المفاوضات الايرانية، والتشكيك بنوايا الايرانيين، ومهاجمة الرئيس الامريكي واتهامه بإضعاف الولايات المتحدة الامريكية، ولم يبقى امامة سوى الذهاب مباشرة الى الكونغرس الامريكي لطرح مخاوفة من الاتفاق النووي ومحاولة كسب عواطف الجمهوريين بخطاب عاطفي حماسي اكثر مما قد يتضمنه من الحقائق او البراهين، وقال مصدر رفيع بوفد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن الأخير سيكشف عن تفاصيل لما يعتقد أنه اتفاق الملف النووي الإيراني مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، وأضاف المصدر الذي لم يُكشف عن اسمه لكونه غير مخول بالتحدث بصورة رسمية أن الحكومة الإسرائيلية لديها "فهم جيد لهذا الاتفاق ويمكنها استخلاص النتائج منه، رئيس الوزراء الإسرائيلي متوجه للكونغرس لشرح ما لا يعلمونه عن هذا الاتفاق، وأنه اتفاق سيئ"، وتابع قائلا للصحفيين إن نتنياهو يأمل من المشرعين الأمريكيين طلب تأجيل الموعد النهائي للاتفاق في 24 مارس/ آذار الجاري، ويشار إلى أن نتنياهو سيتحدث مع أعضاء في الكونغرس، وغرد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأنه ذاهب في مهمة تاريخية ومصيرية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وقال نتنياهو في تغريدة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي، تويتر: "انا مغادر لواشنطن بمهمة مصيرية وتاريخية، أنا مبعوث كل الإسرائيليين، حتى هؤلاء ممن يعارضونني"، من جهتها ردت السيناتور، دايان فينستسن، الأمريكية اليهودية عن الحزب قائلة إن نتنياهو "لا يتحدث باسمي في هذه المسألة واعتقد أنه تصريح متعجرف، واعتقد أن المجتمع اليهودي كأي مجتمع آخر لديه وجهات نظر مختلفة".
نسف الاتفاق مع إيران
فقد وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى واشنطن في زيارة تهدف لإقناع الكونغرس الأمريكي بنسف الاتفاق "السيء" الجاري التفاوض عليه بين إيران والمجتمع الدولي حول البرنامج النووي الإيراني، وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى الولايات المتحدة في زيارة "تاريخية" تهدف لإقناع الكونغرس الأمريكي بنسف الاتفاق "السيء" الجاري التفاوض عليه بين طهران والمجتمع الدولي حول البرنامج النووي الإيراني، وصرح عضو في الوفد المرافق لنتانياهو لدى وصوله إلى واشنطن "نحن نعرف الكثير عن الاتفاق الجاري التحضير له"، في إشارة إلى الاتفاق الذي تكثفت المفاوضات بشأنه بين إيران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا إضافة إلى ألمانيا) قبل شهر من المهلة النهائية لإبرامه والمحددة في 31 آذار/مارس، وتابع "من وجهة نظرنا هذا اتفاق سيء"، ولم يوضح المصدر من أين حصلت إسرائيل على هذه "المعلومات الممتازة" بشأن الاتفاق الجاري التفاوض بشأنه والذي ينص خصوصا على رفع العقوبات الدولية عن إيران مقابل تقديم الأخيرة ضمانات على أن برنامجها النووي مدني وسلمي.
ومشروع هذه التسوية التاريخية بين القوى الكبرى والجمهورية الإسلامية يثير توترا شديدا بين الحليفين إسرائيل والولايات المتحدة، ويلقي نتانياهو خطابا أمام المؤتمر السنوي للجنة العلاقات الخارجية الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) التي تعتبر أقوى لوبي مؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة، ثم يلقي رئيس الوزراء الإسرائيلي خطابا أمام الكونغرس الأمريكي بدعوة من الجمهوريين في مسعى أخير لنسف مشروع الاتفاق بين القوى العظمى وإيران، وتعتبر إسرائيل أن الاتفاق الذي يجري التفاوض حاليا بشأنه بين إيران ومجموعة 5+1 قد يقود إلى تخفيف العقوبات الدولية المفروضة على الجمهورية الإسلامية بدون الحصول على ضمانات كافية تكفل عدم تمكن طهران من اقتناء السلاح النووي، وتراهن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على التوصل إلى اتفاق مع إيران عبر الدبلوماسية لكنها لم تستبعد أبدا بشكل كامل الخيار العسكري في حال فشل جهود التسوية، وقال نتانياهو للصحافيين في مطار بن غوريون قبل صعوده على متن الطائرة "أتوجه إلى واشنطن في مهمة مصيرية وحتى تاريخية"، وأضاف "أشعر بقلق عميق وصادق على أمن مواطني إسرائيل وعلى مستقبل الدولة وعلى شعبنا"، مؤكدا "سأفعل كل ما بوسعي لضمان مستقبلنا". بحسب فرانس برس.
وجعل الرئيس الأمريكي من التقارب مع إيران أولوية في سياسته الخارجية، وفي الوقت نفسه فإن العلاقات الشخصية بين أوباما ونتانياهو كانت على الدوام سيئة، وأعلن البيت الأبيض الغاضب من هذه الزيارة التي نظمها رئيس مجلس النواب الأمريكي الجمهوري جون باينر دون إبلاغ الرئاسة، أنه لن يتم عقد أي لقاء بين نتانياهو والرئيس أوباما، كما أن نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي يحضر تقليديا خطابات القادة الأجانب في الكونغرس، سيكون غائبا عن الجلسة بسبب زيارة يقوم بها إلى غواتيمالا، كما أن وزير الخارجية جون كيري غادر واشنطن إلى سويسرا، وكانت مستشارة الأمن القومي الأمريكي سوزان رايس اعتبرت في مقابلة أن قبول نتانياهو دعوة لإلقاء خطاب أمام الكونغرس بدون موافقة البيت الأبيض سيكون له "أثر مدمر" على العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، وقال كيري قبل مغادرته الولايات المتحدة "كان غريبا وحتى استثنائيا أن نسمع بالأمر من رئيس مجلس النواب وأن لا يتم اشراك الإدارة بالعملية، ورغم ذلك لا تريد الإدارة تسييس الأمر"، وأضاف أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي موضع ترحيب بالتأكيد لإلقاء خطاب في الولايات المتحدة، ولم نشهد أبدا في التاريخ علاقة أقرب مع إسرائيل على صعيد الأمن".
خلافات حادة
فيما وجه ما يقرب من 30 مشرعاً أمريكياً ضربة جديدة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عندما أعلنوا مقاطعتهم للخطاب الذي يعتزم توجيهه أمام الكونغرس، حول ملف البرنامج النووي الإيراني، وبعد أن أثار طلب رئيس الحكومة الإسرائيلية إلقاء خطاب أمام الكونغرس، دون تنسيق مع البيت الأبيض، غضباً لدى إدارة الرئيس باراك أوباما، أعلن عدد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، عدم حضورهم الجلسة المشتركة للكونغرس، والتي ستحدث نتنياهو أمامها، ومن أبرز هؤلاء جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، والذي يترأس مجلس الشيوخ بحكم منصبه، إضافة إلى عدد آخر من أبرز الأعضاء من الحزب الديمقراطي، أربعة منهم في مجلس الشيوخ، و26 من أعضاء مجلس النواب، أما في إسرائيل، فقد وقع العشرات من كبار الحاخامات المحسوبين على "التيار الصهيوني المتدين"، رسالة مفتوحة، أعربوا فيها عن دعمهم لنية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلقاء خطاب أمام الكونغرس الأمريكي، وأشاد الحاخامات، وفق ما نقلت الإذاعة الإسرائيلية، بـ"الجهود التي يبذلها رئيس الوزراء، من أجل التأثير على أعضاء الكونغرس، ليتراجعوا عما وصوفوا بعدم المبالاة حيال الملف النووي الإيراني، والمؤامرات الإيرانية". بحسب سي ان ان.
وحذر وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعالون، من أن أي اتفاق بين الدول الغربية وإيران، بشأن البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية، من شأنه أن "يشكل خطراً جماً على السلام العالمي، ويهدد أمن إسرائيل"، وقال يعالون، تزامناً مع استئناف المفاوضات بين إيران والقوى الدولية حول برنامجها النووي، إن "طهران تشكل العامل الرئيسي وراء عدم الاستقرار في الشرق الاوسط، وأنها تمد أذرعها الإرهابية إلى كافة أنحاء العالم بغية المس بالمصالح الإسرائيلية والغربية"، وتابع في بيان أوردته الإذاعة الإسرائيلية، أن "أي اتفاق قد يتم التوصل إليه بين الغرب وبين النظام المتطرف في طهران، سيمس بشكل بالغ في المصالح الغربية والإسرائيلية، ويتيح لإيران أن تبقى على عتبة الحصول على أسلحة نووية، وأن تواصل ممارسة الإرهاب"، وشدد الوزير الإسرائيلي على أن بلاده لن تتنازل عن سلامة وأمن مواطنيها، وأنها ستحذر من هذا الاتفاق عبر كل الوسائل المتاحة لها، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، سيعمل ذلك في الخطاب الذي سيلقيه أمام الكونغرس الأمريكي، وعُقدت جولة جديدة من المفاوضات بين إيران ومجموعة (5+1) في مدينة جنيف بسويسرا، ونقلت وكالة "فارس" للأنباء عن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، قوله إن "تقدماً نسبياً تحقق في بعض المواضيع"، إلا أنه أكد أن "الطريق لا يزال طويلاً للتوصل إلى اتفاق نهائي".
اضف تعليق