تشير الوقائع الى أن قضية النووي الايراني تتحرك بسكون ورتابة، بسبب معضلة فقدان الثقة بين ايران والغرب، فقد اتسمت حيثيات التفاوض حول الملف النووي بين الاطراف المتخاصمة بالمناورات السياسية والأجندة المجهولة في مختلف مراحل المفاوضات، حتى باتت تشكل المفاوضات النووية اشبه بمقايضة سياسية، تتراوح بين المد والجز دون الركون الى وضع ايجابي، يحسم هذه القضية الدولية الجدلية، إذ أن معظم المحللين يقولون، انه ليس من السهل الحصول على تسوية سريعة لنزاع يشوبه الغموض، ومستمر منذ عقد تقريبا واثار مخاوف من اندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط.
فعلى الرغم من التقدم في المفاوضات النووية قبل خمسة اسابيع من مهلة التوصل الى اتفاق بشأن برنامج ايران النووي، لكن الطريق امام اتفاق نهائي لا يزال طويلا، ويتزايد الضغط على ايران والقوى الكبرى الست (الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا والمانيا) التي يتعين عليها ان تتوصل بحلول 31 آذار/مارس الى اتفاق سياسي، حول البرنامج النووي الايراني الذي يثير ازمة دولية منذ عقد من الزمان.
ويرى بعض المحللين ان الصفقات السياسية الاكثر فعالية وفائدة لطرفي الخصام، هي ابرز عوائق التوصل الى تسوية للقضية النووية على الرغم من سير المفاوضات بطريقة براغماتية، اذ يرى الكثير من المتخصصين في الشؤون الدولية ان الهوة ما زالت قائمة والخلافات موجودة، وان كافة الاطراف يتفاوضون بجدية، ودخلت المفاوضات في العديد من الميادين بالتفاصيل، وفي بعض الحالات تم التوصل الى حلول، لكن لم يصلوا بعد الى ايجاد حلول كاملة بشأن المسائل الاساسية، لذا فقد حان الوقت لاتخاذ قرارات سياسية تجسد التصريحات الايجابية وتحولها الى افعال في الواقع لحسم اكثر القضايا الدولية جدلا.
فكما يبدو ان طلاسم الغموض والشكوك مازالت تحوم حول فعالية الجهود الرامية من لدن القوى الدولية الكبرى وايران في حسم القضية النووية، ويرى الكثير من المحللين انه كلما طال أمد المفاوضات كلما اصبحت معقدة أكثر فأكثر. لذا يبدو ان حدوث انفراجة او اتفاق نهائي صعبة التحقيق على المدى القريب.
كشف النوايا
فقد بدا جون كيري وزير الخارجية الاميركي حذرا امام النواب وقال لاعضاء الكونغرس انه "لا يعرف بعد" ما اذا كان سيتم توقيع اتفاق تاريخي بعد اكثر من شهر. ويقدر البيت الابيض فرص النجاح ب "50 بالمئة في أفضل الحالات"، وقال "لقد حققنا معرفة معمقة غير مسبوقة بما يجري" دون ان يكشف مضمون المباحثات" واضاف محذرا "ونتوقع ان نعرف قريبا ما اذا كانت ايران مستعدة ام لا للتوصل الى اتفاق مقبول وقابل للتحقق منه". بحسب فرانس برس.
وكان الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي جعل من التقارب مع ايران اولوية في سياسته الخارجية، استبعد في خطابه عن حالة الاتحاد في كانون الثاني/يناير، اي تمديد جديد للمفاوضات الدولية. وشدد على انه على ايران ان تحزم امرها، وبدا العد التنازلي ومن المقرر ان يلتقي المدراء السياسيون للحكومات في دول خمسة زائد واحد وايران في بداية آذار/مارس بسويسرا، على الارجح بحضور ظريف وكيري.
ومع ذلك فان وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيدريكا موغيريني اعتبرت ان الاتفاق بات "في متناول اليد"، ورات انه بعد 12 عاما من المباحثات "ى يمكننا اضاعة هذه الفرصة"، كما قالت روسيا ان "ثقتها تزداد" في التوصل الى تسوية كاملة، وتبحث القوى الكبرى وايران منذ 2003 سبل انهاء الازمة وتهدئة التوتر الذي يسمم العلاقات.
وبدأت المرحلة الاكثر اهمية من المفاوضات خريف 2013 بعد مباحثات هاتفية تاريخية بين الرئيس الايراني حسن روحاني ونظيره الاميركي باراك اوباما، وعلى اساس اتفاق مرحلي في تشرين الثاني/نوفمبر 2013، بدأت الدول الست وايران محاولة صياغة اتفاق نهائي يتيح لايران القيام ببعض الانشطة النووية المدنية لكنه يمنعها من حيازة قنبلة ذرية.
في المقابل يتم رفع العقوبات الدولية على ايران، وتطالب طهران بحقها الكامل في النووي السلمي وتؤكد ان برنامجها لا يشمل جانبا عسكريا. وتطالب الدول الكبرى ان تحد طهران من قدراتها التقنية بما يجعل الخيار العسكري مستحيلا.
ولم يستبعد الرئيس اوباما ابدا بشكل كامل امكانية قصف البنى التحتية الايرانية في حال فشل الدبلوماسية، واكد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو انه سيقوم "بكل ما بوسعه لمنع موافقة" الكنغرس على الاتفاق معتبرا ان الكنغرس الاميركي يشكل "آخر متراس"، ودعي نتانياهو من قبل نواب جمهوريين لالقاء خطاب في الثالث من آذار/مارس امام الكنغرس، وهي زيارة اثارت امتعاض البيت الابيض والخارجية الاميركية، وليس من المقرر ان يجري اي لقاء بين الحكومة الاميركية والحليف الاسرائيلي.
انطباعات إيجابية
قال مسؤول أمريكي كبير إن المحادثات بين بلاده وإيران بشأن برنامجها النووي أحرزت "بعض التقدم" وتمكنت من "تسهيل بعض القضايا الصعبة" التي تحتاج إلى حل لكن الجانبين قالا إنه لا تزال هناك حاجة لفعل الكثير.
وأضاف في تصريحات بعد محادثات استمرت يومين بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف في جنيف أن مفاوضين من إيران والقوى الست الكبرى اتفقوا على استئناف المحادثات الاثنين المقبل في مكان سيتخذ قرار بشأنه.
وقال ظريف لوكالة فارس الإيرانية للأنباء "أجرينا محادثات جادة مع ممثلي مجموعة خمسة زائد واحد وخاصة مع الأمريكيين في الأيام الثلاثة الماضية... لكن الطريق ما زال طويلا أمام التوصل إلى اتفاق نهائي"، وبمجرد أن وصلت طائرة كيري إلى واشنطن في وقت لاحق قال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية إن كيري وظريف سيجتمعان الأسبوع المقبل وإنه يجري العمل بشأن تفاصيل الاجتماع. بحسب رويترز.
وتسعى مجموعة خمسة زائد واحد التي تضم الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا للتفاوض بشأن اتفاق مع إيران على تهدئة المخاوف من أنها تسعى لامتلاك تكنولوجيا أسلحة نووية وهو ما تنفيه طهران.
وقال المسؤول الكبير بالإدارة الأمريكية للصحفيين "كانت محادثات جادة ومفيدة وبناءة. أحرزنا بعض التقدم ولكن ما زال أمامنا طريق طويل. تمكنا من توضيح بعض القضايا الصعبة حتى يمكننا العمل على حلها".
ويأمل المفاوضون في الالتزام بمهلة أعلنوها وتنتهي في 31 مارس آذار للتوصل إلى اتفاق سياسي مبدئي لكن المسؤول الأمريكي قال إن هذا "لن يجعلنا نهرع نحو اتفاق لا يحقق الأهداف التي حددها لنا الرئيس"، وأضاف أن هدف ضمان عدم امتلاك إيران لسلاح نووي "يجب أن يتحقق ولا يتعلق الأمر بالمهلة بل الغاية"، وتأمل إيران في أن يؤدي الاتفاق إلى تخفيف عقوبات دولية مفروضة عليها.
التعاون مع وكالة الطاقة الذرية
بدوره قال كبير المفاوضين النوويين في ايران ان بلاده ستسرع من تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وجاء ذلك بعد أيام من قول الوكالة التابعة للامم المتحدة ان ايران مستمرة في عرقلة جانب من تحقيقها في البرنامج النووي لطهران، وقال عباس عراقجي للصحفيين بعد اجتماعه في فيينا مع رئيس الوكالة يوكيا أمانو "اتفقنا... على التحرك سريعا وبشكل أفضل (في التعاون مع الوكالة)". بحسب رويترز.
ويمكن للشكوك في مدى تعاون ايران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ان تلبد هذه المحادثات. وتقول ايران ان برنامجها سلمي تماما، وقال عراقجي "تمكنا من مراجعة مسار التعاون بين ايران والوكالة وقررنا تسريع التعاون اعترافا بالدور الهام للوكالة في اي اتفاق محتمل يتم التوصل اليه مستقبلا بين ايران والخمسة + 1" مشيرا الى الدول الست الكبرى التي تتفاوض معها طهران، وصرح عراقجي بأنه رغم التقدم الذي تحقق مؤخرا في المحادثات بين ايران والقوى الكبرى في جنيف لا يزال هناك "طريق طويل" أمام التوصل الى اتفاق نهائي والذي يجب أيضا ان تلعب فيه الوكالة الدولية دورا، والدول الست هي روسيا وبريطانيا والصين وفرنسا والولايات المتحدة وألمانيا.
طريق الاتفاق النهائي لا يزال طويلا
من جهته اعلن وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف ان المفاوضات حول الملف النووي الايراني تحرز تقدما لكن "الطريق لا يزال طويلا" قبل بلوغ اتفاق نهائي، وذلك بعد سلسلة لقاءات مع نظيره الاميركي جون كيري.
وقال ظريف كما نقلت عنه وسائل الاعلام الايرانية "تم احراز تقدم حول بعض الموضوعات، لكن الطريق لا يزال طويلا للتوصل الى اتفاق نهائي"، واعلن مسؤول اميركي في وقت سابق ان المحادثات حول برنامج طهران النووي ستستأنف المقبل في سويسرا.
وستجري هذه المحادثات على مستوى المديرين السياسيين ونواب الوزراء بحسب المصدر نفسه الذي لم يشأ كشف هويته، ووصف ظريف المفاوضات بانها "جدية، مفيدة وبناءة مع دول مجموعة خمسة زائد واحد، وخصوصا مع الجانب الاميركي".
من جهته دعا الرئيس الايراني حسن روحاني الدول الكبرى الى "اغتنام فرصة" التوصل الى اتفاق نووي، مشيرا الى ان طهران اتخذت "الخطوات اللازمة" لذلك، واضاف خلال اجتماع مع مستشار الامن القومي في الهند اجيت دوفال ان "تقدما جيدا تحقق في المفاوضات رغم انه لا تزال هناك مسافة للتوصل الى اتفاق نهائي"، وتابع روحاني ان "ايران اتخذت الخطوات اللازمة، والاى حان دور الجانب الاخر لاغتنام الفرصة". بحسب فرانس برس.
وكان الرئيس الاميركي قال الاثنين انه لا يرى سببا لتمديد المحادثات النووية مع ايران مرة اخرى، مؤكدا ان المسالة الان تتعلق بما اذا كانت طهران تريد التوصل الى اتفاق.
خامنئي يتعهد بموقف نووي صارم
على صعيد ذي صلة تعهد الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي بأن تقاوم بلاده العقوبات الدولية المفروضة على طهران بسبب برنامجها النووي وقال إن إيران قد ترد على الضغوط الدولية بتقليص صادرات الغاز.
وقال خامنئي في كلمة للجماهير نشرتها وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية "العدو بات يستخدم أداة العقوبات إلی أبعد الحدود وهدف العدو هو وقف حرکة الشعب"، وأضاف "أعتقد لو جری حل القضية النووية وفقا لإملاءاتهم فلن يتم رفع العقوبات عن إیران لأنهم يرفضون مبدأ الثورة من الأساس". بحسب رويترز.
وقال خامنئي "لا بد أن نتخذ إجراءات جادة ويمكننا الصمود أمام العقوبات وإفشال مؤامرات الأعداء. وإن لم نصمد أمام العدو لأملى علينا شروطه النووية وفرض علينا العقوبات"، وتابع "لو كان الغرض فرض العقوبات فالشعب الإیرانی سيكون قادرا على فرض العقوبات عليهم في المستقبل. وتوجد في إیران تشكيلة كبيرة من مصادر النفط والغاز في العالم." وأوضح أن أوروبا تحتاج لهذه الموارد وأن إیران يمكن أن تفرض من العقوبات ما يمنع هذه الموارد عن الأسواق، وتنتج إيران 2.7 مليون برميل نفط يوميا معظمها للاستهلاك المحلي. وتنتج أيضا 600 مليون متر مكعب من الغاز يوميا منها 500 مليون متر مكعب للاستهلاك المحلي على الرغم من أن المسؤولين الإيرانيين يقولون إنهم يخططون لمضاعفة انتاج الغاز خلال عامين.
وذكر خامنئي أن الولايات المتحدة التي تشن غارات جوية على متشددي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا كتبت رسالة إلى طهران بشأن مواجهة الجماعة الإسلامية المتشددة. لكنه اتهم واشنطن بدعم متشددي الدولة الإسلامية سرا.
وقال خامنئي "قاموا بإرسال رسالة إلی الخارجية الإيرانية بشأن التحالف المزيف ضد داعش (اختصار الاسم القديم لتنظيم الدولة الإسلامية) وادعوا خلالها أنهم لا يدعمون هذا التنظيم فيما أن صور المساعدات التسليحية الأمريكية لداعش وقعت بيد المجاهدين الثوار (حكومة العراق التي يقودها الشيعة والجماعات المتحالفة معها)".
وعلى نحو منفصل انتقدت وزارة الخارجية الإيرانية أيضا الاتحاد الأوروبي يوم الأربعاء لإعادة فرض عقوبات على شركة الناقلات الوطنية الإيرانية، ونقلت وكالة أنباء فارس شبه الرسمية عن المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم قولها "هذا إجراء سياسي وهو يتناقض مع طبيعة المحادثات النووية، وقال دبلوماسيون يوم 12 فبراير شباط إن من المقرر أن تتفق حكومات الاتحاد الأوروبي على إعادة شركة الناقلات الوطنية الإيرانية وهي أكبر شركة ناقلات في إيران إلى قائمة العقوبات.
إيران أوقفت اختبار أجهزة الطرد المركزي
الى ذلك أظهر تقرير للأمم المتحدة أن إيران لم توسع نطاق اختبار نماذج أكثر فاعلية من أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم لتخصيب اليورانيوم وذلك في إطار اتفاق نووي مع القوى العالمية الست، وتطوير إيران لأجهزة طرد مركزي متقدمة ملف حساس لأنه قد يتيح لها إنتاج مواد يمكن استخدامها لصنع قنبلة نووية بمعدل أسرع بكثير مما تتيحه نماذج أجهزة الطرد المركزي التي تستخدمها حاليا ويرجع طرازها لعقود.
وينص اتفاق مؤقت أبرم في 2013 بين إيران والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وروسيا والصين على أن بوسع طهران مواصلة "ممارساتها الحالية في أبحاث وتطوير التخصيب" في إشارة إلى أنه لا ينبغي التوسع فيها.
لكن تقريرا للوكالة الدولية للطاقة الذرية في نوفمبر تشرين الثاني قال إن إيران تضخ غاز اليورانيوم في نموذج من عدة نماذج جديدة قيد التطوير يطلق عليها آي.آر-5 الأمر الذي أثار جدلا بين المحللين بشأن ما إذا كان ذلك يعد انتهاكا.
وأظهرت وثيقة سرية للوكالة وزعت على دولها الأعضاء يوم الخميس وحصلت رويترز على نسخة منها أنه تم فصل أجهزة آي.آر-5، وقال معهد العلوم والأمن الدولي الذي يقع مقره في واشنطن ويتابع عن قرب البرنامج النووي الإيراني "يظهر فصل (الأجهزة) أن إيران تتعامل مع بواعث القلق بشأن التخصيب"، وأضاف "يزيد هذا الثقة في أن إيران تفي بالتزاماتها بموجب خطة العمل المشتركة" في إشارة إلى اتفاق 2013. لكن إيران عطلت تحقيق الأمم المتحدة في مجالات أخرى.
وتستأنف المحادثات الدولية في جنيف يوم الجمعة بهدف تقليص الخلافات القائمة في المفاوضات لإنهاء المواجهة المستمرة منذ 12 عاما بين إيران والقوى الست، وبموجب الاتفاق النهائي ستقبل إيران تقليص قدراتها لتخصيب اليورانيوم وقبول عمليات تفتيش الوكالة الدولية دون قيود للمساعدة للتأكد من أنها لا تستغل برنامجها النووي في تطوير قنابل. كما تريد القوى العالمية من إيران الإجابة عن كل أسئلة الوكالة لبناء الثقة.
وفي المقابل سترفع العقوبات عن التجارة الدولية والقطاع المالي والتي عرقلت اقتصاد إيران الذي يعتمد على النفط، وصدرت الوثيقة المتعلقة بتحقيق الأمم المتحدة للدول الأعضاء في الوكالة قبل انقضاء مهلة في مارس آذار للتوصل لاتفاق إطار بين إيران والقوى الست، وحددت الدول لنفسها مهلة للتوصل لاتفاق نهائي تنقضي في أواخر يونيو حزيران.
اضف تعليق