q
نعيش في هذا الكون الغريب، المليء بالأسرار والمفاجآت، المفرحة والحزينة، نشارك لُعبة حياة اليوم الافتراضية؛ حيث الحياة، قولاً واحدًا، محاكاة افتراضية، ونحن أشبه بلعبة الكمبيوتر في زمكان غير مستمر، سواء أكُنا على جبال سويسرا، أو في عمق صحراء الجزيرة العربية...

ليس من قبيل الصدف أن تتفلسف علينا الدنيا، لأن الفلسفة ليست ميزة خاصة بالبشر، لاكتشاف فن العيش والجدل والنقاش. فنحن بحاجة لحياة الفلسفة لكي تُزيل الغشاوة عن فكر الإنسان وتعلمه أن يكون في قلب الحياة، ومعترك الوجود للدخول إلى الأشياء المعتمة والغامضة؛ لماذا نحن هنا؟ ما الفائدة من الحياة؟ وما الهدف من الوجود؟ وما هو معنى حياتنا؟ ومع ذلك؛ فإن “لكل شيءٍ معنى” برأي أفلاطون وأرسطو.

أول الشجرة بذرة، وشجرة الحياة فيها جدلية الموت والحياة؛ أسئلة البداية وأجوبة النهاية، وفيها أيضًا ثنائية “الدال والمدلول”، المادي والمثالي، حيث الأشياء تتغير؛ تأتي وتذهب، تبرد وتسخن، وتمتلئ بالأخطاء الكبيرة.

تَذكَّر أننا نعيش في كونٍ يزدحم بالأزمات والأوجاع التي تثور كالبراكين، وعالمنا مسكون بالظلم الذي أصبح كائنًا حيًّا، لا يريد أن يفارق البشر. حيث إننا من طينة آدم وحواء سَكنّا هذا العالم بأُجرة مؤقتة، وسنودعها بعد أن نُسلِّم مفتاح الدار إلى أولادنا وأحفادنا؛ فتذكّر أنك فانِ، ولكنك موجود!

نعيش في هذا الكون الغريب، المليء بالأسرار والمفاجآت، المفرحة والحزينة، نشارك لُعبة حياة اليوم الافتراضية؛ حيث الحياة، قولاً واحدًا، محاكاة افتراضية، ونحن أشبه بلعبة الكمبيوتر في زمكان غير مستمر، سواء أكُنا على جبال سويسرا، أو في عمق صحراء الجزيرة العربية.

سأختصر المعادلة؛ أنا …أنت، كِلانا من نفس الطين الذي خُلِقنا منه، كِلانا يبحث عن الحقيقة، ولكن بعقلين مُختلفين، فالاختلاف نعمة دالة على رُقي العقل. الاختلاف حياة، والتطابق غيبوبة، وكما يقول جلال الدين الرومي: “إن لم تجدني داخلك …لن تجدني أبدًا…فأنا معك منذ بدء التكوين”.

سألت نفسي، وأنا أخرج للحياة بعد النضوج: مَن أنا؟، وما الذي يجعلني “أنا” في هذا المكان والزمان. لقد تهت بفلسفة الفيلسوف، وتبريرات العالم النفسي والاجتماعي، وبقدَرية رجل الدين في تفسير الجسد والعقل والروح، والمعنى من الحياة.

كنتُ قلقًا، وأنا أقرأ لهم تناقضاتهم وأمزجتهم؛ خوفًا من أن يكون مُستقرِّي مستشفى الصحة النفسية. وعبر استقرائي للتاريخ اتضح لي أن مثل هذا السؤال قد قاد بعض الناس إلى هاوية الجنون، ومنهم من ارتقى لشاهقات السكون.

ومثلما علَّمتنا الحياة: يُوجد دائمًا حوارٌ بين اليأس والأمل؛ أما اليأس فهو خيانة للذات، وأما الأمل فإنه غالبًا ما يأتي بعد الضيق. وان الحياة لا تعطي سرها وسعادتها بسهولة.

لذا فإنني قبلتُ ما أعطتْنيه الحياة برحابَة صدر وشكر، وتأكدتُ أن (القناعة كنزٌ لا يفنى)؛ لكنني اكتشفتُ الحقيقةً المُرّة، أثناء تَجوُّلي في أيام عمري: أنه كلما حُرِم المجتمع من ممارسة الحياة زاد تَعطُّشُه لكأس الموت، مُتخذًا العنف والثأر وجلد الذات.

كنتُ في لحظات التأمل أفلسفُ الحياة بطريقةٍ مختزلة؛ خرجنا للحياة حُفاةً عُراةً، ولم يسترنا سوى قطعة قماش أبيض، وسنودِّعها أيضًا بقطعة قماش مثلها في اللون، وإن اختلف الحجم. يا له من سرٍّ عجيب وموقفٍ رهيب!!؛ صرختان: أولاهما، صرخة البداية. والأخرى، صرخة النهاية. الأولى صوتها عالٍ، والثانية صرخة الروح الصامتةٌ؛ تلك التي لا يسمع صاحبها إلا صوت الموَدِّعين.

ما زلت أتذكر مقولةً جميلة لأرسطو قرأتها، يقول فيها: لا تنتظر أن تجلب لك الصدفة النجاح والتميز؛ فالأمر لا يسير كذلك في هذه الحياة. لا تنتظر الفرص أن تطرق بابك، وإنّما استحدِث فرصتَك بنفسك، واصنع قدرَك الذي تُريده بيديك، وكُن مؤمنًا بأن النصر الأصعب هو انتصارك على ذاتك.

وها هو ذا ويليغيز جاغر في كتابه (البحث عن معنى الحياة)، عن بـيـرم كَـرَسو:(سَـكينةُ الــروح: صفاء العيش في حُلوِ الأيامِ ومُرِّهَا)، يروي قصة تحمل معانيَ كثيرةً، وفيها يقول: ” اعتادَ رجلٌ أن يقطعَ الشُّجيراتَ الصَّغيرة عندَ طرفِ الغابة، ويبيعَها ليعيشَ على ربحٍ متواضع تُوفره له، وفي أحد الأيام، خرج عليه نَاسِكٌ من قَلبِ الغابةِ ونصحهُ قائلًا: اِذهَبْ إلى مَكانٍ أعمَقَ دَاخلَ الغابة!).

اكتشفت مبكرًا أن عقلنا يُنشئ قصصًا كلما واجه أزمة؛ لذلك كنتُ حريصًا على التسلُّح بالمعارف المختلفة لمواجهتها، خاصة وأن عالمنا الذي نعيش فيه يتلبَّس بالعدمية والانغماس في الرغبات. إنها مفارقة التقدم: كلما تطورت الحياة بدأ الناس يُعانون من اليأس والخيبة والقلق.

ثم دعني أُدلي باعترافٍ آخر، لقد كنت طوال الفترةَ الماضية من حياتي أتقلَّب فيما بين دروب الصحافة والتدريس، والبحث والتأليف، وكان مبدئي أن الحياة ليست فقط أخذًا وعطاءً؛ وإنما هي فهمٌ ووعيٌ لمعانيها وأسرارها، وهي استيقاظُ الحواس وتفاعلها مع اللحظة وما فيها من أحداث. كما هي مشروع حياتي يحتاج إلى مران صعب لأن الحقيقة هي تكامُل جزءٍ مع كل، ووضعُ التجارب مع بعضها بعضًا في بوتقةٍ واحدة؛ وستجد كل تجربة ستقودك إلى تجربة جديدة، ومعنىً مختلفٍ في فهم الحياة.

خلاصة ما خرجتُ به من الحياة، بإيجازٍ شديد: لولا تحدياتي ما تعلَّمت، ولولا فشلي ما نجحت، والفشل ليس نهاية للحياة، وكما يقول (غوته): الحياة بلا فائدةٍ موتٌ مُسبق. والحياة تحتاج أيضًا إلى فاعلٍ يُجيد فتح أبواب الحياة. وقد قيل: لا تغلقها بمفاتيح اليأس؛ لأنك قد تعود لها مرة أخرى.ولاتغلق عينيك من الحزن فربما تمر من أمامك فرحة ولاتراها كما يقول “غاندي “

سُئل حكيمٌ ذات يوم عن أغرب الأشياء في الكون؛ فقال: الإنسان، فقالوا له: كيف؟ قال: الإنسان يُضيعُ وقتَه بالتحسُّر على الماضي، ويَود أن يصبح كبير السن بسرعة، حيث الشباب والرجولة، وعندما يكبر يُفكر في بناء مستقبله، وعندما يشيب يتحسَّر على ماضيه!!. وهكذا يمضي عمره على هذه الحال!! فإذا به لم يعش؛ لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل، وقد ضيَّع نفسه، وضاع عمرُه سُدى.

تَعَلم من الدنيا الفيلسوفة، فهي لك وعليك.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق