q
التقدم في ملف الضمان يسهم بشكل فاعل في تحقيق الأمن والسلم الأهلي المستدام القائم على نبذ كل أشكال العنف والأفكار المتطرفة، فالسلم الأهلي نمط عيش يسوده التفاهم ونبذ العنف بكل تجلياته في العلاقات الثنائية الجماعية داخل المجتمع الواحد، وهو ما يتطلب السعي إلى سيادة حكم القانون وشيوع ثقافة...

يشير الضمان الاجتماعي إلى مجموعة كبيرة من البرامج والسياسات المخصصة للحماية الاجتماعية للأفراد من المخاطر المختلفة، أو هو مجموعة الخطط العامة والاستراتيجيات المرسومة مسبقاً والتي من شأنها إن تحقيق الأمن الاجتماعي ضد المخاطر التي تتمثل بالشيخوخة والمرض أو العجز أو البطالة، وتربية وتنشئة الأطفال ورعاية الفئات الأكثر ضعفا كالأيتام والأرامل ومن سواهم من الفئات.

ومما لا شك فيه إن التقدم في ملف الضمان يسهم بشكل فاعل في تحقيق الأمن والسلم الأهلي المستدام القائم على نبذ كل أشكال العنف والأفكار المتطرفة، فالسلم الأهلي نمط عيش يسوده التفاهم ونبذ العنف بكل تجلياته في العلاقات الثنائية الجماعية داخل المجتمع الواحد، وهو ما يتطلب السعي إلى سيادة حكم القانون وشيوع ثقافة السلم والتسامح وقبول الرأي الآخر ودعم مؤسسات إنفاذ القانون.

ومن أهم المقومات لبلوغ السلم الأهلي تحقق العدالة الاجتماعية بالمساواة في توزيع الخدمات العامة والحرص على محاصرة أسباب العنف أو الميل نحو الإجرام، لذا يكون الضمان الاجتماعي مقدمة صالحة لبلوغ السلم الأهلي وللوصول إلى ذلك انتهجت الدول على اختلاف فلسفاتها مناهج عدة من شأنها ان تنهض بالواجب الجماعي تجاه الفئات المشار إليها انفاً، إذ يشمل الضمان معالجة الآتي:

1- الدخل: والذي يرتبط بمعدل حصة الفرد من الخدمات والسلع لاسيما الأساسية وتبرز مشكلة تذبذب الدخل ما ينعكس سلبا على الحياة اليومية لجميع الفئات وبخاصة (في حالة الضعف والأوقات الصعبة التي يمر بها بعض الأفراد، حيث أشار الدستور العراقي للعام 2005 إلى ما تقدم في المادة (30) التي تنص على الآتي "ثانياً: تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو التشرد أو اليتم أو البطالة وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة وتوفر لهم السكة والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم وينظم ذلك بقانون"

2- تكلفة الخدمات الطبية: إذ يعاني جل العراقيين من سوء الخدمات الطبية المقدمة في المؤسسات الصحية الحكومية ما يضطرهم إلى العلاج في المؤسسات الصحية الخاصة والأهلية أو السفر خارج البلاد لغرض العلاج ما يوقعهم ضحية الغلاء الفاحش لتلك الخدمات الطبية والصحية وكذا يكونوا صيدا سهلاً لعصابات النصب والاحتيال باسم شركات السفر لأغراض العلاج أو تقديم خدمات الترجمة للمسافرين منهم، في الوقت الذي يلقي الدستور العراقي على السلطات العامة واجب توفير الخدمات الصحية للمرضى العراقيين حيث تنص المادة الثلاثون على "أولاً: تكفل الدولة للفرد والأسرة وبخاصة الطفل والمرأة الضمان الاجتماعي والصحي والمقومات الأساسية للعيش في حياة حرة كريمة تؤمن لهم الدخل المناسب والسكن الملائم" وبالفعل صدر قانون الضمان الاجتماعي رقم (22) لسنة 2020 بيد ان القانون لم يدخل حيز التنفيذ الكامل إلى اليوم ما يعني بقاء الفئات الأكثر ضعفاً في حالة من الحاجة لتحسين الخدمات الصحية والطبية ذات الصلة برفع المعاناة عنهم.

3- تكلفة تكوين الأسرة: إذ تتصاعد وبشكل حاد يومياً تكلفة المعيشة في العراق ويذوق الفرد وبخاصة فئة الشباب الأمرين للحصول على فرصة عمل بغية تأمين متطلبات تأسيس الأسرة وللحكومة اليد الطولى في هذه المشكلة لاسيما بعد إن رفعت سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي ما استنزف قوت العراقيين وتسبب في مشاكل اقتصادية نتيجة تصاعد الأسعار بشكل جنوني لاسيما السلع الأساسية في الوقت الذي يلقي الدستور على الحكومة واجباً بدعم الفرد لتأسيس الأسرة إذ تنص المادة التاسعة والعشرين من الدستور على "أولاً: 1- الأسرة أساس المجتمع وتحافظ الدولة على قيمها الدينية والأخلاقية والوطنية. 2- تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة وترعى النشء والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم."

وما تقدم من التزام على عاتق السلطة العامة لا يجد مصدره في الدستور فحسب بل إن القواعد القانونية ذات الأصل الدولي هي الأخرى تتضمن بالغالب النص على التزامات مماثلة حيث ورد في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المادة (9) ما نصه "إن الدول الأطراف في هذا العهد تقر بحق كل شخص في الضمان الاجتماعي بما في ذلك التأمينات الاجتماعية"، وأشار إعلان فلادليفيا للعام 1944 إلى أهمية "توسيع تدابير الضمان الاجتماعي لتوفير دخل أساسي لجميع الأشخاص المحتاجين لهذه الحماية وتوفير الرعاية الطبية الشاملة"، كما تضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحد العام 1948 في المادة (22) منه إلى أنه "لكل شخص بوصفه عضواً في المجتمع حق الضمان الاجتماعي وأكدت المادة (25) من الإعلان أن لكل إنسان "الحق في ما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذلك نتيجة ظروف خارجية عن إرادته والتي تفقده أسباب المعيشة".

ولعل السبب الذي يكمن في تأكيد الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان على الضمان الاجتماعي يكمن بدور الضمان في حماية الكرامة الإنسانية وتحقيق السلم الأهلي لجميع الأشخاص حينما يتعرض أياً منهم لظروف قاهرة تتسبب لهم بأزمات اقتصادية أو اجتماعية أو ما سواها، ولتتمكن الجهات الحكومية من النهوض بالضمان الاجتماعي هنالك سلة من القواعد القانونية المتناثرة هنا وهناك والمعنية بحقوق العراقيين الاجتماعية إزاء الحكومة ومنها:

أولاً: دفع إعانة اجتماعية بصورتيها النقدية أو العينية لفئات معينة ومن أمثلة ما تقدم:

1- قانون رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة رقم (38) لسنة 2013 الذي نص في المادة (15/رابعا) على التزام وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بـ"ج - إلزام دوائر الدولة والقطاع العام والمختلط والخاص بتشغيل ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة وفق نسب معينة مع مراعاة نوع الإعاقة...هـ - تقديم معونات شهرية لذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة من غير القادرين على العمل وفقاً للقانون"

2- قانون الحماية الاجتماعية رقم (11) لسنة 2014 الذي بين في المادة الأولى معنى الحماية بقوله "الحماية الاجتماعية الإعانات والخدمات التي تقدمها الهيئة لغرض الحد من الفقر "كما أضافت المادة السادسة من القانون "أولاً: لكل فرد أو أسرة ممن هم دون خط الفقر الحق في الحصول على الإعانات النقدية والخدمات الاجتماعية وفقاً لأحكام هذا القانون"

ثانياً: لابد للسلطات العامة لتحقق الضمان الاجتماعي إن تسعى بكل ما أوتيت من قوة باتجاه تحقيق إعادة التوزيع للحد من الفقر ومنع التهميش الاجتماعي وتعزيز العلاقات الاجتماعية ولضمان ما تقدم تضمن قانون الهيئة العامة لضمان حقوق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (26) لسنة 2016 نصاً في المادة الثانية منه بأن "يهدف هذا القانون إلى ضمان حقوق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم في المشاركة العادلة في إدارة مؤسسات الدولة الاتحادية المختلفة والبعثات..." كما صدر قانون الهيئة العامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية رقم (55) لسنة 2017 والذي ينص في المادة الثانية على "يهدف هذا القانون إلى مراقبة تخصيصات الواردات الاتحادية حسب استحقاق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم. ثانياً عدالة توزيع المنح والمساعدات والقروض الدولية"

ثالثاً: المساهمة المشتركة بين فئات اجتماعية ميسورة والدولة لتمويل الصناديق التي تسهم في ضمان اجتماعي لفئات من العراقيين ونذكر من أمثلتها قانون الضمان الاجتماعي للعمال رقم (39) لسنة 1971الذي ينص بالمادة السابعة والعشرون على مساهمة صاحب العمل في دفع مبلغ الضمان الذي يدخر لصالح العامل المضمون حيث ورد النص بالصياغة الآتية "تتحدد نسبة اشتراكات الإدارات وأصحاب العمل عن عمالهم المضمونين...بنسبة (12%) من الأجور" وهو المعنى ذاته الذي أشار إليه قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 المعدل إذ ورد النص في المادة السابعة عشر على أنه "أولا تستقطع شهرياً توقيفات تقاعدية تبلغ (25) خمسة وعشرين من المئة من الراتب الوظيفي على النحو الآتي: أ- (10%) يتحملها الموظف. ب- (15) تتحملها الخزينة العامة" بهذا يحقق المشرع نوعاً من الأمن الاجتماعي لهذه الشرائح ويسهم في السلم الأهلي.

رابعاً: أهمية التعاون بين السلطات العامة والجهات الاجتماعية والدينية في التصدي إلى المخاطر العامة التي تتهدد المجتمع كما في حالة الطوارئ التي تتحقق في أحوال المصاعب العامة كما لو تفشى مرض أو وباء أو داهم البلاد خطر الحرب أو الاعتداءات الإرهابية أو أي خطر ذو طابع عام، فقد أثبتت الجهات الدينية والاجتماعية فاعليتها في التصدي للمخاطر الاجتماعية وتكريس السلم الأهلي بعد أزمة الهجوم الإرهابي العام 2014.

خامساً: أهمية إسهام بعض الفعاليات الاجتماعية في التصدي للمظاهر الاجتماعية السلبية بغية التخفيف من أثارها وإسناد الجهود الحكومية الهادفة إلى القضاء على تلك المخاطر ونذكر بهذا الصدد دور المنظمات غير الحكومية لا سيما المصنفة كمؤسسة ذات نفع عام حسبما ورد بقانون المنظمات غير الحكومية.

...........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2022
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
[email protected]
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق