q
لعل الفرق بين النجاح والفشل في تحقيق العمل الذي يصبو اليه الاخرون هو مقدار الجهد الذي يبذله في سبيل الوصول الى مبتغاه، والذي تلعب فيه \"الخطوة الأولى دوراً اساسياً في رسم مسار الخطوات اللاحقة ونتائجها، ويحدد السيد حسن الشيرازي ثلاث مراحل يمر بها العمل لضمان نجاحه وتميزه...

في الحديث عن سيرة العظماء قلما تجد المدخل المناسب لوصف ما كانوا عليه ومساهماتهم المميزة في بناء الحضارة الانسانية لأنهم ببساطة استطاعوا الاستفادة من أعمارهم القصيرة في خلق وتشكيل الخطوات الأولى نحو الأفكار والمواقف الخالدة التي نبضت بحب البشرية وطريق تكاملها الأخلاقي والمعرفي، ولان الفرق واضح بين الحجرة "الذي ستجدها بعد ألف عام كما كانت قبل ألف عام، وبين البذرة التي تنمو ورقا ووردا وفاكهة أينما سقطت"، فقد استطاع هؤلاء المبدعون من احداث الفارق في حياتهم وبعد مماتهم رغم الصعوبات والاحباطات التي تعرضوا لها ولم يركنوا الى الاستسلام او الحياة السهلة التي تمر من دون ان يشعر بها الاخرون.

ان طريق المجد كما يصفه الشهيد السيد حسن الشيرازي (رحمه الله) لمن يريد ان يسلكها بقوله: "إنك تستطيع ان تقتدي بمن سبقك من قمم الشهرة، اذا كنت موهوباً ومخلصاً، فلا تظن: ان طريق المجد صعب لا يجتازه الا أصحاب الشهرة العريضة، ان الذين اشتهروا في العالم كانوا -مثلك– مغمورين، ولكنهم اجتازوا طريق المجد بالبطون الخاوية عبر الاشواك والدموع، فكل عظيم انطلق من قاعدة الصفر، لم يخجل من ماضيه في المقاعد الخلفية، ولم يدع انه جوهرة تنتظر مكتشفها، وعندما لمع لم يشله الغرور، وانما بقي وفياً لهدفه، يسعى اليه في كل مقلب ارض".

وتحتاج هذه الطريق الى الخطوة الأولى التي تحدد مسار الطريق والهدف منه سلوكه، لذلك اعتبر الشهيد الشيرازي: "الخطوة الأولى في كل عمل قمت به، ورغم انها تبدو بدايته لأنها كيف كانت يكون ذلك العمل"، ومن هذا المنطلق اجتهد وعمل الشهيد الشيرازي على تقديم الأفضل أينما ذهب وفي كل وقت، وهذا هو ديدن أصحاب النفوس الكبيرة التي لا ترى العالم الا من خلال عين الإصلاح والايجابية والأخلاق والفطرة واسعاد الإنسانية ككل، بخلاف من ينظر الى الماديات او الأشياء الصغيرة التي قد يشغل بها معظم حياته ثم يجد في نهايتها ان معظم سنين عمره لم تكن سوى سراب.

ولعل الفرق بين النجاح والفشل في تحقيق العمل الذي يصبو اليه الاخرون هو مقدار الجهد الذي يبذله في سبيل الوصول الى مبتغاه، والذي تلعب فيه "الخطوة الأولى" دوراً اساسياً في رسم مسار الخطوات اللاحقة ونتائجها، ويحدد السيد حسن الشيرازي ثلاث مراحل يمر بها العمل لضمان نجاحه وتميزه:

1. طرح الفكرة: ما هي الأفكار التي تؤمن بها؟، وكيف يمكنك طرح الفكرة؟، وما هي الطريقة التي ستختارها لهذا الطرح؟، والوقت المناسب لها، وغيرها من الاستفسارات التي ينبغي تحديدها لمعرفة مدى نجاحك في الطرح الذي قد يكون سبباً في الفشل رغم تميز الفكرة ومضمونها.

2. تطهير المجتمع من الأنقاض: لا يمكنك البناء فوق الأنقاض، فهي ستكون عائق حقيقي لأي بناء جديد، الرواسب تحمل الكثير من المخلفات الضارة التي تغير لون وطعم ورائحة الإصلاح وتقضي على النجاح، لذلك دائما ما يركز العظماء على تطهير المجتمع من رواسب التخلف والجهل والعادات المنافية للفطرة المتوارثة عبر تذويبها وانهائها بصورة تدرجية.

3. البناء الجديد: لا يمكن الهدم من دون بناء جديد، والفرق بين الهدم والبناء هو كالفرق بين الحجرة والبذرة، فالبناء الجديد قائم على الحياة والحيوية والايجابية والتحرر من قيود الاستعباد والتطلع نحو المستقبل الأفضل للإنسانية.

كل العظماء رغم اختلاف الوانهم واصولهم وثقافاتهم، لكنهم استطاعوا صنع الفارق في داخل مجتمعاتهم، ليمتد أثرهم لاحقاً الى باقي المجتمعات، لأنهم تجاوزوا كل الماديات الضيقة: "من تجاوز جسده، أصبح سيد الحياة"، واتجهوا صوب افق أوسع وأرحب يركز على الإصلاح وبث الاخلاق وبناء الحضارة ونشر الفضيلة ومحاربة الظلم والاستبداد وهدم الجهل والتخلف وتحرير الانسان من العبودية، وقد حفظ لنا التاريخ ما صنع هؤلاء من إنجازات أسست الخطوات الأولى نحو الطريق الى السعادة الحقيقية في ظل صراع شديد مع طبقة تريد خلق مجتمعات استهلاكية غير منتجة، مجتمعات مدجنة تؤمن بتقليد الأفكار الجاهزة.

ان اهم ما يميز هذه النخبة من الرجال هو الروح العالية التي احتوت الجميع، وفكرت في اسعاد الجميع، لم تستثن احداً من ركب الإنسانية، وحاربت ووقفت في وجه المستبدين، وضحت في سبيل رفض تجهيل المجتمع واستعباده فكرياً وجسدياً، وهكذا كان الشهيد السيد حسن الشيرازي منذ بداية حياته حتى خاتمتها شهيداً على يد دكتاتورية نظام البعث المقبور، وبين حياته ومماته، مواقف وافعال امتد خطها الزماني والمكاني حتى الوقت الحاضر، لانهم لم يفكروا بمصالحهم الشخصية او يستسلموا للأقدار او يتراجعوا امام العقبات، بل حولوا الفشل الى نجاح والتراجع الى تقدم والعزيمة الى نصر.

والخلاصة ان الشهيد الشيرازي كان من هذه النماذج المميزة التي لم تحدها الجغرافيا او الزمن، تجده يعمل في افريقيا مثلما يعمل في الشرق الأوسط واسيا، ويجتمع ويتحاور مع كل المذاهب والأديان مثلما يجتمع مع أبناء جلدته ودينه، ويخاطب الملوك ويجلس مع الفقراء، يؤسس المراكز العلمية ويؤلف الكتب ويقيم المهرجانات ويكتب الشعر، لم يمنعه السجن او التعذيب والترهيب بالاغتيال ان يؤدي رسالته التي كان يؤمن بها، وسعى للتواصل مع الاخرين والعمل المستمر من اجل تحقيق الأهداف النبيلة التي حلم وناضل في سبيل تحقيقها يوماً من الأيام، لم يقف في مكانه بل تحرك نحو الهدف وسعى الى نجاحه، وقد ترك الشهيد بصمته في الكثير من المجتمعات العربية والمسلمة التي ما زالت تذكر الشهيد الثائر والاديب المصلح السيد حسن الشيرازي ومواقفه التي اثرت وغيرت في هذه المجتمعات لأنها كانت صادقة وخالصة ولا تشوبها المصالح او المطامع الشخصية.

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2021
http://shrsc.com

اضف تعليق