ان الدعوة الى انسنة الحياة ما هي الا دعوة الى مواصلة خط السير الذي انقطع، من جهة، والتواصل مع النزعة الانسانية العالمية الحديثة من جهة ثانية، من اجل ان تكون الانسنة قاعدة النضال الانساني ضد التخلف، وقاعدة الحراك الاجتماعي نحو الدولة الحضارية الحديثة...

الحراك المجتمعي نحو #الدولة_الحضارية_الحديثة يمثل الوجه الثاني للمعركة ضد التخلف، والامران مرتبطان بتعميق النزعة الانسانية في المجتمع كما ذكرت في مناسبات سابقة. والراب، بين الامرين هو كون الانسان يحتل الموقع الاول في #المركب_الحضاري للمجتمع. والمركب الحضاري هو، من جهة اولى، العمود الفقري للحراك الحضاري، وهو من جهة ثانية، يمثل السبب الجوهري للتخلف اذا تعرض لاي خلل حاد. وهكذا تترابط ثلاثة عناوين فيما بينها ترابطا عضويا.

والعناوين الثلاثة هي: الدولة الحضارية الحديثة، المعركة ضد التخلف، النزعة الانسانية في المجتمع. فكلما تعمقت هذه النزعة في ثقافة المجتمع وسلوكيات افراده كلما كان المجتمع قادرا على القضاء على التخلف واقامة دولته الحضارية الحديثة. والتجارب التاريخية الحضارية تقدم الادلة الملموسة على ما نقول. ويكفي ان نتذكر ان بدايات النهضة الاوروبية الحديثة التي انطلقت من مدن ايطاليا الشمالية بدات باعادة الاعتبار للانسان، وكرامته، وحريته، وسعادته، وحقوقه الخ. ومن هنا كتبت بعض المقالات والمنشورات هنا وفي مواقع التواصل الاجتماعي دعوت فيها الى فكرة عامة هي انسنة الحياة كشرط من شروط النهضة والقضاء على التخلف واقامة الدولة الحضارية الحديثة في العراق.

وقد تلقيت بعض الردود والنقاشات الممانعة والمعارضة لهذه الدعوة. ويكمن جوهر هذه الممانعة في الثنائية المانوية المسيطرة على بعض العقول والتي تفترض طرفين اثنين لكل فكرة. واذا انسحبت هذه الثنائية على فكرة الانسنة، وتم وصفها بالفكرة الليبرالية الغربية، فان ما سوف يقابلها ويعارضها هو الاسلام. وهكذا يوضع الاسلام في مقابل الانسنة او النزعة الانسانية، وكأن الاسلام لا يقر النزعة الانسانية، او كأن النزعة الانسانية فكرة غربية مستوردة كما كان يقال عن الديمقراطية. وهذا ما يحتم علينا ان نخوض معركة جانبية في اثبات ان النزعة الانسانية ليست غربية محضة، على الاقل.

وفي الحقيقة ان بوسع الباحث ان يعثر بسهوله على جذور النزعة الانسانية في القران الكريم، واحاديث النبي (ص) وكتابات مفكرين وعلماء مسلمين في عصور الاسلام الاولى.

قرانيا نجد العديد من الايات الكريمة التي تكرّم الانسان وتشيد به الى درجة الطلب من الملائكة السجود له، والتركيز على انه يحمل نفخة من روح الله واستخلافه في الارض ومنحه حق تقرير المصير وتقديس عمله والمساواة بين افراده وتسخير الكون له ..الخ.

وفهم المسلمون الاوائل هذه النزعة الانسانية في القران وكتبوا فيها ومن وحيها حتى وصلت ذروتها في القرن الرابع الهجري على يد المعتزلة وكتاب كبار امثال ابو حيان التوحيدي و مسكويه وابن رشد وغيرهما.

بل يقال ان هذه النزعة الانسانية انتقلت الى شمال ايطاليا وكانت البذرة الاولى لحركة النهضة هناك.

لكن استيلاء السلاجقة على الدولة العباسية عام ٤٢٩ هجرية، ١٠٣٨ ميلادية اجهض النزعة الانسانية في الثقافة العربية- الاسلامية. وكانت تلك بدايات الخلل في المركب الحضاري في المجتمع الاسلامي، والعراقي خاصة، والذي قاد الى سقوط بغداد بيد المغول سنة ١٢٥٨ لتبدأ القطيعة مع النزعة الانسانية ولتستمر قرونا مديدة حتى افاق العالم الاسلامي على وقع الاحتلالات الاوروبية الاستعمارية التوسعية وبخاصة الاحتلال الفرنسي لمصر على يد نابليون عام ١٧٩٨.

ان الدعوة الى انسنة الحياة ما هي الا دعوة الى مواصلة خط السير الذي انقطع، من جهة، والتواصل مع النزعة الانسانية العالمية الحديثة من جهة ثانية، من اجل ان تكون الانسنة قاعدة النضال الانساني ضد التخلف، وقاعدة الحراك الاجتماعي نحو الدولة الحضارية الحديثة، بشكل يعيد وصل مع انقطع مع الخصائص الانسانية في ثقافتنا، ويعزز تواصلنا مع الحضارة الانسانية في تعبيرها الراهن.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق