q
تأمل حركة النهضة الإسلامية في تونس أن يكسر عبد الفتاح مورو المولع بموسيقى بيتهوفن، والذي رشحته للانتخابات الرئاسية التي ستجري الشهر القادم، القوالب المعتادة في العالم العربي بالسعي للظفر بأعلى منصب في البلاد عبر صناديق الاقتراع وتحويل هذا النجاح إلى حكم لا يشوبه جدال.

(رويترز) - تأمل حركة النهضة الإسلامية في تونس أن يكسر عبد الفتاح مورو المولع بموسيقى بيتهوفن، والذي رشحته للانتخابات الرئاسية التي ستجري الشهر القادم، القوالب المعتادة في العالم العربي بالسعي للظفر بأعلى منصب في البلاد عبر صناديق الاقتراع وتحويل هذا النجاح إلى حكم لا يشوبه جدال.

ويقول مورو إن هدفه هو توحيد التونسيين عبر الانتخابات المقرر إجراؤها في 15 سبتمبر أيلول المقبل والتي سيواجه فيها 25 مرشحا، بمن فيهم علمانيون بارزون مثل رئيس الوزراء يوسف الشاهد ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي ورجل الأعمال نبيل القروي مالك تلفزيون نسمة الخاص.

وعقب تقديم طلب ترشحه قال مورو إنه يسعى أن يكون رئيسا لكل التونسيين وليس رئيسا لأنصار حزبه فقط، ومورو، الذي عاني لسنوات طيلة حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي من التضييقات البوليسية، يتمتع بأفضلية نسبية على بقية منافسيه في الدور الأول بحكم القاعدة الانتخابية الواسعة لحزبه وقد يستفيد من تشتت أصوات الليبراليين.

ولكن ليس واضحا تماما من سيفوز بمنصب رئيس البلاد في الدورة الثانية لانتخابات الرئاسة في ظل المنافسة المحتدمة في بلد لا توجد فيه استطلاعات رأي ذات مصداقية عالية، ولا يخفي بعض التونسيين شعورهم بالريبة والتوجس ويتذكرون باستمرار كيف استقبل مورو في 2013 رجل الدين المتشدد وجدي غنيم الذي طردته لندن في 2009 متهمة إياه ”بالسعي لإثارة وتمجيد العنف الإرهابي“.

وكان مورو قد اعتذر عن استقباله لغنيم وقال ”اعتذرت على جهلي بالرجل واعتذر لأني لم أكن أعرف قذارة أفكاره“، وتقول منى بن سالم وهي طالبة في العاصمة تونس ”مورو يتلون مثل الحرباء ... مواقفه تتغير كل يوم مثله مثل بقية الإسلاميين“.

وترى أحزاب الإسلام السياسي في العالم العربي أنها الأجدر بشغل كراسي الزعماء المستبدين الذين طردوا من تونس ومصر في ثورات الربيع العربي 2011 التي بدأت في تونس وأدت إلى حروب أهلية مستمرة في ليبيا وسوريا واليمن.

واختارت النهضة عدم المشاركة في الاستحقاق الانتخابي الرئاسي بل صوت فريق من أنصارها لخصمهم العلماني الباجي قائد السبسي بعد توافق تاريخي بين السبسي وزعيم النهضة راشد الغنوشي، متفادية بذلك السقوط في مواجهة مثلما حصل في مصر حيث أطاح الجيش بالرئيس الإسلامي محمد مرسي عقب احتجاجات حاشدة.

وبعد خمس سنوات من انتخابات 2014 ومن الاستقرار السياسي النسبي على عكس معظم بلدان الشرق الأوسط، أصبحت قيادات النهضة ترى أنه يحق لها التنافس في الانتخابات البرلمانية والرئاسية ولها ثقة في أن الديمقراطية الناشئة في تونس يمكنها أن تتحمل ذلك.

نشيد الفرح

وتونس من أكثر البلدان في المنطقة تحررا وهي إحدى القلاع العلمانية في المنطقة العربية، حيث تتلقى نخبها تعليمها في أوروبا وتكتسب المرأة فيها حقوق وحريات أكثر من غيرها من دول المنطقة ولا تزال تطالب بالمزيد.

وأخذت النهضة مسافة واضحة من بقية الحركات الإسلامية وأعلنت فصل العمل الدعوي عن العمل السياسي ونأت أيضا عن جماعة الإخوان المسلمين، وفي تسعينيات القرن الماضي غادر مورو النهضة التي أسسها مع رفيق دربه راشد الغنوشي، عقب هجوم إسلاميين على مقر حزب الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وعقب الثورة شارك في انتخابات برلمانية كمستقل لكنه فشل في الوصول للبرلمان قبل أن يعود للحزب في 2012 ويساعد في التفاوض مع العلمانيين، ويقول شاب اسمه محمد كان يجلس في مقهى بالعاصمة محاولا إقناع رفاقه بأن انتخاب مورو هو أفضل خيار ”هو قادر على إقناع أي كان بأسلوبه وفصاحته وروحه المرحة وهو أيضا رجل دولة يشغل منصبا حساسا هو رئيس البرلمان بالنيابة..ولديه قدرة على العمل حتى مع خصومه“، ويضيف ”نحن نريد أن نرى شخصا يشبهنا في الحكم“.

مورو تمكن بأسلوبه المرح ولباسه التقليدي التونسي الذي يرتديه دوما، الجبة والشاشية التونسية، أن يكون الأقرب من أبناء حزبه إلى نمط التونسيين المشترك وأسلوب عيشهم، ويظهر مورو في فيديو على الإنترنت عام 2011 وهو يترنم بالسمفونية التاسعة لبيتهوفن نشيد الفرح بالألمانية، وفي جنازة الرئيس العلماني الراحل الباجي قائد السبسي، الذي أدى موته إلى انتخابات مبكرة، مشى مورو مسافة 15 كيلومترا خلف الموكب من قصر قرطاج إلى مقبرة الجلاز. ولما سئل عن سبب ذلك أجاب بأنها كانت وصية السبسي في إشارة لعلاقتهما الجيدة.

ولترويج صورته المعتدلة كان مورو يشارك في احتفالات اليهود السنوية بمعبد الغريبة في جربة حيث يلقي خطابات عن التعايش بين كل الديانات، ويقول شاران جروال المحلل بمركز الشرق الأوسط للسياسة في مؤسسة بروكينجز ”بالتأكيد مورو هو أكثر شخص مقبول يمكن أن تقدمه النهضة لمنافسة العلمانيين“، لكن عددا من التونسيين مثل الطالبة منى بن سالم لا يخفون مخاوفهم من أن يكون رئيسهم إسلاميا.

وتقول الطالبة بن سالم ”لا يمكنني أن أنسى صوره مع الشيوخ المتشددين الذي جاءوا لتونس لنشر أفكارهم السامة في نفوس أبنائنا.. أنا أصلا لا يمكن أن أتخيل أن يكون إسلامي قائدا أعلى للقوات المسلحة ورئيسا للبلاد“.

لا أحد منهم غاضب

وتونس البلد الوحيد في منطقة الربيع العربي المضطربة الذي نجح في الوصول إلى ديمقراطية كاملة بدلا من القمع أو السقوط في أتون العنف أو الحرب الأهلية لكن الانتقال السلس لم يرافقه انتقال اقتصادي.

وأدت الاحتجاجات على تدابير التشقف والمطالبة بالشغل والتنمية إلى انهيار الائتلافات الهشة لتسع حكومات بعد الثورة، وعلى الرغم من تجنب المناصب العليا منذ عام 2014، فلا يزال حزب النهضة هو أكبر حزب في البلاد، ويحتفظ بقاعدة شعبية ممتدة حتى في المدن والقرى الصغيرة في جنوب البلاد وشمالها على عكس الأحزاب العلمانية التي شهدت انشقاقات وصراعات عصفت بكيان العديد منها.

وعلى سبيل المثال، شهد حزب نداء تونس الفائز بانتخابات 2014 انشقاقات كبيرة هزت صفوفه وغادره عديد من القياديين من بينهم رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي كون حزبه ”تحيا تونس“ وأصبح ثاني قوة في البرلمان بعد النهضة.

وسعيا لتهدئة المخاوف والنأي عن الإسلاميين المتشددين يقدم قياديو النهضة الحزب على أنه حزب المسلمين الديمقراطيين، أسوة بحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على ما يبدو.

ومع ذلك تواجه النهضة ومرشحها مورو انتقادات مستمرة من خصومها بأن مواقفها متناقضة بخصوص دور الإسلام في المجتمع، ويقول زياد لخضر القيادي بالجبهة الشعبية، وهو أحد الوجوه البارزة التي قادت احتجاجات 2013 ضد النهضة، ”النهضة تحاول اليوم إخفاء الوجه المتشدد وتسعى للترويج لواجهة تدعي الحداثة“.

ورفض حزب النهضة في العام الماضي خطة تضمن للمرأة المساواة في الميراث سعى الرئيس الراحل السبسي لإصدارها في قانون ولكن الاقتراح بقي في أدراج البرلمان، وأبقى مورو الغموض على موقفه من مبادرة السبسي حين قال لراديو موزاييك إف إم المحلي قبل عام ”قسمت إرثي لأبنائي في حياتي واتفقوا فيما بينهم بالتراضي ولا أحد منهم غاضب“، ولن تكون للرئيس المقبل لتونس صلاحيات واسعة حيث يملك رئيس الجمهورية ملفي الدفاع والخارجية بينما يسيطر رئيس الحكومة على أغلب الوزارات ويسير الشؤون اليومية للبلاد.

نحو صراع ايديولوجي جديد؟

يقول محللون إن النهضة كانت مجبرة على خوض الانتخابات الرئاسية التي تجري قبل ثلاثة أسابيع فقط من الانتخابات البرلمانية كي لا تشتت قاعدتها الانتخابية الواسعة في الاستحقاق البرلماني الذي تعول عليه كثيرا.

وقال عبد الكريم الهاروني القيادي بالنهضة إن حزبه لا يشارك من أجل المشاركة بل يسعى للفوز في انتخابات البرلمان والرئاسة، لكن قيادات الحركة تصر مع ذلك على أنها تنوي مواصلة نهج الحكم التشاركي مع بقية الأطراف، وقال عماد الخميري المتحدث باسم النهضة إن الحركة تسعى لمواصلة النهج التشاركي والتوافقي مع بقية الأطراف السياسية بعد الانتخابات المقبلة، لكن يحذر البعض من أن دفع النهضة بمرشحها للرئاسة قد يعيد مناخ الاستقطاب السياسي والايديولوجي الذي عاشته تونس في 2013 والذي تريد النهضة أن تتفاداه، ويقول الكاتب الصحفي بجريدة المغرب زياد كريشان في افتتاحية تحت عنوان ”النهضة بوجه مكشوف في الانتخابات الرئاسية“: ”لو نزلت القواعد الإسلامية إلى الشارع للقيام بالحملة الانتخابية لمرشحها فقد تستعيد البلاد جزءا من مناخات 2012 و2013 وتتحول كل المنافسة إلى ضرورة هزم ممثل الإسلام السياسي ومشروعه المجتمعي، وهذه وضعية لا تريد حركة النهضة أن تعيشها“، وتأمل النهضة أن يعزز الأداء الجيد لمرشحها في انتخابات الرئاسة، حظوظها للفوز في الانتخابات البرلمانية التي ستجري في السادس من أكتوبر تشرين الأول المقبل.

ويقول ماكس غاليان المتخص في السياسة والاقتصاد بشمال أفريقيا إن ”إجراء انتخابات رئاسية قبل الانتخابات البرلمانية قد يجعل من الصعب على النهضة تشكيل التحالفات اللازمة لتشكيل حكومة مستقرة“، ومعالجة الاقتصاد المتعثر ستكون من أولويات الناخب التونسي الذي يشعر بقلق جراء تدني الخدمات في المرافق العامة وتفاقم البطالة إضافة إلى المستويات العالية من التضخم.

حقائق-بعض المرشحين البارزين في انتخابات الرئاسة في تونس

رشحت حركة النهضة الإسلامية في تونس عبد الفتاح مورو القيادي البارز فيها وأحد مؤسسيها للمنافسة في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 15 سبتمبر أيلول المقبل.

وفي ما يلي لمحة عن بعض منافسيه البارزين:

- يوسف الشاهد

هو رئيس الوزراء الحالي، ويشغل منصبه منذ عام 2016 بعد أن عينه الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي خلفا لحبيب الصيد بهدف إنعاش الاقتصاد العليل ودفع الإصلاحات الاقتصادية المتعثرة التي يطالب بها المقرضون بما في ذلك صندوق النقد الدولي.

ولد الشاهد في عام 1975 بالعاصمة تونس وهو مهندس زراعي وحاصل على الدكتوراه في العلوم الفلاحية من جامعة باريس، قبل تعيينه رئيسا للوزراء، شغل مناصب من بينها كاتب دولة لدى وزير الفلاحة مكلف بالصيد البحري إضافة إلى منصب وزير للشؤون المحلية، وشكل الشاهد حزبه ”تحيا تونس“ هذا العام بعد أن انشق عن حزب نداء تونس بعد خلافات مع حافظ قائد السبسي نجل الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، الذي طالب باستقالته.

- عبد الكريم الزبيدي

الزبيدي هو وزير الدفاع الحالي وهو مستقل ولا ينتمي إلى أي حزب لكنه ليبرالي التوجه، الزبيدي البالغ من العمر 69 عاما من مدينة الرجيش الساحلية، وهو طبيب وحاصل على الدكتواره في الطب، يصفه أنصاره بأنه رجل دولة، وينظر إليه على أنه نأى بنفسه عن الأحزاب السياسية وصراعاتها التي أعاقت الإصلاحات الاقتصادية.

ولطالما انتقد الزبيدي علنا الصراعات السياسية التي تقوض جهود بلاده في مكافحة الإرهاب وتشتت جهود القوات الأمنية والعسكرية، والزبيدي شغل منصب وزير للصحة مع الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، ويتمتع الزبيدي بدعم من الأحزاب العلمانية بما في ذلك نداء تونس وآفاق تونس.

مهدي جمعة

مهدي جمعة (57 عاما) هو رئيس الوزراء الأسبق حيث كلف بشغل المنصب عقب تخلي النهضة عن الحكم بعد توافق مع خصومها العلمانيين إثر احتجاجات حاشدة، وجمعة المولود في مدينة المهدية الساحلية هو تكنوقراط وشغل منصب وزير الصناعة في 2013، تخصص جمعة في مجال الهندسة، وهو خريج المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس سنة 1988، وجمعة حائز على شهادة الدراسات المعمقة في الهندسة الميكانيكية، عمل جمعة كمهندس لدى شركة أيروسباس، التابعة للمجموعة الفرنسية توتال.

- نبيل القروي

نبيل القروي (56 عاما) ولد في بنزرت. وهو رجل أعمال ومالك قناة نسمة الخاصة مع بعض الشركاء الآخرين من بينهم الإيطالي سيلفيو برلسكوني، القروي من المسيطرين على قطاع الإشهار (الإعلان) في تونس وكون مع أخيه غازي القروي شركة للإشهار والاتصال عرفت بقروي آند قروي ونشطت في بلدان المغرب العربي.

وكان القروي عضوا في حزب نداء تونس قبل أن ينسحب منه. وساهم في نجاح نداء تونس آنذاك في الوصول للسلطة عبر حملة إعلامية ضخمة في قناته وعبر وسائل التواصل الاجتماعي واللافتات الإعلانية في الشوارع.

أطلق القروي حملة خيرية تدعى جمعية خليل تونس على اسم ابنه الذي توفي في حادث سير، وأصبحت محاربة الفقر ومساعدة المهمشين بعد ذلك عنوانا لحملته الانتخابية. ويقول منتقدوه إن ما فعله القروي هو تحايل على القانون.

وأقر البرلمان قانونا يمنع من يديرون جميعات خيرية من الترشح ولكن القانون لم يطبق بعد أن رفض ختمه الرئيس الراحل السبسي مما مكن القروي من خوض المنافسة بعد أن كاد يقصى منها، ويواجه القروي دعاوي قضائية بالتهرب الجبائي. وهي طور التحقيق حاليا واستمع قضاة إلى أقواله مرارا. كما يواجه القروي مشاكل مع هيئة الإنتاج السمعي البصري ”الهايكا“ في تونس والتي تتهمه بأنه يستغل قناته للمتاجرة بآلام المهمشين وللوصول لأهداف سياسية.

اضف تعليق