q

بسمه تعالى شأنه وله الحمد والمجد والصلاة على محمد وآله سادات الورى واللعنة على أعدائهم وظالميهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

هل (المخترعات) في الشريعة الإسلامية، بدعة؟ أو هي أمر مرجوح فقط، أو هي على أقل الفروض أمر مباح؟ أم هي (أو بعضها على الأقل) على النقيض من ذلك كله أمر راجح بل ضروري وواجب بنحو الوجوب الكفائي؟

المدارس مختلفة بين إفراط وتفريط: فالمدرسة الوهابية تشكل منهج الإفراط في كل ذلك حتى عدّوا ـ مثلاً ـ التبرك بضريح الأنبياء والأئمة وحتى التمسح بضريح رسول الله صلى الله عليه وآله شركاً.

والدواعش وهم الوهابية بنسختها الأكثر تطرفاً عدّوا كل جديد بدعة، وقيل إن بعضهم اعتبر شرب الماء البارد بدعة لأن الرسول صلى الله عليه وآله لم يكن يشرب الماء المثلج!!

والكلام الآن حول خصوص الشعائر الحسينية المستحدثة.

يعترض البعض بأن (العشرات)(كالعشرة الفاطمية والعشرة المهدوية وغيرها) لم تكن موجودة زمن الرسول والأئمة عليهم السلام.

و(التطبير) كذلك لم يكن موجوداً ولا (المشي على الجمر) ولا غير ذلك من مظاهر العزاء المستجدة.

ويجهد البعض نفسه لكي يكتشف جذوراً لبعض أنواع العزاء الحسيني، في حضارات أخرى كحضارة الهند وغيرها.

ولكن المؤيدين لهم وجهة نظر أخرى إذ يعتمدون في الإجابة على كل ذلك على وجهين: نقضي وحلي.

الجواب النقضي: نخاطب أولاً: السلفيين والمتطرفين فنقول: لم تكن مكبرات الصوت موجودة زمن الرسول ص والأئمة (عليهم السلام) ولم يستعملها الرسل (عليهم السلام)، فهل يحرم الأذان في المكبرات في المسجد الحرام وفي كافة المساجد في أنحاء الأرض؟ أو هل يحرم إلقاء المحاضرات أو الدروس في المكبرات؟

كما لم تكن الإذاعات والفضائيات والجرائد والمجلات موجودة، فهل تكون لأجل ذلك محرمة أو مرجوحة أو مباحة فقط حتى لو استعملت لأهداف الهداية والإرشاد؟

ولم تكن مؤسسات إيواء الأيتام، بالشكل العصري المتطور، موجودة، ولا كانت المطابع تطبع الكتب بالألوف والملايين، بل كانت استنساخاً يدوياً فقط، فهل طباعة القرآن الكريم بالمطابع الحديثة بدعة محرمة؟ أو هي أمر مرجوح؟

ونخاطب ثانياً المثقفين والحداثويين فنقول:

ولم تكن مواقع التواصل الاجتماعي (الواتساب، فيس بوك، تويتر...) موجودة.

ولم تكن النقابات والاتحادات موجودة، كما لم تكن الأحزاب الحرة موجودة.

ولم تكن الجامعات موجودة.

فهل يحرم كل ذلك لأنها لم تكن زمن آدم ونوح وإبراهيم وعيسى وموسى ومحمد صلى الله عليه وعلى آله وعليهم أجمعين؟

الجواب الحلي:

إن من أهم ما تميز به الدين الإسلامي والذي جعله ديناً خالداً يصلح لكل العصور ومختلف الحضارات هو أنه، وبحكمة إلهية بالغة، أبدع أولاً في وضع الأطر العامة والقواعد الكلية التي تنهض بصلاحية التقنين لكل مستجد معاصر حتى مجاهيل المستقبل البعيد.

كما أنه أبدع ثانياً في نقل صلاحية تحديد الموضوعات (غير المخترعة الشرعية وهي قليلة جداً كالصلاة والحج) إلى الناس والعرف العام.

وبذلك كان الإسلام ديناً خالداً صالحاً لكل العصور رغم شدة اختلاف مقتضياتها.

أما القواعد العامة فلنضرب لها بعض الأمثلة:

قوله تعالى (أحل الله البيع) و(أوفوا بالعقود) وبذلك تنحل عقدة كافة العقود المستحدثة كعقد التأمين وحق الخلو (السرقفلية) والمعاملات السابحة وغيرها.

ولو جمدنا على الفكر السلفي لكان الواجب أن تكون كل هذه العقود باطلة محرمة لأنها لم تكن زمن الرسول والأئمة عليهم السلام.

وأما الموضوعات فلنضرب لها بعض الأمثلة الأخرى:

(الربا) في المكيل والموزون ثابت وحرام، لكنه في المعدود جائز صحيح، ولقد أوكل الشارع عناوين المكيل والموزون والمعدود إلى العرف، فإذا تغير الموزون إلى معدود جاز فيه الربا واذا انعكس الأمر بأن تحول المعدود إلى موزون حرم.

بل البلد الذي تكون فيه هذه البضاعة من الموزون، كالبيض حيث يباع بالكيلو والوزن في بعض البلاد، فإن الربا فيه حرام، ولكن البيض نفسه يباع بالعدد في بلد آخر فالربا فيه حلال.

والفقهاء يفتون بأنه يجوز للشخص أن يسافر من بلد يحرم فيه الربا (لأن هذه البضاعة فيه موزونة) إلى بلد آخر (تكون البضاعة فيه معدودة) للتخلص من حرمة الربا.

وذلك من توسعة الله تعالى على العباد، قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).

والشعائر الدينية والحسينية، هي كذلك فإنها موضوع يؤخذ من العرف فكلما صدق عليه عرفاً أنه من شعائر الله أو شعائر سبط رسول الله صلى الله عليه وآله فيشمله قوله تعالى (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).

والشعيرة هي فعلية بمعنى المشعر بالشيء والدال عليه والمشير إليه، فإذا لم يكن شيء مشعراً ثم صار، بسبب جري العرف عليه، مشعراً كان من الشعائر.

والمثال العرفي لذلك قوله تعالى (وبالوالدين إحساناً) لكن ما هو الإحسان؟ إنه موضوع عرفي فإذا كان الإحسان في هذا الزمن بأن تسافر بهما إلى الينابيع المعدنية للعلاج، كان حسناً بل واجباً مع انه لم يكن ذلك موجوداً زمن الرسول والأئمة عليهم السلام.

وكذلك إذا كان الإحسان لهما بأن تشتري لهما جهازاً محمولاً (الكمبيوتر) أو جهاز آي فون أو تسافر بهما إلى المصيف كل عام أو حتى تذهب بهما إلى المطعم أحياناً، فكل ذلك من أنواع الإحسان المستحدث الذي تشمله الآية بعمومها.

وبعد ذلك تجد أن البحث عن أن هذا الإحسان لم يكن في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وأنه عادة مستحدثة من الغرب أو الشرق، غير علمي وغير منطقي أبداً.

وفي أعراف العقلاء نجدهم يحتفلون بـ(يوم الأم) (يوم العمال) (يوم...) وهي لا بأس بها لأنها صارت رمزا إلى تكريم الأم أو العامل أو غيرهما، بوجهٍ لم يكن في السابق.

وبعد ذلك ما الضير والضرر والخطأ في استحداث العشرة الفاطمية مثلاً أو حتى وصل الفاطميتين من 13 جمادى الأولى إلى 3 جمادى الثانية بالمجالس ومظاهر العزاء المختلفة؟

والغريب أننا نجد من يعترض على أمثال هذه العشرات، هو بنفسه أشد الناس حماسة لعشرات أخرى مبتدعة تماماً أو لإحياء أيام خاصة طوال العام (مثلا عشرة الفجر او اسبوع البصيرة او 22 بهمن).

كما نجد في أعراف العقلاء (النشيد الوطني) و(العلم الوطني) وغيرها والغريب أنه كافة الدول حتى السعودية الغارقة في التطرف والوهابية لها (علم خاص) ولا يعتبرونه بدعة ولا مرجوحاً مع أنه لم يكن في زمن الرسول صلى الله عليه وآله عَلَم بهذه الكيفية (أي علم كشعار للدولة مع رسم محدد كسيف وقرآن مثلاً).

ومن الواضح أن من يمارس التطبير في عاشوراء، فانه مشعر ومشير ودالّ على أنه يفعل ذلك إحياءً لذكرى الإمام الحسين عليه السلام وتذكيرا به، ولذا نجد الموافق والمخالف يعلم بذلك ويشهد له... كما أنه تدريب عملي على الاستعداد للتضحية والفداء في سبيل القيم والمبادئ والعدل والإحسان ومنهج الإمام الحسين عليه السلام في مقارعة الظلم والعدوان.

ولاحاجة لنا ان نستدل، بعدذلك، بقواعد علم الانثروبولوجيا التي تتحدث عن اهمية التبادل الثقافي والتكامل المعرفي والشعائري بين الامم وان حركة وانتقال حتى بعض الطقوس المستحدثة من حضارة الى اخرى لهو دليل على حيوية تلك الامم وانفتاحها ونهضويتها وازدهارها مادامت الطقوس والشعائر المتبادلة تتطابق مع كليات الدين.

(روايات واستنباطات):

وهناك قواعد عامة أخرى تنطبق على الشعائر الحسينية المستحدثة، وهي روايات كثيرة:

فقد روى الصدوق في الأمالي وثواب الأعمال، وابن قولوية بأسانيد معتبرة عن أبي عمارة قال: (قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا ابا عمارة، أنشدني في الحسين فأنشدته فبكى، ثم أنشدته فبكى، قال: فو الله ما زلت أنشده وهو يبكي، حتى سمعت البكاء من الدار، قال: فقال لي: يا أبا عمارة من أنشد في الحسين بن علي عليهما السلام فأبكى خمسين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فأبكى ثلاثين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فأبكى عشرين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فأبكى عشرة فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فأبكى واحداً فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فبكى فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فتباكى فله الجنة)، واختلاف الأعداد محمول على درجات الجنة، أو على درجات الإبكاء، أو على الترقي في الفضل الإلهي.

وحدث محمد بن سهل ـ كما في ترجمة الكميت ـ قال: (دخلت مع الكميت على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام في أيام التشريق، فقال له: جعلت فداك ألا أنشدك؟ قال: إنها أيام عظام، قال: إنها فيكم، قال: هات، وبعث أبو عبد الله إلى بعض أهله فقرب، فأنشده ـ في رثاء الحسين عليه السلام ـ فكثر البكاء، حتى أتى على هذا البيت:

يصيب به الرامون عن قوس غيرهم......فيا آخراً أسدى له الغي أول

قال: فرفع أبو عبد الله رحمه الله تعالى يديه فقال: اللهم اغفر للكميت ما قدم وما أخر وما أسر وما أعلن حتى يرضى).

وتعبير الإمام عليه السلام (إنها أيام عظام) هام ودقيق فإنه يعني أن هذه الأيام، أيام التشريق، هي خاصة بذكر الله تعالى والدعاء والتوسل والتضرع فلا ينبغي أن ينشغل فيها الإنسان بشيء آخر، ولكن الراوي عندما قال (إنها فيكم) أجابه الإمام عليه السلام (هات) وطلب أهل بيته ليحضروا مجلس العزاء، والسر في ذلك أن ذكر أهل البيت عليهم السلام هو المذكر بالله تعالى وقد قال تعالى (وابتغوا إليه الوسيلة) فإنه جل اسمه هو الذي أمر بأن نبتغي إليه الوسيلة، بل إنه تعالى عبر عن رسوله بأن ذكر فقال: (قد أرسلنا اليكم ذكرا رسولاً ) فالرسول بنفسه هو ذكر لله ومذكر به، فذكره ذكر الله ومذكر به.

والمستفاد من الحديث مقياسية (فيكم) (إنها فيكم) فكل شيء صدق عليه أنه (فيهم) ـ شرط أن لا يكون من المحرمات كما هو واضح ـ فهو ذكر لله ومذكر بالله ومن الواضح أن (التطبير هو فيهم عليهم السلام) وهل يحتمل احد أنه في أمر آخر؟ وكذا المشي على الجمر ليلة العاشر فانه (فيهم) وكذلك سائر الشعائر سواء أرجحنا العمل بها ام لم نرجح، حسب اختلاف الأذواق، إلا أنها لا ريب أنها (فيهم) وإن أشكل البعض بأنها لها مضاعفات سلبية، لكن الإشكال هذا انما هو في مرحلة الموانع ونحن في مرحلة المقتضي.

وروى الكشي بسند معتبر عن زيد الشحام قال: (كنا عند أبي عبد الله عليه السلام، فدخل عليه جعفر بن عثمان، فقربه وأدناه، ثم قال: يا جعفر، قال: لبيك جعلني الله فداك، قال: بلغني أنك تقول الشعر في الحسين عليه السلام وتجيد، فقال له: نعم جعلني الله فداك، قال: قل، فانشدته فبكى ومن حوله حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته، ثم قال: يا جعفر والله لقد شهدت الملائكة المقربون ها هنا يسمعون قولك في الحسين عليه السلام ولقد بكوا كما بكينا وأكثر...، إلى أن قال: ما من أحد قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى به إلا أوجب الله له الجنة، وغفر له).

العزاء على سائر المعصومين (عليهم السلام)

وقد يزعم البعض أن مجالس العزاء، ومظاهر العزاء لا داعي لتعديتها لسائر المعصومين عليهم السلام بل لنقتصر على الإمام الحسين عليه السلام.

والجواب أولاً: إن مختلف الأدلة الدالة على إحياء أمرهم تشمل كل ذلك كما ورد في (قرب الإسناد قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام لفضيل بن يسار: أتجلسون وتحدثون؟ قال: نعم جعلت فداك، قال عليه السلام: إنّ تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا، فرحم الله من أحيا أمرنا، يا فضيل: ما ذَكَرنا عبد أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب، الا غفر الله له ذنوبه).

فإن كل ذلك إحياء لأمرهم، واللطيف أن كافة الضمائر في الرواية الشريفة عامة شاملة لكل المعصومين: (فأحيوا أمرنا) (فرحم الله من أحيا أمرنا) (يا فضيل: ما ذكرنا عبد...).

وفي صحيحة يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال لي أبي: يا جعفر اوقف لي من مالي كذا كذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى) وهو دليل على شمول الشعائر لسائر المعصومين (عليهم السلام) لوضوح ان الملاك احياء امرهم (عليهم السلام) وان هذا كان من باب احدى اجلى المصاديق.

وروى الصدوق وابن شهر آشوب وغيرهما عن الإمام الرضا عليه السلام قال: (إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال، فاستحلت فيه دماؤنا، وهتكت فيه حرمتنا، وسبي فيه ذرارينا ونساؤونا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترع لرسول الله صلى الله عليه وآله حرمة في أمرنا، إن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذل عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاءن إلى يوم الإنقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء يحط الذنوب العظام).

وفي قوله عليه السلام (أقرح جفوننا) دلالات عجيبة تهون معها أكثر أنواع العزاء، فأين البكاء حتى تتقرح الجفون، من التطبير أو المشي على الجمر من البكاء ثم البكاء ثم البكاء ثم البكاء حتى تتقرح الجفون؟

والفلسفة في ذلك واضحة فإن المصاب عظيم عظيم، والخطب فادح جليل، ولابد أن تكون الاستجابة وردود الفعل (العلمية والعاطفية) متناسبة مع حجم الحدث وعظم المصاب.

كما أن في قوله (وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء) دلالات بالغة؛ افترى المكروب ـ وهو المبتلى بداهية عظيمة أو ملمّة شديدة ـ يكثر عليه أن يلبس السواد طول دهره؟ أو يلطم ثم يلطم على صدره؟ أو يفعل ما يفعل؟

هل الشعاير توجب تنفير الناس؟

وأما الاعتراض على ذلك بان بعض هذه الشعائر يوجب تنفير بعض الناس فالجواب من وجوه:

أولاً: ليس المقياس رضا بعض الناس وعدمه، بل المقياس هو هل هذا جائز أو مطلوب شرعاً أو لا، فإننا لا نأخذ ديننا وشعائرنا من الآخرين، بل نأخذها من عمومات الكتاب والسنة وحسب فتاوى مراجع الدين العظام، بل هل رأيت أهل ملة يعتبرون الاخرين هم مقياس شعائرهم؟

ثانياً: لقد أعطانا الله تعالى المقياس العام وأوضح بعبارة صريحة بأن رضا الآخرين لا تجعلوه مقياساً لأعمالكم بل ولا تعيروه اهتماماً أبداً:

قال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)

ثالثاً: لا ينخدع بأساليب الحرب النفسية إلا البسطاء من الناس، وهناك قوى وأجهزة في الغرب مهمتها شن الحروب النفسية، بمهارة عالية، ضد كافة الثوابت وحتى البديهيات.

ألا تراهم يستهزؤون بالحجاب بل يعدونه نقضاً لحقوق المرأة ونقصاً لها؟ وألا ترى كثيراً منهم يستهزأ بأصل الدين ويعتبره تخلفاً ورجعية وجموداً؟ وألا ترى كثيراً منهم يستخف بعقول كل من يعارض الاباحية والشذوذ الجنسي وزواج المثليين؟ فهل يضيرنا بعد ذلك إذا استخفوا أو استهزؤوا بالشعائر الحسينية؟

بل الأمر على العكس، فكلما شاهد عقلاء القوم، الأعداء يستهزؤون بأمر أو يستخفون بشيء، فيجب الحذر ثم الحذر فلعلهم وجدوا في ذلك سر قوتنا وسبب تمسك شبابنا بديننا ووطننا وقيمنا وشعائرنا، فرأوا أن أسهل الطرق لاستعمارنا هو تشكيكنا في قيمنا وشعائرنا ليسهل عليهم بعد ذلك أن يحلوا مكانها قيماً أخرى وشعائر أخرى!

شمولية احياء امرهم

وعوداً على قوله ع (احيوا امرنا) لابد من القول: ان احياء الامر عنوان عام يشمل كل امر يرتبط بهم، وامورهم (عليهم السلام) تشمل العلم والفكر والاحكام الشرعية الصادرة عنهم كما تشمل: مواقفهم السياسية والاجتماعية وغيرها؛ فان الكتابة عنها ودراسة ابعادها وتدريسها والقاء الخطب عنها كل ذلك احياء لأمرهم (عليهم السلام).

كما تشمل: كل مايذكر بهم ويكرس مكانتهم بين الناس ويثبت في الناس محوريتهم ويرسخ ذكرهم ويجعلهم حاضرين في وجدان الناس ومشاعرهم دوماً.

والشعائر الحسينية تضطلع بهذه المهمة بالضبط فانها لاتسمح بان تمحى صورتهم واشخاصهم بمالهم من مكانة شامخة وعظمة ومقامات رفيعة ومواقف مميزة.

فلبس السواد مثلا طوال شهري محرم وصفرا وفي الايام الفاطمية او غيرها يذكر الناس والشخص نفسه بهم (عليهم السلام) على مدار السنين والاشهر والاسابيع والايام والساعات والثواني، شعوريا ولاشعوريا، كما انه رمز تجسيدي ظاهر ومعبر يكشف عن عمق الحزن والاسى والالم لما جرى عليهم من المصائب وعن عمق الارتباط بهم واعتبارهم المثل الاعلى الذي لاينسى ابد الدهور.

فلئن كان الناس يلبسون السواد على ابائهم وامهاتهم واولادهم وازواجهم لأسابيع او لأشهر او اكثر كنوع من اظهار الحزن والوفاء لهم فان من يلبس السواد على المعصومين (عليهم السلام) كل سنة، طوال عمره، فانه يؤكد عمق ارتباطه في عمق الزمن بهؤلاء العظام الذين ضحوا بالغالي والنفيس في سبيل الله والقيم الانسانية العليا: قيم العدل والحرية والاخلاق والفضيلة

أوليس قد قال الامام الحسين (عليه السلام): (وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر واسير بسيرة ابي وجدي).

وكما ان لبس ملابس جديدة باللون الأخضر او الاحمر او الالوان الزاهية علامة الفرح والسرور والبهجة والسعادة بذكرى ميلاد شخص عزيز او زواج سعيد او تخرج من الجامعة او غير ذلك وكما ان ذلك هو نوع تناغم فطري وتجانس واقعي وسنخية بين السرور النفسي والسعادة الداخلية وبين المظاهر الرائعة الأخاذة المبهجة، كذلك لبس الملابس السوداء ورفع الاعلام السوداء واللطم على الصدور وخدش الرؤوس وغيرها فانها تشكل نوعا من التناغم والتجانس مع فقد عزيز بل انها تشكل نوعا من الحداد والاحتجاج والاعتراض على احتلال مستعمر غاشم لبلد عزيز او شبه ذلك بل انه يعد نوعا من انواع المقاومة السلبية في منطق الثورات.

وحيث يلبس المؤمنون السواد في ذكريات شهادة المعصومين (عليهم السلام) فانهم يعلنون بذلك تضامنهم مع سادات المظلومين ويجهرون باحتجاجهم على الظلم والاستبداد والطغيان والعدوان ويذكرون أنفسهم والناس بذلك ابد الآباد حتى يظهر الموعود المنتظر والمنجي الاعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف وجعلنا واياكم من خيرة جنوده واعوانه وانصاره في زمان غيبته وبعد ظهوره انه السميع المجيب الرؤف الرحيم.

* مركز القرآن والعترة للبحوث والدراسات

اضف تعليق


التعليقات

محمد علي
العنوان الأفضل: الشعائر الحسينية المبتكرة، بدعة أم ضرورة
مع الشكر الجزيل لكاتب المقال على طرحه العلمي والدفاع عن الشعائر الحسينية2017-09-24