{وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا}.
ولا تتحقّق الاستقامة الا بوعي القرآن الكريم، والذي يتحقّق بالقراءة الصّحيحة التي تعتمد التدبّر لوعي المقاصد، والتي تهدينا سبلَ السّلام بكلّ معنى الكلمة.
تعالوا، إِذن، في هذا الشّهر الفضيل، شهر رمضان المبارك، نصحّح قراءاتنا وفهمنا ووعينا لآيات الذّكر الحكيم، بما يحقّق في المجتمع ما يلي، ونرفض أَيّة قراءات أُخرى تنتهي بصاحبِها الى النّقيض من كلّ ذلك؛
١/ وحدة الامّة {إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} فننبذ العنصريّة والطائفيّة والتمييز على أساس العنصر والّلون والجنس والمناطقيّة والعشائريّة والحزبيّة المقيتة، وكل ما يمزّق نسيج المجتمع.
لقد تحوّلت بعض فضائيّاتنا والكثير من خطبائنا ومن (العمائم الفاسدة) الى مشروع فتنة في المجتمع، تخلق الأجواء المُثيرة لصناعة المفسدة ونشرها في المجتمع، وتُثير الضّغينة وتعتدي على (مقدّسات) الآخرين بشكلٍ مُقرف وبطرقٍ استفزازيّة وتعسّفيّة، وكأَنّ الدّين والمذهب والعقيدة، صحيحة كانت او غير صحيحة، لا تنتشر الا بالسّب ولا يمكن التّبليغ لها الا بالشّتائم والتّهم والا بلغة الشّوارع والحانات! والآخر لا يمكن الحوار معهُ الا بالطّعن بولاءاتهِ والتّشكيك بهويّتهِ وتاريخهِ، والاصلاح العقدي والفكري والثّقافي لا يمكن انجازهُ في المجتمع الا بالتّزوير وقلب الحقائق وتكفير الآخر والاستهزاء به.
انّها قنوات فتنة تحرّض على الكراهية والعنف والقتل، وتُشغل المجتمع بتاريخ لم نساهم في صناعتهِ ولم نشهدهُ ولا يمكننا اليوم أَبداً ان نغيّره، فالمرء يمتلك حاضرهُ ومستقبلهُ امّا تاريخهُ فيرثهُ ممّن صنعوه كما هو رغماً عن أنفهِ.
هي اليوم مشروع تمزيق للأمّة التي يصفها القرآن الكريم بالواحدة، ومشروع استحمار مجتمعاتنا وتضليلها، وهي مشاريع استهلاك للعقل والجهد والطّاقات وتضييع الفرص، وهي، بكلمة مختصرة، الضدّ النوعي لانفسِنا والسّكين الذي نُمسك به لتقطيع أوصالنا.
انّها احد أهمّ أدوات الفتنة والاقتتال والذّبح والتّدمير، واحد اهم أدوات عشق الدّم ومنظر الجثث المحروقة المتطايرة، واخبار سبي النّساء وتدمير الحضارة والمدنيّة والتّاريخ والتّراث، عندما نجحت بدرجةٍ كبيرةٍ في غسل ادمغة الجيل الجديد!.
ينبغي علينا جميعا ان نعمل ونتعاون ونبذل قُصارى جهدنا لإلغاء او على الأقل التقليل من كلّ أسباب الفتن الاجتماعيّة.
يقول أمير المؤمنين (ع) موصياً الحسنَين (ع) {أُوصِيكُمَا، وَجَمِيعَ وَلَدِي وَأَهْلِي وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي، بِتَقْوَى اللهِ، وَنَظْمِ أَمْرِكُمْ، وَصَلاَحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: "صَلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلاَةِ الصِّيَامِ"}.
فماذا تنفعُنا الصلاة والصيام اذا كان المجتمع ممزّق الأوصال ومفتّت النّسيج الاجتماعي؟.
ماذا تنفع الارهابي صلاتهُ اذا كان يتوضّأ بدماء الأطفال؟ ماذا ينفعهُ صومهُ اذا كان يفطر بدموع الأيتام والثّكالى والأرامل؟!.
ماذا نستفيد اذا كانت الخلافات والاختلافات تأكُل بجسد المجتمع، دِماءً ودموعاً وضحايا وتدمير منظّم ومستمر؟!.
ماذا ينفع الأُسرة المال والجاه والبيوت والسيّارات الفارهة اذا كانت مفتّتة غير منسجمة ولا تتّفق على شيء؟!.
ولذلك، فانّ إصلاح ذات البين، أفضل من كلّ هذا، وهو أساس قوّة المجتمع، ولهذا السّبب يدفع القرآن باتّجاه الصّلح دائماً، حتّى على صعيد الأُسرة وهي أَصغر لبِنة في الكيان الاجتماعي الكبير.
يقول تعالى {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} وقوله تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}.
ومن أَجل ان نحقّق إصلاح ذات البين ينبغي ان يتحوّل كلّ واحدٍ منّا الى مشروع صُلح وصلاح وإِصلاح في المجتمع، فيكون محضراً للخير في كلّ نزاعٍ او خلافٍ مهما كان نوعهُ، فإلى متى تتحوّل أَبسط خلافاتنا الى حروبٍ عشائريّةٍ طاحنةٍ تُزهقُ فيها أَرواحٌ وتسيلُ فيها دماءٌ وتدمَّرُ فيها حياةٌ؟ ففي كلّ يومٍ تشهد عشائرنا (بسوس) جديدة سببها مقتل عنزة او سرقة دجاجة او خلاف بين ابناء العمومةِ على مرأة اختلفوا في احقّيّة من يتزوّجها! أوليس من الأفضل ان نجعل من هذا الشّهر الفضيل منطلقاً وقاعدةً للصّلح لكلِّ خلافٍ واختلافٍ ومُشكلة؟!.
لماذا يتحوّل بَعضنا الى مشروع فتنة في المجتمع؟ يحرّض هذا ويجيّش ذاك ويُثير الآخر ويوقع العداوة بين النّاس؟ أولم يحذّرنا القرآن الكريم من الفتنة بقوله {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}؟ لأن القتل مرّة واحدة امّا الفتنة فهي مشروع قتل مستمرّ ومتوالي!.
ما اروع ان يكون المرء في المجتمع مشروع صلح بين النّاس؟ ولقد ضَمِن الله تعالى له الأجر سلفاً بقوله عزّ وجل {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا} امّا العكس من ذلك فيقول تعالى {وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا}.
انظروا كيف يحثّنا الله تعالى على الصّلح في المجتمع بقوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} وقوله {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وقوله تعالى {لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.
امّا رسول الله (ص) فيقول {الا أُخبركُم بأفضل من درجةِ الصِّيَام والصَّلاة والصّدقة؟ إِصْلاحُ ذات البينِ، فانّ فسادَ ذات البينِ هي الحالقة} وعن امير المؤمنين (ع) {من كمالِ السّعادةِ السّعي في صلاحِ الجمهور} امّا الامام جعفر بن محمّد الصّادق عليه السّلام فيقول {صدقةٌ يُحبّها الله، إصلاحٌ بين النّاس اذا تفاسدوا وتقاربٌ بينهم اذا تباعدوا}.
اضف تعليق