هل تعلم أن الإنسان العادي يلمس هاتفه 2600 مرة يوميًا؟ تخيل لو استثمرنا جزءًا من هذه اللمسات في تقليب صفحات القرآن، أو مد يد العون للآخرين، أو حتى في تأمل جمال اللحظة الرمضانية بوعي كامل! رمضان ليس شهر الحرمان، بل هو شهر التحرر من كل ما يشغلنا عن جوهر وجودنا...

تخيل هذا المشهد: أفراد العائلة مجتمعون حول مائدة الإفطار، الأطباق الشهية تتصاعد منها أزواج البخار، أصوات التهاني بـ "صوم مقبول" تملأ الجو، لكن... الوجوه منحنية نحو الشاشات! أحدهم يرد على رسالة واتساب، وآخر يلتقط صورة للطعام، والثالث يتابع فيديوهات "التيك توك"! هل أصبحت الشاشات ضيفًا ثقيلًا على موائدنا الرمضانية؟ هل نستبدل عبادة التأمل والقرآن بـ "عبادة التمرير اللانهائي"؟ رمضان فرصة ذهبية لإعادة ضبط حياتنا، ليس فقط عبر الصيام عن الطعام والشراب، بل أيضًا عن "السموم الرقمية" التي تسرق وقتنا وروحانياتنا. فكيف نُطبِّق "صيامًا رقميًا" فعالًا؟  

ابدأ بتحديد هدفك بوضوح: لماذا تصوم رقميًا؟ هل تريد تعويض ساعات الضياع في التواصل الافتراضي بتواصل حقيقي مع الأهل؟ أم تسعى لتركيز أفضل في العبادة والقرآن؟ أو ترغب في تحسين جودة نومك بعد إدمان السهر على المسلسلات؟ تذكَّر أن الأهداف الواضحة هي التي تُبقيك مُتحمسًا عندما تغويك "الإشعارات" بالعودة. كما يقول كال نيوبورت، مؤلف كتاب "العمل العميق": "التكنولوجيا أداة رائعة، لكن لا تسمح لها أن تصبح سجّانًا". 

لا تعتمد على قوة إرادتك وحدها؛ فالحل قد يكون في خطوات بسيطة وقابلة للتطبيق. جرِّب مثلاً تطبيق "حظر تجوُّل" رقمي في أوقات محددة، مثل الساعات الذهبية الثلاث: ساعة قبل الإفطار للاستعداد الروحي، وساعة أثناء الإفطار للتواصل العائلي، وساعة بعد السحور للقراءة أو الدعاء. يمكنك أيضًا الاستعانة بـ "حراس الصيام" التكنولوجيين، مثل تطبيق "Forest" الذي يسمح لك بزراعة شجرة افتراضية تنمو كلما ابتعدت عن هاتفك، أو ميزة "الراحة" في آيفون التي تحظر الإشعارات تلقائيًا، أو تطبيق "Freedom" الذي يحجب مواقع التواصل الاجتماعي خلال أوقات العبادة. 

لا تنسَ أن تملأ فراغ الوقت ببدائل إبداعية تشغلك عن الشاشة. أعِد اكتشاف الأنشطة التي طواها النسيان بسبب إدمان التمرير: اكتب يومياتك الرمضانية لتدوين مشاعرك، العب ألعابًا عائلية ملموسة مثل الطاولة أو الأحاجي، أو تعلَّم شيئًا جديدًا كحفظ سورة قصيرة أو إتقان طبخة رمضانية بسيطة. ولتزيد من حماسك، حوِّل التحدي إلى لعبة جماعية! شجِّع عائلتك أو أصدقاءك على الانضمام لـ "تحدي الصيام الرقمي" عبر إنشاء مجموعة واتساب (بمفارقة لطيفة!) لمشاركة الإنجازات اليومية، أو تنظيم "ليلة عائلية" أسبوعية بدون أجهزة، مع أنشطة مثل قراءة قرآن جماعية أو سرد قصص من الماضي.  

تذكَّر أن الصيام الرقمي "ماراثون" وليس "سباقًا سريعًا". لا تقسُ على نفسك إذا فشلت في اليوم الأول؛ فحتى التخفيف من الاستخدام إنجاز. راقب تقدُّمك عبر تطبيقات تتبع الوقت مثل "Screen Time"، أو املأ جدولًا بسيطًا تُعلِّق فيه نجمة ذهبية لكل يوم تنجح فيه. وكافئ نفسك في نهاية الأسبوع بهدية رمزية، ككتاب تحبه أو زيارة مكان تستمتع به. 

ختامًا، هل تعلم أن الإنسان العادي يلمس هاتفه 2600 مرة يوميًا؟ تخيل لو استثمرنا جزءًا من هذه اللمسات في تقليب صفحات القرآن، أو مد يد العون للآخرين، أو حتى في تأمل جمال اللحظة الرمضانية بوعي كامل! رمضان ليس شهر الحرمان، بل هو شهر التحرر من كل ما يشغلنا عن جوهر وجودنا. لن يجدي نفعًا أن نصوم عن الطعام ونلتهم الساعات في العالم الافتراضي! ابدأ اليوم بتحدي بسيط: ساعة واحدة دون شاشات أثناء الإفطار. ستجد أن الضحكات أصبحت أعلى، والطعام ألذّ، والقلوب أقرب. وتذكَّر: كل لحظة تنفصل فيها عن الشاشة هي نصر صغير تُعيد فيه الحياة إلى روح رمضان. الشاشات لن تهرب منك، لكن اللحظات الحقيقية تفعل. فهل أنت مستعد لاستعادتها؟ 

اضف تعليق