إِنَّ اتِّساعَ آفاقَ فهمِنا وحذرِنا وانتباهِنا من كُلِّ أَنواعِ الإِبتزازِ الأَليكتروني يُساعدُنا بشَكلٍ شخصيٍّ في الوقايةِ والعلاجِ ويُساعد النَّشء الجديد [أَولادنا] عندما نريدُ أَن نعلِّمهُم ونحذِّرهُم وننبِّههُم، وهوَ الأَمرُ الذي يحتاجُ إِلى الدِّراسةِ والبحثِ والتقصِّي المُستمرِّ للإِطِّلاعِ على آخرِ تكنولُوجيا الإِبتزازِ حتَّى لا يفُوتنا شيء...
{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ}.
فالنَّاسُ مُختلفُونَ في كُلِّ شيءٍ ومِن ذلكَ اختلافهُم في سعيهِم لطَلبِ المعاشِ وكذلكَ اختلافهُم في طلبِ العلمِ والمعرفةِ، واختلافهُم في القُدرةِ على الإِستيعابِ كما أَنَّهم يختلفُونَ في قدرتهِم على تحديدِ طبيعةِ الفِكرةِ والرَّأي ومادَّةِ الحِوارِ وأَدواتهِ وكُلَّ ما يخصُّ العقلَ والذِّهن.
ولذلكَ تُلاحظ أَنَّ البعضَ يستمرُّ في التَّواصلِ بمجمُوعاتٍ [حقيقيَّةٍ أَو إِفتراضيَّةٍ] مهما كانت تافِهة وسخِيفة وغَير نافِعة وغَير مُفيدة، لا أَدري لماذا؟! رُبَّما ليجدَ نفسهُ الضَّائعة فيها وشخصيَّتهُ التَّائهة في زحمةِ التَّنافُسِ على وفي المجمُوعاتِ، خاصَّةً بعد أَن حوَّلت التَّكنلوجيا العالَم إِلى [قريةٍ صغيرةٍ] أَو أَصغرَ من ذلكَ بكثيرٍ كأَن نسمِّيها [زُقاقٌ صغيرٌ].
أَمَّا العاقل النَّبِه فلا يدَع حضُورهُ فيها من عدمهِ للصِّدفةِ أَو للظُّروفِ أَبداً، وإِنَّما هو قرارٌ واعٍ ومسؤُولٍ في الوقتِ المُحدَّد {وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}.
وحتَّى تكونَ صاحبَ القرارِ في الإِستمرارِ أَو الإِنسحابِ يلزمكَ استحضار خلفيَّتكَ المعرفيَّة وتجاربكَ في هذا المجالِ وعدمِ توفيرِ شيءٍ منها، فتستحضِر عقلكَ وتدع عاطفتكَ جانباً، فالعقلُ يقودكَ للأَفضلِ عادةً أَمَّا العاطِفة بمثلِ هذا الموقفِ فستُثبِّطكَ في اتِّخاذ القرارِ السَّليمِ فطبيعتُها أَنَّها تميلُ إِلى العبَثِ واللَّهوِ.
والعقلُ المقصُودُ هُنا هوَ الذي يصفهُ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) بقَولهِ {شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ الْعَقْلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَسْرِ الْهَوَى وسَلِمَ مِنْ عَلَائِقِ الدُّنْيَا}.
ويقولُ (ع) {ونَاظِرُ قَلْبِ اللَّبِيبِ بِه يُبْصِرُ أَمَدَهُ ويَعْرِفُ غَوْرَهُ ونَجْدَه.
دَاعٍ دَعَا ورَاعٍ رَعَى فَاسْتَجِيبُوا لِلدَّاعِي واتَّبِعُوا الرَّاعِيَ.
قَدْ خَاضُوا بِحَارَ الْفِتَنِ وأَخَذُوا بِالْبِدَعِ دُونَ السُّنَنِ وأَرَزَ الْمُؤْمِنُونَ ونَطَقَ الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ.
نَحْنُ الشِّعَارُ والأَصْحَابُ والْخَزَنَةُ والأَبْوَابُ ولَا تُؤْتَى الْبُيُوتُ إِلَّا مِنْ أَبْوَابِهَا فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّيَ سَارِقاً}.
ومتى ما شعرتَ بأَنَّك أَصبحتَ أَسيرَ الحضُورِ والإِستمرارِ لا تقدرُ على الإِنسحابِ مهما انحدرَ الجِدال وهبطَ مُحتواهُ إِلى أَسفلِ سافلينَ، كأَن شعرتَ بأَنَّ قراركَ أَسيرُ صداقاتِكَ في المجمُوعةِ أَو أَنَّك مسحُورٌ بالحديثِ الهابطِ أَو لمستَ ارتباطاً سلبيّاً من نوعٍ ما سواءً كانَ معَ بعضِ الحضورِ أَو بعض تفاصيلِ الكَلامِ، فتأَكَّد لحظتَها بأَنَّ الحبلَ بدأَ يلتفُّ على عقلِكَ لتصطادَك المَصيدة وعندها ستبدأ مُعاناتِكَ، الفكريَّة والنفسيَّة ورُبَّما العقديَّة، فاحذَر وانتبِه.
يشرح ذلكَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) بقولهِ {قَدِ انْجَابَتِ السَّرَائِرُ لأَهْلِ الْبَصَائِرِ ووَضَحَتْ مَحَجَّةُ الْحَقِّ لِخَابِطِهَا وأَسْفَرَتِ السَّاعَةُ عَنْ وَجْهِهَا وظَهَرَتِ الْعَلَامَةُ لِمُتَوَسِّمِهَا مَا لِي أَرَاكُمْ أَشْبَاحاً بِلَا أَرْوَاحٍ وأَرْوَاحاً بِلَا أَشْبَاحٍ ونُسَّاكاً بِلَا صَلَاحٍ وتُجَّاراً بِلَا أَرْبَاحٍ وأَيْقَاظاً نُوَّماً وشُهُوداً غُيَّباً ونَاظِرَةً عَمْيَاءَ وسَامِعَةً صَمَّاءَ ونَاطِقَةً بَكْمَاءَ!}.
وهوَ حالُ المُضطرِّ على الإِستمرارِ في مجمُوعةِ حِوارٍ رغماً عنهُ لأَيِّ سببٍ كانَ!.
ولقد رسمَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) خارطةَ طريقٍ لِمن؛
أ/ أَرادَ أَن يميِّزَ بينَ الغثِّ والسَّمين من مادَّةِ وهدفِ الحِوار.
ب/ أَرادَ أَن يقبِضَ على قرارهِ بالإِستمرارِ أَو الإِنسحابِ مِن دونِ مُؤثِّراتٍ سلبيَّةٍ أَو عاطفيَّةٍ.
ج/ أَرادَ أَن يعرِفَ ضرَر الإِستمرار في خَوضِ حِوارٍ لا طائِلَ من ورائهِ وفائدةَ البقاءِ والإِصغاءِ لحوارٍ مُفيدٍ ونافعٍ.
يقولُ (ع) {أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّه مَنِ اسْتَنْصَحَ اللَّه وُفِّقَ ومَنِ اتَّخَذَ قَوْلَه دَلِيلًا هُدِيَ (لِلَّتِي هِيَ أَقُومُ) فَإِنَّ جَارَ اللَّه آمِنٌ وعَدُوَّه خَائِفٌ وإِنَّه لَا يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ اللَّه أَنْ يَتَعَظَّمَ فَإِنَّ رِفْعَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا عَظَمَتُه أَنْ يَتَوَاضَعُوا لَه وسَلَامَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا قُدْرَتُه أَنْ يَسْتَسْلِمُوا لَه فَلَا تَنْفِرُوا مِنَ الْحَقِّ نِفَارَ الصَّحِيحِ مِنَ الأَجْرَبِ والْبَارِئِ مِنْ ذِي السَّقَمِ واعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَه ولَنْ تَأْخُذُوا بِمِيثَاقِ الْكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَه ولَنْ تَمَسَّكُوا بِه حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَبَذَه، فَالْتَمِسُوا ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِه فَإِنَّهُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ ومَوْتُ الْجَهْلِ هُمُ الَّذِينَ يُخْبِرُكُمْ حُكْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ وصَمْتُهُمْ عَنْ مَنْطِقِهِمْ وظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ لَا يُخَالِفُونَ الدِّينَ ولَا يَخْتَلِفُونَ فِيه فَهُوَ بَيْنَهُمْ شَاهِدٌ صَادِقٌ وصَامِتٌ نَاطِقٌ}.
وهكذا يبدأ تحدِّي [الإِبتزاز الأَليكتروني] الذي يحصرهُ البعضُ [جهلاً] بالإِبتزاز الأَخلاقي والعاطِفي [الجنسي] وهذا فِهمٌ خاطِئٌ للخطرِ، فهوَ قد يشملَ أَيَّ شيءٍ فلا تقِلُّ خُطورةَ الإِبتزاز العقَدي والفِكري والثَّقافي عن أَيِّ ابتزازٍ آخر كالأَخلاقي والمالي، ولهذا السَّبب يلزَم أَن تتَّسِعَ آفاقَ معرفتِنا بالإِبتزازِ لنكونَ على حذَرٍ بشَكلٍ مُستمِرٍّ فلا نُركِّزَ على نوعٍ ما دونَ آخر فيتمَّ اصطيادَنا بنوعٍ آخر لم ننتبِهَ لهُ ونحنُ مشغولُونَ بالحذَرِ من خَشيةِ الوقوعِ والتورُّطِ في غَيرهِ.
إِنَّ اتِّساعَ آفاقَ فهمِنا وحذرِنا وانتباهِنا من كُلِّ أَنواعِ الإِبتزازِ الأَليكتروني يُساعدُنا بشَكلٍ شخصيٍّ في الوقايةِ والعلاجِ ويُساعد النَّشء الجديد [أَولادنا] عندما نريدُ أَن نعلِّمهُم ونحذِّرهُم وننبِّههُم، وهوَ الأَمرُ الذي يحتاجُ إِلى الدِّراسةِ والبحثِ والتقصِّي المُستمرِّ للإِطِّلاعِ على آخرِ تكنولُوجيا الإِبتزازِ حتَّى لا يفُوتنا شيءٌ منها وإِلَّا فسنُقصِّر في تربيةِ وتحذيرِ وتنبيهِ الأَولادِ من هذا الخَطر الذي يتغوَّل يوماً بعدَ آخَر!.
اضف تعليق