التفكير بالفقراء والمحرومين في كل مكان بالعالم، يُعد الخطوة الأولى للحركة نحو العطاء والبذل لإيصال ما يمكن من المواد الغذائية، وما يُسمى بالسلّة الرمضانية الى بيوت المستحقين، وربما نتقدم خطوة في هذا المشروع الحضاري بالاستفادة من الوسائل الحديثة وإيصال المساعدات المالية عبر الحوالات المصرفية الى المستحقين...
"شهرٌ دُعيتم فيه الى ضيافة الله".
من خطبة الرسول الأكرم في استقبال شهر رمضان المبارك
من الناحية العلمية اتفقت كلمة علماء الطب على الفوائد الجمّة لجسم الانسان المُمسك عن الطعام والشراب خلال ثلاثين يوماً من شهر رمضان المبارك، فقد صدرت أبحاث عدّة في العالم تتحدث عن فوائد عظيمة لا يحصل عليها الانسان في أي عمل آخر في حياته، ومن الناحية المعنوية فنحن نكتسب فوائد لا تقل أهمية وكمية عما تحصل عليه اجسامنا من تنشيط وصيانة أمام الامراض والاختلالات الصحية، فثمة اختلالات نفسية وسلوكية تتنظم بفضل الصيام.
الروايات عن المعصومين، وفي المقدمة؛ رسول الله، وتحديداً في خطبته لاستقبال شهر رمضان المبارك، حذرت من الفصل بين الإمساك عن الطعام وبين المنظومة الأخلاقية والثقافية للصائم، حتى لا يكون الصيام مجرد جوع وعطش، ثم ينتهي على مائدة الإفطار، وربما يعوّض البعض بمختلف اشكال الأطعمة والأشربة وبشكل مُسرف، إنما القضية في وجودنا على مائدة رحمانية طوال شهر رمضان، وتحديداً في ساعات الصيام والإمساك عن المفطرات، وهي الضيافة الإلهية التي يفترض ان فيها ما يُسرّ الانسان، فما هي مفردات هذه المائدة؟
1- التوفيق باستجابة الدعاء
لطالما نتوقع استجابة الدعاء لتحقيق مطالب كبيرة وقضاء حاجات من الوزن الثقيل، مثل النجاح في الامتحانات، او لشفاء مرض عضال، او الحصول على الزوج او الزوجة الصالحة، وايضاً؛ الذرية الصالحة، ندعو الله –تعالى- ونتوسل اليه بجاه أوليائه الصالحين لقضاء هذه الحاجات، وفي هذه الأيام نحظى بفرصة ذهبية بأن نكون على اتصال مباشر مع السماء، حيث الرأفة، والرحمة، والحلم، وكل الصفات المحببة للنفوس، إنما المطلوب منّا فقط عمل واحد بيّنه رسول الله في خطبته: "الورع عن محارم الله".
و يالها من جملة تختزل مفاهيم ومعاني واسعة تتصل برغبات الانسان وغرائزه ونزعاته النفسية التي تكون في ظل الورع في حالة تشذيب وتهذيب، فكيف يتوقع الانسان استجابة دعائه وهو لا يستجيب دعاء الله له، وهو –عزّوجلّ- بين بكل صراحة في الآيات المتعلقة بصيام شهر رمضان، في سورة البقرة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، (سورة البقرة، الآية186).
2- الأمن الاجتماعي
كتب المعنيون بالشأن الاجتماعي ما للتربية الدينية من تأثير مباشر على تقليل الانحرافات السلوكية، وتكريس الآداب الاجتماعية، وتحديداً؛ تقويم علاقة الشاب والرجل بالفتاة والمرأة، فعندما تكون صورة الأسرة حاضرة دائماً في الذهن، فان المرأة تكون مثل الأم، والفتاة تكون مثل البنت او الأخت للرائي في الشارع، ولن يكون ثمة مكاناً لصورة ذهنية أخرى مطلقاً، وكذا الحال بالنسبة لما ينتشر على مواقع التواصل "الاجتماعي"، فان العائلة المتماسكة تجعل الرجل والشاب غير ذي حاجة للصور المثيرة بشكل مزيف وخادع.
ولعل هذا يفسّر لنا اهتمام الرسول الأكرم بهذا الجانب لتوفير أقصى درجات الأمن الاجتماعي ببركة أيام شهر رمضان، "غضّوا عمّا لا يحلّ النظر إليه أبصاركم"، كما يوصينا نبينا الأكرم بعدم الانزلاق الى ما لا يحل الاستماع اليه، وما لا يحل التكلّم به، فان لهذه الجوارح دورٌ مباشر ومؤثر في تحقيق الأمن الاجتماعي سلباً او ايجاباً، فكلما كان الورع عن محارم الله حاضراً في النفس كانت نسبة الثقة أعلى بين افراد المجتمع.
3- التكافل الاجتماعي
التفكير بالفقراء والمحرومين في كل مكان بالعالم، يُعد الخطوة الأولى للحركة نحو العطاء والبذل لإيصال ما يمكن من المواد الغذائية، وما يُسمى بالسلّة الرمضانية الى بيوت المستحقين، وربما نتقدم خطوة في هذا المشروع الحضاري بالاستفادة من الوسائل الحديثة وإيصال المساعدات المالية عبر الحوالات المصرفية الى المستحقين في مناطق مختلفة من العالم، ولاسيما الى إخواننا المنكوبين في مدينة غزّة، وبكل الطرق والوسائل.
و أرى لزاماً التنويه الى مسألة حيوية في هذا السياق، بأن حاجة الناس لا تقتصر على الغذاء فقط، فربما يتوفر ما يتناوله الصائم في إفطاره وسحوره، إنما تبقى حاجته في العلاج والدواء وتكاليف الدراسة للأولاد، وسائر مستلزمات الحياة الكريمة، وهو ما لا يجب ان يغيب عن أصحاب الأيدي البيضاء والمحسنين، وكل من تستنهضه كلمات رسول الله، صلى الله عليه وآله، في خطبته المشهورة، بالرحمة للصغير، وإكرام اليتيم، وصلة الرحم.
كل هذا وغيره يكشف لنا أن نهار شهر رمضان فيه ما لا يُعد من البركة والحيوية تفيدنا في بناء أنفسنا وتعزيز الأواصر الاجتماعية ونشر الثقافة الإيجابية، فهي ساعات العمل والاختبار الإلهي لنا، فعلينا الجدّ والاجتهاد في فترة الإمساك، وما بعدها لنحظى بالمكانة الجديرة والجائزة الكبيرة في هذه الضيافة الرحمانية.
اضف تعليق