بهدفِ التَّأسيسِ للحالَة الإِيجابيَّةِ المُستقرَّة في المُجتمعِ سواءً على صعيدِ النَّواةِ الأُولى [الأُسرة] أَو على صعيدِ العلاقاتِ العامَّةِ داخل المُجتمع وعلى مُختلفِ المُستوياتِ. الذي لا يُحدِّث نفسهُ بمعرُوفٍ يعني أَنَّهُ لا أُبالِيُّ وغَير مُكترِث بما يدُورُ من حولهِ، فهو لا يهتَمُّ إِذا شاعَ الفسادُ في المُجتمعِ ولا يكترِثُ...
{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}.
ب/ وأَمَّا المعرُوف، والذي يعني لُغويّاً بأَنَّهُ إِسمٌ لكُلِّ فِعْلٍ يُعْرَفَ حُسْنُهُ بالعَقْلِ أَو الشَّرْعِ وهوَ خِلافُ المُنكَر، فهو ثاني الأَفعال التي يحثُّ عليها الشَّرع والعَقل والمنطِق بعدَ الصَّدقة بمعناها الأَشمل والأَوسع.
ولقَد وردَ المعرُوفُ في القرآن الكريم في حالاتٍ عِدَّةٍ، مِنها؛
- القَول {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} و {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ ۚ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ}.
- المُعاشرة {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} و {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} {إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ}.
- الإِنفاق {وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}.
- الأَمرُ {وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} و {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} و {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ}.
- السُّلوك والتصرُّف {مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} و {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ}.
- التَّربية {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.
وكُلُّ ذَلِكَ بهدفِ التَّأسيسِ للحالَة الإِيجابيَّةِ المُستقرَّة في المُجتمعِ سواءً على صعيدِ النَّواةِ الأُولى [الأُسرة] أَو على صعيدِ العلاقاتِ العامَّةِ داخل المُجتمع وعلى مُختلفِ المُستوياتِ.
يقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ بِقَلْبِهِ مَعْرُوفاً وَلَمْ يُنْكِرْ مُنْكَراً قُلِبَ فَجُعِلَ أَعْلاَهُ أَسْفَلَهُ وَأَسْفَلُهُ أَعْلاَهُ} لماذا؟!.
لأَنَّ الذي لا يُحدِّث نفسهُ بمعرُوفٍ يعني أَنَّهُ لا أُبالِيُّ وغَير مُكترِث بما يدُورُ من حولهِ، فهو لا يهتَمُّ إِذا شاعَ الفسادُ في المُجتمعِ ولا يكترِثُ إِذا تمزَّقت أُسرتهِ وضاعَ أَولادهُ وتمرَّدت عليهِ زَوجتهُ ولا يُعيرُ اهتماماً إِذا فشلت الدَّولة وسرقت حقوقهُ وتجاوزت على كرامتهِ وضيَّعَت مُستقبلهِ ومُستقبلِ أُسرتهِ وهكذا.
وإِنَّ هذا النَّوع من النَّاس يصفهُم أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقولهِ عندما رفضَ أَن يكونَ بمثلِ هذه النَّماذج {أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا أَوْ أُتْرَكَ سُدًى أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَةِ أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ}.
فالذي يتقمَّص دَور البهيمة في المُجتمعِ {هَمُّهَا عَلَفُهَا} و {شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَ} لا تكُونُ نتيجةَ حياتهِ بأَفضلِ من نتيجةِ حياةِ البهيمةِ والمُرسلةِ.
والصَّحيحُ هوَ أَن يكُونَ للفردِ الصَّالحِ في المُجتمعِ بصمةٌ [بالمعرُوفِ] بغضِّ النَّظرِ عن موقعهِ وعُمُرهِ وجنسهِ ومكانتهِ، فمِن كُلٍّ سَعَةٌ.
يَقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) في وصيَّتهِ للحسنِ والحُسين (ع) لمَّا ضربهُ إِبنُ مُلجم لعنهُ الله {وَكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً وَلِلْمَظْلُومِ عَوْناً} مِن دونِ أَن يُحدِّد هويَّة الظَّالم والمظلُوم.
ويُضيفُ (ع) {لَا تَتْرُكُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَيُوَلَّى عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ ثُمَّ تَدْعُونَ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ} والذي يعني في بُعدهِ السِّياسي، الرَّقابة والمُحاسبة والنَّقد والفضح [فضح المسؤُول الفاسد والظَّالم الذي يتجاوَز على حقُوقِ النّاس وكرامتهِم].
ج/ الإِصلاحُ، والذي ينقسِمُ إِلى مُستويَينِ؛ مُستوى الذَّات ومُستوى المُجتمع، ولا يُمكنُ الفصلَ بينهُما بأَيِّ حالٍ من الحالاتِ والدَّليلُ على ذلكَ قولُ الله تعالى {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.
ولعَلَّ في قِصَّةِ ناقةِ صالح خيرُ دليلٍ واضحٍ على هذهِ الحقيقةِ، فالَّذي عقرَ النَّاقةَ واحدٌ فقط إِلَّا أَنَّ العذابَ عمَّ كُلَّ المُجتمع لأَنَّهم وقفُوا على التلِّ يتفرجُّونَ، يقولُ تعالى {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا* وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا}.
فلا يكفي أَن تكونَ صالِحاً في المُجتمع وإِنَّما يلزم أَن تكونَ مُصلحاً كذلكَ، سواءً على مُستوى العِلاقات الشخصيَّة فتُبادر دائماً لإِصلاحِ العلاقاتِ غَير السَّليمة بينَ النَّاسِ كقولهِ تعالى {فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ} وقولهُ {قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ} وقولهُ {أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ۗ} أَو أَن تعملَ كُلَّ ما يُعزِّز الإِصلاح في المُجتمعِ كقولهِ {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} أَو أَن تعملَ على إِصلاح المُجتمعِ بشرطِ الإِصلاحِ وشرُوطهِ كما في قولهِ تعالى {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
ولقد أَشارَ أَميرُ المُؤمنِينَ (ع) إِلى أَهميَّة صلاحِ ذاتِ البَينِ في وصيَّتهِ المُشار إِليها أَعلاهُ {أُوصِيكُمَا وَجَمِيعَ وَلَدِي وَأَهْلِي وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَنَظْمِ أَمْرِكُمْ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا (ص) يَقُولُ صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ}.
فالمُجتمع أَو الجماعة التي تحرَص على أَداءِ الفرائِض وإِقامةِ الشَّعائرِ في جوٍّ مَوبُوءٍ بالفسادِ والفشلِ والعُدوانِ على الحقُوقِ والقطيعةِ التي تحكُم العِلاقات الإِجتماعيَّة {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ} والذي يعدُّهُ القُرآن فساداً هو الآخر، إِن مثلَ هذا المُجتمع أَو الجماعة لا تنفعَها عباداتِها وشعائِرها، لأَنَّها، كما هو معروفٌ، لا تُرادُ لذاتِها وإِنَّما لتحسينِ السُّلوكِ الفردي والإِجتماعي كما يذكُر ذلكَ القُرآن الكريم {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} وقولهُ تعالى {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}.
اضف تعليق