q
ملفات - شهر رمضان

الحريّة هي الجوهر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السّنةُ الثّانيَةِ (٩)

{الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}.

للاستماع الوارد في هذه الآية شروط، منها:

اولا؛ التعددية الفكرية.

ثانيا؛ حرية الاختيار.

ثالثا؛ حرية التفكير.

رابعا؛ حرية الراي.

الحريّة، اذن، هي الجوهر الذي يتحقّق به حسن الاصغاء وحسن الاختيار، فالمجتمع المحكوم بلونٍ واحدٍ من القول والثقافة والراي، لا تتحقق فيه التعددية الفكرية، وبالتالي تُلغى فيه حرية اختيار واتباع الاحسن من القول، ولذلك شرعن الاسلام التعددية الفكرية بعيداً عن اي نوع من الارهاب الفكري الذي سببه عبادة الشخصية وتأليه الرمز! الذي يسوّق نفسه، يساعده في ذلك جيش من الابواق والنفعيّين والوصوليّين، كمصدر الهام للمجتمع لا ينبغي اتباع غيره او القبول بوجهة نظر غيره، كما كان يقول فرعون {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} لماذا؟ {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}.

ولشدة احترام الاسلام لحرية التفكير والتعبير، لذلك لم ينقل لنا التاريخ عن وجود حتى سجين رأي واحد في ظل سلطة المدينة المدنيّة التي اقامها رسول الله (ص) وكذا في عهد امير المؤمنين (ع) الذي يُعتبر الامتداد الطبيعي لسلطة الحق التي اقامها الرسول الكريم (ص).

اما عندنا اليوم، فانت ممنوع من نقد القائد الضّرورة، أكان في السلطة او خارجها، بذريعة الرمزية تارة والمصلحة العليا تارة اخرى!.

لقد كان الامام امير المؤمنين عليه السلام يشجّع الراي الاخر ويحث على التعبير عن الراي بحرية وكذلك النقد، فكان يرفض ترهيب المتحدّث باي شكلٍ من الأشكال، وكل ذلك من اجل تحطيم صنميّة الزعيم والقائد في المجتمع، والتي تدمّر الحرية وتُصيبها في مقتل، فكان يقول (ع)؛

{فَلاَ تَكُفُّوا عَنْ مَقَال بِحَقّ، أَوْ مَشُورَة بِعَدْل، فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِىءَ، وَلاَ آمَنُ ذلِكَ مِنْ فِعْلِي، إِلاَّ أَنْ يَكْفِيَ اللهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي، فَإنَّمَا أَنَا وَأَنْتُمْ عَبِيدٌ مَمْلُوكُونَ لِرَبٍّ لاَ رَبَّ غَيْرُهُ، يَمْلِكُ مِنَّا مَا لاَ نَمْلِكُ مِنْ أَنْفُسِنَا، وَأَخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ إِلَى مَا صَلَحْنَا عَلَيْهِ، فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلاَلَةِ بِالْهُدَى، وَأَعْطَانَا الْبصِيرَةَ بَعْدَ الْعَمَى}.

وفي عهده الى مالك الأشتر لما ولّاه مصر، كتب له يأمرهُ ويحرّضهُ على الاصغاء للراي الاخر {ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ، وأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيَما يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللهُ لاِوْلِيَائِهِ، وَاقِعاً ذلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ}.

انّ المجتمع الذي تحكمهُ عبادة الشخصية وكثرة المقدسات الوهميّة والخطوط الحمراء التي يرسمها كلّ من هبّ ودبّ في المجتمع، لا تجد فيه لهذه الاية أيّة مصداقية، بل تجده مجتمعاً مقلِّداً في كلّ شيء، لا يعرف كيف يقرأ؟ وماذا يقرأ؟ ولماذا يقرأ! ولا يعرف كيف يختار؟ ولماذا يختار؟ وماذا يختار؟ ومتى يختار؟! ولا يعرف كيف يعبّر عن نفسه؟ ولماذا؟ وبماذا؟!.

انّ عبادة الشخصية تُلغي العقل ولا تساعد في القراءة أصلاً لانها تمنح العقل اجازة مفتوحة عندما يتخيّل المواطن انّ هناك من يقرأ ويفكر عنه بالنيابة، ولذلك فهو ليس بحاجة الى ان يبذل ايّ جهدٍ معرفي ليقرأ ويفكّر.

تخيّل لو افترضنا ان ّفي العراق حالياً اكثر من (٥٠٠) حزب وحركة، الى جانبها (٥٠٠) رمز، هؤلاء كلّهم لا يجوز المساس بهم ولا يحقّ لاحدٍ نقدهم وتصويبهم ومساءلتهم ومحاسبتهم ومراقبتهم، انهم ذوات الهيّة فوق تصوّر البشر ودون إرادة الخالق، بين زعيم أوحد وقائد ضرورة ورمز تاريخي، فكيف سنتخيّل الوضع الثقافي والمعرفي والفكري في المجتمع؟!.

كلّما تساءل مواطن او انتقد قيل له (وهل انك تفهم اكثر منه لتنتقده؟) في إشارة الى القائد الضرورة!.

هؤلاء الأحياء، اما اذا أضفنا لهم الأموات من آدم ولحد الان، فسيتضاعف الانهيار المعرفي بدرجةٍ كبيرة.

نحن نعيش حالة من الارهاب الفكري عميقة جداً، وهي اخطر انواع الارهاب، وهي كذلك أُس كل انواع الارهاب الاخرى.

انها الارضيّة الخصْبة التي تنمو فيها ظاهرة النّفاق وازدواج الشخصية، لان المواطن مجبورٌ على السكوت او المدح والثناء!.

اذا انتقدَ احدٌ اتُّهِمَ بخلفيّته، واذا أبدى احدٌ رأياً يخالف راي الزعيم طُعِن بعقائده، واذا اجتهد احدٌ فخالف المشهور طُرِدَ من الملّة بعد تكفيره واتهامه بالهرطقة مثلاً!.

ان الارهاب الفكري هو المصدر الاول والاهم حتى للفساد المالي والاداري، فلو انّ الجو العام كان يسمح للمواطن ان يُراقب ويتساءل ويُحاسب وينتقد لما تجرّأ مسؤولٌ على ان يمدَّ يدهُ الى المال العام، ولما تجرّأ آخر على توزيع ابنائه وأحفاده وأصهاره على مؤسسات الدولة وكأنها إرث الذين خلّفوه!.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق