تقديم العون للآخرين يحمينا من الآثار السلبية للضغط النفسي. الأشخاص الذين يتعرَّضون للضغط العصبي في يوم يُفيدون عامةً بشعورهم بالاستياء. لكن الذين يقدِمون على أيٍّ من أنواع سلوكيات الإحسان للآخرين لا يَشعرون بالتأثيرات السلبية للضغط النفسي على حالتهم المزاجية. يتمتَّع الأشخاص الذين يقدِّمون الدعم الاجتماعي للآخرين بمعدلاتٍ أدنى من ضغط الدم...
من الأسباب التي تجعل العطاء فكرةً مُستحسنة: العطاء مُفيد لصحَّتنا فعليًّا. في الواقع، يرتبِط العطاء للآخرين بفوائد صحية حتى بين الأشخاص الذين يُعانون أمراضًا مزمنةً خطيرة، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والإيدز.
في إحدى الدراسات، أُعطي أشخاص يُعانون ارتفاعَ ضغطِ الدم ١٢٠ دولارًا، وطُلب منهم أن يُنفقوا هذه النقود على أنفسهم أو على أشخاص آخرين خلال ستة أسابيع. كان الأشخاص الذين طُلب منهم إنفاق المال على آخرين لديهم معدلات أدنى من ضغط الدم عند المتابعة، مما يُوحي بأن العطاء قد يُفيد صحة المُعطي بشكلٍ مباشر. وكشفت دراسة أطول امتدَّت على مدار سنتَين عن نتائج شبيهة؛ في الواقع، كلما زاد إنفاق الناس على غيرهم، كان ضغط دمهم أقل. لذلك فإن حثَّ الناس على الكرم مع الآخرين قد يكون بنفس فاعلية البدء في تمرين روتيني أو حتى تعاطي دواء.
لماذا يُؤدِّي العطاء لمثل تلك النتائج الصحية الإيجابية؟ يبدو أن تقديم العون للآخرين يحمينا من الآثار السلبية للضغط النفسي. إليك مثالًا بسيطًا لأنواعٍ بسيطة حتى من العطاء: الأشخاص الذين يتعرَّضون للضغط العصبي في يوم يُفيدون عامةً بشعورهم بالاستياء. لكن الذين يقدِمون على أيٍّ من أنواع سلوكيات الإحسان للآخرين -بدءًا من إمساك الباب ليدخل منه شخص، وصولًا إلى الاستفسار إن كان أحدٌ يريد مساعدة- لا يَشعرون بالتأثيرات السلبية للضغط النفسي على حالتهم المزاجية.
يضرُّ الضغط النفسي المرتفع بالصحة؛ لذلك فإن الأشخاص الذين يجدون طرقًا للسيطرة على هذا الضغط يحدُّون من آثاره الفسيولوجية السلبية على الصحة. يتمتَّع الأشخاص الذين يقدِّمون الدعم الاجتماعي للآخرين بمعدلاتٍ أدنى من ضغط الدم ومعدلاتٍ أعلى من الأوكسيتوسين، أحد الهرمونات التي تعزِّز مشاعر القرب من الآخرين، مما يدُل على أنه قد يكون للعطاء فوائد فسيولوجية مرتبطة بالصحة ارتباطًا مباشرًا.
الأهم أن العطاء من الممكن أن يُطيل العمر. رغم أننا كثيرًا ما نفترض -عن حق- أنَّ تلقِّي الدعم الاجتماعي يساعد على التخفيف من الآثار السلبية للضَّغط النفسي، فإنَّ تقديم العون للآخَرين هو الآخر يعود بفوائد صحية هامة. في الواقع، اكتشفت دراسة عن المتزوِّجين من كبار السن أن الأشخاص الذين كانوا يقدِّمون العون لأصدقائهم أو أقاربهم أو جيرانهم كان خطر تعرُّضهم للوفاة خلال السنوات الخمس التالية أقل مقارنةً بمن لم يفعلوا ذلك. من جهة أخرى، لم يرتبط تلقي العون بانخفاض خطر التعرُّض للوفاة.
درس باحثون في إحدى الدراسات معدَّلات التطوع لدى عينة من كبار السن الذين يعيشون في كاليفورنيا. ثم درسوا معدَّل البقاء على قيد الحياة بين هؤلاء الأشخاص بعد خمس سنوات. وُجد أن الأشخاص الذين كانوا يتطوَّعون لاثنين من المنظمات أو أكثر كان احتمال تعرُّضهم للوفاة أقل بنسبة ٤٤ في المائة خلال فترة المتابعة مقارنةً بالأشخاص الذين لم يتطوَّعوا. هذه الفجوة في متوسِّط العمر المتوقَّع بين المتطوعين وغير المتطوعين ظلت موجودة حتى حين وضع الباحثون في اعتبارهم عوامل أخرى تؤثِّر على طول العمر، مثل السن والحالة الصحية العامة والتدخين وممارسة الرياضة.
تحقَّق الباحثون مباشرةً في دراسة مثيرةٍ للفضول مما إذا كان تقديم العون للآخرين له فائدة خاصة لمن يتعرَّضون لضغوط نفسية كبرى. أولًا: كشفت نتائجهم عن أن المسنِّين الذين عانوا حدثًا واحدًا مُثيرًا للضغط النفسي على الأقل - مثل مرض خطير، أو خسارة وظيفة، أو موت شخص عزيز - خلال العام السابق كانوا أكثر عرضة للموت خلال السنوات الخمس التالية.
بيْد أن تأثير هذا الحدث المثير للضغط النفسي تفاوت تفاوتًا كبيرًا باختلاف الأشخاص. فالأشخاص الذين لم يُفيدوا بقيامهم بسلوكيات مفيدة تجاه الآخرين كانوا أدنى في البقاء على قيد الحياة بنحو ٣٠ في المائة خلال السنوات الخمس التالية. أما الأشخاص الذين أفادوا بمساعدتهم للآخرين، فلم يكونوا أكثرَ عرضة للوفاة. هذه النتائج دليلٌ قوي على أن مساعدة الآخرين من الممكن أن تزيد فعليًّا من متوسِّط العمر المتوقَّع.
هذه البيانات مهمَّة على وجه الخصوص؛ لأننا كثيرًا ما نسمع عن مزايا اللجوء للدعم الاجتماعي في أوقات الضغط النفسي، لكنَّنا لا نسمع كثيرًا عن فوائد مساعدة الآخرين. وكما يُشير الباحثون الذين أجرَوا هذه الدراسة: «دائمًا ما تُنصَح الجماعات المعرَّضة للخطر بالتماس الدعم من شبكاتها الاجتماعية. وهناك رسالة أقل شيوعًا، وإن كانت تستحق المزيد من التشديد، تتمثَّل في أن يقدِّموا هم أنفسهم الدعم للآخرين أيضًا.»
والدوافع مهمة أيضًا
ان الدوافع مهمَّة ايضا. فنحن نحصد أكثر فوائد العطاء للآخرين حين نختار العطاء بمحض إرادتنا؛ أما الأشخاص الذين يُطلب منهم البذل من أجل الآخرين - لتتذكَّر برامج التطوع الإجبارية أثناء الدراسة - فلن يشعروا بنفس الارتفاع في المعنويات الذي يأتي من تقديم العون على الإطلاق.
في إحدى الدراسات، طلب باحثون من طلبة جامعيِّين أن يُداوموا على كتابة مذكراتهم لمدة أسبوعين حيث يُدوِّنون فيها كيف كان شعورهم كل يوم وما إذا كانوا ساعدوا شخصًا آخر أو فعلوا شيئًا في سبيل هدف نبيل. وكما توقَّعوا، كان شعور الطلاب أفضل في الأيام التي أتَوا فيها بأي سلوك من السلوكيات الإيجابية تجاه الآخرين.
غير أن الفوائد التي تعود على الفرد من مساعدة الآخرين لم تُشهد إلا حين أقدَم الطلاب على المساعدة لأنهم أرادوا ذلك؛ أما الطلاب الذين طُلب منهم أن يُقدِّموا المساعدة أو شعروا بأنهم مضطرون لذلك، أو أن الآخرين سيَغضبون منهم، فلم يشعروا بتلك الفوائد.
بالمثل، يُساعد التطوُّع على تخفيف الآثار السَّلبية للضغط النفسي على الصحة، ويُؤدِّي إلى ارتفاع متوسط العمر، لكن فقط لأولئك الذين يهتمُّون بالآخرين ويرغبون بحق في تقديم العون. فالذين يتطوَّعون بدافع من عطف حقيقي تجاه الآخرين تكون أعمارهم أطولَ ممن لا يتطوعون. لكن الذين يتطوَّعون بدوافع شخصية، مثل الشعور بالرضا عن أنفسهم أو الهروب من مشكلاتهم، لا يعيشون أعمارًا أطولَ ممن لا يتطوعون.
خلاصة القول: إذا أردت أن تكون سعيدًا مدى الحياة، فساعِد شخصًا آخر.
كما يخبرنا هذا القول الصيني المأثور، بأن العطاء واحد من أفضل الطرق للعُثور على السعادة. عِلاوة على ذلك فإن المساعدة بأيٍّ من الطرق المختلفة تجعلك في حالةٍ من الانشراح؛ سواء بالتبرع لعمل خيري، أو التطوع، أو إعطاء هدية لصديق، أو شراء قهوة لغريب، وما إلى ذلك. تعود علينا طرقُ العطاء المختلِفة كلُّها بطريقة تفكير أكثرَ إيجابية وتعاطفٍ مع الآخرين، وهو ما يجعلنا بدوره نشعر بالانشراح.
بناءً على ذلك، فلتتبيَّن أيٌّ من أنواع العطاء يجعلك أكثرَ شعورًا بالرضا، وضعْ خطة. خصِّص كلَّ أسبوع ٢٠ دولارًا واعزم على إنفاقها على شخصٍ آخر خلال الأسبوع - فلتُعطِها لشخص مشرَّد، أو ادعُ صديقًا للغداء، أو اشترِ قهوة لزملائك في العمل. اكتب خطابًا كلَّ شهر لشخصٍ تقدِّره. اقضِ بضع ساعات كل شهر في التطوع.
اضف تعليق