إنسانيات - علم نفس

لماذا نبرر؟

التبرير باب خلفي للهرب من الضغط النفسي الذي يصبنا نحن البشر عند الفشل او الإساءة، اذ يحفظ لنا توازننا النفسي الذي لا غنى عنه، لكن الخشية تمكن في اتخاذه أسلوب حياة لان ذلك سيحول الانسان الى انسان فاشل يفكر في إيجاد تبريرات يقنع بها نفسه والاخرين بدلاً من العمل على تصحيح الخلل ان حصل...

الانسان العادي مجبول على الصواب والخطأ وهذه إرادة الله وسره في خلقه، فمن الناس من يعرفها ويتعامل معها كحقيقة ومنهم من يرفض ان يكون بموضع الفشل، فيبادر إيجاد أسباب تنقذه من الإحباط والاحراج الذي يحصل له نتيجة فشل او خيبة يواجهها في حياته، وهذه العملية تعرف في علم النفس بالتبرير، فما هو تعريف التبرير وما هي إيجابياته وسلبياته؟

يعرف التبرير على انه أحد ميكانيزمات الدفاع النفسي (الحيل الدفاعية)، والتي يلجأ لها الإنسان عندما يتعامل مع الصراع العاطفي أو الضغوطات الداخلية أو الخارجية من خلال إخفاء الدوافع الحقيقية لأفكاره أو أفعاله أو مشاعره من خلال الطمأنة أو الخدمة الذاتية.

من الواقع

أحد زملائي في الاختصاص دخل في أكثر من مسابقة نفسية في تخصصنا وليس عنه ببعيد مطلقاً، وفي كل مرة لا يحصل على نتيجة طيبة في المسابقة يعزي الامر الى صعوبة المسابقة او عدم وضوح معايير الحكم او عدم كفاية وقت التحظير للمسابقة وغير ذلك من الاعذار غير المقنعة، لكننا في كل مرة نعذره لأننا نعلم ان الامر يسبب له ضغط نفسي فيحاول التخفيف عن نفسه بهذه النافذة النفسية.

يلجئ الكثير من الأشخاص إلى التبرير عند التعرض لبعض المواقف في الحياة، والتبرير أمر طبيعي حين يكون بمستواه الطبيعي، ولكن عندما يزيد عن حده فإنه يصبح سلوكا غير منطقي، لأن الشخص الذي يكثر من التبرير يصبح في مرحلة ناكراً لأخطائه على الإطلاق أو ربما غير مدرك لها، ولكن ثمة تبريرات لديه لتبرئة نفسه لعدم تحمل مسؤولية أخطائه، وعزو أسباب مشاكله إلى ظروف محيطة، والابتعاد عن توجيه اللوم لنفسه رغم قناعته الذاتية بتقصيره.

لماذا يلجئ الانسان الى التبرير؟

التبرير هو أحد الحيل النفسية اللاشعورية التي يمارسها الانسان في مواقف حياتية ليقدم لنفسه أعذاراً أخلاقيةً لعمل غير أخلاقي احياناً يقوم به نتيجة لنزوة او بدافع شيطاني ليقوم بعمل شاذ ومن ثم يفتضح امره فيحاول الخروج من هذا الضغط، او عند الإخفاق في عمل معين في حياته بصورة عامة والهدف هو القضاء على حالة القلق الداخلي وتحقيق الاستقرار النفسي الذي يبقي الانسان صحيحاً نفسياً والعكس هو الإصابة بالأزمات النفسية المزعجة.

كل هذا يقوم به البشر دون غيره من مخلوقات الله هو لكونه لا يستطيع أن يعاند فطرة الله المغروسة في أعماقه والتي تجره لمحاسبة ذاته بغية تعديل الاعوجاج في السلوك، فيسعى إلى حالة من الوفاق والانسجام مع هذه الفطرة، لذا فإنه يبحث دائماً عن مبرر أخلاقي لكل عمل يقوم به ليسكت تأنيب ضميره، ويقضي على حالة الصراع الداخلي الذي يقوض من فرصة الصحة النفسية لدى الانسان.

وليس لنيل الرضا النفسي عن الذات فقط يلجئ الفرد الى التبرير فقط، فقد يلجئ الى التبرير ليرضي والديه عنه حين يطلبون منه امر ما ولا ينفذه او ينفذه وفق رغبته، او عندما يقصر في عمل ما في وظيفته فيلومه مديره عن ذلك التقصير فيبرر ليقنع المدير او ليكف عن لومه على اقل تقدير وفي كل الأحوال غرض التبرير هو كف الأذى النفسي الذي ينتجه اللوم للإنسان سواء ذاتياً او من قبل الاخرين.

في الخلاصة التبرير باب خلفي للهرب من الضغط النفسي الذي يصبنا نحن البشر عند الفشل او الإساءة، اذ يحفظ لنا توازننا النفسي الذي لا غنى عنه، لكن الخشية تمكن في اتخاذه أسلوب حياة لان ذلك سيحول الانسان الى انسان فاشل يفكر في إيجاد تبريرات يقنع بها نفسه والاخرين بدلاً من العمل على تصحيح الخلل ان حصل. 

اضف تعليق